السلاسل العلميةسلسلة أدلّة الأحكام

هل قول الصحابي حجة؟ : الدّرسُ الخامسُ: الجزءُ الثَّانِي

الجزءُ الثَّانِي : قول الصحابي حكاية الخلاف ودليل كل قول

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد…
فنذكر هاهنا حكاية خلاف الناس في قول الصحابي هل هو حجة أو ليس بحجة، ونقول أن الخلاف في المسألة هو على ستة أقوال:
القول الأول: أنه ليس بحجة مطلقا يعني قول الصحابي ليس بحجة مطلقا هذا مذهب جمهور أهل الأصول من الأشاعرة والمعتزلة كالغزالي والآمدي وابن الحاجب وغيرهم، وأقول أن هؤلاء لايعتد بوفاقهم وخلافهم في مثل هذه المسائل والذي عزاه الشافعية إلى الإمام الشافعي في قوله الجديد أن قول الصحابي ليس بحجة مطلقا، وكذلك رواية عن الإمام أحمد (المسودة) اختاره أبو الخطاب من أصحابه، وروى أبو داود عنه أنه كان يقول: « ليس أحد إلا آخذ برأيه وأترك ماخلا النبي ﷺ » مسائل أبي داود، هذا لاشك أنه تصريح من الإمام أحمد أنه ماكان يعتبر قول الصحابي حجة لأنه قال ” آخذ وأترك ” فلما ترك علمنا أنه ماكان يرى أنه حجة إذ لو كان يرى أنه حجة فلا يسعه أن يترك قوله، ذكر القاضي عبد الوهاب المالكي أن الأصح الذي يقتضيه مذهب الإمام مالك أن قول الصحابي ليس بحجة وذهب إليه أبو الحسن الكرخي وابن حزم والشوكاني وغيرهم مما استدل به أصحاب هذا القول ماذكره الخطيب قال: « ومن قال إنه ليس بحجة استدل بأن الله تعالى إنما أمر باتباع جميع المؤمنين فدل على أن اتباع بعضهم لايجب ولأنه قول عالم يجوز إقراره على الخطأ فلم يكن حجة كقول التابعين والدليل على أنه ليس بتوقيف أنه لو كان كذلك لنقل في وقت من الأوقات عن النبي ﷺ فلما لم ينقل دل على أنه ليس بتوقيف » الفقيه والمتفقه، يأتي معنا إن شاء الله تعالى ذكر الأدلة على هذا القول بإذن الله تبارك وتعالى .

القول الثاني: أنه حجة مطلقا وهذا القول هو مشهور عن الإمام مالك وكذلك عليه أكثر المالكية وكذلك الحنابلة وذهب إليه بعض الشافعية، وقولهم أنه قول الصحابي حجة شرعية مقدّمة على القياس، فيقدمونه على القياس حال تعارض الأدلة يعني بين القياس وبين قول الصحابي، وهذا خلافًا لمن يقول أن قول الصحابي حجة إذا انضم إليها قياس هذا منسوب كذلك للشافعي وكذلك من يرى حجية قول الصحابي إذا خالف القياس كذلك منقول عن بعضهم، يقول الخطيب البغدادي : “فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ احْتَجَّ بِأَنَّ الصَّحَابِيَّ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَوْقِيفًا مِنَ النَّبِيِّ ﷺ أَوْ يَكُونُ اجْتِهَادًا مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ تَوْقِيفًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلَى الْقِيَاسِ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ أَقْوَى مِنَ اجْتِهَادِ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ شَاهَدَ رَسُولَ اللهِ ﷺ , وَسَمِعَ كَلَامَهُ، وَالسَّامِعُ أَعْرَفُ بِمَقَاصِدِ الْمُتَكَلِّمِ وَمَعَانِي كَلَامِهِ مِمَّنْ لَمْ يَسْمَعْهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادُهُ مُقَدَّمًا عَلَى اجْتِهَادِ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ وَخَالِدٌ الْحَذَّاءُ ــ روى بسنده ـــ عن أَيُّوبَ , قَالَ: «إِذَا بَلَغَكَ اخْتِلَافٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فَوَجَدْتَ فِي ذَلِكَ الِاخْتِلَافِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ , فَشُدَّ يَدَكَ بِهِ, فَإِنَّهُ الْحَقُّ, وَهُوَ السُّنَّةُ” ــ روى بسنده ـــ وعن خَالِدٍ , قَالَ: «إِنَّا لَنَرَى النَّاسِخَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ ﷺ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ»” الفقيه والمتفقه، هذا لاشك أنه ليس فيه دلالة على ماذهب إليه أصحاب هذا القول .

القول الثالث: أن قول أحد الخلفاء الأربعة فقط حجة أما بقية الصحابة ليس بحجة، ويذهب إليه بعض الحنابلة كالبرمكي وغيره، يقول البرمكي : أنه يحرم مخالفة أحد الأربعة، وهو قول بعض الشافعية وكذلك رواية عن الإمام أحمد، يقول القاضي أبي يعلى: “وهو ظاهر كلام أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد، وقد سأل أحمد عمن زعم أنه لا يجوز أن يخرج من قول الخلفاء إلى من بعدهم من الصحابة، لأن رسول الله ﷺ قال: «وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين» قال: فناظرني في بعض ما قال الصحابة، ثم رأيته قد قَنِع بهذا القول، وقال: “ما أبعد هذا القول أن يكون كذلك»” العدة، هذا لاشك أنه بعيد، نقل ابن منصور ماهو أصرح من هذا فقال: « قلت: قول ابن عباس في أموال أهل الذمة العفو، قال أحمد: عمر جعل عليهم ما قد بلغك كأنه لم ير ماقاله ابن عباس» مصنف عبد الرزاق، قال أبو حفص البرمكي في شرحه مسائل ابن منصور: «إنما لم ير ما قال ابن عباس، لأن أحد الخلفاء إذا رُوي عنه شيء، وروي عن غير الخلفاء ضده، فالذي يلزم اتباعه ما جاء عن أحد الخلفاء لقول النبي ﷺ: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجِذ»، يقول البيهقي: “وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ــ أي الشافعي ــ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْقَوْلِ دَلَالَةٌ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ كَانَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِمْ، فَإِنْ اخْتَلَفُوا صِرْنَا إلَى الْقَوْلِ الَّذِي عَلَيْهِ دَلَالَةٌ، وَقَلَّمَا يَخْلُو اخْتِلَافُهُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا بِلَا دَلَالَةٍ نَظَرْنَا إلَى الْأَكْثَرِ، فَإِنْ تَكَافَئُوا نَظَرْنَا أَحْسَنَ أَقَاوِيلِهِمْ مَخْرَجًا عِنْدَنَا، وَإِنْ وَجَدْنَا لِلْمُفْتِينَ فِي زَمَانِنَا أَوْ قَبْلَهُ إجْمَاعًا فِي شَيْءٍ تَبِعْنَاهُ، فَإِذَا نَزَلَتْ نَازِلَةٌ لَمْ نَجِدْ فِيهَا وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فَلَيْسَ إلَّا إجْتهَادُ الرَّأْيِ، فَهَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ – رَحِمَهُ اللهُ -” إعلام الموقعين. إن هذه الروايات التي نقلت عن أحمد وكذلك الشافعي في فتواهم في بعض الفروع نقول: أن ليس فيها تصريح بإثبات الحجية لقول أحد الخلفاء الأربعة أو لقول أحد الصحابة، إنما هو ترجيح لقول بعضهم بقرائن منفصلة، وفي الرد على زعم هذا وأن هذا يؤخذ منه إثبات لقول هؤلاء بحجية قول الصحابي أو حجية قول الخلفاء الأربعة، يقول القاضي أبو يعلى: « دليلنا: أنه لو كان حجة لم يجز لمن بعده أن يخالفه فيه ( يعني الصحابي )، كما إذا أجمعوا على حكم لم يجز لمن بعدهم أن يخالفهم فيه، وقد روي من خلاف عمر لأبي بكر في التسوية في العطاء وخلاف علي في بيع أمهات الأولاد، وغير ذاك مما اختلفوا فيه علمنا: أن قول واحد منهم بانفراده لا يكون حجة” العدة، قوله: “علمنا خلاف عمر لأبي بكر في التسوية” فهذا منقول وأخرج البيهقي في سننه في باب التسوية في القسمة عن يزيد بن أسلم أنه قال: « ولي أبو بكر فقسم بين الناس بالسوية فقيل لأبي بكر: ياخليفة رسول الله لو فضلت المهاجرين والأنصار فقال أشتري منهم شرى؟ فأما هذا المعاش فالأسوة فيه خير من الأثرة”، أما عمر فكان يرى التفاضل في العطاء كما أخرج البخاري في صحيحه باب هجرة النبي ﷺ وأصحاب المدينة قال: « كان (أي عمر) فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف وفرض لابنه ثلاثة آلاف وخمسمئة ».

القول الرابع: أن قول ابي بكر وعمر رضي الله عنهما حجة دون بقية الصحابة وهذا القول استفادوه من كلام الشافعي وغيره يقول الشافعي: «قُلْت: أَقُولُ مَا كَانَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَوْجُودَيْنِ فَالْعُذْرُ عَمَّنْ سَمِعَهُمَا مَقْطُوعٌ، إلَّا بِاتِّبَاعِهِمَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ صِرْنَا إلَى أَقَاوِيلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَوْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُمَّ كَانَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ أَبِي بَكْرٍ أَوْ عُمَرَ أَوْ عُثْمَانَ إذَا صِرْنَا فِيهِ إلَى التَّقْلِيدِ أَحَبَّ إلَيْنَا وَذَلِكَ إذَا لَمْ نَجِدْ دَلَالَةً فِي الِاخْتِلَافِ تَدُلُّ عَلَى أَقْرَبِ الِاخْتِلَافِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَيُتَّبَعُ الْقَوْلُ الَّذِي مَعَهُ الدَّلَالَةُ» الأم، فاستدل من يرى أن قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حجة دون بقية الصحابة بأحاديث منها الأحاديث التي فيها فضيلة أبي بكر وعمر منها قوله عليه الصلاة والسلام: « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » هذا الحديث ضعيف ليس فيه دلالة على ما ذكروا .

القول الخامس: قالوا أن قول الصحابي حجة إذا وافق القياس أما إذا خالف القياس فليس بحجة، وهذا أشار إليه الشافعي في الرسالة فيما إذا اختلفت أقوال الصحابة، فما وافق القياس فهو عنده حجة ونسبه إليه الباقلاني في الجديد نقلا عن المزني كما نسبه إليه القاضي حسين واختاره ابن القطان، يقول الشافعي: « إذا اختلفوا أصحاب النبي ﷺ نظر أتبعهم للقياس إذا لم يوجد أصل يخالفهم تُبع أتبعهم للقياس قد اختلف عمر وعلي في ثلاث مسائل القياس فيها مع علي وبقوله أخذ …. ” ذكرنا هذه المسائل الثلاث في ماسبق ثم ذكرها ورجّح ماكان قوله أتبع للقياس، قال الشافعي كذلك : “وَإِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ بِمَكَّةَ حَمَامًا مِنْ حَمَامِهَا فَعَلَيْهِ شَاةٌ اتِّبَاعًا لِعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَنَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِمْ رِضْوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ – وَقَدْ زَعَمَ الَّذِي قَالَ فِيهِ قِيمَةٌ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ وَاحِدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَقَدْ خَالَفَ أَرْبَعَةٌ فِي حَمَامِ مَكَّةَ” الأم، واستدل من يرى حجية قول الصحابي إذا وافق القياس أن قول الصحابي يتقوّى بالقياس فيكون حجة، هذا القول يُشكل عليه قول من يقول أن القياس حجة فيرجع القول إلى الحجية في القياس وليس في قول الصحابي، ولكن أصحاب هذا القول حملوه على ما إذا تعارض قياسان وكان أحدهما قول الصحابي، يعني إذا تعارضت الأقيسة فكان في أحد الأوجه قول صحابي فيقدم على القياس الآخر، وهذا لاشك أنه في حقيقة أمره يكون قول الصحابي مجرد مرجّح وليس دليلا مستقلا وحجة بذاته ويرجع إليه، فخلاصة كلام الشافعي الذي سبق معنا أنه يذهب للإستئناس بقول الصحابة فإذا أيدها قياس كانت أقوى من غيرها وإذا

كانت من الخلفاء الأربعة أو من أبي بكر وعمر كانت أبَر

القول السادس والأخير: أن قول الصحابي حجة إذا خالف القياس وأفتى أحمد في مسائل متعددة بما يوافق هذا القول، وبه قال بعض الأشاعرة وقرروا أن مخالفة الصحابي للقياس قرينة على أن قوله ليس من باب الرأي بل هو من باب التوقيف لمّا يخالف الصحابي القياس قالوا هذا فيه دلالة على أن قوله لايقال من قبيل الرأي ولكنه من قبيل التوقيف، واستدل من يرى أن قول الصحابي حجة إذا خالف القياس قالوا مخالفة القياس لا تكون إلا عن توقيف من النبي ﷺ وعندها يكون قوله له حكم الرفع، ووجه استدلالهم أنّ الصحابي إذا قال قولا يخالف القياس من المعقول فإما ألا يكون فيما قال له مستند أو له مستند، ولا جائز أن يقال بالأول وإلا كان قائلا (أي الصحابي) في الشريعة بحكم لا دليل عليه، وحال الصحابي يعني حاله من العدالة والتقوى والورع ينافي ذلك، وإن كان الثاني له مستند فلا مستند وراء القياس إلا النقل فكان القول هنا حجة متبعة، وهذا القول طبعا يرجع إلى قول الصحابي الذي سبق معنا الذي يكون له حكم المرفوع عن النبي صل الله عليه وسلم وسبق بيانه وذكره وتفصيله.

  • 🖋.. نقف هنا ..
    سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
  • 🖋 انتهى الجزء الثاني بفضل الله تعالى.

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى