السلاسل العلميةسلسلة وقفات رمضانية مع آيات الوحدانية

وقفات رمضانية مع آيات الوحدانية (١)

  • مقدمة في الحث على تدبر كتاب الله .
  • وقفة مع قوله تعالى: “إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ”.

    بسم الله الرحمن الرحيم❅ الحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور❅ والصلاة والسلام على من بلغ الرسالة وأدى الأمانة .. وبين لنا سائر الأمور❅ أما بعد :
       ❅ فإن الله تبارك وتعالى قد حمد نفسه على إنزال هذا القرآن العظيم❅ فقال تعالى: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا}❅ وجعله ميسرا للأفهام : [وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (22)] “سورة القمر”❅ وضمنه ألوان الهدايات فقال تعالى: [إِنّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلّتِي هِيَ أَقْوَمُ] “سورة الإسراء”❅ وجعله في غاية الوعظ والتأثير: [ولَوْ أَنـزلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (٢١)] “سورة الحشر”❅ ودعا عباده إلى تدبره: “كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)” [ص]❅ وأنكر على من لم يرفع بذلك رأسا فقال: [أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القرآن] “محمد”، وقال: [أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْل (68)] “المؤمنون”❅ وذكر ذلك في مواضع من كتاب الله تبارك وتعالى❅ وهذا يدل على عظم شأن التدبر وجلالة قدره❅ لأنه طريق لتعقل معاني القرآن❅ والاعتبار بأمثاله وزواجره❅ والتأدب بآدابه❅ والامتثال لأوامره والاتعاظ بمواعظه❅ يقول ربنا تبارك وتعالى في محكم التنزيل: [أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)] “النساء”❅ روي عن الضحاك في قوله: [يَتَدَبَّرُونَ] قال: |النظر فيه|❅ فمعنى تدبر القرآن: تأمل معانيه وتبصر ما فيه❅ فهو تحديق ناظر القلب إلى معانيه❅ وجمع الفكر على تدبره وتعقله❅ ففي هذه الآية أمر الله تبارك وتعالى عباده بتدبر القرآن❅ ونهاهم عن الإعراض عنه❅ والتدبر يكون بــ : تفهم معاني القرآن المحكمة وتمعن ألفاظه البليغة.

        وكتاب الله تبارك وتعالى لا اختلاف فيه❅ ولا اضطراب ولا تضاد ولا تعارض❅ لأنه تنزيل من حكيم حميد يقول ربنا تبارك وتعالى كذلك: [أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤)]❅ – أم – بمعنى: بل، قال: {أفلا يتدبرون القرآن❅أم على قلوب أَقْفالُها} ❅ يقول البغوي: [أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤)] (فلا تفهم مواعظ القرآن وأحكامه)❅ فذكر القفل بمعنى انغلاق القلب عن فهم القرآن.
       وإن خير ما يرزقه العبد هو فهم لمراد الله عز وجل❅ وهو فهم يؤتاه المرء في كتاب الله تبارك وتعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم❅ سئل شريك عن قوله تبارك وتعالى: [يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ] قال: الفهم ❅ ومن بركات هذا الشهر الفضيل أن الله تبارك وتعالى قد أنزل فيه القرآن قال تعالى: [شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ]❅ فهو شهر القرآن تلاوة وتدبرا وعملا❅ لذلك ارتأينا أن نقدم لإخواننا المسلمين وقفات مع آيات التوحيد❅ وكذلك آيات الولاء والبراء❅ وكذلك قد نقف في بعض الأحيان مع بعض آيات الوعظ والرقائق في كتاب الله تبارك وتعالى متدبرين لها متفهمين لمعانيها❅ يكون ذلك إن شاء الله تعالى بداية من سورة الفاتحة ثم البقرة ثم آل عمران❅ وهكذا ما تيسر من كتاب الله تبارك وتعالى❅ ونسأل المولى جل في علاه التوفيق والسداد❅ ونستمد منه العون والرشاد.

     • يقول ربنا تبارك وتعالى في سورة الفاتحة: [إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ]، قرأ السبعة وكذلك جمهور القراء بتشديد الياء من قوله: [إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ]، وقرأ عمرو بن فايد بتخفيفها مع الكسر: “إِيَاك”، هذه القراءة بالتخفيف مع الكسر قراءة شاذة❅ وهي قراءة مردودة❅ لذلك ينبغي أن ينتبه المسلم في قراءته لسورة الفاتحة في صلاته وغير ذلك من هذا الموضع❅ فلا يخفف قوله: “إيّاك”❅ بل يشدد❅ لأن “إيَا”: ضوء الشمس❅ وهذا فيه تحريف للمعنى.

    • سورة الفاتحة معلوم أنها اشتملت على أمهات المطالب العالية❅ فاشتملت على التعريف بالمعبود تبارك وتعالى حيث أنها تضمنت على ثلاثة أسماء من أسماء الله تبارك وتعالى الحسنى❅ وهي مرجع الأسماء، ومدار الأسماء عليها وهي: الله❅ والرب❅ والرحمان❅ وكذلك اشتملت على النبوة❅ وكذلك المعاد والربوبية❅ والألوهية❅ قوله: {إياك نعبد وإياك نستعين}: نصت على الإلهية والربوبية❅ {فإياك نعبد} مبنى على الإلهية، {وإياك نستعين} على الربوبية❅ وقد قدم {إياك نعبد} على {إياك نستعين} لأن العبادة لله تبارك وتعالى هي المقصودة❅ والاستعانة وسيلة إليها❅ فالاهتمام والحزم أن يقدم ما هو الأهم فالأهم❅ قال تعالى: [إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ]❅ فقدم الضمير المنفصل [إياك] على الفعل الذي هو نعبد وكذلك نستعين❅ وهذا يدل على الاختصاص❅ ومعناه: لا نعبد سواك ولا نستعين بغيرك❅ وتقديم المفعول الذي هو: [إيَّاك]: يفيد معنى الاهتمام وكذلك الحصر في معنى قوله: [لا نعبد إلا إياك] ولا نتوكل إلا عليك❅ وهذا هو كمال العبودية وكذلك كمال الطاعة❅ والدين كله يرجع إلى هذين المعنيين في كمال العبودية وكمال الطاعة❅ فيكون المعنى: |ليس لنا رب سواه نعبده|❅ وليس لنا رب سواه نرجوه❅ وليس لنا رب سواه نتوكل عليه❅ وليس لنا رب سواه نسأله ونستغيث به❅ وكيف نعبد غيره❅ أو نستعين بسواه وهو الخالق❅ وما سواه مخلوق❅ وهو الرب وما دونه مربوب❅ وكيف نرجو غيره أو نخشى سواه❅ ولا يملك النفع والضر إلا هو جل في علاه❅ فالمسلم ينبغي عليه أن يستشعر هذه المعاني❅ فليس إلا الله وهو الناصر وهو المعين❅ ولو اجتمع العالم بأسره على أن يكيد لك كيدا❅ أو يمكر بك مكرا أو يتربص بك لم يكن ذلك إلا باذن الله تبارك وتعالى❅ فينبغي أن يقع في قلب المسلم هذا ويعتقده ويعلق قلبه بربه جل في علاه❅ يقول أبو جعفر في تأويل قوله تعالى: [إياك نعبد] “لك اللهم نخشع، ونذل، ونستكين إقرارا لك يا ربنا بالربوبية لا لغيرك، روى عن عبد الله بن عباس قال: (قال جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد (إياك نعبد) إياك نوحد ونخاف ونرجو يا ربنا لا غيرك، (وإياك نستعين) قال: (إياك نستعين على طاعتك وعلى أمورنا كلها)، يقول قتادة في قوله: (إياك نعبد وإياك نستعين) قال: (يأمركم أن تخلصوا له العبادة وأن تستعينوه على أمركم)❅ يقول كذلك بعض السلف أن الفاتحة هي: سر القرآن❅ وسر الفاتحة هذه الكلمة: [إياك نعبد وإياك نستعين]❅ ففي الشطر الأول (إياك نعبد) فيه تبرؤ من الشرك بالله تبارك وتعالى❅  ولا شك أن البراءة من الشرك براءة من أهله المشركين❅ والثاني: تبرؤ من الحول والقوة❅  وفيه تفويض الأمر إلى الله عز وجل❅ وهذا المعنى قد ورد في غير آية من كتاب الله تبارك وتعالى كما في قوله: { فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [هود: 123].❅ وقوله: {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} الملك، وقوله: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} [المزمل:٩]،❅ هذا فيما يتعلق بقوله تبارك وتعالى: [إياك نعبد وإياك نستعين]❅ لنا وقفات بحول الله وقوته مع آيات التوحيد والولاء والبراء وبعض آيات الوعظ والرقائق نقف معها إن شاء الله تعالى في هذا الشهر الفضيل.

   •نقف هنا سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى