السلاسل العلميةسلسلة أدلّة الأحكام

حجيّة السّنّة والرّدّ على النّكرانيّين: الدرس الثاني: الجزء الأول

الجزء الأول: تابع حجيّة السّنّة والرّدّ على النّكرانيّين

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد:
فلا يزال حديثنا متواصلا في سلسلة أدلة الأحكام سبق معنا ذكر الحجج والبينات من كلام الله عز وجل على حجية السنة، وسردنا أنواع الدلالات على ذلك والتي منها الإخبار بصدقه، وكذلك أمر الله سبحانه بطاعته، والتحذير من مخالفة أمره وغير ذلك.
ومن الأدلة على حجيَّة السنَّة قوله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرا أَن يَكُونَ لهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (36)} الأحزاب، يقول ابن أبي زمنين: يعني: إِذَا فَرض اللهُ ورَسُولُهُ شَيْئا {أَن تكون لَهُم الْخيرَة} يَعْنِي: التخير {من أَمرهم} {وَمن يَعْصِي اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبينًا} تفسير ابن أبي زمنين، كذلك قوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} الحشر، يقول ابن أبي زمنين: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} نزلت فِي الْغَنِيمَة ثمَّ صَارَت بعد فِي جَمِيع الدّين. قَالَ: {وَمَا نهاكم عَنهُ} من الْغلُول {فَانْتَهوا} وَهِي بعد فِي جَمِيع الدّين. تفسير ابن أبي زمنين انتهى كلامه رحمه الله تعالى والآيات في هذا المعنى كثيرة جدًا ولله الحمد والمنة، وكلها نصوص صريحة في وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم واتباع سنته الصحيحة الثابتة عنه، لذلك نقول أنَّ السنة هي مصدر من المصادر التي تثبت بها العقائد الخبرية، وكذلك الأخبار عموما، وكذلك الأحكام الشرعية العملية تثبت بها استقلالا سواء وردت على جهة التواتر أو كانت آحادًا فهي توجب العلم والعمل جميعا، يقول الشافعي : “وما سَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ليس لله فيه حكم فبحكم الله سنّه، وكذلك أخبرنا الله في قوله “وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم” وقد سنَّ رسول الله مع كتاب الله وسنّ فيما ليس فيه بعينه نص كتاب، وكل ما سنّ فقد ألزمنا الله اتباعه وجعل في اتباعه طاعته، وفي العنود عن اتباعها معصيته التي لم يعذر بها خلقا، ولم يجعل له من اتباع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخرجا لما وصفت” الرسالة، انتهى كلامه رحمه الله تعالى. بعد ذكرنا جملة من الأدلة في كتاب الله تبارك وتعالى على حجية السنة نذكر الأدلة من السنة على على حجية السنة
طبعا ليس المخاطب هاهنا مَن ينكر حجية السنة ابتداء كالزنادقة النكرانيين ولكن نحن نخاطب في هذا الفصل بإذن الله تبارك وتعالى جملة المسلمين ممن يثبت السنة ويحتج بها يزداد بذلك إن شاء الله إيمانا ويقينا وإن كان هؤلاء الزنادقة من النكرانيين يحتجون بأحاديث من السنة على عدم حجية السنة كحديث عرض السنة على الكتاب والحديث الموضوع وغيرها وكذلك يحتجون بأحاديث مكتوبة على النهي عن الكتابة كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى في ذكر شبههم في هذا الباب. يقول البيهقي في دلائل النبوة: “ولولا ثبوت الحجة بالخبر- لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته بعد تعليم من شهد أمر دينهم-: ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع”ثم أورد حديث: «نضر الله امرأ سمع منا حديثا فأداه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع» وهذا الحديث حديث متواتر كما بيّنه البيهقي، يقول الشافعي: “فلما ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها دل على أنه لا يأمر أن يؤدى عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه، لأنه إنما يؤدى عنه حلال يؤتى وحرام يجتنب وحد يقام، ومال يؤخذ ويعطى ونصيحة في دين ودنيا” الرسالة. كذلك من الأدلة ما رواه البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه ذكره في كتابه الاعتصام باب الاقتداء بسنن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قال: ومن يأبى يا رسول الله؟؟ قال من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى”، كذلك ما رواه أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إني قد خلفت فيكم مالن تضلوا بعدهما أبدا ما أخذتم بهما أو عملتم بهما كتاب الله وسنتي، فلن يتفرقا حتى يردا علي الحوض” رواه اللالكائي، كذلك حديث المقدام بن معدي كَرِب الكندي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ألا يوشك رجل ينثني شبعانا على أريكته يقول عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع ألا ولا لقطة من مال معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها” رواه أحمد وإسناده صحيح يقول الشافعي: “فَقَدْ ضَيَّقَ رسولُ الله على الناسِ أنْ يرُدُّوا أمْرَهُ بِفَرْضِ اللهِ عليهم اتِّباعَ أَمْرِهِ”الرسالة يقول البغوي: وفي الحديث دليل على أنه لا حاجة بالحديث إلى أن يعرض على الكتاب، وأنه مهما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حجة بنفسه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه». وأراد به أنه أوتي من الوحي غير المتلو، والسنن التي لم ينطق القرآن بنصها مثل ما أوتي من المتلو، قال الله سبحانه وتعالى: {ويعلمهم الكتاب والحكمة} [البقرة: ١٢٩] فالكتاب: هو القرآن، والحكمة: قيل: هي السنة.
أو أوتي مثله من بيانه، فإن بيان الكتاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } [النحل: ٤٤].
قال عمر بن الخطاب: إنه سيأتي أناس يأخذونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله.
قال الزهري: لا تناظر بكتاب الله، ولا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: لا تجعل شيئا نظيرا لهما، فتدعهما لقول قائل.” شرح السنة
“يقول الدارمي: يقول: أوتيت القرآن، وأوتيت مثله من السنن التي لم ينطق القرآن بنصه، وما هي مفسره لإرادة الله تعالى به، فمن ذلك:” تحريم لحم الحمار الأهلي “،” وكل ذي ناب من السباع”، وليس بمنصوصين في الكتاب وهو كقوله الذي روى عنه: أبو هريرة – رضي الله عنه -: ” أوتيت جوامع الكلم “. ففسره الزهري وقال: كان يجمع للنبي – صلى الله عليه وسلم – في الكلمة من الأشياء مما يكتب قبله في الكتب، يعني فيفسرها النبي – صلى الله عليه وسلم -.قال ابن مسعود، وابن عباس، وعمران بن حصين رضي الله عنهم: إن جميع ما أمر به رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ونهى عنه هو عن الله وفي كتاب الله فتأولوا فيه قول الله عز وجل: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} . وذكر حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – في المتنمصات، وقال: ومالي لا ألعن من لعنه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو في كتاب الله وقرأ: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} .
وذكر حديث ابن عباس – رضي الله عنه -: ألم يقل الله عز وجل: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالا مبينا}، فإني أشهد أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نهى عن النقير، والمقير، والدباء، والحنتم. قال الدارمي: يقول ابن عباس – رضي الله عنه – ليس النقير، والمقير، والدباء والحنتم، بمنصوصات في كتاب الله عز وجل وهي داخلة في قوله: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} . وفي قوله: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} .قال: وكذلك كل ما أمر به رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ونهى عنه داخل في تأويل هاتين الآيتين، وما أشبههما من القرآن…
وذكر كذلك عن سعيد بن جبير: أنه حدث بحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال رجل من أهل الكوفة: إن الله يقول كذا وكذا، فغضب سعيد غضبا شديدا وقال: ألا أراك تعارض أحاديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بكتاب الله عز وجل، كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أعلم بكتاب الله منك.
وذكر عن حسان بن عطية قال: كان جبرائيل – عليه السلام – ينزل على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – السنة يعلمه إياها تفسيرا للقرآن.
قال الدارمي في قول يحيى بن أبي كثير: السنة قاضية على القرآن وليس القرآن بقاض على السنة – يعني أن السنة تفسر القرآن، والقرآن أصول محكمة مجملة لا تفسر السنة، والسنة تفسرها، وتبين حدودها، ومعانيها، وكيف يأتي الناس بها.” الحجة في بيان المحجة. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
فنقول أن من الحجج الظاهرة كذلك على أن السنة حجة تثبت بها العقائد والأحكام، وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يجب قبوله واتباع أمره في ذلك، من ذلك حديث العسيف الزاني: ” أن أباه قال للنبي – صلى الله عليه وسلم -: اقض بيننا بكتاب الله. فقال – النبي صلى الله عليه وسلم – «لأقضين بينكما بكتاب الله» ثم قضى بالجلد والتغريب على العسيف، وبالرجم على المرأة إن اعترفت. قال الواحدي: «وليس للجلد والتغريب ذكر في نص الكتاب، وهذا يدل على أن كل ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم فهو عين كتاب الله» تفسير الرازي، يدل على ذلك كذلك إجماع الصحابة على حجية السنة أو عمل الصحابة وفهم الصحابة وفقه الصحابة، وكذلك التابعين بل وإلى يومنا هذا لم نشهد من يقول برد السنة إلا من شذّ من هذه الشرذمة الذين لا حظ لهم في الاسلام، فالصحابة كانوا إذا عرضت لهم مسألة في دين الله تبارك وتعالى بحثوا عن حكمها في كتاب الله، فإن لم يجدوا في كتاب الله تبارك وتعالى بحثوا عنها في السنة، وهذه كانت سياسة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة، روى الدارمي عن ميمون بن مهران: “عن ميمون بن مهران قال: كان أبو بكر إذا ورد عليه خصم نظر فى كتاب الله فإن وجد فيه ما يقضي به قضى به بينهم وإن لم يجد فى كتاب الله نظر هل كانت من النبى – صلى الله عليه وسلم – فيه سنة فإن علمها قضى بها فإن لم يعلم خرج فسأل المسلمين فقال أتانى كذا وكذا فنظرت فى كتاب الله وفى سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلم أجد فى ذلك شيئا فهل تعلمون أن النبى – صلى الله عليه وسلم – قضى فى ذلك بقضاء فربما قام إليه الرهط فقالوا نعم قضى فيه بكذا وكذا فيأخذ بقضاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ويقول عند ذلك الحمد لله الذى جعل فينا من يحفظ عن نبينا وإن أعياه ذلك دعا رءوس المسلمين وعلماءهم فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على الأمر قضى به” مسند الدارمي، وهذا هذا هو الاجماع، كذلك من الآثار أن عمر كتب إلى شريح لما ولاه قضاء الكوفة كتابا فقال فيه: “انظر ما تبين لك في كتاب الله فلا تسأل عنه أحدا، وما لم يتبين لك فاتبع فيه سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وما لم يتبين لك في السنة فاجتهد في رأيك، واستشر أهل العلم والصلاح” إعلام الموقعين.
نكتفي بهذا إن شاء الله في ذكر الآثار في حجية السنة، كذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: “أنه دعا اليهود فسألهم فحدثوه حتى كذبوا على عيسى فصعد المنبر فخطب الناس فقال إن الحديث سيفشو عني فما أتاكم عني يوافق القرآن فهو عني وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس عني» ” الأم. ونحو ذلك مما يذكره هؤلاء من أحاديث العرض على كتاب الله تبارك وتعالى، فنقول أن كلها أحاديث ضعيفة لا يصح التمسك بها، فمنها ما هو منقطع منها ما في رواته مجاهيل، ومنها ما جمع بين الانقطاع والمجاهيل كذلك، يقول ابن عبد البر في جامعه قال عبد الرحمن بن مهدي: “الزنادقة والخوارج وضعوا ذلك الحديث… وهذه الألفاظ لا تصح عنه صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بصحيح النقل من سقيمه وقد عارض هذا الحديث قوم من أهل العلم فقالوا: نحن نعرض هذا الحديث على كتاب الله قبل كل شيء ونعتمد على ذلك، قالوا: فلما عرضناه على كتاب الله عز وجل وجدناه مخالفا لكتاب الله؛ لأنا لم نجد في كتاب الله ألا نقبل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما وافق كتاب الله، بل وجدنا كتاب الله يطلق التأسي به والأمر بطاعته ويحذر المخالفة عن أمره جملة على كل حال ” انتهى كلامه
••• نقف هنا سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك•••

■يتبع بالجزء الثاني بإذن الله■

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى