السلاسل العلميةسلسلة أدلّة الأحكام

مبحث الإجماع ١ : الدّرسُ السّادسُ : الجزءُ الأوّل

الجزءُ الأوّلُ : معنى الحجية والنصوص الواردة في فضل الصحابة ووجوب اتباع سبيلهم

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي فضل هذه الأمة على سائر الأمم وجعل للصدر الأول من ذلك أكثر الحظ ووافر القسم واختصهم لصحبة نبيه المبعوث بمحاسن الأخلاق ومكارم الشيم، وأهداهم لما شهدوا من أحواله وفهموا من أقواله وعاينوا من أفعاله عالي القمم، فكانوا من خير القرون بالإجماع وأولاها بالاقتداء والاتباع عند أولي العزم والهمم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الخاتم وعلى آله وصحبه أهل السبق والكرم ومجامع الأخلاق ودقائق الحكم، أما بعد .. فنذكر هاهنا بحول الله وقوته مبحث الإجماع ونقدّم بمقدّمة نذكر فيها معنى الحجيّة في إصطلاح أهل الفن وكذلك النصوص الواردة في فضل الصحابة ووجوب اتباع سبيلهم
الحجة في لغة العرب هي : الدليل والبرهان، وفي الإصطلاح يعني في إصطلاح أهل الفن وهم أهل الاصول فالحجة تطلق ويراد بها معنيين
الأول : الحجة بمعنى أننا نتلقى من هذا الدليل التشريع على جهة الاستقلال كالتحليل والتحريم والإيجاب والنسخ والتخصيص والتقييد ونحو ذلك، ومعنى الحجة هنا هو مما احتج الله تبارك وتعالى به على الخلق ونصبه لمعرفة العقائد والأخبار والأحكام ونحوها، وهو كل ما جعل دليلا شرعيا مستقلا بذاته في التحليل والتحريم والأمر والنهي والنسخ ونحوها، وهذا دارج عند أهل الأصول، كما يقول قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: “إِذا قُلْنَا قَول الصَّحَابِيّ حجَّة جَازَ تَخْصِيص الْعَام بِهِ” التحبير، سبق معنا أن قول الصحابي ليس بحجة ولا يجوز تخصيص العام به، في هذا النوع يدخل الكتاب والسنة كما سبق بيانه في مبحث السنّة.
المعنى الثاني: تطلق الحجة ويراد بها وجوب العمل بمقتضاها، وكذلك التعبد بالعمل بها، لدلالة الأصل وهو الكتاب والسنة على ذلك ولأن الشارع قد أوجب علينا العمل بموجب هذه الحجة وبموجب هذا الدليل، وإيجاب الشارع العمل به يقتضي لزوم التعبد بالعمل به ويتم الامتثال بطريق العمل بمقتضاه، من ذلك النصوص الواردة في فضل الصحابة ووجوب اتباع سبيلهم وجماعتهم وإجماعهم، من ذلك قوله تبارك وتعالى: { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم } التوبة، روي عن أبي موسى أنه سئل عن قوله: { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار } قال : « هم الذين صلوا القبلتين مع النبي صلى الله عليه وسلم» تفسير الطبري، كذلك روي عن عامر قال: « من أدرك بيعة الرضوان » تفسير الطبري، وروي كذلك عن ابن سيرين مثل ذلك، يقول الأوزاعي في معنى جامع لذلك: “ومَا رَأْيُ امريء فِي أَمْرٍ بَلَغَهُ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا اتِّبَاعُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ فِيهِ أَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ كَانُوا أَوْلَى فِيهِ بِالْحَقِّ مِنَّا لِأَنَّ اللهَ أَثْنَى عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ بْاتِّبَاعِهِمْ إِيَّاهُمْ فَقَالَ {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} فَقُلْتُمْ أَنْتُمْ: لَا، بَلْ نَعْرِضُهَا عَلَى رَأْيِنَا فِي الْكِتَابِ فَمَا وَافَقَهُ مِنْهُ صَدَّقْنَاهُ، وَمَا خَالَفَهُ تَرَكْنَاهُ، وَتِلْكَ غَايَةُ كُلِّ مُحْدِثٍ فِي الْإِسْلَامِ رَدُّ مَا خَالَفَ رَأْيَهُ مِنَ السُّنَّةِ” ذم الكلام، هذه الآية احتج بها الإمام مالك على وجوب اتباع الصحابة رضوان الله عليهم فرضي المولى تبارك وتعالى عمن اتبع السابقين الأولين إلى يوم القيامة فدل على أن متابعهم عامل بما يرضى الله والله لا يرضى لعباده إلا الحق، ولا يرضى لعباده اتباع الباطل قال تعالى: { ولا يرضى لعباده الكفر }، منها آيات كثيرة کقوله تبارك وتعالى: { فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم} البقرة، قل الزجّاج : « معناه فإن أتوا بإيمان كإيمانكم وتصديق كتصديقكم وتوحيد كتوحيدكم» تفسير البغوي، منها قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤)} الأنفال، كذلك قوله: { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا (١٨)} الفتح، وقوله: { لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم (١١٧)} التوبة، ونحو ذلك من الآيات التي فيها تسطير الرضا على الصحابة وأنهم كانوا على الهدى، وفيها أعظم المدح والثناء، وهذا كله تنبيه لهذه الأمة على صحة مسلكهم ووضوح منهجهم، وكذلك الأمر باتباع آثارهم وإجماعهم، وأن فهمهم هو الفهم الصحيح لكتاب الله وسنة النبي ﷺ وما سواه مما عارضه من أقوال المتأخرين فهو فهم سقيم عاطل ورأي باطل، لماذا ؟ لأن هذا المدح وهذا الثناء دليل على أنّ ما كانوا عليه من العقيدة والعمل هو الحق بإذن الله تبارك وتعالى، وماذا بعد الحق إلا الضلال، فمن كان على مثل ما كانوا عليه من العلم والهدى ودين الحق فقد فاز وأفلح، ودخل في هذا الثناء العاطر ومن خالف فهو الشقي الخاسر، منها قوله تبارك وتعالى: { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } النساء، يقول الضحاك : « وأولي الأمر منكم قال : هم أصحاب النبي ﷺ قال هم الدعاة الرواة » تفسير ابن أبي حاتم، كذلك قوله تعالى: { قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى } النمل، قال ابن عباس : « هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم » الجامع، وقوله :{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين }، روي “عن زيد بن أسلم، عن نافع في قول الله: (اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)، قال: مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه” تفسير الطبري، قال تعالى: { واتبع سبيل من أناب إليّ }، ولا شك أن الصحابة منيبون إلى الله تبارك وتعالى، فيجب اتباع سبيلهم، وسبيلهم هو أقوالهم وعقائدهم، والدليل على أنهم منيبون إلى الله تبارك وتعالى قوله تعالى : { ويهدي إليه من ينيب }، فالصحابة أكمل هذه الأمة هداية فلا كان ولا يكون من بعدهم أحد مثلهم، أدلة السنة في فضل الصحابة كثيرة نذكر منها طرفا، روي عن سعيد بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبيه قال: “صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قلنا لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء قال: فجلسنا فخرج علينا فقال: ما زلتم هاهنا ؟ قلنا يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا نجلس حتى نصلي معك العشاء، قال: أحسنتم أو أصبتم، قال فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيرا مما يرفع رأسه إلى السماء فقال النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون. ” صحيح مسلم، وجه الدلالة من هذا الحديث على محل البحث في هذا الباب أن النبي ﷺ جعل نسبة أصحابه إلى من بعدهم كنسبته صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وكذلك كنسبة النجوم إلى السماء، من المعلوم أن هذا التشبيه يعطي من وجوب اهتداء الأمة بهم ما هو نظير اهتدائهم بنبيهم ﷺ ونظير اهتداء أهل الأرض بنجوم السماء، كذلك روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: فِيكُمْ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللهِ ﷺ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ ﷺ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ ﷺ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ» رواه مسلم، فجعل النبي ﷺ فتح الله على المسلمين بسبب من رآه مؤمنا به، وهذه الخاصية لا شك أنها فضيلة للصحابة لا تثبت لأحد غير الصحابة ولو كانت أعماله أكثر من أعمال الواحد من الصحابة، كذلك روي عن عبد الرحمن بن سعد بن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«إنَّ الله اخْتَارَنِي وَاخْتَارَ لِي أَصْحَابًا فَجَعَلَ لِي بَيْنَهُمْ وُزَرَاءَ وأنْصَارًا وأصْهَارًا، فَمَنْ سَبَّهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْه يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلَا ِعَدْلٌ» رواه الحاكم وغيره، كذلك ماروي عن عبد الله ابن مسعود أن النبي ﷺ قال : «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ» رواه مسلم، كذلك ما روي عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : «صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ صَلَاةَ الْفَجْرِ، ثُمَّ وَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ.

فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ؟ فَأَوْصِنَا، فَقَالَ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي، فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسَنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْمُحْدَثَاتِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ» وقالَ أَبُو عَاصِمٍ مَرَّةً: «وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» رواه أبو داود وغيره، هذا الحديث حديث صحيح بطرقه وشواهده، كذلك حديث عوف بن مالك قال: قال النبي: «افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ» ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «الْجَمَاعَةُ» رواه أحمد وغيره، هذا النص يدل على أن المخرج عند الاختلاف وعند النزاع هو في لزوم الجماعة، ولا شك أن رأس الجماعة هم الصحابة عليهم رضوان الله، من الآثار كذلك عن الصحابة مما يستأنس به في الاستدلال ما روي عن عبد الله بن مسعود :”من كان مستنا فليستن بمن قد مات، فإن الحيَّ لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد ﷺ أبرُّ هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلُّفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه فاعرفوا لهم حقهم وفضلهم فقد كانوا على الهدى المستقيم” جامع بيان العلم وفضله، كلذلك ما روي أن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ثَوْبًا مَصْبُوغًا وَهُوَ مُحْرِمٌ. فَقَالَ عُمَرُ: «مَا هَذَا الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ يَا طَلْحَةُ؟» فَقَالَ طَلْحَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. إِنَّمَا هُوَ مَدَرٌ، فَقَالَ عُمَرُ: ” إِنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ أَئِمَّةٌ يَقْتَدِي بِكُمُ النَّاسُ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَاهِلًا رَأَى هَذَا الثَّوْبَ، لَقَالَ: إِنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُصَبَّغَةَ فِي الْإِحْرَامِ، فَلَا تَلْبَسُوا أَيُّهَا الرَّهْطُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ” رواه الطبراني، كذلك روي عن عبد الله رضي الله عنه قال : «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاخْتَارَ مُحَمَّدًا فَبَعَثَهُ بِرِسَالَاتِهِ وَانْتَخَبَهُ بِعِلْمِهِ ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ بَعْدَهُ فَاخْتَارَ لَهُ أَصْحَابَهُ فَجَعَلَهُمْ أَنْصَارَ دِينِهِ وَوُزَرَاءَ نَبِيِّهِ ﷺ فَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ» رواه أحمد وغيره، كذلك ما روي عن عبدالله بن عباس حينما ناظر الخوارج قال لهم : « جئتكم من عند أصحاب النبي ﷺ وليس فيكم منهم أحد، ومن عند ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وعليهم نزل القرآن وهم أعلم بتأويله» جامع بيان العلم وفضله، كذلك ما روي عن حذيفة بن اليمان قال :«كل عبادة لم يتعبّد بها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلا تتعبدوا بها، فإن الأول لم يدع للآخر مقالًا فاتقوا الله يا معشر القرّاء خذوا طريق من كان قبلكم » الحوادث والبدع، كذلك روي عن ابن عمر أنه يقول :« لا تسبوا أصحاب محمد فلمقام أحدهم ساعة خير من عبادة أحدكم أربعين سنة» فضائل الصحابة للإمام أحمد، كذلك نقل عن الأئمة أقوالا في هذا الباب، من ذلك ما قاله أبو زرعة قال : « إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن النبي ﷺ عندنا حق والقرآن حق وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة» الكفاية، هذه قاعدة في هذا الباب، فكل من أراد الصحابة إنما أراد أن يجرح الشهود لعلة، كما فعل الرافضة وغيرهم لإبطال الكتاب والسنة قال : ” والجرح بهم أولى وهم زنادقة” ، يقول أحمد بن حنبل : -رحمه الله تعالى- قال: « أصول السنة عندنا التّمسك بما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم » اصول السنة ، الشافعي يقول في رسالته البغدادية التي رواها الحسن عنه بن محمد الزعفراني قال : « وقد أثنى الله تبارك وتعالى على أصحاب رسول الله ﷺ في القرآن والتوراة والإنجيل، وسبق لهم على لسان رسول الله ﷺ من الفضل ما ليس لأحد بعدهم، فرحمهم الله وهنأهم بما آتاهم من ذلك ببلوغ أعلى منازل الصديقين والشهداء والصالحين، أدوا إلينا سنن رسول الله ﷺ، وشاهدوه والوحي ينزل عليه فعلموا ما أراد رسول الله ﷺ عاما وخاصا وعزما وإرشادا، وعرفوا من سنته ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل، وأمر استدرك به علم واستنبط به، وآراؤهم لنا أحمد، وأولى بنا من رأينا عند أنفسنا، ومن أدركنا ممن يرضى أو حكي لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا لرسول الله ﷺ فيه سنة إلى قولهم إن اجتمعوا، أو قول بعضهم إن تفرقوا، وهكذا نقول، ولم نخرج عن أقاويلهم، وإن قال أحدهم ولم يخالفه غيره أخذنا بقوله» إعلام الموقعين، هذا كلام جامع من الإمام الشافعي رحمة الله عليه، يقول البربهاري : « وأعلم أن من تناول أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه إنما أراد محمدًا وقد آذاه في في قبره » شرح السنة، يقول الآجري : “فمن صفة من أراد الله عز وجل به خيرًا، وسلم له دينه ونفعه الله الكريم بالعلم المحبة لجميع الصحابة ولأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ولأزواج النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم ولا يخرج بفعل ولا بقول عن مذاهبهم ولا يرغب عن طريقتهم وإذا اختلفوا في باب من العلم فقال بعضهم حلال وقال الآخر حرام نظر أي القولين أشبه بكتاب الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسأل العلماء عن ذلك إذا قصر علمه فأخذ به ولم يخرج عن قول بعضهم وسأل الله عز وجل السلامة وترحم على الجميع بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين” الشريعة، وقال: “وقال: “باب الحث على التمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ وسنة أصحابه رضي الله عنهم وترك البدع وترك النظر والجدال فيما يخالف فيه الكتاب والسنة وقول الصحابة رضي الله عنهم” الشريعة، وذكر جملة واسعة في ذلك، يقول ابن أبي حاتم الرازي : « فأما أصحاب رسول الله ﷺ فهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل وعرفوا التفسير والتأويل، وهم الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه ﷺ ونصرته وإقامة دينه وإظهار حقه فرضيهم له صحابة وجعلهم لنا أعلاما وقدوة، فحفظوا عنه ﷺ ما بلغهم عن الله عز وجل وما سن وشرع وحكم وقضى وندب وأمر ونهى وحظر وأدب، ووعوه وأتقنوه، ففقهوا في الدين وعلموا أمر الله ونهيه ومراده – بمعاينة رسول الله ﷺ، ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتأويله وتلقفهم منه واستنباطهم عنه، فشرفهم الله عز وجل بما من عليهم وأكرمهم به من وضعه إياهم موضع القدوة، فنفى عنهم الشك والكذب والغلط والريبة والغمز وسماهم عدول الأمة فقال عز ذكره في محكم كتابه : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } ففسر النبي ﷺ عن الله عز ذكره قوله {وسطا} قال : « عدلًا » فكانوا عدول الأمة وأئمة الهدى وحجج الدين ونقلة الكتاب والسنة” الجرح والتعديل.

🖋. . . نقف هنا . . .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
🖋 انتهى الجزء الأول بحمد الله .

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى