السلاسل العلميةسلسلة وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَفيديو

الأحزان في الدنيا ثلاثة.

🖋️ بعنوان: الأحزان في الدنيا ثلاثة.

     بسم الله الرحمان الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الرسول الأمين وعلى آله وصحبه الطيبين أما بعد…

    فالأحزان تعمل في القلوب حتى تُرهقَها، وتزرع اليأس في أحشائها وجوانبها، فتضُخ في العروق ألما ينتشر في جوارحها … وهكذا تعمل الأحزان التي لا منفذ لها للخروج، فهي تفيض وتهيج وتركن ثم تعود من جديد، حتى تُقطِّع نياط القلوب ولو كانت من جلود أو حديد … وتكون نهايتها إلى الكمد وتلف النفس، فعن زَيْد بْن مُوسَى قَالَ: سَأَلْتُ رَاهِبًا، فَقُلْتُ: ” إِلى مَا يَنْتَهِي الْحُزْنُ؟، فَقَالَ: إِلَى الْكَمدِ، قُلْتُ: إِلَى مَا يَنْتَهِي الْكَمدُ؟ قَالَ: إِلَى تَلَفِ الْأَنْفُسِ” … قد يكون الحزن على الفقد الوجيع، كفقد الولد أو الحبيب بموت أو فراق، وأشد الفقد وأقساه ما يكون وراء القضبان في مقبرة الأحياء، فهناك مُجتمع الأحزان، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحِ ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: ” الْأَحْزَانُ فِي الدُّنْيَا ثَلَاثَةٌ: خَلِيلٌ فَارَقَ خَلِيلَهُ، وَوَالِدٌ ثَكَلَ وَلَدَهُ، وَرَجُلٌ افْتَقَرَ بَعْدَ غِنًى “

     قد يكون الحزن على فقد الدنيا وفواتها وهذا أكثر أحزان الناس على مر الزمان، فإن الابتسامة ترتسم في الشفاه بالعطية في الدنيا، وتعبَسُ الوجوه والملامح بالمنع فيها، فالقلوب معلقة بالدنيا منعا وهاء وعليها مدار الفرح والسرور والحزن والحبور … وقد يكون الحزن من الهم والغم والدّين وقهر الرجال … وقد يكون من الغربة والاستضعاف والهوان بين الناس، وقد يكون من الفقر وقلة ذات اليد والحيلة … وقد يكون الحزن على الدين الحنيفي والهدى وملة إبراهيم ذات الدعائم، وهو من الحزن الممدوح  فترى صاحبها  مُتَواصِلَ الْأَحْزَانِ، دَائِمَ الْفِكْرَةِ، لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ، طَوِيلَ السَّكْتِ، لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ، قَالَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ: «لَا تَغْتَمْ إِلَّا بِمَا يَضُرُّكَ غَدًا، وَلَا تَفْرَحْ إِلَّا بِمَا يَنْفَعُكَ غَدًا»
  
        اعلم يا عبد الله أن الخيرة للعبد فيما اختاره الله له، فإن الله أعلم بك من نفسك وأرحم بك من أمك التي ولدتك، فالقضاء مفروغ منه والقدر واقع، فإن أعطاك المولى كان ذلك خيرا لك ولو منع وضيق كان ذلك أخير لك، فليست الدنيا دار جزاء ولا عطاء، فلا العطية فيها دلالة على الرضى ولا المنع دلالة على السخط، فكم من فقير أغناه الله بعد إلحاح فكان ذلك فتنة وهلاكا له قال تعالى: { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧)}. وَكَانَ عمرُ بن عبد الْعَزِيز يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاء: اللَّهُمَّ رضني بِقَضَائِك وَبَارك لي فِي قدرتك حَتَّى لَا أحب تَعْجِيل مَا أخرت وَلَا تَأْخِير مَا عجلت، وَكَانَ يَقُول : مَا برح بِي هَذَا الدُّعَاء حَتَّى لقد أَصبَحت وَمَالِي فِي شَيْء من الْأُمُور هوى إِلَّا فِي مَوَاضِع الْقَضَاء”

    يا عبد الله لا تتخيل الأسوء دائما الفقر والبلاء، فهو سوء ظن بالله تعالى فأحسن الظن بمولاك تنل خيرا، وكما روي في الحديث القدسي قال تعالى:” أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء، إن ظن بي خيرا فله وإن ظن بي شرا فله “، وإياك أن تخاف من شيء قبل حدوثه فتعيشَ أسير هذه الأوهام، فاصرف فكرك وخوفك عن الغيبيات، فالغيب لا يعلمه إلا الله، قال تعالى: { وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا } واعلم أن البلاء إذا وقع نزل معه اللطف والرحمة من الله جل وعلا ، فإذا تصورت البلاء قبل وقوعه فقد استقبلته دون لطف فكان في ذلك فتنة لك، وإن كان الله معك فإن معك الفئة التي لا تغلب والحافظ الذي لا ينام والهادي الذي لا يضل، فمن يكن الله معه فمن من الخلق يخاف، ومن وجد الله فمن من الخلق فقَد … ومن يكن الله عليه فمن من الخلق يرجو ومن فقد الله فمن من الخلق وجد؟ قال تعالى: { وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥) فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}.

     واعلم يا عبد الله أن الدنيا التي تقتل نفسك لأجلها ما هي إلا جسر تعبر منه إلى دار الخلود قال علي رضي الله عنه وأرضاه لما قيل له صف لنا الدنيا، قال: ماذا أصف من دار أولها عناء، وآخرها فناء، في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، من صح فيها أمن، ومن مرض فيها ندم، ومن استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن …
وذُكِرَتِ الدُّنْيَا عِنْدَ الْحَسَنِ فَقَالَ:
أَحْلَامُ نَوْمٍ أَوْ كَظِلٍّ زَائِلٍ … إِنَّ اللَّبِيبَ بِمِثْلِهَا لَا يُخْدَعُ

   واعلم أن ليس في الدنيا راحة وليس فيها فرح إلا وهو مشوب بالتنغيص قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَيْرَةَ: اشْتَرَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ جَارِيَةً أَعْجَمِيَّةً فَقَالَتْ: أَرَى النَّاسَ فَرِحِينَ، وَلَا أَرَى هَذَا فَرِحًا؟ فَقَالَ: «مَا تَقُولُ لُكَعُ؟» فَقِيلَ: إِنَّهَا تَقُولُ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ: «حَدِثُوهَا أَنَّ الْفَرَحَ أَمَامَهَا».

والحزن الممدوح هو الحزن على الذنب الذي مضى، وهو من أجل العبادات كما قال الْحَسَنِ: «مَا عُبِدَ اللهُ بِمِثْلِ طُولِ الْحُزْنِ»، وعَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانِ قَالَ: «الْهَمُّ وَالْحُزْنُ يَزِيدَانِ فِي الْحَسَنَاتِ، وَالْأَشَرُ وَالْبَطَرُ يَزِيدَانِ فِي السَّيِّئَاتِ»، وعَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيّ قَالَ: “يَنْبَغِي لِمَنْ لَمْ يَحْزَنْ أَنْ يَخَافَ أَلَّا يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا: {الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَذْهبَ عَنَّا الْحَزنَ} [فاطر: ٣٤]، وَيَنْبَغِي لِمَنْ لَمْ يُشْفِقْ أَنْ يَخَافَ أَلَّا يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور: ٢٦] ” .

    يا عبد الله إذا أردت الراحة فاعتزل الخلق إلا فيما لابد منه، فلا تقف معهم عند كل محطة ولا تجعل من كل موقف معهم معركة، ولا تدقق في أحوال من حولك وتغافل، ولا تفتش في النوايا وتفتح ما أقفل عنك من القضايا … وخذ ممن حولك ما ظهر من خير ولا تبحث عن عيب أو خطأ أو زلل …
   
واعلم أن من مذهبات الحزن الذكر والدعاء والتسبيح وإكثار السجود لله جل وعلا قال تعالى: { وقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين}، وقال تعالى { ألا بذكر الله تطمئن القلوب} … وفي المقابل قال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا}
   يا عبد الله أكثر من طرق الباب والإلحاح على الله فمن أطال الوقوف عند الباب أوشك أن يفتح له، وإذا فتح له الباب فلا تسأل عن النعيم المقيم والعطاء الجزيل، فإن في الدنيا جنة من دخلها أوشك أن يدخل جنة المأوى.

وكل باب وإن طالت مغالقه *
يوما له من جميل الصبر مفتاح
كم من كروب ظننا أن لا انفراج لها *
حتى رأينا جليل الهم ينزاح
فاصبر لربك لا تيأس فرحمته *
للخلق ظل وللأيام إصباح

    اللهم يامن عظمت قدرتك ووسعت رحمتك ارحم ضعفنا وهواننا بين الناس … بك نستغيث أصلح شؤوننا كلها ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا يعز فيه أهل الطاعة والإيمان ويذل فيه أهل الشرك والعصيان. اللهم آمين


📜 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى