السلاسل العلميةسلسة الهداية في بيان حد الإسلام وحقيقة الإيمان بين التأصيل والتنزيلفيديو
أخر الأخبار

غربة الدّين في آخر الزّمان : الدّرسُ الأوّل

الجزء الأوّل: غربة الدّين في آخر الزَّمان ١

بسمِ اللهِ الرّحمانِ الرّحيمِ الْحَمْدُ لِلهِ الْمَحْمُودِ فِي السّراءِ والضّرّاءِ المتفرّدِ بالعزّ والجبروت وَالْكِبْرِيَاء، الَّذِي اصْطَفَى لِصَحِيح الْإِسْلَامِ فِي آخِرِ الزّمان صَفْوَة بريّته وهداهم إلى الحقّ الذي تنكّب عَنْه سَائِرُ خليقته، وجعلهم قوّامين بالقسط ذابّينَ علَ شرِيعَتِهِ وسنّته، نَحْمَدُه حقَّ الْحَمْدِ وأوفاهُ، وَنَسْأَلُه التّوفيقَ لِمَا يحبّه وَيَرْضَاه، ونرغب إليه المزيد من الفضل وَأَعْلَاه، والصّلاةُ والسّلامُ عَلَى سيّدنا مُحَمَّدٍ أَفْضَل النّبيّين وَخِيرَة الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ والتّابعين لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدّين أمّا بَعْد….
فَهَذِه سِلْسِلَة علميّةٌ بِعِنْوَانِ “الهِداية فِي بَيَانِ حدِّ الْإِسْلَام وَحَقِيقَة الْإِيمَانِ بَيْنَ التّأصيلِ والتّنزيلِ” .
أَسْأَلُ اللهَ التّوفيقَ والسّدادَ، وأستمدُّ مِنْهُ العَوْنَ والرّشاد، “اللهم لَك أَسْلَمْت وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ توكّلت وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وبك خاصمتُ، أَعُوذ بِعِزَّتِك، لاإله إلَّا أَنْتَ أنْ تُضلّني، أَنْت الحيّ الَّذِي لا يموت والجنّ وَالْإِنْس يموتُون” .
يَقُولُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي مُحْكَمِ التّنزيل: { فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦)} هُود _”قال قَتَادَة أَي: لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلِكُمْ مَنْ يَنْهَى عَنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، {إلا قَلِيلًا مِمَّن أنجينا منهم}” تَفْسِير الطّبري .
{ إلَّا قَلِيلًا } أَيْ قَدْ وُجِدَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْهَى عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ ولكنّهم قَلِيلٌ، وَهُم الَّذِينَ أنجاهم الله عزّ وَجَلّ، يعني الْفِرْقَة النّاجية، والطّائفةَ الَّتِي أَنْجَاهَا الْمَوْلَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى حِينَ حُلُولِ غِيَرِه وفجأةِ نِقَمه، لِذَلِك أَمَرَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الأُمَّة أَنْ يَكُونَ فِيهَا طَائِفَة تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَن الْمُنْكَرِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤) } آل عمران، قال مُقَاتِلُ بْن حيّان قَوْلُه: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أمّة} يَقُول: لِيَكُن مِنْكُم قَوْمٌ يَعْنِي: وَاحِدٌ أَو اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاث نَفَر فَمَا فَوْقَ .
{ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ } قَال مُقَاتِلِ بْنُ حيّان: يَدْعُونَ إلَى الْإِسْلَامِ .
كان أَبو الْعَالِيَةِ وكذلك عبدُ الله بنُ عبّاس يفسّرون الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ بِالدّعْوَةِ إلَى اللهِ وَحْدَهُ وَعِبَادَتَه لاشريك لَه، وَكَذَلِكَ الدُّعَاءُ مِن الشّرك إلَى الْإِسْلَامِ، فالدّعوة إلَى الْإِسْلَامِ هِيَ رَأْسُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَكَذَلِك النّهيُ عَن الشِّرك هُوَ رَأْسُ النّهي عَن الْمُنْكَرِ، وَوَرَدَت عِبَارَات وَأَلْفَاظٌ عِنْدَ السَّلَفِ أنّهم كَانُوا يفسّرون الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ بِالْأَمْر بِالْإِسْلَام، والدّعوة إلَيْه، وَكَذَلِك النّهي عَن الْمُنْكَرِ هُوَ النّهي عَن الشّرك وَنَحْوِه ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ كَمَا فِي تَفْسِيرِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ.

هَذِه القلّة الَّتِي ذُكرت فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُم الْغُرَبَاءُ الَّذِين جَاء وَصْفُهُمْ فِي السّنة النّبوية، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَال النّبي صلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم: “بدأ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ”، طوبي: فُعْلى مِن الطِّيبِ. قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَهذه اللَّفْظَة وَارِدَةٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالحاتِ طُوبَى لَهُم وحسنُ مَآب } الرّعد، روي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عبّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي مَعْنَى طُوبَى: فرَحٌ وقرّة عَيْن ، قَالَ عِكْرِمَةُ : نِعْمَ مالهم، وَقَال الضّحاك: غِبْطة لهم، قَالَ قَتَادَةُ :حسنَى لهُم، وعنه :أصابوا خَيْرًا، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخْعِيّ: خَيْرٌ لَهُمْ وكرامة . تَفْسِير البغويّ، وَقِيل: أَنَّهَا الْجَنَّة، وَقِيل: أنّها شَجَرَةٌ فِي الجنّة، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُحْتَمَلَةٌ فِي الْحَدِيثِ، وَهِيَ مِنْ تفسير التّنوّع، لأنّ مِنْ عَادَةِ السّلف عِنْد تفسيرهم يَذكر الْوَاحِدُ مِنْهُمْ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ المسمّى لِحَاجَة المستمِع إلَيْه، أَو للتّنبيه عَلَى الْجِنْسِ كَمَا لَوْ قَالَ الْعَجَمِيّ: (مالخبز ؟) فَيُعْطَى لَهُ رَغِيفًا فَيُقَالُ لَهُ: (هذا هو الخبز) ، أي أنّ هَذَا إشَارَةٌ إلَى الْجِنْسِ لَا إلَى الْعَيْنِ .
ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ فِي آحَادِ النّاس وقلّتهم ثمّ انْتَشَر وَظَهَر، ثمّ بَعْدَ ذَلِكَ سيلحقه النّقص وَالْإِخْلَال، حتّى لا يبقى إلَّا فِي آحَادِ النّاسِ، وَفِي قلّتهم أَيْضًا، فَكَمَا بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا سَيَعُودُ غَرِيبًا .
قَوْلُه: “بدأ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا”، يُرِيدُ بِهِ أنّ النّاس كَانُوا قَبْلَ مَبْعَثِهِ عَلَى ضَلَالَةٍ عامّة وَكُفْر عامّ، كَذَلِك يَعودُ فِي آخِرِ الزّمان، حَيْثُ يَكُونُ السّوادُ الْأَعْظَمُ عَلَى ضَلَالَةٍ عامّة وَكُفْر عامّ، وَتَبْقَى القلّة النّاجية ثَابِتَة عَلَى الْإِسْلَامِ والتّوحيد، كَمَا قَالَ النّبيّ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم فِي حَدِيثِ عِياضِ بْن حِمار: “إنّ اللهُ نَظَرَ إلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فمقَتَهم عربَهم وعجمَهم إلاّ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ” رواه مسلم، قَالَ فِي النّهاية: كَانَ فِي أوّل أَمَرَه كوحيد لا أهل عِنْدَه لقلّةٍ وَسَيَعُود أَي: (يَقِلُّون فِي آخِرِ الزّمان) قَال: فَطُوبَى أَي: الجنّة لِلْغُرَبَاء، أَي: لِلْمُسْلِمِينَ فِي أوّله وَآخِرِه لصبرِهم عَلَى أَذَى الكفّار ولزومهم الْإِسْلَامَ .
جَاءَ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَفِي ذِكْرِ صِفَةِ الْغُرَبَاء أطرافٌ وزياداتٌ فِي السّنن، فَقِيل أنّهم: النُّزَّاع مِن الْقَبَائِلِ، سُئل النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ فَقَالَ: “هم النُّزّاع مِن الْقَبَائِلِ” ، قَال الهَرَوِيّ: “أَرَادَ بِذَلِكَ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ هَجَرُوا أَوْطَانَهم إلَى اللهِ تَعَالَى” شرح مسلم، قَالَ أَبُو بَكْرٍ محمّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الآجُرِّي: “أَنْشَدَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ حُمَيد فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ :
بَدَأَ الْإِسْلَامُ حِينَ بَدَأَ غَرِيبًا *
وَكَيْف بَدَأ يَعُودُ عَلَى الدَّلَائِلِ *
فَطُوبَى فِيه لِلْغُرَبَاء طوبى*
لِجَمْع الْآخَرِين وللأوائل*
كَمَا قَالَ الرَّسُولُ وَمَنْ هُمُ*
قَال النّازعون مِن الْقَبَائِلِ “
رَوى كَذَلِك الآجُرِّي فِي كِتَابِهِ الْغُرَبَاء : “قيل مَنْ هُمْ يارسولَ الله ؟ قَال : “الذين يَصْلُحُون إذَا فَسَد النّاس”، وَعِنْدَ أَحْمَدَ كَذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “طوبى للغرباءِ، قلنا: ومَن الغرباءُ، قَال: قوم صَالِحُون قليلٌ فِي ناس سوءٍ كَثِير، مَنْ يَعْصِيهِمْ أكثرُ ممّن يُطِيعُهُم”، فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أنّ الْغُرَبَاء عَلَى قِسْمَيْنِ :
الأوّل : يُصْلِح نَفْسَه عِنْدَ فَسَادِ النّاس، يَرْجِع إلَى نفسه وأهلِه فيُصلحها ولا يتعدّاها .
والثّاني: مَنْ يُصْلح مَا أفسدَ الناسُ ويقومُ مقامَ الأنبياءِ، وَهَذَا مقامٌ عظيمٌ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ والنّهي عَنْ الْمُنْكَرِ، وَالصَّبْرِ عَلَى الْأَذَى فِي ذَلِكَ، وَهَذَا لَا شكّ أنّه أَعْلَى الْقِسْمَيْن وأفضلُهما، وَهِيَ مَرْتَبَة عَالِيَةٌ يَنَالُهَا الصّدّيقون وَالْعُلَمَاء الْعَامِلُون والثّابتون عَلَى أَمْرٍ الله تَعَالَى .
كَذَلِكَ وَرَدَ فِي الزّهد عندَ أحمدَ قَال: “إنّ أحبّ شَيْءٍ عِنْدَ اللهِ الغرباء”، هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ القلّة الثّابتون عَلَى الْإِسْلَامِ الصَّحِيح، حِين فَسَادِ النّاس وَعُمُوم الْكُفْر، وَعُمُوم الْبِدْعَة والضّلالة هُم أحبّ النّاس إلَى اللهِ .
قَال: “الفرّارون بِدِينِهِم يَبْعَثُهُمُ اللهُ مَعَ عِيسَى بنِ مريمَ” رواه أبو نعيم في الحليةِ، فَرَبَط النّبي صلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم بَيْن الْغُرَبَاء وَبَيْنَ عِيسَى بنِ مَرْيَم، فَيَكُونُون فِي آخِرِ الزّمان حِينَمَا تَكْثُر الْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ، ويَكْفر النّاس وَيَرْجِعُونَ إلَى عِبَادة الْأَوْثَانِ وَإِلَى عِبَادَة الطّواغيت، هَؤُلَاءِ هُم الثّابتون يَفِرُّون بالدِّين، لأنّ الرّجل قَد لا يستطيع أَن يَثبُتَ عَلَى أَمْرِهِ بَيْنَ قَوْمِهِ وَعَشِيرَتِه، لمّا جَاءَ الإِسْلَامُ كَانَ الرّجل إذَا أَسْلَمَ فِي قَبِيلَتِهِ وَحَيِّهِ غَرِيبًا فِيهِم، مُسْتَخْفِيًا بِإِسْلَامِه، يَلقى الجَفَاء بَيْنَ الْأَهْلِ وَالْعَشِيرَةِ، فَهُوَ بَيْنَهُمْ يتجرّع غُصَص الْجَفَاء وَالْأَذَى، وَكَذَلِك عَادَ الْإِسْلَامُ فِي هَذَا الزّمان، فَصَار غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ أوّلَ مرّةٍ لِكَثْرَة الْأَهْوَاء المُضلّة، وَالْمَذَاهِب الْمُخْتَلِفَة، وَالْأَدْيَان والنِحل الوضعيّةِ، حَتَّى صَارَ أَهْلُ الْحَقِّ فِي النَّاسِ غرباءَ لقلّتهم بَيْنَ هَذَا الغثاء، متدثّرين بحُلل الْعَنَاء، قابضين عَلَى جَمْرِ الْبَلَاء .
فاللّهم ارْبِط عَلَى قُلُوبِهِمْ وَآنِس وحشتهم وَأَحْسِن خاتمتهم .
مِنْ صِفَاتِ هَؤُلَاء الْغُرَبَاء كَذَلِك تَجْرِيد التّوحيدِ، والتّمسّك بالسّنةِ، فالموحّدُ لا يستطيعُ أَن يَثْبت عَلَى تَوْحِيدِهِ فِي هَذَا الزّمان إلاّ أَنْ يَكُونَ غَرِيبًا، فَهَذِه الْغُرْبَةُ إنّما تَقْتضِي مِنْهُ تَجْرِيدَ التّوحيد، وَالْفِرَار بِهِ وَ الثّبات وَالْحِفاظَ عَلَيْه، فَيَكُون رَأْس مَالِهِ تَوْحِيدُه ودِينه، وَكَذَلِك التّمسّك بالسّنّة حِينَمَا يَرْغَب عَنْهَا النّاس وَيَتْرُكُونَهَا ، ويُحْدِثون فِيهَا البدعَ والضّلالاتِ كَمَا أَحْدَثَه السّواد الْأَعْظَمُ فِي هَذَا الزّمان مِنَ الْمُشْرِكِينَ والكفّارِ، أَحْدَثُوا بِدَعًا وشرائعَ ما أنزل اللهُ بِهَا مِنْ سلطانٍ، وَدَخَلُوا فِي أَدْيَانٍ وَأَهْوَاء شَرَعَهَا لَهُم طَوَاغِيتُ هَذَا الزّمان، فالموحِّد يَفِرُّ ويَنأى بِدِينِه عَنْ ذَلِكَ كلِّه .
نَقُول أنّ الْإِسْلَام فِي هَذَا الزّمانِ قد عَاد غَرِيبًا كَمَا بَدَأ، وأنّه فِي هَذِهِ السّنين الخدّاعات أشدُّ غُرْبَة فِي هَذِهِ الْجَاهِلِيَّة النّكراء الَّتِي طَمَسَت عَلَى النّاس بصائرَهم وَخَتَمَت عَلَى قلوبِهم، فترَاهُم لا يعقلون ولا يفقهون ولا يسمعون وَلَا يُبْصِرُونَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٤) } الْفُرْقَان، قَالَ مُحَمَّد بْنُ الْحُسَيْنِ الآجُرِّي: “أَغْرَبُ الْغُرَبَاء فِي وَقْتِنَا هَذَا مَنْ أَخَذَ بِالسُّنَنِ وَصَبَرَ عَلَيْهَا، وَحَذِرَ الْبِدَعَ وَصَبَرَ عَنْهَا، وَاتَّبَعَ آثَارَ مَنْ سَلَفَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَرَفَ زَمَانَهُ وَشِدَّةَ فَسَادِهِ وَفَسَادِ أَهْلِهِ، فَاشْتَغَلَ بِإِصْلَاحِ شَأْنِ نَفْسِهِ مِنْ حِفْظِ جَوَارِحِهِ، وَتَرْكِ الْخَوْضِ فِيمَا لَا يعْنِيهِ، وَعَمِلَ فِي إِصْلَاحِ كَسْرَتِهِ، وَكَانَ طَلَبُهُ مِنَ الدُّنْيَا مَا فِيهِ كِفَايَتُهُ وَتَرَك الْفَضْلَ الَّذِي يُطْغِيهِ، وَدَارَى أَهْلَ زَمَانِهِ وَلَمْ يُدَاهِنْهُمْ، وَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ، فَهَذَا غَرِيبٌ وَقَلَّ مَنْ يَأْنَسُ إِلَيْهِ مِنَ الْعَشِيرَةِ وَالْإِخْوَانِ، وَلَا يَضُرُّهُ ذَلِك” كتاب الغرباء .
▪نَقِف هُنَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَن أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك .

يتبَع الْجُزْء الثّاني إنْ شَاءَ اللهُ . . . . . .

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى