السلاسل العلميةسلسلة تعلموا الإسلام

الانقياد لله بالطاعة ٢: الدرس السادس

سلسلة تعلَّموا الإسلام | لفضيلة الشيخ محمد بن سعيد الأندلسي - حفظه الله تعالى الدرس السادس _ الانقياد لله بالطاعة ٢ 

﷽، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين أمَّا بعد:

– فلا يزال حديثنا في شرح حقيقة الإسلام، وقفنا عند الركن الثاني من أركان الإسلام وهو: الانقياد لله تعالى بالطاعة والاتباع، والانقياد لله عز وجل يكون بقَبول شرعهِ والتلقي عنه وحده دونما سواه، ويكون التلقي عنه في الأصول الأربعة وهي:

العقائد والأخبار، والمناسك والشعائر، والشرائع و الأحكام، ونظام الملك ومنهج الحياة.

إذن الانقياد لله تعالى يكون بقبول شرعه والتلقي عنه، وطاعة أمره، والعمل بدينه قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾[الأحزاب ٣٦]، فالإسلام يقوم على قنطرة التسليم لله تبارك وتعالى والانقياد لشرعه ودينه قال تعالى: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ [الزمر : ٥٤]، قال الطبري: “يقول: واخضعوا له بالطاعة والإقرار بالدين الحنيف”.

  • الطاعة في الشريعة: هي امتثال الأمْر على جهة الاختيار وعدم المُخَالفة له، وقيل: “الطَّاعَةَ هِيَ: مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ الدِّينِيِّ الشَّرْعِيِّ”، فالطاعة أعم من العبادة.
    فالعبادة هي: اسم لكل طاعة أديت على جهة الخضوع لله تعالى.
    أما الطاعة: فأعم من العبادة لأن الله أذن بطاعة أولي الأمر الشرعي: كالأمراء والآباء والأزواج، ولم يأذن جل وعلا بعبادة أحد سواه لا نبي مرسل، ولاملك مقرب، ولاصالح ولاغيره. لذلك نقول: أنَّ الطاعة قد تكون عبادةً لغير الله ــ من المشرعين والأرباب ــ في صورة الانقياد مع الخضوع، فإذا انقاد المكلف للمشرعين والأرباب من دون الله تبارك وتعالى مع الخضوع وهي صورة قبول التكليف عنهم والامتثال والدخول في العمل فنقول: أن هذا شرك في الطاعة، وقد صرف عبادة لغير الله تبارك وتعالى.
    إذن فلا بد من وجود قبول التكليف الذي هو في معنى اتخاذ الأرباب، والتلقي عن هؤلاء الطواغيت، وامتثال الأمر والدخول في العمل، فخرج بذلك صورة مطلق الموافقة من غير خضوع وهذه لها صور كثيرة، ونحن يهمنا صورة المسلم الذي يعيش تحت سلطان الطواغيت وتحت هذه الأنظمة الطاغوتية، فهذا المسلم قد تجري عليه بعض الأحكام قهرا دون اختيار منه أو قبول للتكليف وجريان الأحاكم لا يكون شركا بالله في الطاعة وله حكمه باعتبار المخالفة، أما شرك الطاعة فيكون في صورة قبول التكليف الذي هو موافقة الأمر مع الخضوع، أو كما سبق معنا صورة الانقياد مع الخضوع…، هذا الذي ذكرته دلت عليه أدلة في مسألة الذي ينقض هذا الأصل الذي هو الانقياد لله بالطاعة والاتباع، فينقضه ما ذكرنا الذي هو: الشرك بالله تبارك وتعالى، والذي هو صرف هذه الطاعة التي هي عبادة لهؤلاء الطواغيت قال الله تعالى: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا﴾ [ البقرة : ٢٢]، فالأنداد هم الطواغيت وكذلك الأرباب كما سماهم الله تعالى، وهذه الآية فسرها ابن عباس رضي الله عنه وعن مُرَّة عن ابن مسعود رضي الله عنه ، وعن من أصحاب النبي ﷺ: «فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ» قال:« أكفَّاءً من الرجال تطيعونهم في معصية الله»، والطاعة طبعا وردت مقيدة في كتاب الله تبارك وتعالى بمخالفة الشريعة سواء كانت آية الأنعام أو حتى تفاسير السلف لهذا الباب.
    فالشأن إنما في مخالفة الشريعة، لأن ما وافق الشريعة فقد شرعه الله تعالى، أما ما خالف الشريعة وسنه الأرباب والطواغيت وألزموا الناس به فمن دخل في طاعة هؤلاء بالتلقي عنهم، وقبول التكليف والدخول في العمل فقد عبدهم من دون الله تبارك وتعالى وهذه هي صورة العبادة، لذلك هنا الله تبارك وتعالى يقول: «فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ» فذكر الجعل في هذه الآية، فالجعل في هذه الآية هو اتخاذ الأرباب كما في آية التوبة وآل عمران، وهنا سماهم السلف الأكفاء من الرجال وهؤلاء هم المُتَخذين من دون الله، فاتخذهم في التلقي فانتخبوا عليهم، وجعلوا لهم سلطان التشريع أو حق التشريع من دون الله، ثم تلقوا عنهم الشرائع، ثم امتثلوا هذه الشرائع في حياتهم اليومية، فصورة شرك الطاعة موجودة في عموم هذه الديار وهي من أظهر صور الشرك فيها. فمسألة الاتخاذ وكذلك الجعل ونحو ذلك معتبر في تصور حقيقة شرك الطاعة قال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣١]، فالله تبارك وتعالى سماها ربوبية -اتخاذ-، قال الطبري: “فنهاهم الله تعالى أن يُشركوا به شيئًا، وأن يعبدوا غيرَه، أو يتخذوا له نِدًّا وَعِدلا في الطاعة”، فالناس اتخذوا هؤلاء المشرعين والأرباب فاتخذوهم، فهؤلاء شرعوا وسنوا، والمعبودين تلقوا هذه الشرائع وعملوا بها، وهذه هي صورة شرك الطاعة الموجودة في الناس اليوم وهي صورة الربوبية التي كانت في بني إسرائيل، كما ذكر ذلك الربيع بن أنس عن أبي العالية: قال: قلت
  • لأبي العالية: كيف كانت الرُّبوبية التي كانت في بني إسرائيل؟، قال: «ما أمرونا به ائتمرنا، وما نهونا عنه انتهينا لقولهم، وهم يجدون في كتاب الله ما أمروا به وما نهوا عنه، فاستنصحوا الرجالَ، ونبذُوا كتاب الله وراء ظهورهم»، فسماها السلف ربوبية وهي الاستسلام للطواغيت في التلقي، وقبول التكليف عنهم، والعدول عن شريعة الله وأمره إلى شرعهم وأمرهم … وهذا المعنى الذي أشار إليه ابن كثير في تفسير قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ وهذا التفسير نسبه لعامة السلف فقال: “أَيْ: حَيْثُ عَدَلْتُمْ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ لَكُمْ وَشَرْعِهِ إِلَى قَوْلِ غَيْرِهِ، فَقَدَّمْتُمْ عَلَيْهِ غَيْرَهُ فَهَذَا هُوَ الشِّرْكُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ‌﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّه﴾.
  • قال عبد الرحمن بن حسن كلاما قيما في كتابه فتح المجيد في قوله: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّه} دلت على أن من أطاع غير الله ورسوله، وأعرض عن الأخذ بالكتاب والسنة في تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحله الله، وأطاعه في معصية الله، واتبعه فيما لم يأذن به الله، فقد اتخذه ربا ومعبودا وجعله لله شريكا، وذلك ينافي التوحيد الذي هو دين الله الذي دلت عليه
  • كلمة الإخلاص”لا إله إلا الله”، فإن الإله هو المعبود، وقد سمى الله تعالى طاعتهم عبادة لهم وسماهم أربابا، كما قال تعالى: ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا﴾ أي: شركاء لله تعالى في الطاعة: {أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} وهذا هو الشرك .. فكل معبود رب وكل مطاع ومتبع على غير ما شرعه الله ورسوله فقد اتخذه المطيع المتبع ربا ومعبودا كما قال تعالى في آية الأنعام: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُون} وهذا هو وجه مطابقة الآية للترجمة.
  • إذن قوله: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ﴾، وقوله: ﴿وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّه﴾ يدل على أن الاتخاذ والدينونة لهؤلاء بالطاعة هو من صفة شرك الطاعة، وهو الذي يذكره بعض من تأخر ويسميه قبول التكليف عنهم في التحليل والتحريم كما قال البقاعي: “ولما كان المراد بالمشركين مع عباد الأوثان أهل الكتاب الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله لقبولهم منهم التحليل والتحريم”.
  • فإن قيل لك: ما هو حد شرك الطاعة وماهي صفته؟. فقل صورة شرك الطاعة هي: قبول التكليف من الطواغيت المشرعين، والانقياد لهم في تحليل الحرام أو تحريم الحلال، أو تغيير أحكام الوضع، أو إسقاط الواجبات كتغير أحكام الوضع ونحو ذلك…، وهذه الصفة دلت عليها آيات التوبة والأنعام وآل عمران، فدلت مجموع الآيات مع تفاسير السلف على هذه الصفة. كذلك من السنة: روي عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لما دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَفِي عُنُقِ عَدِيّ صَلِيبٌ مِنْ فِضَّةٍ، فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ﴾، قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوهُمْ. فَقَالَ: « بلَى، إِنَّهُمْ حَرَّمُوا عَلَيْهِمُ الْحَلَالَ، وَأَحَلُّوا لَهُمُ الْحَرَامَ، فَاتَّبَعُوهُمْ، فَذَلِكَ عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهُمْ” فالنبي قال: “اتَّبَعُوهُمْ” فالاتباع يكون مع التلقي، أو قل هو: قبول التكليف. ونقول: أنَّ قبول التكليف والتلقي له دلالة ظاهرة وليس محصورا في الباطن كما يذكر الأشاعرة القرطبي وابن عربي وغيره… فيحصلون هذا الشرك كله في الباطن، وهذا لا شك أنه يجري على أصول هؤلاء في باب الكفر والإيمان.
    لذلك نقول: أن عموم الناس في هذه الديار هم داخلين في طاعة الطواغيت ونحن نراهم ولانعلم مافي قلوبهم لكن نعتقد أن هؤلاء الطواغيت مشركون شرك الطاعة … فهم داخلون في طاعة الطواغيت من دون الله منقادين لهؤلاء، خاضعين لأمرهم، مشركين شرك الطاعة والاتباع، فعموم الناس في هذه الديار وقعت في شرك الطاعة، وشرك الطاعة هو من أظهر الشرك الموجود في هذه الديار، أظهر من شرك العبادة، وإن كان شرك الحكم ثم تلازم بين شرك الطاعة وشرك الحكم، فعموم الناس في هذه الديار واقعين في شرك الطاعة متابعين لما شرعه هؤلاء الطواغيت، وهذا المعنى ذكره الشنقيطي في أضواء البيان في تفسيره لآية الحكم: {وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا}، قال: “دلت على أن أَنَّ مُتَّبِعِي أَحْكَامِ الْمُشَرِّعِينَ” يذكر لفظ الاتباع كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان لفظ “الاستحلال” ورد في بعض الروايات المرفوع منها ضعيف، وكذلك وردت عند بعض السلف، ونحن نقول قد يكون شرك الطاعة فيه موافقة في الظاهر وفي الباطن، ولكن حصر الشرك في الباطن لم يرد عن السلف، لأنها وردت ألفاظ تدل على الظاهر -المتابعة- وهي لفظ يدل على المتابعة في الظاهر، فحصره في الباطن لا شك أنه خلل في الباب كله، وليس خلل في صورة شرك الطاعة.
  • الشنقيطي يقول: ” أَنَّ مُتَّبِعِي أَحْكَامِ الْمُشَرِّعِينَ غَيْرِ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ أَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ بِاللَّهِ، وَهَذَا الْمَفْهُومُ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ فِي مَنِ اتَّبَعَ تَشْرِيعَ الشَّيْطَانِ فِي إِبَاحَةِ المَيْتَةِ بِدَعْوَى أَنَّها ذَبِيحَة اللَّه: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} فهذه الآية «وأن أطعتموهم إنكم لَمُشْرِكُونَ» هي أظهر آية في شرك الطاعة، فهي في اتباع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله كما ورد في تفسير هذه الآية: “فَصَرَّحَ بِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ بِطَاعَتِهِمْ، وَهَذَا الْإِشْرَاكُ فِي الطَّاعَةِ، وَاتِّبَاعِ التَّشْرِيعِ الْمُخَالِفِ لِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُرَادُ بِعِبَادَةِ الشَّيْطَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ
  • عَدُوٌّ مُّبِينٌ}.
  • وَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ إِبْرَاهِيمَ: ﴿يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا}. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَّرِيدًا}.
  • ثم ذكر آيات ثم قال: “وَمِنْ أَصْرَحِ الأَدِلَّةِ فِي هَذَا: أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا فِي «سُورَةِ النِّسَاءِ» بَيَّنَ أَنَّ مَنْ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى غَيْرِ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ يَتَعَجَّبُ مِنْ زَعْمِهِمْ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِأَنَّ دَعْوَاهُمُ الْإِيمَانَ مَعَ إِرَادَةِ التَّحَاكُمِ إِلَى الطَّاغُوتِ بَالِغَةٌ مِنَ الْكَذِبِ مَا يَحْصُلُ مِنْهُ الْعَجَبُ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ}، ثم قال: “وَبِهَذِهِ النُّصُوصِ السَّمَاوِيَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا يَظْهَرُ غَايَةَ الظُّهُورِ: أَنَّ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الْقَوَانِينَ الْوَضْعِيَّةَ الَّتِي شَرَعَهَا الشَّيْطَانُ عَلَى أَلْسِنَةِ أَوْلِيَائِهِ مُخَالِفَةً لمَا شَرَعَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ، أَنَّهُ لَا يَشُكُّ فِي كُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ إِلَّا مَنْ طَمَسَ اللَّهُ بَصِيرَتَهُ، وَأَعْمَاهُ عَنْ نُورِ الْوَحْيِ مِثْلَهُمْ” .
  • إذن هذا هو مسألة الانقياد لله تبارك وتعالى بالطاعة والاتباع وماينقضه من شرك الطاعة، وهناك دلالات على كفر المسلم في هذه الديار ووقوعه في شرك الطاعة منها:
  • التجنس أو طلب جنسية الدول الطاغوتية: كمن يذهب للدول الأوروبية ويطلب الجنسية، فمقتضى التجنس هو القبول بقوانين والتشريعات الشركية.
    كذلك التجنس هو: قبول ضمني للمشاركة في العملية السياسية التي هي الانتخاب ونحو ذلك …، كذلك هو إقرار على هذه الديانة الديموقراطية، وكذلك هو قبول للتكاليف من الطواغيت والحاكمين هؤلاء، كذلك هو قبول بالالتزام بالواجبات … احترام القوانين … نصرة الطواغيت … الدخول في جيوش هؤلاء … فكل هذا يدل عليه طلب الجنسية وهو طلب للدخول في هذه الديانة التي هي الديانة الديموقراطية، فطلب التجنس في مثل هذه الديار هو دلالة ظاهرة على قبول التكليف. كذلك الانتخاب على الطواغيت هو دلالة ظاهرة على قبول التكليف وهو كفر بالله تبارك وتعالى. كذلك الدخول في المؤسسات الطاغوتية: التي فيها لوائح .. وفيها أنظمة داخلية، هذه اللوائح فيها مخالفة للشريعة … فيها مصادمة للشريعة، فيها تشريعات غير ما شرعه الله تبارك وتعالى، فالدخول في مثل هذه المؤسسات الكاغوتية لا شك أنه لا يخلو من قبول التكليف من هؤلاء المشرعين، وطاعتهم لمخالفة الشريعة، والاتباع لهذه القوانين وهذه الشرائع التي سنها هؤلاء الطاغوت في مثل هذه المؤسسات.
    فالانقياد لله تبارك وتعالى إنما يتعارض معه الانقياد لغيره من الأنظمة الوضعية التي وضعها الطواغيت، فالانقياد لله تبارك وشرعه يتعارض معه الانقياد إلى مؤسسات هذا النظام الذي يبنى على مصادمة الشريعة …
  • والتحليل والتحريم، فالانقياد لهذه الانظمة كفر بالله تبارك وتعالى، فهؤلاء العاملين في مثل هذه المؤسسات العلمانية الطاغوتية هم منقادون لهذه القوانين تجري عليهم هذه الأحكام اختيارا، فالذي يذهب لمثل هذه المؤسسات التي فيها لوائح وقوانين تصادم الشريعة ثم يريد الدخول فيها اختيارا -ولا شك أنه يجري بينه وبين هذه المؤسسات عقود – فيعقد معها عقودا، وهذه العقود هي دلالة على قبول التكليف، وقبول المتابعة لهذه الأنظمة الوضعية الموجودة في هذه المؤسسات فيدخل في هذه المؤسسة ويتلقى الأمر والنهي من هؤلاء الطواغيت فلا شك أن هذه هي صورة من صور شرك الطاعة.
  • فالدخول في هذه المؤسسات تحقق فيه صورة الشرك الطاعة التي هي قبول التكليف مع الانقياد والامتثال لهذه القوانين المصادمة للشريعة، لذلك هؤلاء الذين يدخلون في هذه المؤسسات الطاغوتية (أي: مؤسسة فيها نظام وتكليف يصادم الشريعة) وأنت قبل ما تدخل في هذه المؤسسة تعرض عليك هذه الأنظمة وهي مضادة للشريعة فتوافق عليها ضمنا، وتقبل التكليف والتلقي من مدير المؤسسة فتتلقى منه تلك النظم والقوانين التي تخاطب كافة العاملين في هذه المؤسسات فيُلزمون بها، ويخضعون لها، ويعلمون بمقتضاها، فنقول: أنه من دخل مثل هذه المؤسسات فهو مشرك شرك طاعة بالصورة التي ذكرنا قبل.
  • كذلك استخراج التراخيص لبيع المحرمات:
  • فقد درج في هذه الديار … درج الطواغيت على حصر بيع المحرمات، وكذلك ارتكاب الفواحش والمنكرات في بعض الأوكار والأماكن أو النقاط المعينة ولا يكون ذلك إلا باستخراج التراخيص وهي الإذن في بيع هذه المحرما، فمحلات بيع الخمور والمحرمات والفنادق هي إنما أوكار تمارس فيها الرذيلة وكلها مرخصة من الطواغيت، فيذهب هذا المكلف ويعطيه الطاغوت الإذن في بيع هذا، وهذا مقام التحليل، فهذا قد طلب التحليل من الطاغوت، تحليل هذه المحرمات وهذا لا شك أنه شرك ظاهر، ففعله ظاهرا يدل على أنه مشرك شرك طاعة فقد تلقى من الطاغوت وقبل عنه التكليف ثم فتح المحل وباع هذه المنكرات والمحرمات.
  • هذه بعض الصور التي ذكرت لك هي بعض الصور الدارجة في مثل هذه المجتمعات، التي يقع فيها الكثير من الناس وهي دلالات ظاهرة على شرك الطاعة مثل: ما ذكرنا التجنس بجنسيات الغرب، وكذلك ذكرنا الدخول في بعض المؤسسات التي هي مؤسسات طاغوتية فيها لوائح كفرية وفيها نظم تعارض الشريعة في الدخول
  • وعقد العقود مع هذه الشركات الذي هو يتضمن قبول التكليف، ثم الامتثال والتلقي عن هؤلاء الطواغيت، فهذا لا شك أنه من صور شرك الطاعة، كذلك استخراج التراخيص التي هي الإذن بتحليل ما حرم الله -تبارك وتعالى- فهو صورة من صور شرك الطاعة، لذلك المسلم لا بد أن يتلقى عن الله -تبارك وتعالى- الأمر والنهي فنقول: أن الانقياد والخضوع لنظام وضعي -أيا كان هذا النظام الوضعي- وطاعة قوانيه والخضوع له يصادم ويعارض الانقياد لله -تبارك وتعالى- بالطاعة، فأما الانقياد لأمر الله -تبارك وتعالى- وترك الانقياد لغيره من الأنظمة الوضعية فهذا هو الإسلام الذي ارتضاه الله -تبارك وتعالى- لنا دينا، أو الانقياد للطواغيت ونظام ملكهم والدخول في دينهم عبر هذه المؤسسات هذا لا ينفع معه الاعتقاد، كما يقول: بعض الناس: |أنا أعتقد البطلان، أو أعتقد أن هذا حرام|، لكن ظاهر الأمر يدل على الدخول في هذا الدين -فصرت أنت مكلفا تتلقى الأمر والنهي من هذا الطاغوت وتمتثل- وهذا لا شك أن ظاهره قبول التكليف، فالإنسان المسلم في مثل هذه الجاهلية لا يسلم له دينه إلا باعتزال هذه الأنظمة الجاهلية، وعدم المشايعة لها كما قال الله -تبارك وتعالى- عن خليله إبراهيم: «وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا».
  • فالخروج من الجاهلية يكون خروجا صحيحا كما سبق معنا في الدرس الأول باعتقاد بطلانها، وبطلان أوضاعها، والبراءة من أهلها يعني: البراءة من الجاهليين -الشعوب الجاهلية- وترك المتابعة، والانقياد لأنظمتها الطاغوتية، كانت أنظمة عامة أو كانت أنظمة خاصة في بعض المؤسسات التي ذكرناها قبل، بهذا الترك وبهذا الاعتقاد وبهذه البراءة يكون صحيح الإسلام، هذا الإسلام الذي ينجو به المرء من ظلمات الجاهلية في هذا الزمان وحمأة الكفر، لذلك حتى تتحقق العبودية لله -تبارك وتعالى-، يجب أن يكون الإنسان في يومه وليله وجميع أحواله عبدا لله -تبارك وتعالى- لا يتلقى إلا منه الأمر والنهي، فيخرج جملة من عبودية الطواغيت وعبودية البشر في حياته، ويكون منقادا لربه جل وعلا فلا يستمد أمرا ولا دينا ولا شرعا إلا من كتاب ربه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
  • هذا إن شاء الله في الركن الثاني من أركان الإسلام الذي هو الانقياد لله -عز وجل- بالطاعة والاتباع وبيان حقيقة شرك الطاعة وما وقع فيه عموم الناس في مثل هذه الديار.
  • • سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى