السلاسل العلميةسلسلة أدلّة الأحكام

مبحث الإجماع ٣ : الدَّرْسُ الثّامن: الْجُزْءُ الأوّل

الْجُزْءُ الأوّل : تقرير عدم إمكان وقوع الإجماع في غير عصر الصحابة

• بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين… لا يزال حديثنا متواصلا في سلسلة أدلة الأحكام نذكر ها هنا مسألة عدم إمكان وقوع الإجماع في غير عصر الصحابة، والذي ندين الله عز وجل به أن الإجماع هو إجماع الصحابة الذين شهدوا هبوط الوحي والتنزيل، أعيذوا من التحريف والتبديل حتى حفظ الله بهم الدين على عموم المسلمين، وصانه عن ثلم القادحين والمبدلين، ونقول أنه لا يتصور إمكان الإطلاع على الإجماع إلا في زمن الصحابة، يعني قبل انتشار علمائهم في الأمصار، أما بعد عصر الصحابة فيتعذر غالبا العلم بالإجماع مع سعة الأقطار وكذلك كثرة عدد المجتهدين يعني فلا يمكن ضبط أقوال هؤلاء المجتهدين، فدعوى الإجماع بعد الصحابة لا يخفى على أحد بعدها، وإن كنا نعتقد أنه لا يمتنع الإحتجاج بإجماع من جاء بعض الصحابة من القرون الثلاثة المفضلة إذا ثبت هذا الإجماع، أي يتصور وقوع الإجماع ولكن يستبعد العلم به، يعني قد يقع الإجماع ويتفقون ولكن العلم بهذا الإتفاق وبهذا الإجماع هذا الذي نستبعده كما هو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وهو قول ابن حبان وكذلك قول الطبري وداود الظاهري وابن حزم وابن تيمية وانتصر له الشوكاني، أما ما يشترطه أهل الأصول من الشروط التي يشترطونها في الإجماع التي لم نذكرها ولم نعقب عليها في هذه السلسلة لكثرة الخلاف عليها فهذه شروط أكثرها يعسر إثباته، كاشتراط انقراض العصر، وكذلك اشتراطهم في الإجماع أن يكون إجماعا عاما نطقيا، واشتراطهم تواتر النقل، وكذلك عدم رجوع المجتهد عن قوله حتى انقراض العصر ونحو ذلك مما يذكر أهل الأصول، فنقول أن هذه الشروط تعطيه نوعا من الامتناع، يعني هذا الإجماع الذي يذكر بتلك الشروط حقيقة يمتنع تطبيقه في كثير من الإجماعات التي نقلت وعلمت، وفي المقابل ترى كثيرا من الفقهاء إذا حزبهم الأمر وأعوزتهم الحجة ادعوا الإجماع في مسائل اشتهر فيها الخلاف حتى أوهنوا الإجماع، وفقد الإجماع الذي يحكيه كثير من المتأخرين قيمته العلمية فسقط عن مرتبة الحجية إلى مرتبة الاستئناس بعدم الخلاف، ونحن كثير ما نذكر بعض الإجماعات التي نذكرها وننقلها عن بعض المتأخرين، فنقول أن نقل إجماع عن بعض المتأخرين إنما هو ليس في مقام الحجية ولكن في مقام الاستئناس بعدم الخلاف، وإن كنا نعتقد بأن الإجماع المنضبط الذي هو إجماع يجب قبوله والعمل به إنما هو إجماع الصحابة، يقول الشافعي: «لستُ أقول ولا أحدٌ من أهل العلم “هذا مجتمع عليه “، إلا لما تَلْقى عالماً أبدا إلا قاله لك وحكاه عن من قبله، كالظهرُ أربعٌ، وكتحريم الخمر، وما أشبه هذا، وقد أجده يقول: “المجمع عليه” وأجد من المدينة من أهل العلم كثيراً يقولون بخلافه، وأجد عامة أهل البلدان على خلاف ما يقول: “المجتمع عليه”» الرسالة، هذا الذي ذكرناه وقررناه هنا ومذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى كما نقله عنه أصحابه، قال الخلال : «وكان يقول الإمام أحمد إن الإجماع إجماع الصحابة»، هذه مقالة الإمام أحمد، والناظر في فروعه يجد أنه قلّ ما يحتج بالإجماع، وإذا احتج إنما يحتج بإجماع الصحابة، يقول الخلال: «وكان يقول: إن صح إجماع بعد الصحابة في عصر من الأعصار قلت به» العقيدة رواية الخلال، “إن صح” يعني علّق الاحتجاج بصحة وقوع الإجماع كما سبق معنا أنه يتصور وقوعه ولكن يعسر العلم به، يقول صالح : « وسألته عن سورة الأنفال وسورة التوبة: هل يجوز للرجل أن يفصل بينهما ب: {بسم الله الرحمن الرحيم} ؟، قال أبي: ينتهى في القرآن إلى ما أجمع عليه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يزاد فيه ولا ينقص» مسائل صالح، وقال: “وسألت أبا عبد الله عمن يقول: أنا أقف في القرآن تورعًا، قال: ذاك شاك في الدين، إجماع العلماء والأئمة المتقدمين على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، هذا الدين الذي أدركت عليه الشيوخ، وأدرك الشيوخ من كان قبلهم على هذا” طبقات الحنابلة، فحكى إجماع من مرتبة شيوخ شيوخ أحمد وهم التابعون، وقد نص أحمد في رواية عبد الله وأبي الحارث:”في الصحابة إذا اختلفوا لم يُخْرَج من أقاويلهم، أرأيت إن أجمعوا له أن يخرج من أقاويلهم؟ هذا قول خبيث، قول أهل البدع، لا ينبغي أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا” العدة للقاضي أبي يعلى، هذه صورة النزاع بيننا وبين النظامية، من يرد إجماع الصحابة ويرى تجويز الخروج على مذهب الصحابة، فنقول أن هذا قول خبيث فالخروج على إجماع الصحابة قول أهل البدع، كما قال الإمام أحمد هاهنا، قال عبد الله سمعت أبي يقول: «ما يدعى الرجل فيه الإِجماع هذا الكذب، من ادعى الإجماع فهو كذب، لعل الناس قد اختلفوا، هذه دعوى بشر المريسي والأصم، ولكن يقول: لا يعلم، الناس يختلفون، أو لم يبلغه ذلك، ولم ينته إليه فيقول: لا يعلم، الناس اختلفوا» مسائل عبد الله، بعضهم نقل هذا النقل عن أحمد، وقال بأن أحمد يرد الإجماع ولا يقول به، ولا شك أن هذا قصور في فهم مراد أحمد من هذه الرواية مع جمع الروايات التي تكلم فيها أحمد في الإجماع، وروايات نقل أحمد للإجماع وان قلّت، فنقول: بأنه أراد في هذه الرواية إجماع غير الصحابة، لأن إجماع الصحابة عند أحمد حجة معلوم تصوره كما سبق معنا نقل أن الإجماع عند أحمد هو إجماع الصحابة، فالإمام أحمد ذكر هنا في رد الإجماع ويقول “لا يعلم الناس يختلفون هذه دعوة بشر المريسي والأصم”، لأن أحمد كان يذكر الحديث فيخالف ويعارض بالإجماع، فيذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون: هذا إجماع العلماء، فيقول إجماع من إجماع أهل الكوفة، إجماع المدينة إجماع من هذا، قال أن هذه دعوى الإجماع إنما هي دعوة باطلة، نقل المروذي عنه أنه قال: “كيف يجوز للرجل أن يقول أجمعوا، إذا سمعهم يقولون أجمعوا فاتهمهم، لو قال أني لم أعلم لهم مخالفا جاز” ااعدة، كلامه في مقابلة من صار ينقل الإجماع مع وجود الخلاف، إذا كثير من المتأخرين ينقلون إجماعات كثيرة وهي إجماعات مع وجود الخلاف، قال أحمد: « هذا كذب ما أعلمه أن الناس مجمعون لكن يقول لا أعلم فيه اختلافا قال وهو أحسن من قوله إجماع الناس»، ونفي علمه بالخلاف لا ينفي وجود الخلاف، قال المرداوي وعن أحمد (يعني رواية وهو الصحيح من أقوال أحمد): ” يختص بهم الصحابة، وقاله الظاهرية” قال تقي الدين بن تيمية: « لا يكاد يوجد عن أحمد احتجاج بإجماع بعد التابعين أو بعد القرون الثلاثة» التحبير شرح التحرير. كذلك روي عن نعيم بن حماد يقول: «سَأَلْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ عِنَ الْحَدِيثَيْنِ الْمُثْبَتَيْنِ يَجِيئَانِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ يُحِلُّ أَحَدُهُمَا وَيحرم الآخر، قَالَ أُؤْمِن بِهِمَا وَأُسْلِمُ لَهُمَا وَأَخْتَارُ، قَالَ نُعَيْمٌ يَعْنِي وَأَخْتَارُ مِنْ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مَعَ أَحَدِ قَوْلَيِ النَّبِيِّ ﷺ إِذَا لَمْ أَعْرِفِ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا» ذم الكلام وأهله، ممن ذهب إلى أن الإجماع هو إجماع الصحابة أبو حاتم محمد بن حبان كما ذكر ذلك في صحيحه قال: «فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِينَ قُعُودًا إِذَا صَلَّى إِمَامُهُمْ قَاعِدًا مِنْ طَاعَةِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا الَّتِي أَمَرَ عِبَادَهُ وَهُوَ عِنْدِي ضَرْبٌ مِنَ الْإِجْمَاعِ الَّذِي أَجْمَعُوا عَلَى إجَازَتِهِ، لِأَنَّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَرْبَعَةٌ أَفْتَوْا بِهِ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَقَيْسُ بْنُ فهْدٍ، وَالْإِجْمَاعُ عِنْدَنَا إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ شَهِدُوا هُبُوطَ الْوَحْيِ والتنزيل وأعيذوا من التحريف والتبديل حَتَّى حَفِظَ اللهُ بِهِمُ الدِّينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَصَانَهُ عَنْ ثَلْمِ الْقَادِحِينَ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ خِلَافٌ لِهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ لَا بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ وَلَا مُنْقَطِعٍ فَكَأَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا صَلَّى قَاعِدًا كَانَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ أَنْ يُصَلُّوا قُعُودًا” صحيح ابن حبان، كذلك ممن قال بهذا القول الطبري، قال الطبري: «إن الإجماع هو نقل المتواترين لما أجمع عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الآثار» الإحكام، فكلام الطبري يفيد أن الصحابة يجمعون على الآثار، يعني مستندهم في ذلك الآثار، وكذلك يشترط في الإجماع هو نقل المتواترين، وهذا لا شك أنه قد يكون بعيد، يقول ابن عبد البر: « وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَمَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: ١١٥] لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ لَا يَصِحُّ مَعَهُ هَذَا الظَّاهِرُ ” وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ» وَعِنْدِي أَنَّ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ لَا يَجُوزُ خِلَافُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى جَمِيعِهِمْ جَهْلُ التَّأْوِيلِ، وَفِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: ١٤٣] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ جَمَاعَتَهُمْ إِذَا اجْتَمَعُوا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ كَمَا أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ عَلَى جَمِيعِهِمْ، وَدَلَائِلُ الْإِجْمَاعِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَثِيرَةٌ لَيْسَ كِتَابُنَا هَذَا مَوْضِعًا لِتَقَصِّيهَا وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ» جامع بيان العلم وفضله. في حكاية الخلاف في المسألة يقول الشوكاني: « وَجَعَلَ الْأَصْفَهَانِيُّ الْخِلَافَ فِي غَيْرِ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَقَالَ: الْحَقُّ تَعَذُّرُ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْإِجْمَاعِ لَا إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ حَيْثُ كَانَ الْمُجْمِعُونَ وَهُمُ الْعُلَمَاءُ مِنْهُمْ فِي قِلَّةٍ، وَأَمَّا الْآنَ وَبَعْدَ انْتِشَارِ الْإِسْلَامِ وَكَثْرَةِ الْعُلَمَاءِ فلا مطمع للعلم بِهِ.
قَالَ: وَهُوَ اخْتِيَارُ أَحْمَدَ مَعَ قُرْبِ عَهْدِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقُوَّةِ حِفْظِهِ وَشِدَّةِ اطِّلَاعِهِ على الأمور النقلية. قال: والمنصف يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا خَبَرَ لَهُ مِنَ الْإِجْمَاعِ إِلَّا مَا يَجِدُهُ مَكْتُوبًا فِي الْكُتُبِ، وَمِنَ البين أنه لا يحصل “الاطلاع” إِلَّا بِالسَّمَاعِ مِنْهُمْ أَوْ بِنَقْلِ أَهْلِ التَّوَاتُرِ إِلَيْنَا، وَلَا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ، وَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُمْ فَلَا. انْتَهَى» إرشاد الفحول. وقال كذلك الشوكاني: “وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى اخْتِصَاصِ حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ دَاودُ الظَّاهِرِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ عَنْهُ: الْإِجْمَاعُ أَنْ يَتَّبِعَ مَا جَاءَ عن النبي ﷺ وَعَنْ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ فِي التَّابِعِينَ مُخَيَّرٌ” إرشاد الفحول، قال ابن حزم: «وَالْإِجْمَاعُ هُوَ مَا تُيُقِّنَ أَنَّ جَمِيعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ عَرَفُوهُ وَقَالُوا بِهِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، كَتَيَقُّنِنَا أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ ـــ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ــــ صَلَّوْا مَعَهُ ﷺ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ كَمَا هِيَ فِي عَدَدِ رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا، أَوْ عَلِمُوا أَنَّهُ صَلَّاهَا مَعَ النَّاسِ كَذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ صَامُوا مَعَهُ، أَوْ عَلِمُوا أَنَّهُ صَامَ مَعَ النَّاسِ رَمَضَانَ فِي الْحَضَرِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الشَّرَائِعِ الَّتِي تَيَقَّنَتْ مِثْلَ هَذَا الْيَقِينِ، وَاَلَّتِي مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِهَا لَمْ يَكُنْ مِن الْمُؤْمِنِينَ وَهَذَا مَا لَا يَخْتَلِفُ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ إجْمَاعٌ، وَهُمْ كَانُوا حِينَئِذٍ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ لَا مُؤْمِنَ فِي الْأَرْضِ غَيْرُهُمْ، وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ غَيْرَ هَذَا هُوَ إجْمَاعٌ كُلِّفَ الْبُرْهَانَ عَلَى مَا يَدَّعِي وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ» المحلى. يقول الزركشي: «وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَا يَقْتَضِي إنْكَارَهُ، قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللهِ: مَن ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَقَدْ كَذَبَ، لَعَلَّ النَّاسَ قَدْ اخْتَلَفُوا، وَلَكِنْ يَقُولُ: لَا يَعْلَمُ النَّاسُ اخْتَلَفُوا إذْ لَمْ يَبْلُغْهُ، قَالَ أَصْحَابُهُ: وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا عَلَى جِهَةِ الْوَرَعِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ خِلَافٌ لَمْ يَبْلُغْهُ، أَوْ قَالَ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِخِلَافِ السَّلَفِ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَدْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ الْإِجْمَاعِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَأَجْرَاهُ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ عَلَى ظَاهِرِهِ» البحر المحيط، يقول الشوكاني: «فإذا العلم باتفاق الأمة لا يحصل إلا بعد معرفة كل واحد منهم، وذلك متعذر قطعاً، ومن ذا الذي يعرف جميع المجتهدين من الأمة في الشرق والغرب وسائر البلاد الإسلامية؟ فإن العمر يفنى دون مجرد البلوغ إلى مكان من الأمكنة التي يسكنها أهل العلم، فضلاً عن اختبار أحوالهم، ومعرفة من هو منهم من أهل الإجماع، ومن لم يكن من أهله، ومعرفة كونه قال بذلك أو لم يقل به، والبحث عمن هو خامل من أهل الاجتهاد بحيث لا يخفى على الناقل فرد من أفرادهم، فإن ذلك قد يخفى على الباحث في المدينة الواحدة فضلاً عن الإقليم الواحد، فضلاً عن جميع الأقاليم التي فيها أهل الإسلام، ومن أنصف من نفسه: علم أنه لا علم عند علماء الشرق بجملة علماء الغرب والعكس، فضلاً عن العلم بكل واحد منهم على التفصيل، وبكيفية مذهبه، وبما يقول في تلك المسألة بعينها، وأيضاً قد يحمل بعض من يعتبر في الإجماع على الموافقة وعدم الظهور بالخلاف: التقية، والخوف على نفسه، كما أن ذلك معلوم في كل طائفة من طوائف أهل الإسلام، فإنهم قد يعتقدون شيئاً إذا خالفهم فيه مخالف خشي على نفسه من مضرتهم، وعلى تقدير إمكان معرفة ما عند كل واحد من أهل بلد وإجماعهم على أمر، فيمكن أن يرجعوا عنه أو يرجع بعضهم قبل أن يجمع أهل بلد آخر، بل لو فرضنا حتماً إجماع العالم بأسره في موضع واحد، ورفعوا أصواتهم دفعة واحدة قائلين: قد اتفقنا على الحكم الفلاني فإن هذا – مع امتناعه – لا يفيد العلم بالإجماع، لاحتمال أن يكون بعضهم مخالفاً فيه، وسكت تقية وخوفاً على نفسه، وأما ما قيل: مِن أنّا نعلم بالضرورة اتفاق المسلمين على نبوة نبينا محمد ﷺ فإن أراد: الاتفاق باطناً وظاهراً، فذلك مما لا سبيل إليه البتة، والعلم بامتناعه ضروري، وإن أراد ظاهراً فقط استناداً إلى الشهرة والاستفاضة، فليس هذا هو المعتبر في الإجماع، بل المعتبر فيه: العلم بما يعتقده كل واحد من المجتهدين في تلك المسألة، بعد معرفة أن لا حامل له على الموافقة، وأنه يدين لله بذلك ظاهراً وباطناً، ولا يمكنه معرفة ذلك منه إلا بعد معرفته بعينه، ومن ادعى أنه يتمكن الناقل للإجماع من معرفة كل من يعتبر فيه من علماء الدنيا، فقد أسرف في الدعوى، وجازف في القول لِما قدمنا من تعذر ذلك تعذراً ظاهراً واضحاً ورحم الله الإمام أحمد بن حنبل فإنه قال: من ادعى وجود الإجماع فهو كاذب» إرشاد الفحول.
وخلاصة كلامهم في أسباب عدم إمكان العلم بالإجماع وتعسر ذلك أنهم قالوا:
•أنه يتعذر عرض المسألة الواحدة على الكافة من المجتهدين المتفرقين في الأمصار.
كذلك يتعذر النقل عنهم في المسألة الواحدة فضلا أن يكون ذلك تواترا عنهم.
كذلك قالوا: لو ذهب ذاهب من العلماء إلى مذهب ما، فما الذي يؤمن من بقائه على مذهبه وإصراره عليه إلى أن يطبق النقل عامة الأرض.
هذا هو جملة كلامهم في أسباب عدم إمكان العلم بالإجماع وتعسره بعد عصر الصحابة من التابعين والتابعين لهم بإحسان .

🖋. . . نقف عند هذا . . .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

🖋 انتهى الجزء الأول بحمد الله.

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى