السلاسل العلميةسلسلة أشراط الساعة

الأشراط الصغرى (1): الدرس الثاني

الدرس الثاني: الأشراط الصغرى (1)

﷽، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد: فلا يزال حديثنا في أشراط الساعة، وسبق معنا ذكر الحكمة في ‌تقديم ‌الأشراط ودلالة الناس عليها، وأنه تنبيه للناس من رقدتهم وحثهم على الاحتياط لأنفسهم بالتوبة والإنابة كي لا يباغتوا بالحول بينهم وبين التدارك. ونقرر هنا إلى أن أشراط الساعة تنقسم إلى قسمين: أشراط صغرى وأشراط كبرى. وعلامات صغرى وعلامات كبرى.والعلامات الصغرى يمكن تقسيمها إلى قسمين: قسم وقع، وقسم لم يقع بعد. والقسم الذي وقع كذلك يمكن تقسيمه إلى قسمين : 1ــ قسم مضى وانقضى كما أخبر بذلك النبي ﷺ.2ــ وقسم يكون ظهوره ليس مرة واحدة، بل يبدو منه شيئا ثم يتكرر وقوعه وحصوله، وقد يقع منه في المستقبل أكثر مما وقع في الماضي (يعني يمتد ويزيد ويظهر أكثر فأكثر). -علامات الساعة قلنا قسمين: علامات صغرى وعلامات كبرى. العلامات الصغرى فيها ثلاث مراتب على التقسيم الذي سبق معنا: الأول: علامات وقعت وانقضت. الثاني: علامات وقعت، ولا تزال مستمرة، وقد يتكرر وقوعها. الثالث: علامات لم تقع بعد وهي علامات متصلة بين الصغرى والكبرى. يعني تكون تمهيدا للعلامات الكبرى وتقع بين يديها وتظهر العلامات الكبرى … والأشراط الصغرى التي وقعت وانقضت هي التي سوف نذكرها بإذن الله تبارك وتعالى في هذه الصوتية وهي أمَارَات بعيدَة ظَهرَت وَانقَرَضت وهي الّتي تتقدَّم السّاعة بأزمان متطاولة، وقد تكون من النوع المعتاد؛ وقد تكون فيها نوع من خوارق العادات كما سيأتي ذكره في هذه الصوتية بإذن الله تعالى: منها بعثة النبي ﷺ، ررويدل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بعثت أنا والساعة كهاتين – يعني أصبعين -» متفق عليه. -ومنها حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى» (2) .رواه أحمد وإسناده صحيح .-ومنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين، كفضل أحدهما على الأخرى “، وضم السبابة والوسطى» . رواه مسلم رحمه الله تعالى.فهذه الأحاديث وغيرها مما هو في معناها تدل على أن بعثته صلى الله عليه وسلم هي أول أشراط الساعة الصغرى، لماذا؟ لأنه خاتم النبيين وآخر المرسلين ولا يأتي بعده نبي، وإنما يليه قيام الساعة، كما يلي في الأصابع السبابة الوسطى، كما ورد هذا التشبيه في الأحاديث الماضية .يقول الحافظ ابن رجب – رحمه الله – وقد فُسر قوله صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين» فقرن بين السبابة والوسطى، بقرب زمانه من الساعة كقرب السبابة من الوسطى، وبأن زمن بعثته صلى الله عليه وسلم تعقبه الساعة من غير تخلل نبي آخر بينه وبين الساعة كما قال في الحديث الصحيح: «أنا الحاشر يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب…»، فدل الحديث أن مبعث النبي صلى الله عليه وسلم يكون بمقدار ما تزيد الوسطى عن السبابة، وما مضى منه بمقدار السبابة من الأصبع الوسطى، قد يكون الباقي في حِسِّ البشر طويلا، لأن إدراك البشر محدود، ونظرتهم قاصرة، ولكنه في ميزان الله تبارك وتعالى قريب وقصير كما قال الله تعالى: (أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ) [النحل: 1]، وقال: (وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) [النحل: 77] . ومنها انشقاق القمر قال الله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ – وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 1 – 2]، وهذا وقع في عهد النبي ﷺ كما روي في الأثر الذي أخرجه البيهقي في دلائل النبوة والواحدي كذلك في أسباب النزول وابن جرير من طريق أبي عوانة، عن المُغيرة، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود -من طريق مسروق- قال: انشقّ القمرُ على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقالت قريش: هذا سِحرُ ابنِ أبي كَبْشة. فقالوا: انتظِروا ما يأتيكم به السُّفّار؛ فإنّ محمدًا لا يستطيع أن يَسْحَر الناس كلّهم. فجاء السُّفار، فسألوهم، فقالوا: نعم، قد رأيناه. فأنزل الله: {اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وانْشَقَّ القَمَرُ} .قال الحافظ ابن كثير في تفسيره عند هذه الآية {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1]، قال قد كان هذا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة، وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أن انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات. ومنها كذلك موت النبي صلى الله عليه وسلم:

ويدل عليه ما رواه البخاري عن عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَقَالَ: اعْدُدْ ‌سِتًّا ‌بَيْنَ ‌يَدَيِ ‌السَّاعَةِ: مَوْتِي ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا».
ومنها: الدجالون الكذابون بين يدي الساعة، ويدل عليه ما رواه الشيخان عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله». قال الترمذي: “هذا حديث حسن صحيح”. قال: “وفي الباب عن جابر بن سمرة وابن عمر رضي الله عنهما”، وكذلك عن حذيفة رضي الله عنه: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «في أمتي كذابون ودجالون سبعة وعشرون، منهم أربعة نسوة، وإني خاتم النبيين لا نبي بعدي». رواه: الإمام أحمد، والطبراني في “الكبير” و “الأوسط”، والبزار، والضياء المقدسي. قال الهيثمي: “ورجال البزار رجال الصحيح”.
ومن هؤلاء الدجالين: منهم الأسود العنسي العنسي صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة مسيلمة الكذاب وهؤلاء قصتهم معروفة مشهورة، ومن النساء سجاح بنت الحارث التغلبية، كانت من نصارى العرب، ثم ادعت النبوة بعد موت الرسول ﷺ فالتف حولها أناس كثير من قومها ومن غيرهم وغزت بهم القبائل المجاورة حتى وصلت إلى بني تميم قوم مالك بن نويرة، فاصطلحوا معها، وسارت حتى وصلت اليمامة والتقت بمسيلمة وصدقته وتزوجها وأسقط على قومه بها فرائض من الصلوات، ثم بعد ذلك قتل مسيلمة فرجعت هي إلى بلادها وأقامت في قومها بني تغلب، ثم قيل أنها أسلمت وحسن إسلامها، ثم انتقلت بعد ذلك إلى البصرة وماتت بها.
-كذلك في عصر التابعين وما بعده ظهر المختار بن أبي عبيد الثقفي، وفيه روي عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن في ثقيف كذابًا
ومبيرًا» رواه: الإمام أحمد، والترمذي، وقال الترمذي: “هذا حديث حسن غريب”. “وفي الباب عن أبي نوفل بن أبي عقرب «عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أنها قالت للحجاج: أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابًا ومبيرًا، فأما الكذاب؛ فقد رأيناه، وأما المبير؛ فلا إخالك إلا إياه» رواه: مسلم.
وحكي وفاقا: “اتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا: المختار بن أبي عبيد الثقفي، وبالمبير: الحجاج بن يوسف” انتهى.
والمختار الثقفي تظاهر بالتشيع بداية فالتف حوله جماعة كثيرة من الشيعة وكان يقول بإمامة محمد بن الحنيفية بداية، ويدعو الناس إليه،ثم بعد ذلك تطورت به الزندقة فزعم أن جبريل عليه السلام يأتيه ويوحي إليه، ثم استولى على الكوفة ونواحيها وقتل كل من كان بالكوفة من الذين قاتلوا الحسين بن علي بكربلاء، ثم دارت بينه وبين مصعب بن الزبير معارك كانت الغلبة فيها لمصعب وقتل في إثرها المختار بن عبيد هذا.
ومنهم الحارث بن سعيد الكذاب الذي ظهر في وأظهر التعبد والتنسك في دمشق ثم زعم أنه نبي يوحى إليه، ووصل الخبر إلى الخليفة عبد الملك بن مروان ثم اختفى بعد ذلك وجهل الناس خبره، فتبعه بعض أهل البصرة وعرف موقعه وجيء به إلى عبد الملك بن مروان، فأمر بأهل الفقه والعلم أن يعظوه ويعلموه أن هذا من وحي الشيطان وليس من وحي الله تعالى، فأبى أن يقبل منهم، فقتل وصلبه عبد الملك بعد ذلك. -كذلك في العصر الحديث ممن أظهر النبوة رجل ظهر بالهند يدعى ميرزا غلام أحمد القادياني – لعنة الله عليه – ادعى النبوة، وكان يزعم أنه يتلقى الوحي من السماء، كما زعم أن الله عز وجل أخبره بأنه سيعيش ثمانين سنة، وقد صار له أتباع وأعوان وعطل الجهاد وكانت له شرائع شيطانية بثها في أتباعه، من العلامات التي وقعت فتح بيت المقدس والمدائن سبق معنا حديث عوف بن مالك – رضي الله عنه – مرفوعًا: “اعدد بين يدي الساعة سِتًّا: موتي، وفتح بيت المقدس …”.
كذلك روي عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنه لا تقوم الساعة حتى يفتح القصر الأبيض الذي في المدائن، ولا تقوم الساعة حتى تسير الظعينة من الحجاز إلى العراق آمنة لا تخاف شيئا -فقد رأيتهما جميعا- ولا تقوم الساعة حتى يكون على الناس إمام يحثي المال حثيا.” …

الحديث في مصنف ابن أبى شيبة، وكذلك   الطبراني في المعجم الكبير للطبراني وله شواهد.
من أشراط الساعة اقتتال فئتان دعواهما واحدة .. الحديث رواه البخاري عَنْ ‌أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «‌لَا ‌تَقُومُ ‌السَّاعَةُ ‌حَتَّى ‌تَقْتَتِلَ ‌فِئَتَانِ ‌عَظِيمَتَانِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ، وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهُوَ الْقَتْلُ. وَحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ، فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ، وَحَتَّى يَعْرِضَهُ، فَيَقُولَ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ: لَا أَرَبَ لِي بِهِ، وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ، وَحَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ، وَحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ يَعْنِي آمَنُوا أَجْمَعُونَ، فَذَلِكَ حِينَ: {لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا، فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ وَلَا يَطْوِيَانِهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلَا يَطْعَمُهُ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ يُلِيطُ حَوْضَهُ فَلَا يَسْقِي فِيهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلَا يَطْعَمُهَا».
هذا الحديث فيه أشراط كثيرة من أشراط الساعة واستفتحت بقوله: (لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان) يعني: (تكون بينهما مقتلة عظيمة) دعواهما واحدة، والدعوى:هي الانتماء (يعني: في انتمائهما إلى دين واحد) والفئتان: هم فئة علي ومعاوية رضي الله عنهما(فتكون بينها مقتلة عظيمة).
ذكر ابن أبي خيثمة أن الذي قتل في  الفريقين سبعون ألفًا وقيل أكثر في موقعة صفين. قال: (دعوتهما واحدة) يعني: كل منهما يدعو إلى الإسلام وتتأوّل كل فرقة أنها على الحق، وهذا يؤخذ منه الرد على الخوارج الذين كفروا كلاًّ من الطائفتين على ما روي في الأخبار عنهم، وروي في بعض الآثار عند عبد الرزاق في المصنف
عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يقُولُ: «لَا ‌تَقُومُ ‌السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ، تَمْرُقُ بَيْنَهُمَا مَارِقَةٌ يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ» وفي رواية أقرب الطائفتين إلى الحق ، فيدل على أن المقصود بطائفتان طائفة على ومعاوية والموقعة هي صفين
  -قال عمر بن عبد العزيز في كلمة تكتب بماء الذهب حقيقة في الفتنة التي وقعت بين الصحابة : تلك دماء طهر الله منها يدي فلا أحب أن أخضب بها لساني، وقال في بعض الألفاظ الأخرى وما روي عنه في ذلك : تلك دماء طهر الله منها أيدينا فلا نلوث بها ألسنتنا.
قال كذلك: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ).كذلك من أفضل ما قيل كما أخرج ابن عساكر قال: جاء رجل إلى أبي زُرعة الرازي فقال: إني أُبغض معاوية. قال: لِمَ؟ ، قال: لأنه قاتل عليًا بغير حق. فقال أبو زُرْعة: ربُّ معاوية رَبٌّ رحيم، وخصمه خصمٌ كريم، فما دخولك أنت بينهما؟. فالعتب على من دخل بين معاوية وبين علي رضي الله عنهما فالمسلم إنما يترحم على هؤلاء ويترضى عنهم ويلقى الله تبارك وتعالى بقلب سليم
«مصنف عبد الرزاق».
   -كذلك من أشراط الساعة نار الحجاز التي أضاءت أعناق الإبل ببصرى لها: فقد وردت أحاديث عن النبي ﷺ أن من علامات الساعة خروج نار من أرض الحجاز تضيء منها أعناق الإبل ببصرى (1) . 
[وبصرى مدينة معروفة بالشام وهي مدينة حوران وبينها وبين الشام قيل ثلاث مراحل، وهي بلد ابن كثير لذلك ابن كثير روى هذه الواقعة وأخبر عنها  وحصلت سنة [654هـ] يعني: قبل سقوط بغداد بسنتين.
كذلك روي في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى» متفق عليه.

قال -ابن كثير “ثم دخلت سنة أربع وخمسين وستمائة فيها كان ظهور النار من أرض الحجاز التي أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى كما نطق بذلك الحديث المتفق عليه، وقد بسط القول في ذلك شهاب الدين أبو شامة المقدسي في كتابه: (الذيل وشروحه) قال واستحضره من كتب كثيرة وردت متواترة إلى دمشق من الحجاز بصفة أمر هذه النار التي شوهدت معاينة، وكيفية خروجها وأمرها، وهذا محرر في كتاب: (دلائل النبوة) من السيرة النبوية، في أوائل هذا الكتاب، ولله الحمد والمنة يعني يقصد إلى الشيخ شهاب الدين أبو شامة (4). صاحب كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث، وأبو شامة ذكر قصة هذه النار وملخص ما أورده أبو شامة (1) أنه قال: وجاء إلى دمشق كتب من المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، بخروج نار عندهم في خامس جمادى الآخرة من هذه السنة، وكتبت الكتب في خامس رجب، والنار بحالها، ووصلت الكتب إلينا في عاشر شعبان ثم قال:

“بسم الله الرحمن الرحيم، ورد إلى مدينة دمشق في أوائل شعبان من سنة أربع وخمسين وستمائة كتب من مدينة النبي الله صلى الله عليه وسلم، فيها شرح أمر عظيم حدث بها تصديق لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى ” فأخبرني من أثق به ممن شاهدها أنه بلغه أنه كتب بتيماء على ضوئها الكتب. قال: وكنا في بيوتنا تلك الليالي، وكأن في دار كل واحد منا سراج، ولم يكن لها حر ولفح على عظمها، إنما كانت آية من آيات الله عز وجل “
طبعا هذه النار هي غير النار التي تخرج في آخر الزمان التي تحشر الناس وتبيت معهم حيثما باتوا وتقيل معهم حيثما قالوا . وسيأتي معنا الكلام عليها إن شاء الله تعالى في ذكر الأشراط الكبرى.
كذلك من أشراط الآية الكبرى: ولادة الأمة ربتها وتطاول الحفاة العراة رعاء الشاء في البنيان …، هذه الدلالة وردت في حديث عمر رضي الله عنه الحديث الطويل الذي فيه: «أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني عن الساعة. فقال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أماراتها، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان …”الحديث في الصحيح.
إذا من علامات الساعة هي أن تلد الأمة ربتها، والحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان . هذه من علامات الساعة التي ظهرت وكما أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وولادة الأمة ربتها يعني: تلد الأومة ولدا يكون له السيادة عليها، وأن ترى الحفاة العراة العالة يتطاولون في البنيان يعني: يفاخرون بالبناء الشاهق، وبزخرفة البيوت بعد أن كانوا حفاة يعيشون في خيام الشعر ويرعون الشياه والبعير والإبل … وهذا واضح الآن في بلدان الخليج العربي … وذلك لما كَثُرت أموالهم بعد البترول، ولم يكن لهم دأبٌ ولا همةٌ سوى البناء والتفاخر والتكاثر كما هو مشاهد في الأبراج والبنايات التي قد بنوها، مضمون النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمر من أشراط الساعة في هذا الحديث أن تنقلب الموازين، وتصبح الأمور في غير محلها اللائق بها، كأن يصبح الولد سيدا ومولى لأمه، وهذا حدث عندما اتسعت رقعة الإسلام، وكثر السراري، واستكثروا منهن الأولاد، فيكون الرجل من أمته في معنى السيد لأمه، إذا كانت مملوكة لأبيه، وملك الأب هو راجع إلى الولد، وكذلك ابنتها؛ لأنها في الحسب كأبيها.
وكذلك بالنسبة للحفاة العراة رعاء الشاء، هؤلاء هم أهل الجهل والجفاء حينما تختل الموازين يكثر عندهم الأموال في أيديهم، يصبحون هم رؤوس الناس فيتطاولون في البنيان ويتنافسون في ذلك على جهة التفاخر والخيلاء، بعد أن كانوا أهل تنقل وترحال لا تستقر بهم دار.
كذلك من علامات الساعة- قِتالُ التُّرك –
روى مسلمٌ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي – صلّى الله عليه وسلم – قال: “لا تقومُ الساعةُ حتّى يُقاتِلَ المسلمونَ التُركَ، قومًا وجوهُهُم كالمَجانِّ المُطْرَقَة، يلبسون الشعر، ويمشون في الشعر”.
(1) (المَجان): جمع مِجَن، وهو الترس، والميم زائدة؛ لأنّه من الجُنَّة، وهي السترة.
(2) (المَجان المُطْرقة): هي الّتي عُلِيَت بطارق،
المجان المطرقة: شبه وجوههم بالترس لتبسطها وتدويرها، وبالمطرقة لغلظها وكثرة لحمها، وفيه إشارة إلى كبر وجوههم وإدارتها وكثرة لحمها ويبوستها.
روي عن عمرو بن تغلب؛ قال: سمعتُ رسول الله – صلّى الله عليه وسلم – يقول: “مِن أشراط السّاعة أن تقاتِلوا قومًا عِراض الوجوه، كأن وجوهَهُم المجانُّ المطْرَقة” هذا فيه تفسير المجان المطرقة لقوله عراض الوجوه .
مسند أحمد” واللفظ له، وأصله في “صحيح البخاري.
-كذلك عن البخاري عن أبي هريرة عن النّبيّ – صلّى الله عليه وسلم – قال: “لا تقوم السّاعة حتّى تقاتِلوا قومًا نعالِهُم الشعر، وحتى تقاتِلوا الترك صغار الأعين، حمر الوجوه. ذُلْفَ الأنوف، كأن وجوههم المَجانَّ المطْرَقَة”

وقد قاتل المسلمون الترك في عهد الصّحابة رضي الله عنهم، وذلك في أول ملك بني أمية، في عهد معاوية رضي الله عنه، روى أبو يعلى عن معاوية بن خُديج؛ قال: كنتُ عند معاوية بن أبي سفيان حين جاءه كتابٌ من عامله يخبره أنّه وقع بالتُّرك وهزمهم، وكثرة من قتل منهم، وكثرة من غنم، فغضب معاوية رضي الله عنه من ذلك، ثمّ أمر أن يكتب إليه: قد فهمتُ ممّا قلتَ وغنمتَ فلأعلمنَّ، ما عدتَ لشيءٍ من ذلك ولا قاتلتَهُم حتّى يأتيك أمري. قلتُ: لم يا أمير المؤمنين؟ قال: سمعتُ رسول الله – صلّى الله عليه وسلم – يقول: “لتظهَرَنَّ التُّركُ على العربِ حتّى تُلْحِقَها بمَنابِتِ الشِّيحِ والقَيْصومِ”، فأنا أكرهُ قتالَهم لذلك” … الشِّيحِ: نبتٌ له رائحة عطرة، وتسمى بالطرقية وغيرها …
كذلك (القيصوم): نبات يكون بالبادية، طبعا الحديث مشهور في زمن الصّحابة رضي الله عنهم حديث: “اتركوا الترك ما تركوكم” وَهذا الحديث يقول البعض أنه موضوع وإن كان له أصل روي في المعجم الكبير.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «‌اتْرُكُوا ‌التُّرْكَ ‌مَا ‌تَرَكُوكُمْ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يَسْلُبُ أُمَّتِي مُلْكَهُمْ وَمَا خَوَّلَهُمُ اللهُ بَنُو قَنْطُورَاءَ».
قال في “القناعة”: وقنطوراء؛ بالمد والقصر، قيل: كانت جارية لإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، فولدت له أولادًا، فانتشر منهم الترك، حكاه ابن الأثير واستبعده، وجزم به المجد في “القاموس”. انتهى
هذا له أصل يعني كان قوله: (اتركوا الترك ما تركوكم فإن أول من يسلب أمتي ملكهم وما خولهم الله بنو قنطوراء). هنا الأمة ليست هي أمة الدعوة إنما هي أمة النبي صلى الله عليه وسلم باعتبارها في مقابلتها للعجم (هم العرب) أول ما يسلب العرب ملكهم هم بني قنطوراء يشير إلى الترك، وإن كان هذا الحديث. رواه الطبراني في الأوسط وقال فِيهِ مَرْوَانُ بْنُ سَالِمٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ.
كذلك: «اتركوا الترك ما تركوكم» فيه ابن لهيعة وحديثه فيه ضعف وبقية رجاله ثقات .
-وقال السخاوي بعد ذكر مَنْ رواه قال: “ولا يسوغ معها الحكم عليه بالوضع، وقد جمع الحافظ ضياء الدين المقدسي جزءًا في خروج الترك سماه”. “المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة” (ص 16 – 17)، بعضهم يحسنه.
-قال ابن حجر: “كان ما بينهم وبين المسلمين مسدودًا إلى أن فُتح ذلك شيئًا بعد شيءٍ، وكَثُرَ السبي منهم، وتنافس الملوك فيهم؛ لما يتَّصفون به من الشدة والبأس، حتّى كان أكثر عسكر المعتصم منهم، ثمّ غلب الأتراك على الملك، فقتلوا ابنَه المتوكل، ثمّ أولاده واحدًا بعد واحد، إلى أن خالط المملكة الديلم، ثمّ كان الملوك السَّامانية من التُّرك أيضًا، فملكوا بلاد العجم، ثمّ غلب على تلك الممالك آل سبكتكين، ثمّ آل سلجوق، وامتدت مملكتهم إلى العراق والشام والروم، ثمّ كان بقايا أتباعهم بالشام – وهم آل زنكي -، وأتباع هؤلاء – وهم بيت أيوب -، واستكثر هؤلاء أيضًا من الترك، فغلبوهم على المملكة بالديار المصرية والشامية والحجازية.
وخرج على آل سلجوق في المئة الخامسة الغزات، فخربو “البلاد، وفتكوا في العباد.
ثمّ جاءت الطامة الكبرى بالططر (التتار)، فكان خروج جنكز خان بعد الست مئة، فأُسعِرَت بهم الدُّنيا نارًا، خصوصًا المشرق بأسره، حتّى لم يبق بلدٌ منه حتّى دخله شرُّهُم، ثمّ كان خرابُ بغداد وقتل الخليفة المعتصم آخر خلفائهم على أيديهم في سنة ستٍّ وخمسين وست مئة، ثمّ لم تزل بقاياهم يُخْرِبون إلى أن كان آخرهم (اللنك)، ومعناه: الأعرج، واسمه (تَمُر)، فطرق الديار الشامية، وعاش فيها، وحرق دمشق حتّى صارت على عروشها، ودخل الروم والهند وما بين ذلك، وطالت مدَّته إلى أن أخذه الله، وتفرق بنوه في البلاد.
وظهر بجميع ما أوردته مصداق قوله – صلّى الله عليه وسلم -: “إن بني قنطوراء أول من سلب أمَّتي ملكهم” … وكأنّه يريد بقوله: “أمَّتي” أمة النسب، لا أمة الدّعوة؛ يعني: العرب، والله أعلم”.
وعلى هذا يكون التتار الذين ظهروا في القرن السابع الهجري هم من الترك؛ فإن الصفات الّتي جاءت في وصف الترك تنطبق على التَّتار (المغول)، وقد كان ظهورهم في زمن النووي فقال فيهم: “قد وُجد قتال هؤلاء الترك بجميع صفاتهم الّتي ذكرها – صلّى الله عليه وسلم -: صغار الأعين، حمر الوجوه، ذُلُفُ الأنف، عراض الوجوه، كأن وجوههم المَجانُّ المُطْرَقَة، ينتعلون الشعر، فوُجِدوا بهذه الصفات كلها في زماننا، وقاتلهم المسلمون مرَّات، وقتالهم الآن”.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأننا سنقاتل الترك والتتار، ففي صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوماً ينتعلون نعالهم الشعر، وإن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوماً عراض الوجوه كأن وجوههم المجان المُطْرقة”.
وفي رواية لهما عن أبي هريرة: “لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك، صغار الأعين حمر الوجوه،ذلف الأنوف، كأن وجوههم المجان المطرقة، ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوماً نعالهم الشعر” واللفظ للبخاري.قتال الترك المقصود بهم التتار على الصحيح من أقول أهل العلم في الصفات التي وجدت في التتار .   -هذه أبرز العلامات التي ظهرت وانقضت مما ثبت في الصحيح والله تعالى أعلى وأعلم، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى