السلاسل العلميةسلسلة أدلّة الأحكام

هل قول الصحابي حجة؟ : الدّرسُ الخامسُ: الجزءُ الثّالثُ

الجزءُ الثّالثُ : : تقرير الأدلة على عدم حجيّة قول الصحابي والرّدود على المخالف

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين …

نذكر هاهنا بحول الله وقوته الأدلة على عدم حجية قول الصحابي وجملة الردود على المخالفين في ذلك، والصواب الذي ندين لله عز وجل به أن قول الصحابي ليس بحجة في دين الله تبارك وتعالى ولكن يُستأنس بقوله ويقدم على غيره من آراء المجتهدين سواء من التابعين أو غيرهم، ونقول أن الصحبة عموما تعد أحد المرجّحات ويستأنس بها في مقام الترجيح، ونقول بأن الاستئناس والترجيح شيء والحجية شيء آخر، معنى الاستئناس والترجيح أن يُؤخذ بقول الصحابي حال تكافؤ الأدلة وتعادلها وليس الذهاب إليه والحالة هذه باعتباره دليلا، بل باعتباره أحد المرجحات التي تطمئن لها النفس ويقوى بها القول، وعلى ذلك نقول: أن معنى كون قول الصحابي ليس بحجة أي لا يخصص به عموم الكتاب والسنة ولا يقيد به مطلق الكتاب والسنة ولا يورد في محل النزاع كحجة يجب قبولها ويجب الرد إليها وكذلك اتباعها ونحو ذلك، كذلك للتابعي مخالفة قول الصحابي وليس له أن يحدث قولا ثالثًا إذا اختلف الصحابة على قولين فليس للتابعي أن يحدث قولا ثالثًا لأن ذلك يوجب نسبة الأمة إلي تضييع الحق والغفلة عنه، لأنه لو كان في المسألة قولًا ثالثًا وكان هو الحق لكانت الأمة قد ضيّعت هذا الحق وغفلت عنه وخلا العصر من قائم لله عز وجل بحجته ولم يبقى عليه أحد وذلك محال في جماعة الصحابة رضوان الله عليهم ..
الأدلة على عدم حجية قول الصحابي هو عدم الدليل على ذلك وكل ماذكره أصحاب المذاهب في ذلك نقول أنه ليس فيه مستمسك وليس فيه مايستمسك به على حجيّة الصحابة وهو ساقط في مقام الاستدلال، يدل على عدم حجية قول الصحابي قوله تعالى: { فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } النساء، وجه الاستدلال أن الله أمرنا بالرجوع إلى الكتاب والسنة ولم يذكر قول الصحابي، ولو كان حجة لأمر الله بالرجوع إليه سواء كان في هذه الآية أو في غيرها من الآيات، كذلك الدليل قد ورد بحجية إجماع الصحابة كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في هذه السلسلة، والله أمر باتباع سبيل المؤمنين فخرج بذلك أفرادهم أو بعضهم، يقول ابن قدامة: « لايخلو الإنسان من خطأ ومعصية والخطأ موجود من جميع الأمة وليس محالا، إنما المحال الخطأ بحيث يضيع الحق حتى لاتقوم به طائفة» روضة الناظر، كذلك نقول أنه لا دلالة في الأدلة العامة التي أوردوها في فضل الصحابة ورفعة منزلتهم على حجّيّة أقوال أحدهم، لأن قول العالم من الصحابة -رضوان الله عليهم- فضلا عن غيرهم من التابعين وأتباعهم هذا يجوز عليه الخطأ يعني يجوز إقرار قول الصحابي على الخطأ الذي لايخلو منه إلا المعصوم الذي عصمه المولى تبارك وتعالى من الأنبياء والمرسلين في التبليغ، وثبوت العدالة والفضيلة للصحابة لايستلزم عصمتهم من الخطأ ولا تلازم بين فضل مقام الصحبة وعظم شأنها وبين جعل أقوالهم حجة في دين الله تبارك وتعالى، ولا حجة في قول أحد المجتهدين كائنًا من كان، لجواز الغفلة والوهم والنسيان والخطأ ولا يمكن أن يعلّق الله تبارك وتعالى شرعه بمن هذا حاله لذلك لما أوجب طاعة الرسل والأنبياء عصمهم من الوقوع في الخطأ وجعل الحاكم على البشر هو الوحي والتوقيف وليس أقوال البشر من الصحابة أو من غيرهم، وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي -صلى الله عليه وسلم- كما قال ابن عباس وما يروى عن مجاهد وغيرهم: « ليس أحد بعد النبي ﷺ إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي ﷺ » رواه البيهقي وغيره، كذلك اتفقوا كما سبق معنا أن قول الصحابي لا يكون حجة على صحابي مثله فكيف يكون حجة على من جاء بعده، والصحابة لم ينكروا على التابعين حينما خالفوهم في مسائل كثيرة، ولو كان قول بعض الصحابة حجة لأوجبوا على التابعين الأخذ به ولأنكروا عليهم المخالفة، وكل هذا لم يقع فكان الصحابة يحيلون السائل إلى المجتهد من التابعين وربما تابعوهم في فتياهم ورجعوا عن أقوالهم إلى أقوال التابعين، قول الصحابي الذي سبق تحرير النزاع فيه الذي هو من قبيل الرأي والاجتهاد هذا نقول أنه ليس بتوقيف لأنه لو كان توقيفًا لكان من النّوع الذي سبق تقريره في أن له حكم المرفوع إلى النبي ﷺ بشروطه السابقة التي ذكرناها، وهذا لاشك أنه خارج عن محل النزاع إذ لو كان توقيفًا لنقل عن النبي ﷺ أو لرفعه الصحابي للنبي ﷺ بالقول أو بالمعنى كقوله أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا ومن السنة كذا، فلما خلا من هذه القرائن علمنا أنه مجرد قول لصحابي في مسألة من مسائل الفروع مأخذه الاجتهاد وليس التوقيف، فقول الصحابي إما يكون عن نقل أو عن اجتهاد، فإن كان عن نقل كان حجة كما سبق معنا، وإن كان عن اجتهاد يرجّح هذا الاجتهاد على غيره، هذا جملة على جهة الجنس وليس على جهة الأفراد على قول غيره لماذا ؟ لأن الصحابي عمومًا يرجّح قوله بمشاهدة التنزيل ومعرفة التأويل ونحو ذلك من وسائل الاجتهاد التي قد تؤدي إلى موافقة الحق والصواب غالبا، فقوله باعتبار غيره يكون أولى بالحق والصواب، مايذكرونه من الأدلة كحديث العرباض بن سارية الذي فيه: « فعليكم بسنتي وسنتة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ»، فالجواب على هذا الحديث نقول أن السنة في قوله: ” عليكم بسنتي وسنة الخلفاء ” السنة في الحديث هي الأمر بلزوم الطاعة للخلفاء والتحضيض عليها بأقصى الجهد الطاعة في طاعة الله تبارك وتعالى وطاعة النبي ﷺ أي عليكم بقبول إمارتهم وسنّتهم وفيه الأمر للأمة أن ينهجوا منهج الخلفاء الراشدين، منهجهم في العدل والإنصاف وعدم نقض أحكامهم ونحو ذلك، فالحديث غير منطو على صيغة العموم فالسنة ليس فيها قضية عموم بل هي لفظة محتملة والدليل على ذلك أنه لو كان يريد النبي ﷺ الإحتجاج بقول الصحابي على مايعتقده المخالفون لنا لما خصص الخلفاء بالذكر، فلما خصص الخلفاء بالذكر علمنا أنه أراد الطاعة للخلفاء، كذلك نقول أنه يلزمهم بهذا القول تحريم الخلاف على سائر الصحابة، إذا اتفق الخلفاء فليس لمن جاء بعدهم أن يخالفوه ونقول أنّ ذلك لم يكن بل كان الصحابة يخالفون الخلفاء ويصرحون بجواز الاجتهاد فيما ظهر لهم، وظاهر قولهم يعني المخالفين لنا تحريم مخالفة كل واحد من الصحابة إذا انفرد وإيجاب اتباع كل واحد منهم وهذا لاشك أنه محال مع اتساع الخلاف في مسائل الفروع، مما يفسر حديث العرباض ماورد عن عمر بن عبد العزيز قال: « سن النبي ﷺ وولاة الأمر بعده سننا الأخذ بها تصديق لكتاب الله واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في رأي من خالفها فمن اقتدى بما سنوا اهتدى ومن استبصر بها تبصر ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ماتولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرًا » الفقيه والمتفقه، انتهى كلامه -رحمه الله تعالى-. فنقول: أنه ليس المراد بسنة الخلفاء الراشدين ماذكروه ولكن مرادهم طريقتهم وكذلك سنتهم التي هي طريقة النبي ﷺ وسنته من جهاد أعدائه وتقوية شعائر الدين ونحوها، والخطاب هنا عام يعني ليس الخطاب هو للخلفاء الأربعة بل لكل خليفة راشد من الخلفاء الذين ذكروا بعد الخلفاء الأربعة فيجب عليهم موافقة سنة النبي ﷺ وطريقته والعض عليها بالنواجذ، يقول المرداوي: « وَاسْتدلَّ للْأولِ بِأَن ابْن عَبَّاس خَالف جَمِيع الصَّحَابَة فِي خمس مسَائِل فِي الْفَرَائِض انْفَرد بهَا، وَابْن مَسْعُود فِي أَربع، وَغَيرهمَا فِي غير ذَلِك، وَلم يحْتَج عَلَيْهِم أحد بِإِجْمَاع الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة، وَأَنه لَا حجَّة فِي الحَدِيث السَّابِق لمعارضته لحَدِيث: ” أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ ” لكنه ضَعِيف، وَبِتَقْدِير صِحَّته فَلَا مُعَارضَة؛ فَإِن المُرَاد مِنْهُ أَن الْمُقَلّد يتَخَيَّر فيهم، لَا أَن قَول كل حجَّة.
وَأما حَدِيث: ” عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء … ” فسياقه فِيمَا يكون حجَّة من حجج الشَّرْع.
وَإِنَّمَا الْجَواب: أَن المُرَاد أَن لَا يبتدع الْإِنْسَان بِمَا لم يكن فِي السّنة، وَلَا فِيمَا عَلَيْهِ الصَّحَابَة فِي زمن الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة لقرب عَهدهم بتلقي الشَّرْع” التحبير شرح التحرير، طبعًا حديث جابر « أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم »، حديث ضعيف جدا لا تقوم به حجة .
كذلك مايتمسكون به من أن أصحاب النبي ﷺ شاهدوا الوحي والتنزيل ومواقع الخطاب وشهدوا قرائن الأحوال قالوا فلا يصدر القول منهم مع ورود الشرع بإحسان الظن بهم إلا وهو الحق ونحو ذلك، نقول فهذا الذي ذكروه لا طائل تحته، فإنهم مع ذلك بصدد الزلل فلم تقم حجة قاطعة على الاستدلال بقولهم وليس فيما ذكروه معتصم، ومع ذلك نقول أنه يجوز للمقلد أن يأخذ الفتوى من الصحابة وهي أولى بالأخذ من غيرهم، فالفتوى بالآثار السلفية والفتاوى الصحابية، نقول هي أولى بالأخذ من آراء المتأخرين وفتاويهم وأقرب للصواب بحسب قرب أهلها من عصر النبوة ونحو ذلك، ففتاوى الصحابة أولى بالأخذ من فتاوى التابعين وفتاوى التابعين أولى بالأخذ من تابعي التابعين يعني جملة وَهَلُمّ جَرًّا، وكل ماكان العهد بالنبي ﷺ أقرب كان الصواب إن شاء الله تعالى أغلب، هذا الذي نذكره إن شاء الله تعالى في هذا المقام في حجية قول الصحابي، نقول أن قول الصحابي ليس حجة في دين الله تبارك وتعالى .

🖋. . . نقف عند هذا . . .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا انت أستغفرك وأتوب إليك .
🖋 انتهى الدرس الخامس بفضل الله تعالى .

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى