إلى أبناء الدولةالصوتيات والمواعظ

نَكْسَةٌ وَافْتِرَاءٌ … هَلْ رَجَعَتْ دَوْلَةُ الْحُجَّاجِ إِلَى الْحَقِّ ؟!!

صوتية بعنوان: نَكْسَةٌ وَافْتِرَاءٌ … هَلْ رَجَعَتْ دَوْلَةُ الْحُجَّاجِ إِلَى الْحَقِّ ؟!!

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلهِ وَكَفَى وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْمُصْطَفَى أَمَّا بَعْدُ:

تَجولُ الْخَوَاطِرِ فِي قَلْبِي وَتَمْضِي بَعِيدًا فِي السَّمَاءِ تَرْتَفِعُ، تَرْجُو الْخَلَاصَ طَرِيقَهَا وَسَبِيلَهَا نَحْوَ النَّجَاةِ لِأُمَّتِنَا تَتَطَلَّعُ … ثُمَّ مَا تَلْبثُ أَنْ تَعُودَ أَدْرَاجهَا خِفَافًا بِخُفي حُنَين فَتَرْسمُ حَسَرَاتٍ فِي عَمِيقِ قُلُوبِنَا تَتَقَطَّعُ … كَأَنِّي لَا أَعْرِفُ مَنْ كُنْتُ أَعْرِفُهُ، كَأَنَّهُمْ لَيْسُوا مَنْ خَبرْتُ قَبْلُ وكُنْتُ بِهِمْ مُغْتَبِطًا مُتَكَثِّرًا أَتَوَسَّعُ … هِيَ أَشْجَانٌ تَجُولُ فِي نَفْسِي وَخَاطِرِي، تَتَرَدَّدُ بَيْنَ أَمْسِنَا وَيَوْمِنَا وَغَدٍ كُلُّهَا عَلَيَّ الْآنَ تَجْتَمِعُ… تَحْكِي خذْلَانَا لِلْحَقِّ تَوَارَثَهُ مَن انْتَسَبَ إِلَيْهِ مِمَّنْ عَاصَرْتُ عَبْرَ جَمِيعِ مَحَطَّاتِهِ وَأَيَّامِهِ، تَحْكِي هُرُوبًا جَمَاعِيًّا مِنْ تَبِعَاتٍ لَازِمَةٍ لِهَذَا الدِّينِ … تَحْكِي تَرْكًا لِأَعْبَاءٍ ثَقِيلَةٍ مُطَّرَحَةٍ فَلَا الْقُلُوبُ هِيَ تَحْمِلُهَا وَلَا سَوَاعِد هَاهُنَا لِتَرْفَعَهَا … تَحْكِي انْتِكَاسَةً مِمَّنْ ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَاعِدٌ لِنُصْرَةِ هَذَا الْحَقِّ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ وَرِدْءًا لِلْكَافِرِينَ …

وَقَدْ كُنْتُ أَرْجُوا مِنْكَ خَيْرَ نَاصِرٍ
عَلَى حِينِ خذْلَانِ الْيَمِينِ شمَالهَا
لَكِنَّكَ سَهْمًا بَقِيتَ فِي كِنَانَتِهِمْ
مُتَكَثِّرًا بِسَوَادِ أُمَّتِهِمْ وَضَلَالِهَا

مُنْذُ أَنْ سَلَكْنَا مَسَارَ التَّجَرُّدِ لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ الضَّائِعِ فِي هَذَا الزَّمَان … وَنَحْنُ نَبْذُلُ لِهَذَا الْحَقِّ مِنْ أَيَّامِنَا وَأَحْلَامِنَا وَشَبَابِنَا … فكُلَّمَا عَرَفْنَا طَرَفًا مِن الْحَقِّ خَسِرْنَا مَعَهُ طَائِفَةً مِن النَّاسِ مِمَّنْ حَوْلَنَا سَوَاءٌ أَكَانُوا مِن الْخَاصَّةِ أَو الْعَامَّةِ، وَيُنْصَبُ لَنَا مِنْهُم الْعَداوَةُ وَالْبَغْضَاء، وَتُفْتَحُ عَلَيْنَا أَلْسِنَتُهُمْ بِالطَّعْنِ وَالتَّشْهِيرِ وَالنّقْصَاء … فَكَمْ نَالَنَا مِنْ أذَاهُمْ وَأَصَابَنَا مِنْ سِهَامِهِمْ … وَلَمْ يَصُدَّنَا كُلّ ذَلِكَ عَمَّا نَعْتَقِدُ وَنَدِين حَتَّى اسْتَوَى عِنْدَنَا فرَاقُ الْقَرِيبِ مَعَ الْبَعِيد … وَاشْتَدَّ الْقَلْبُ عَلَى وَلَعِ الْفرَاقِ وَطَعْنِ الرَّفِيق … حَتَّى صَارَ الْفُؤَادُ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى مَنْ تَسَاقَطَ خَلْفَهُ أَو انْتَكَسَ حَوْلَهُ أَو ارْتَدَّ عَن الطَّرِيق. إِنَّ مَعْنَى الثَّبَات يَا أَخِي أَنْ تَزْدَادَ يَقِينًا فِي الْحَقِّ وَرُسُوخًا عَلَيْهِ … رُسُوخٌ لَا تُزَعْزِعُهُ شُبُهَاتُ الْمُشَبِّهِينَ أَوْ تَلْبِيسُ الْمُدَلِّسِينَ، حَتَّى لَا يَشُكَّ الْقَلْبُ أَنَّ مَا حَوْلَهُ مِن الْأَنَامِ عَلَى غَيْرِ صَحِيحِ الْإِسْلَام … فَالثَّابِتُ لَا يَزْدَادُ فِيهِمْ إِلَّا وُضُوحًا فِي الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَام … كَيْفَ وَهُمْ يَجْهَلُونَهُ وَيَبْتَعِدُونَ عَنْ حَقِيقَتِهِ فِي كُلِّ حِينٍ أَمْيَالًا وَأَيَّام … فَلَعَمْرِي لَمْ يَتَشَرَّب الْقَلْبُ يَقِينًا كَمَا هُوَ فِي حُكْمِ عُمُومِ الْأَقْوَامِ فِي هَذِهِ الدِّيَار … فَيَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ.

يَا طَالِبَ الْحَّقِ مُرِيدًا لِلْهُدَى
اسْمَعْ بِفَهْمٍ حَاضِرٍ يَقْظَانِ
اِخْلَعْ قُيُودَ أَسْرِهِمْ وَهَوَانِهِمْ
كَسْرًا لِذِي الْأَصْنَّامِ وَالْأَوْثَانِ
وَتَعَلَّمِ الدِيِنَ الصَّحِيحَ بِحَدِّهِ
وَاحْكُمْ بِهِ وَضْعًا عَلَى المِيزَانِ
وَارْفَعْ بِرَأْسِكَ نَاظِرًا فِي قَوْمِنَا
هَلْ هَؤُلَاءِ عُصبَةُ الْإِيمَانِ؟

إِنَّ مِمَّا يَزِيدُ الْفُؤَادَ كَمَدًا مَا تَرَاهُ مِنْ تَخَبُّطٍ وَتَشَرْذُمٍ وَنُكُولٍ وَنُكُوص … فَتَرَى مَنْ يَعُودُ إِلَى الْجَاهِلِيَّةِ طَوْعًا بَعْدَ أَنْ عَرَفَ الْحَقَّ وَخَالَطَ بِشَاشَة قَلْبِه … يَرْجِعُ إِلَى دِينِ الْقَوْمِ الْمُشْرِكِينَ فَيُصَحِّحُ إِسْلَامَهُمْ وَيُسَفّهُ مَنْ خَالَفَهُ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ هُوَ قَبْلَ حِين … كَأَنَّ الدِّينَ قَمِيصًا يَلْبَسُهُ ثُمَّ يَخْلَعُهُ مُتَقَلِّبًا بَيْنَ الْمَقَالَاتِ، كَأَنَّهُ فِي نُزْهَةٍ عَابِرَةٍ بَيْنَ الْمِلَلِ وَالنِّحلِ وَالدِّيَانَاتِ … وَلَا يَنْقَضِي الْعَجَبُ مِمَّنْ يَعُودُ إِلَى أَحْضَانِ الْمُجْرِمِينَ، مِمَّنْ لَا تَزَالُ أَيْدِيهِمْ تَقْطُرُ مِنْ دِمَاءِ الْمُوَحِّدِينَ … فَيَضَعُ يَدَهُ فِي يَدٍ غَدَرَتْ مَرَّاتٍ وَكَرَّاتٍ بِالْمُسْلِمِينَ … وَلَعَمْرِي ..

كَأَنَّ الْهَوَى يَقُودُهُ إِلَى هَلَاكِهِ وَخُسْرَانِهِ وَهُوَ لَا يَدْرِي… يَمْضِي بِسَيْفِهِ فِي جَمَاعَةٍ لَا تَقْدِرُ عَلَى إظْهَارِ مَا تَعْتَقِدُ مَكْتُوبًا أَوْ مَسْمُوعًا، بَعْدَ أَنْ فَضَحَهَا اللهُ بِتَوَالِي الْبَيَانَات ثُمَّ نَقضهَا وَالْبَرَاءَةِ مِنْهَا … يَمْضِي تَحْتَ رَايَةٍ دُونَ بَيَانٍ وَاضِحٍ فَاصِلٍ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَالنِّزَاع … رَايَةٌ رَجَعَتْ إِلَى الضَّبَابِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا قَبْلَ الْبَيَانَات … وَكُلٌ فِيهَا يَدَّعي وَصْلًا بِلَيْلَى وَيَزْعُمُ أَنَّ مُعْتَقدَ الْجَمَاعَةِ مَا يَعْتَقِدُهُ هُوَ وَيَدِين وَهَيْهَاتَ هَيْهَات … فَلِسَانُ حَالِهِمْ لَا يَهُمُّ مَا تَعْتَقِدُ وَتَرَى، فَهُنَاكَ مِسَاحَةٌ وَاسِعَةٌ فِي ذَلِكَ لِمَا تَرَى … مَا يَهُمُّنَا هُوَ وَلَاؤُكَ لِهَذِهِ الْجَمَاعَةِ وَالْقِتَالِ تَحْتَ رَايَتِهَا … بَعْضُ الْغَافِلِينَ أَوْ قُل الْمُتَغَافِلِينَ يَكْذِبُ عَلى نَفْسِهِ لمَّا يُوهِمُهَا أَنَّ هُنَاكَ تَوَافُق عَقَائِدِيٌّ بَيْنَ صُفُوفِهَا … وَالْوَاقِعُ يَشْهَدُ أَنَّ هُنَاكَ شَرْخ كَبِيرٌ بَيْنَ الْمَنْهَجَيْنِ … فَبَيْنَ مَنْهَجِ القحطاني والْبَنْعَلِي وَمَنْهَج الْفُرْقَانِ خَنْدَقٌ وَاسِعٌ لَا تَلْتَقِي فِيهِ الْأَقْوَالُ وَالْآرَاء يُكَفّرُ فِيهِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا… وَلَا يَسْتَطِيع أَحَدٌ الْفَصْلَ فِي ذَلِكَ النِّزَاعِ حَتَّى مَا يُسَمَّى عِنْدَهُمْ بِالْإِمَام … بَلْ هُوَ التَّرْقِيعُ وَمَدُّ جُسُورِ الِالْتِقَاءِ فِي نُقْطَةٍ بَيْنِيَّةٍ بَيْنَهُمَا وَهَيْهَاتَ هَيْهَات … إِنَّ السِّيَاسَةَ حَتَّمَتْ عَلَيْهِمْ تَعْتِيمَ الْجَوِّ بِضبَابٍ كَثِيفٍ يَحْجِبُ الرُّؤْيَةَ لِلْبَقَاء ؟.. فَسِيَاسَتُهُمْ إِبَّانَ التَّمْكِينِ تَدُقُّ أَعْنَاقَ مَنْ يُكَفِّرُ الْأَقْوَامَ وَالرَّعَايَا … وَعِنْدَ الِاسْتِضْعَافِ هُوَ قَوْلٌ لَهُ وَجْهٌ مِنَ النَّظَرِ قَدْ لَا يُنْكَرُ عَلَى قَائِلِهِ حِفَاظًا عَلَى لُحْمَةِ الْجَمَاعَة … وَلَكِنَّهَا مَا تَلْبَثُ أَنْ تَعُودَ لِلتَّطْهِيرِ الْعِرْقِيِّ لِهَذَا الْقَوْلِ بَعْدَ التَّمْكِينِ، كَكُلِّ مَرَّةٍ وَحِين … فِي قِصَّةٍ مُتَكَرِّرَةٍ لِمَا قَبْل وَبَعْدَ التَّمْكِين … وَارْجِعْ إلَى الْوَرَاء لِتَعْلَمَ أَنَّهَا قَامَتْ فِي الشَّامِ عَلَى سَوَاعِد مَنْ تُسَمِّيهِم بالْغُلَاة، وَبَعْدَهَا عَمِلَتْ عَلَى التَّطْهِيرِ للدَّخِيلِ بِالطَّعْنِ الْغَادِرِ فِي الْفَلَاة … هَلْ تَعْلَمُ أَيُّهَا الْمُتَعَصِّبُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا خِيَارٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ مَقَال، حَيْثُ أَنَّهَا مُنْذُ تَأْسِيسِهَا كَانَتْ هِيَ النَّظْرَةُ ذَاتهَا فِي هَذِهِ الشُّعُوبِ وَالْأَقْوَام، وَقَدْ فَصَلَهَا الزَّرْقَاوِيُّ بِخِطَابَاتِهِ فِي الْأُمَّةِ الْغَالِيَة وَالشُّعُوبِ الْمُسْلِمَة، وَالضَّابِطُ الْبَغْدَادِيُّ مِنْ بَعْدِهِ كَذَلِكَ، وَأُبِيد مِنْ أَجْلِهَا جَمَاعَةُ دِيَالَى، وَرَسَّخَهَا الْعَدْنَانِيُّ بِقَوْلِهِ لِقَوْمِهِ: سَنَبْقَى نُحِبُّكُمْ وَلَوْ كَرِهْتُمُونَا وَنَنْصُرُكُمْ وَلَوْ خَذَلْتُمُونَا … فَلَيْسَ هُنَاكَ مَجَالٌ لِلْمُدَاهَنَةِ فِيهَا بَعْدَ الظُّهُورِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُخَالِفِ مَقَالٌ قَبْلَ التَّمْكِينِ فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا السَّيْفُ بعدها وَالتَّنْكِيل، فَالْمَنْهَجُ عِنْدَ الْحُجَّاجِ مَرْسُومٌ وَالطَّرِيقُ مُعْبَّدٌ عَلَى جَنَبَاتِهِ الْعُبوات، وَالدَّاخِلُ دَخِيلٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَجَالٌ لِلْإِصْلَاحِ أَو التَّغْيِير وَالسَّيْف يَقَعُ كُلَّ مَرَّةٍ عَلَى الْمَنْهَجِ الْجَدِيدِ وَالْعِلَاج عِنْدَهُمْ كَكُلِّ مَرَّةٍ بِالْكَيِّ وَالْحَدِيد، وَلَكَ فِي أَبِي بَكْرٍ شِيكَاو الْخَبَر الْيَقِين.
إِنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَافَّةِ الطَّرِيقِ وَقْفَة جَادَّة لِإِعَادَةِ النَّظَرِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَقْفَة صَادِقَة يَتَجَرَّدُ فِيهَا السَّالِكُ مِن الْأَهْوَاءِ وَالْأَدْوَاءِ، وَيَعْرِضُ فِيهَا نَفْسَهُ وَطَرِيقَهُ وَقَوْمَهُ وَجَمَاعَتُهُ عَلَى الْمِيزَانِ الْحَقّ الَّذِي لَا يُخْطِئُ التَّوْصِيف، فَيَنْقَاد إِلَى السَّبِيلِ الْقَوِيمِ وَيُعْلِن الْبَرَاءَةَ مِنْ سَبِيلِ الْمُجْرِمِينَ، لَهُو صَنِيعُ الْعَاقِلِ الَّذِي مَرَّتْ عَلَيْهِ الْأَحْدَاثُ الْجِسَام وَالنَّوَائِبُ الْعِظَام وَدَائِرَةُ الزَّمَان، وَلَا يَتَمَلَّكُهُ الْبَطَرُ وَالْكِبْرِيَاءُ وَيَكْبُرُ عَلَيْهِ الْحَقُ الَّذِي حَادَ عَنْهُ سَلَفُهُ الْأَشْقِيَاء .

إِنَّ الرُّجُوعَ إِلَى الْحَقِّ وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِ الطَّرِيقِ رِفْعَةٌ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، وَيُعْفِي الْمَتْبُوعَ مِنْ تَبِعَاتِ ضَلَالِ الْمَتْبُوعِينَ وَقَتْلِهِمْ تَحْتَ رَايَاتٍ جَاهِلِيَّة، إِنَّ الْوُقُوفَ بَيْنَ مُفْتَرَقِ الطُرُقِ لِلْبَحْثِ عَنْ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَكَثْرَةِ الْفِتَنِ وَشِدَّةِ الِاخْتِلَافِ عَلَى حَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ مَعَ تَنَوُّعِ الْمَشَارِبِ وَالْمَدَارِسِ وَالْمَقَالَات … رُبَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالزِّلْزَالِ الشَّدِيدِ وَالْفَقْدِ الْوَجِيع، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ يُوَفِّقُ لِلْحَقِّ مَنْ جَاهَدَ وَتَجَرَّدَ وَأَلْقَى السَّمْعَ وَأَنْصَف، قَالَ تَعَالَى:﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) ﴾الْعَنْكَبُوت .

إِنَّ مَنْ يُمَنِّي نَفْسَهُ أَنَّهُمْ عَلَى مَنْهَج زَيْدٍ أَوْ عُبيدٍ أَوْ أَنَّهَا رَجَعَتْ أَوْ عَادَتْ أَوْ كَفَّرَتْ هَذِهِ الَاقْوَام أَوْ تَوَقَّفَتْ أو مِنْ هَذَا الْكَلَامِ، الَّذِي يَتِمُّ تَسْوِيقُهُ عَلَى السُّذَّجِ وَالْمُنَاصِرِينَ وَالْأَنْعَام … فَقَدْ كَذَبَ أَوْ وَهمَ … فَلَنْ تَكُونَ إِلَّا عَلَى مُعْتَقَدِ مَنْ أَسَّسَهَا وَوَضَعَ لِبِنَاتِهَا وَقَوَاعِدهَا، فلَنْ يَهْدِمَ أُمَرَاؤُهَا مَا بَنَاهُ الْمُتَقَدِّمُونَ مِن الْحُجَّاجِ قَبْلَهُمْ، فَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ سَائِرُونَ وَمُقْتَفُونَ، وَلَا يَلْعَنُ آخِرُ هَذِهِ الدَّوْلَةِ أَوَّلَهَا كَمَا قَالَهُ الْبنْعَلِي قَدِيمًا وَأَنَا عَلَى مَا أَقُولُ مَسْؤُول … وَلَا يُؤْخَذُ مَنْهَجُهَا وَقَوْلُهَا وَاعْتِقَادُهَا إِلَّا مِنْ أَمِيرِهَا أَوْ مُتَحَدِّثِهَا، وَكُلُّ قَوْلٍ دُونَ قَوْلِهِ فَهُوَ كَلَامٌ لِلتَّسْوِيَةِ وَالتَّسْوِيقِ لَا يُعَبِّرُ إِلَّا عَنْ قَوْلِ قَائِلِهِ وَلَا يَعْدُو … فَلَا تَغْتَرّ أَيُّهَا الْمُغَفَّلُ بِمَا يُذَاعُ وَيُقَالُ وَيُنْسَبُ، فَسَيَذُوبُ الْجَلِيدُ وَيَظْهَرُ مَا يَخْفَى مِن الْقَوْلِ الْبَلِيد … وَاعْلَمْ أَنَّ النُّصْرَةَ هِيَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ لَا لِجُمُوعِ الْمُشْرِكِينَ تَحْتَ رَايَاتِ الْمُبَدِّلِين … الْجَمَاعَةُ الْمُسْلِمَةُ الَّتِي يَتَحَرَّكُ جُمُوعُ الصَّادِقِينَ لِبِنَائِهَا وَتَشْيِيدِ صَرْحِهَا وَالْبَذْلِ لَهَا … فَلَا تَغْتَرُّوا بِالْأَسْمَاءِ وَالْأَلْقَابِ وَالْإِعْلَام، وَتَعَلَّمُوا الْإِسْلَامَ بِحَدِّهِ الصَّحِيحِ فَهُوَ الْمِيزَانُ الَّذِي تُوزَنُ بِهِ الْحَرَكَاتُ وَالْجَمَاعَاتُ وَالدُّوَلُ وَالْوِلَايَاتُ، فَلَا تُحَكِّمُوا الْعَوَاطِفَ فِي الدِّينِ وَتَبْذُلُوا الْأَعْمَارَ وَالْأَمْوَالَ فِي خَوَاء، حَتَّى تَتَحَقَّقُوا مِنْ صِحَّةِ الْبِنَاءِ وَسَلَامَةِ الْعَقِيدَةِ وَسَدَادِ الْمَنْهَج … فَهُنَالِكَ تَكُونُ النُّصْرَةُ وهنالك يَكُونُ الْوَلَاء .

وَأَقُولُ لَكَ نَاصِحًا وَمُشْفِقًا تَحَقَّق قَبْلَ أن تَرْفَع السِّلَاح… وتَبَيَّن لِمَنْ تُقَاتِل وَلِما تُقَاتِل وَلِمَنْ تَبْذُل هَذِهِ الدِّمَاءَ وَالْأَنْفَاس … هَلْ تُقَاتِل لِتَحْكُم الْمُشْرِكِينَ بِشَرِيعَةِ رَبِّ العَالَمِينَ أَوْ لِتَرْفَعَ الظُّلْمَ عَنْ سَوَادِهِمْ وَعَوَامِّهِمْ كَمَا قَالَه المُتَحَدِّثُ الرّسميّ في هذه الجماعة … إِنْ كُنْتَ كَذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا مَحَلًّا لِلْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ بَلْ هُمْ مَحَلٌّ لِلدَّعْوَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ سَتَقُومُ الدَّوْلَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ فِي هَذِهِ الْجَاهِلِيَّةِ النّكراء عَلَى هَؤُلَاءِ الْجَاهِلِيِّينَ بِمُجَرَّدِ خَلْعِ الْأَنْظِمَةِ وَتَطْبِيقِ الْحُدُودِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا هُوَ تَصَوُّرُ الْحُجَّاجِ الْيَوْمَ فَهَذَا أَحْمَقٌ يَقُودُ مَجْمُوعَةً مِن الْحَمْقَى يَعِيشُونَ فِي وَهْمٍ كَبِيرٍ … إِنَّ إِقَامَةَ الْحُدُودِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَأَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْهُمْ وَدَعْوَتِهِمْ لِقِتَالِ إِخْوَانِهِمْ لَا يُصَيِّرُهُمْ مُسْلِمِينَ، فَهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ ابْتِدَاءً بَلْ هم مُخَاطَبُونَ بِأَصْلِهَا … وَإِنَّ قَضِيَّةَ وُجُودِ الْمُسْلِمِينَ والْإِسْلَامِ الْيَوْمَ هِيَ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى عِلَاج، وَهِيَ نُقْطَةُ الْبَدْءِ الَّتِي يَنْبَغِي الِانْطِلَاقُ مِنْهَا فِي الْمَنْهَجِ الْحَرَكِيِّ لِتَغْيِيرِ الْوَاقِعِ الْجَاهِلِيِّ في هذا الزّمان بإِقَامَةِ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ الَّذِي يُوَازِي الْمُجْتَمَعَ الْجَاهِلِيَّ وَيُدَافِعُهُ حَتَّى يَظْهَرَ عَلَيْهِ …

أَمَّا السَّعْيُ فِي إِقَامَةِ الدَّوْلَةِ بِإِقَامَةِ الْأَحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ الفرعيّة عَلَى هذه الْمُجْتَمَعَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ كَمَنْ يُرِيدُ بِنَاءَ الصَّرْحِ فَوْقَ الرِّمَالٍ فلا هي تحمِله، يبني الصّرح فوق رمال مُتَحَرِّكَةٍ بِلَا أَسَاسٍ لَهُ وَلَا أُصُولٍ رَاسِخَة، وَلَا يَدْرِ هَذَا الْجَاهِلُ أَنَّ هَذَا الْمَحَلّ غَيْرُ قَابِلٍ لِهَذَا الْبِنَاءِ فَسَيَلْفِظُهُ وَلَوْ بَعْدَ حِين .
فَإِلَى مَنْ شَابَتْ لِحْيَتُهُ فِي الثُّغُورِ وَالنِّزَالِ، يَحْسبُ أَنَّهُ عَلَى جَادَّةِ الطَّرِيقِ قَدْ أَصَابَ الْمَوْرِدَ الزُّلَال، وَهَيْهَاتَ هَيْهَات … إِلَى مَن اسْتَكْبَرَ عَلَى الْحَقِّ وَكَابَرَ حَتَّى فَنِيَ وَأَفْنَى … إِلَى مَنْ يُصِّرُّ عَلَى عِبَادَةِ الرِّجَالِ وَاقْتِفَاءِ أَثَرِ الْآبَاءِ وَالْأَبْدَال وَلَوْ كَانُوا ضُلَاَّلًا جُهَّال …إِلَى مَنْ كَبُرَ عَلَيْهِمْ مَا دَعَوْنَاهُمْ إِلَيْهِ قَدِيمًا …عُودُوا إِلَى الْحَقِّ فَإِنَّهُ الْفَضِيلَة … أَوبُوا إِلَى الْإِسْلَامِ وَارْفَعُوا بِحَقٍ رَايَة خَيْرِ الْأَنَام، تُفْتَح لَكُمُ الْأَرْضُ وَتَبُوؤا بِالْفَوْزِ فِي سَاحَاتِ الْقِتَال، وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الْكِبرُ وَلَا الْأَصْنَامُ وَلَا الشُّيُوخُ وَلَا الرِّجَال .
فَمن لِلْإِلَهِ خُرُوجًا نَفَر
جِهَادًا يُرِيدُ الْعُلَا وَالنَّجَاح
بِتَصْحِيحِ أَصْلٍ وَكَسْرِ صَنَم
ابْتِدَاءً يَقُولُ بِعَقْدٍ فِصَاح
وَإِلَّا لَكَانَ قِتَالًا عَلَى
سَبِيلِ الطُغَاةِ وَنَهْجٍ فُضَاح

وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى