السلاسل العلميةسلسلة وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَفيديو

مواضع الزلات في ذنوب الخلوات


🖋 بعنوان: [مواضع الزلات في ذنوب الخلوات ].

بسم الله الرحمان الرحيم الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على المصطفى أما بعد:

فحين يخلو المسلم بهاتفه يتعرض لأعظم امتحان … وأشد اختبار وابتلاء … فليس بينه وبين مقاطع الفساد، ومواضع الزلل إلا ضغطة زر يضغطها، فالتقي يعرض عنها .. والمبتلى يقع في فتنتها وشراكها .. والمذنب يدافع هواه فيسقط مرة .. ويُحفظ أخرى، قال تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [ سورة التوبة: ١٠٢].
“تتَوَارَى بِجِدْرَانِ الْبُيُوتِ عَنِ الْوَرَى
وَأَنْتَ بِــعَيْنِ اللهِ لاشَـــكَّ تَنْظــــرُ”.

إن من أعظم الخسارة أن ترى جبالا من الحسنات في رصيدك قد أذهبتها ذنوب الخلوات!، وكم من شخص قد زلت قدمه فما ارتفعت بعدها .. قال ابن الجوزي: “الحذر الحذر من المعاصي فإنها سيئة العواقب، والحذر الحذر من الذُّنُوب خصوصًا ذنوب الخلوات، فإن المبارزة لله تَعَالَى تسقط الْعَبْد من عينه سُبْحَانَهُ، ولا ينال لذة المعاصي إِلا دائم الغَفْلَة، فأما المُؤْمِن اليقظان فإنه لا يلتذ بها، لأنه عَنْدَ التذاذه يقف بإزائه علمه بتحريمها وحذره من عقوبتها، فإن قويت معرفته رأى بعين علمه قرب الناهي وهو الله، فيتنغص عيشه في حال التذاذه، فإن غلبه سكر الهوى كان القلب متنغصا بهذه المراقبات، وإن كَانَ الطبع في شهوته فما هي إِلا لحظة ثُمَّ خزي دائم، وندم ملازم، وبُكَاء متواصل، وأسف على ما كَانَ مَعَ طول الزمان، حتى إنه لو تيقن العفو وقف بإزائه حذار العتاب فأف للذنوب ما أقبح آثارها وأسوأ أخبارها” انتهى كلامه.

“أَما آنَ الرُّجوعُ إِلَى الصَّفُوحِ …
عَن الزَّلاتِ والفِعْلِ الْقبِـــيـحِ
تُبَادرهُ بِقُبْحِ الْفِعْلِ سرًّا …
وَلا تَخْشَاهُ بِالْقَوْلِ الصَّرِيحِ
هَدَاكَ إِلَى صراطٍ مُسْتَقِيمٍ …
وَأَنْتَ ضَلَلْتَ عَنْ هَذَا الصَّحِيحِ
وَفِي دُنْيَاكَ تُؤثرُ كُلَّ فَانٍ …
عَنِ الْبَاقِي الْمُعَزَّزِ وَالْمَلِيحِ”

اعلم يا رحمك الله أن من كبائر الذنوب إظهار زي الصالحين أمام الملأ، وانتهاك المحارم في الخلوات، أخرج ابن ماجه بسند رواته ثقات عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا”، قَالَ ثَوْبَانُ: “يَا رَسُولَ اللهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ” قَالَ: “أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهم أقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللهِ انْتَهَكُوهَا”.
والله تعالى قد ذم من يستخفي بذنبه من الناس ولا يستخفي من الله، قال تعالى: {ويَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً} [النساء/١٠٨]، وهذا لا شك ولا ريب أنه تهديد لهم ووعيد، فاحذر الناسفات … التي تنسف العمل و تبعثر الأجر، و المحصلة عناء بغير جزاء و تعب بغير ثواب!، وقد ذُكر عن الإمام أحمد رحمه الله أنه كان ينشد هذين البيتين:

“إذَا مَا خَلَوتَ الدهْرَ يَومًا فَلا تَقُل …
خَلَوتُ وَلكن قُل عَليّ رَقيب
وَلا تَحْسَبَن الله يَغْفُل ساعةً …
وَلا أن مَا يَخْفى عَلَيْه يَغيب”

يا عبد الله إن نتائج المعصية والذنوب تجدها في نفسك في قلة التوفيق، وفساد الرأي، وغياب الحق، وفساد الخُلق، وخمول الذكر وإضاعة الوقت، ونفرة الخلق، والوحشة بينك وبين ربك، ومنع إجابة الدعاء، وقسوة القلب، ومحق البركة في العمر والرزق، وحرمان العلم، ولباس الذل، وضيق الصدر، وضنك العيش.
يقول ابن القيم في آثار الذنوب والمعاصي: أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة، أو تعوقه، وتقطعه عن السير، فلا تدعه يخطو إلى الله خطوة، هذا إن لم ترده عن وجهته إلى ورائه، فالذنب يحجب الواصل، ويقطع السائر، وينكس الطالب، والقلب إنما يسير إلى الله بقوته، فإذا مرض بالذنوب ضعفت تلك القوة التي تسيره، فإذا زالت بالكلية انقطع عن الله انقطاعاً يصعب تداركه والله المستعان” [الجواب الكافي] انتهى كلامه.
ولا شك ولا ريب أن المسلم في هذه الزمان خاصة معرَّض للوقوع في الذنب والمعصية، ولا يخلوا أحد إلا من رحمه الله جل وعلا، فإن وقع في ذلك فيجب عليه المسارعة للتوبة والاستغفار، قال تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا) [النساء/ ١١٠] ، والله تعالى يفرح بتوبة عبده إذا تاب إليه، كما جاء في الحديث عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لَلهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاَةٍ».

ومن وسائل الثبات الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء، والضراعة إليه أن يصرف عنك الذنوب والمعاصي، قال تعالى: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ” [البقرة/ ١٨٦].
كذلك مجاهدة النفس الامارة بالسوء، ودفع وسوستها، والسعي في تزكيتها بطاعة الله، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس/٧ – ١٠]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت/٦٩].
كذلك يتأمل العبد الوعيد الشديد الوارد في حديث ثَوْبَانَ، فيخشى انطباقه فيه، فلا شك أن فاعل تلك الذنوب في خلواته لربما دخل في سياق الذم في ذلك الحديث .
كذلك استشعار مراقبة الله جل جلاله لك يا عبد الله، فهو رقيب عليك، ومطلع عليك في خلواتك وجلواتك.

• اللهم يا من لا تضره معصية، ولا تنفعه طاعة، أيقظنا من غفلتنا، ونبهنًا لاغتنام أوقاتنا، ووفقنا لصالح أعمالنا.
رب لا تؤاخذنا بما انطوت عليه ضمائرنا وأكنته سرائرنا من أنواع القبائح.

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك 🖋 .

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى