السلاسل العلميةسلسلة أدلّة الأحكام

هل قول الصحابي حجة؟ : الدّرسُ الخامسُ: الجزءُ الأوّلُ

الجزءُ الأوّلُ : قول الصحابي تحرير محل النزاع

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ..

لايزال حديثنا في سلسلة أدلة الأحكام، نذكر هاهنا مسألة هل قول الصحابي حجة في دين الله تبارك وتعالى أو ليس بحجة، ونقدّم فنقول أنّ الصحابة هم الرعيل الأول الذين شقوا طريق الحق والهداية والخيرية فكان لهم فضل السبق الذي لايدانيه فضل، ونالوا شرف صحبة النبي ﷺ فلا يدانيه شرف، بذلوا النفوس والأرواح رخيصةً في الدفع عن النبي ﷺ ونصرة دينه يقول ربنا تبارك وتعالى: { محمد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم تراهم ركّعا سجّدا يبتغون فضلا من الله ورضوانًا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة والإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزّرّاع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما} الفتح، خصّ الله تبارك وتعالى الصحابة بتوقّد الأذهان وفصاحة اللسان فالعربية طبيعتهم وسليقتهم والمعاني الصحيحة مركوزة في فرطهم وعقولهم، شهدوا التنزيل وعرفوا التأويل ووقفوا من أحوال النبي ﷺ ومراده من كلامه على مالم يقف عليه غيرهم، فكانوا بحقّ أبرّ الأمة قلوبا وأعمقهم علما وأقلهم تكلّفا أثنى عليهم المولى تبارك وتعالى في كتابه في مواضع منها قوله: { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} آل عمران، وغير ذلك من الثناء العطر الوارد في كتاب ربنا تبارك وتعالى، وكذلك السنّة النبوية يأتي ذكر بعضه إن شاء الله تعالى في هذه السلسلة، قبل أن نشرع في حجية قول الصحابي من عدمه نذكر هاهنا مسألة وهي تعريف الصّحابي في لغة العرب وكذلك في اصطلاح أهل الحديث وكذلك في اصطلاح أهل الأصول، نقول الصحابي في لغة العرب: مشتق من الصحبة يقول الخطيب: « حدّثني محمد بن عبيدالله المالكي أنه قرأ على القاضي أبو بكر محمد بن الطيب قال: “لا خلاف بين أهل اللغة في أنّ القول (صحابي) مشتق من الصحبة وأنه ليس بمشتق من قدر منها مخصوص بل هو جارٍ على كل من صحب غيره قليلا كان أو كثيرًا،… وذلك يوجب في حكم اللغة إجراء هذا على كل من صحب النبي ﷺ ولو ساعة من نهار وهذا هو الأصل في اشتقاق الإسم” » كتاب الكفاية، ففي لغة العرب الصحبة غير مختصة بقليل ولا كثير، في اصطلاح أهل الحديث قالوا: « هو من لقي النبي ﷺ مؤمنا به ومات على ذلك » وزيد “ولو تخللت ردة على الأصح”، لإطباق أهل الحديث على عد الأشعث بن قيس ممن وقع له ذلك، فروي أن الأشعث ارتد بعد وفاة النبي ﷺ ثم أسلم وحسن إسلامه بعد ذلك فعدّه أهل الحديث من الصحابة وخرّجوا حديثه في المسانيد وغيره، أما من مات على الردة كعبيد الله بن جحش وكذلك ابن الأخطل وغيرهم فليس بصحابي بالإجماع، يقول البخاري في تعريفه الصحابي باصطلاح أهل الحديث قال: «الصحابي من صحب النبي ﷺ أو رآه من المسلمين» صحيح البخاري، يقول علي بن المديني أنه من صحب النبي ﷺ أو رأه ولو ساعة من نهار، يقول أبو عبدالله أحمد بن حنبل وذكر من أصحاب النبي ﷺ أهل بدر فقال: « ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب النبي ﷺ القرن الذي بعث فيه، كل من صحبه سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة أو رآه فهو من الصحابة له من الصحبة على قدر ماصحبه وكانت سابقته معه وسمع منه ونظر إليه » أصول السنة، ذكرنا في التعريف اللقاء من لقي النبي ﷺ، واللقاء لإدخال من اتفقوا على عدّهم في الصحابة مع عدم رؤيتهم للنبي ﷺ لمانع العمى كعبد الله بن أم مكتوم وغيره من أضراء الصحابة ونقول أنه لايشترط في الصحبة السن سواء كان صغيرا أو كان كبيرا خلافا لبعضهم، لذلك عُدّ من الصحابة جماعة أُتي بهم إلى النبي ﷺ وهم أطفال فحنكهم ومسح على وجوههم كعبد الله بن ثعلبة العدوي وغيره، وكذلك تقييد اللقاء بحال النبوة يخرج من لقيه النبي ﷺ قبل النبوة وإن كان مات على الحنيفية كزيد بن عمرو بن نفيل، وكذلك يخرج بضابط اللقيا المخضرمين الذين أدركوا زمان النبي ﷺ ولم يلقوه كأويس القرني سيد التابعين، وكذلك النجاشي ملك الحبشة وغيرهم، ونقول بأن المعوّل عليه في تعريف الصحابي إنما هم أصحاب الحديث وأئمة السنة لأنهم هم أهل الشأن والاختصاص في هذا الباب يعني الصحابي، أما عند أهل الأصول اصطلاح خاص فهؤلاء يعدون الصحابي من طالت صحبته للنبي ﷺ فالصحبة عند الأصوليين أخص منها عند أهل الحديث، فعند أهل الأصول يعدون من طالت صحبته وكثرت مجالسته للنبي ﷺ وكثر الأخذ منه عن النبي ﷺ، وإن كان تعريف الصحابي بالمعنى الواسع عند المحدثين كل من لقيه ولو ساعة من نهار إنما هذا تثبت به فضيلة الصحبة، أمّا المسألة التي معنا في حجية قول الصحابي من عدمه فنقول أن المقصود بذلك والمراد بمن قال بحجية قوله إنما مَن أكثر الأخذ عنه ونحو ذلك، وليس المقصود هو مطلق الصحبة كما عند أهل الحديث بل المراد بمن أخذ عنه ولازمه واختص به اختصاص الصاحب بالمصحوب وليس من روى عنه الحديث والحديثين وجلس معه المجلس والمجلسين، وإن كان هذا يعد من الصحابة ولكن المراد هاهنا بأهل الفتوى وعلماء الصحابة، فهذا هو الصاحب في العرف الذي يأتي إن شاء الله تعالى بحث هل قوله يعتبر حجة أو ليس بحجة.
قبل أن نشرع في هذا الباب لابد أن نحرر النزاع ماهو قول الصحابي الذي وقع فيه نزاع بين أهل الأصول؟ فنقول أن المقصود بقول الصحابي هو فتواه ومذهبه الفقهي في المسألة الاجتهادية، سبق معنا أن الصحابة لم يختلفوا في أصول العقائد ولكن وقع منهم خلاف في مسائل في الفقه، وكذلك في مسائل إنما مأخذها الإجتهاد فقول الصحابي فيما روي أو نقل عنه من فتوى في مذهب فقهي أو في مسألة إجتهادية، أهل الأصول اتفقوا على أن قول الصحابي ليس حجة على صحابي مثله حال الخلاف والنزاع، يقول الإمام أحمد رحمه الله تعالى: « إذا اختلفت أصحاب رسول الله ﷺ لم يجز للرجل أن يأخذ بقول بعضهم إلا على الاختيار، ينظر أقرب القول إلى الكتاب والسنة » التمهيد، إذا اختلف أصحاب النبي ﷺ فلا يكون قول بعضهم حجة على البعض الآخر، يدل على ذلك حديث عبد الله بن سعد بن أبي سرح أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: ” كُنَّا نُخْرِجُ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ وَمَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ كَذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ حَاجًّا – أَوْ مُعْتَمِرًا – فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَهُمْ بِهِ أَنْ قَالَ: أَرَى مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ فَأَخَذَ النَّاسُ مُدَّيْنِ “. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ أَبَدًا” متفق عليه، هذا الحديث يدل على أن أبا سعيد لم ير اجتهاد معاوية ملزما له ولم يأخذ به، نقول إذا اختلف أصحاب النبي صل الله عليه وسلم فالمعوّل على الدليل.
في تحرير النزاع نقول أن قول الصحابي لايخلو إما أن يشتهر أو لا يشتهر، إن اشتهر قول الصحابي إما أن يوافقه عليه سائر الصحابة أو يخالفوه أو يسكتوا، إذا لم يشتهر قول الصحابي أو لم يُعلم أنه اشتهر فهذا هو محل النزاع، طبعا إذا اشتهر قول الصحابي ثم وافقه عليه الصحابة فهو الإجماع وهذا سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، إن اشتهر قول الصحابي فخالفه فيه الصحابة نقول أن الحجة بمن سعد بالدليل، يقول الشافعي : « إذا جاء عن أصحاب النبي صل الله عليه وسلم أقاويل مختلفة يُنظر إلى ماهو أشبه بالكتاب والسنة فيؤخذ به » الفقيه والمتفقه، فحينئذ تكون الحجة في الدليل وليس في كونه قول صحابي، إذا اشتهر قول الصحابي وسكتوا عنه ولم يخالفوه فهو الإجماع السكوتي، اشتهر قول الصحابي فوافقه البعض وسكت عنه البعض الآخر هذا يسمونه الإجماع السكوتي، واختلفوا في السكوتي هل ينسب لساكت قول أو لا ينسب لساكت قول، واشتهر عن الشافعي أنه لاينسب لساكت قول.
إن لم يشتهر قول الصحابي هذا هو محل النزاع، طبعا في مسألة اجتهادية لم يرد فيها نص أما إذا ورد النص فالمرجع إلى الكتاب والسنة، والقصد بالنص هو كتاب الله عز وجل وسنة النبي صل الله عليه وسلم، إن لم يشتهر قول الصحابي وكان قوله مما للرأي فيه مجال، يعني كان قوله مما يقال من قبيل الإجتهاد لأنه إذا كان لايقال من قبيل الإجتهاد كما سبق معنا فله حكم الرفع وهذا سبق بحثه، إن لم يشتهر قول الصحابي أو لم يعلم هل اشتهر أو لم يشتهر يعني ثمة مسألتان : لم يشتهر قول الصحابي أو لم يعلم لاندري هل اشتهر أو لم يشتهر، فهذا هو موطن ومحل النزاع ما القول في قول الصحابي إذا لم يشتهر أو لم نعلم هل اشتهر أو لم يشتهر هل يكون قوله حجة أو ليس بحجة ؟؟
مثال الصورة « ماروي عن سُوَيْدِ بْنِ غَفْلَةَ أَنَّ بِلَالًا قَالَ لِعُمَرَ: «إِنَّ عُمَّالَكَ يَأْخُذُونَ الْخَمْرَ وَالْخَنَازِيرَ فِي الْخَرَاجِ»، فَقَالَ: لَا تَأْخُذُوهَا مِنْهُمْ، وَلَكِنْ وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا أَنْتُمُ الثَّمَنَ” فَاحْتَجَّ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَصِحُّ بَيْعُهُمْ لَهَا وَتَمَلُّكُهُمْ لِثَمَنِهَا، فَطَالَبَهُمْ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ بِظُهُورِ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ عُمَرَ وَانْتِشَارِهِ حَتَّى عَرَفَهُ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَسَكَتَ عَنْ مُخَالَفَتِهِ، وَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ ذَلِكَ بَطَلَ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِيهِ » الفقيه والمتفقه، يقول الخطيب البغدادي في تحرير محل النزاع: “بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقَوْلِ الْوَاحِدِ مِنَ الصَّحَابَةِ: إِذَا قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ قَوْلًا وَلَمْ يَنْتَشِرْ فِي عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِجْمَاعًا، وَهَلْ هُوَ حُجَّةٌ أَوْ لَا؟

فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ حُجَّةٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ”.
🖋.. نقف هنا .. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
🖋انتهى الجزء الأول بفضل الله.

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى