السلاسل العلميةسلسلة الكواشف الجلية في الرد على شبهات الشعائرية

حد البراءة من المشركين: الدّرسُ الخامسُ: الجزءُ الثَّانِي

الجزءُ الثَّانِي: الشبهة الثانية من مبحث حد البراءة من المشركين

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد . . .
الشبهة الثانية من مبحث حد البراءة من المشركين، قولهم أن تكفير الديار أو تكفير الأقوام إنما هي مسألة فقهية، والخلاف فيها مدرج ضمن مسائل الفروع، لذلك قالوا نحن لا نكفر المتوقف في مثل هذه المسائل . .
نقول جوابا على هذه الشبهة أن هذه القضية لها شقين: باب الأسماء، وباب الأحكام.
فأسماء الدين: كالكفر، والإيمان، والشرك، والتوحيد، والجاهلية، والإسلام، فهذه مدرجة في باب العقائد، ويشترط فيها اليقين والقطع كما سبق معنا في المقدمات التي ذكرناها في مبحث جهالة الحال.
ونحن لا نتكلم في هذا الباب على المسائل الخفية، والتي قد يعذر فيها بالتأويل، أو المكفّرات التي اختلف فيها السلف ونحو ذلك، بل نحن نتكلم في القضية التي أُرسل بها الرسل، وأنزلت بها الكتب، القضية التي نقضتها هذه الأقوام في هذا الزمان بدخولهم في دين وضعي جديد، وتلبسهم بالشرك بالله تبارك وتعالى في العبادة، والطاعة، والحكم، والاتباع، هذا هو محل النزاع، وهذا هو محل البحث، فليس هذا من مسائل الفروع حتى ندرج هذه القضية ضمن مسائل الفقه، ومسائل الفروع، ثم نهون من المخالفة فيها، ونعذر المخالف بهذه الدعاوى، وبهذا التصنيف، ثم نقول أنّ ما يتناوله الفقهاء في كتب الفقه هو الغالب من باب الأحكام، ليس من باب الأسماء، فباب الأسماء إنما بحثها في باب العقائد، في باب الكفر والإيمان، يعني في اسم الكفر واسم الإيمان، أما الفقهاء فإنما يتناولون أحكام الكفر وأحكام الإسلام، فالمتقرر عند الفقهاء كما سبق معنا أن أهل ديار الإسلام مسلمين، وأن أهل ديار الحرب إنما هم كفار بالجملة، ويذكرون في هذا الباب مسائل كثيرة وفروعا عديدة تتعلق بالأحكام، يذكرون مثلا أمان السير، واستتابة المرتد، وقتل الأسرى أو المن عليهم، وحكم الاستعانة بأهل الشرك، وأحكام الجزية، والخراج، والسبي، والاستبراء، وأحكام الغنيمة، والتلصص، وذبيحة المرتد، وردة السكران، ونحو ذلك مما يذكر في هذا الباب من المسائل التي تذكر في كتب الفقه، وهل يقول قائل أن الفقهاء لمّا عقدوا بابا في كتبهم سموه “كتاب المرتد” صارت الردة عندهم من مسائل الفروع (الردة التي هي الرجوع عن دين الإسلام إلى الكفر) فهذا لا يقوله أحد، لذلك نقول أن محل نظر الفقهاء هو في الأحكام المتعلقة بتصرّف هذا المرتد، هو ارتد فانتقل من الإسلام إلى الكفر وصار له اسم المرتد، فهم ينظرون في تصرفات هذا المرتد، وهذا لا شك أنه واضح جليّ لمن له اطلاع بكتب الفقه، فصاحب هذه الشبهة قد اتخذ ظواهر عبارات لم يعرف حقيقتها ولا يدري مراد الفقهاء منها، اتخذها ترسا يدفع به في صدور الآيات البينات والسنن الواضحات، ويصدف بها عن الحق المبين فهو كمن يضع حجر طريق بين السائرين إلى الله تبارك وتعالى يحول بينهم وبين مرادهم، وهذا الضرب قد كَثُرَ بين الناس الذين يتصدرون للكلام في مثل هذه المسائل العظام، وبهم حصل الإشكال وضلت الأفهام، واُستبيح بمثل هذه الدعاوى الفارغة أسلمَة عبّاد الطواغيت، وأسلمة المشرعين، وأسلمة الرهبان، وأسلمة هذه الأقوام التي هي غارقة في الشرك بالله تبارك وتعالى والكفر به، وافتتن بهم جملة الرجال عملا بقول رؤوس الفتنة والضلال والله المستعان.
سبق معنا ذكر مسألة نعيد الإشارة إليها وهي مسألة مهمة: أنَّ الدار عند السلف إنما هي داران: دار كفر، ودار إسلام، ولا ثالث لهما، ليس هناك دار وسط بين هاتان الداران، أو ما يسمونها دار مركبة فهذه لا وجود لها عند السلف، وضابط الفرق عند الفقهاء بين الدارين إنما هو علو الأحكام، فالسلطان إذا كان لله تبارك وتعالى فالدار عندهم دار إسلام، وإذا كان السلطان لطواغيت الأرض فالدار دار كفر، ولا خلاف بين الفقهاء عموما في ماهية دار الكفر، كقول الإمام مالك: «كانت مكة دار كفر لأن أحكام الجاهلية ظاهرة يومئذ» المدونة الكبرى، وكذلك عند الحنابلة أن دار الكفر: “التي تغلب فيها أحكام الكفر” المبدع، وكذلك ما يذكره الشافعية كما قال الماوردي هي: «الدار التي لا يثبت للمسلمين عليها يد» الأحكام السلطانية، ونحو ذلك مما يذكره ويُنقل عن الفقهاء في دار الكفر، يقول عبد القهار البغدادي: «كل دار ظهرت فيها دعوة الإسلام من أهله بلا خفير ولا مجير ولا بذل جزية، ونفذ فيها حكم المسلمين على أهل الذمة وإن كان فيهم ذميّ ولم يقهر أهل البدعة فيها أهل السنة، فهي دار إسلام إلى أن قال وإذا كان الأمر على ضد ما ذكرناه فالدار دار كفر » أصول الدين، فنقول أن المطّرد في كتاب الله تبارك وتعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم واقع الديار في القرون الثلاثة المفضلة ومن بعدهم أن دار الكفر أهلها كفار كما سبق معنا في ذكر الأدلة في سلسلة الهداية، وهؤلاء الكفار يعني سواء كانوا محاربين أو كانوا معاهدين، كما قال ابن عباس: « كان المشركون على منزلتين من النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، كانوا مشركي أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه، ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه » صحيح البخاري، فكان أهل الشرك على مرتبتين، وعلى منزلتين، أهل حرب، وأهل عهد، يقول ابن قدامة: « فأما دار الحرب فلا نحكم بإسلام ولد الكافرين فيها بموتهما، ولا موت أحدهما، لأن الدار لا يُحكم بإسلام أهلها، وكذلك لم نحكم بإسلام لقيطها» المغني، وفي المقابل ذكرنا أن دار الإسلام إنما هي أهلها مسلمين فيجري عليها حكم الإسلام، أما دار الكفر فيجري على أهلها حكم الكفر.
دار الممتنعين عن شريعة من الشرائع هي دار حرب بإجماع، إذا كان القوم أهل إسلام ثم امتنعوا عن شريعة من الشرائع كما وقع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فنقول أن دارهم صارت دار حرب بإجماع الفقهاء، كما جاء في شرح الإقناع قال: « أجمع العلماء أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام فإنه يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله كالمحاربين وأولى»، وكذلك تكون الدار دار كفر ولو كان فيها طائفة من المسلمين مستخفين بالإسلام، كما سبق معنا هذا كذلك بإتفاق الفقهاء يقول ابن سحمان: « بل الذي اتفق عليه العلماء أنها (يعني مكة) بلاد كفر وحرب، ولو كان فيها أناس مسلمون مستخفون أو ظالمون لأنفسهم بالإقامة في دار الكفر غير مظهرين لدينهم كما هو معروف مشهور » كشف الأوهام والالتباس، يقول كذلك في نفس السياق أبو إسحاق السفار البخاري: « وكل دار كانت الغلبة فيها لأهل الاعتزال كعسكر مكرَم، أو بقعة غلب عليها الخوارج كجبال عمّان، أو غلب عليها مذهب القرامطة كهجر والقاهرة في باب مصر، فإن كان أهل السنة فيها مستضعفين لا يمكن المقام فيها إلا بإخفاء مذهبهم، أو على ذمة، أو جزية، فتلك الدار دار كفر ويجب قتال أهلها، وكل مَن يوجد في تلك الدار فهو كافر إلا من ظهر الإسلام منه بيقين » تلخيص الأدلة.

🖋 نقف عند هذا .. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

🖋 انتهى الدرس الخامس بفضل الله.

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى