السلاسل العلميةسلسلة الكواشف الجلية في الرد على شبهات الشعائرية

الشبهة الأولى في مبحث جهالة الحال : الجزءُ الثَّانِي : الدّرسُ الثّالثُ

الجزءُ الثَّانِي : الشبهة الأولى في مبحث جهالة الحال

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد . . .  فالشبهة الأولى في مبحث جهالة الحال، قالوا أن الأقوام الذين بعث فيهم الأنبياء كانوا كفارًا أصليين، أمّا قومنا فيشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيمون الشعائر، وينتسبون للإسلام، قالوا فكيف ألحقت هؤلاء بهؤلاء؟؟   ونقول جوابا على هذه الشبهة: أنّ العبرة بالحقائق والمسميات، وليست العبرة بالأسماء المجردة والدعاوى، فالشرك بالله والكفر والجاهلية إنما هي أسماء شرعية لها أوصاف وردت في كتاب ربنا تبارك وتعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فكل من تلبس بالشرك وتلبس بالكفر فكان مشركا كافرا بالله تبارك وتعالى، ولو سمى نفسه مسلما، ولو سمى نفسه حنيفا، ألا ترى أن مشركي قريش كانوا يزعمون أنهم على ملة إبراهيم، وكانوا يقولون أنهم أسعد الناس بإبراهيم عليه السلام، وكذلك اليهود والنصارى كانوا ينتسبون إلى ملة إبراهيم، وكانوا يزعمون أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأنهم المسلمون الناجون وأنهم وأنهم، فجاء النص بتكذيب هؤلاء وهؤلاء، وجاء النص بتكذيب المشركين ودعوتهم في أنهم على ملة إبراهيم، وكذلك جاء النص بتكذيب اليهود والنصارى في أنهم المسلمون الناجون، وأنهم أبناء الله وأحباؤه، وأن إبراهيم كان منهم، كما في قوله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يهوديًّا وَلاَ نصرانيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين(٦٧)إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِين(٦٨)} آل عمران، روي عن عامر قال : ” قالت اليهود إبراهيم على ديننا، وقالت النصارى هو على ديننا، فأنزل الله عز وجل {ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}، فأكذبهم الله وأدحض حجتهم، يعني اليهود الذين ادعوا أن إبراهيم مات يهوديا، وروي كذلك عن الربيع مثله” رواه الطبري، فنقول أن نسبة اليهود والنصارى وكذلك عباد الأوثان أنفسهم إلى ملة إبراهيم هذا لم يصحح لهم دينهم ولا اعتبار له في الأسماء والأحكام وهذا يدل عليه كذلك قوله تبارك وتعالى: {أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون} [آل عمران ٨٣]، قال البغوي في قوله عز وجل: {أفغير دين الله يبغون}: “وذلك أن أهل الكتاب اختلفوا فادعى كل واحد أنه على دين إبراهيم، واختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم أن كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم عليه السلام، وأن دينه الإسلام، (يعني دين إبراهيم الإسلام)، فغضبوا وقالوا لا نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك، فأنزل الله عز وجل {أفغير دين الله يبغون}، قرأ أهل البصرة وحفص عن عاصم يبغون بالياء، لقوله تعالى {فأولئك هم الفاسقون}، وقرأ الآخرون بالتاء لقوله تعالى: {لما آتيتكم به} وقوله: {وله أسلم}، يعني: خضع وانقاد” تفسي البغوي. لذلك نقول أن الانتساب إلى الإسلام مع البقاء على ملة الشرك، كحال أقوامنا هم منتسبون للإسلام ولكنهم على الشرك بالله تبارك وتعالى، فالبقاء على الشرك مع الانتساب هذا لا شك أنه لا ينفع قائل الإسلام، فالبقاء على ملة الشرك واستدامة الشرك وعدم اجتناب الطاغوت واجتناب طاعته وعبادته وكذلك عدم البراءة من المشركين وتكفيرهم، هذا لا يصير به المرء مسلما، فتكون بذلك نسبته عبارة عن دعوى لا تصحح له إسلاما، ولا يترتب بذلك عليه أحكام في دين الله تبارك وتعالى، ويكون انتساب لا اعتبار له في الشرع، كأقوامنا هم أهل الشرك وملة الكفر سواء بسواء، فلا فرق في الأسماء والأحكام بين من انتسب دون العلم بحقيقة الدين والإسلام، ودون العمل بهذا الإسلام، وبين من كان قد تبرأ من الإسلام جملة وانتسب إلى يهودية أو نصرانية، فهم في الأسماء كفار، وكذلك في الأحكام كفار، أما من حقق الإسلام وتحقق به ثم بعد ذلك وقع في ناقض من نواقض الإسلام، هذا له حكم المرتد كما هو مفصل في مواضعه، يدل على هذا الذي ذكرناه قوله تبارك وتعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون} التوبة، روي عن الربيع بن أنس في قوله {فإن تابوا وأقاموا الصلاة} يقول: “توبتهم خلع الأوثان وعبادتها”، وروي كذلك عن مقاتل بن حيان في قوله: “فإن تابوا من الشرك وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لم تقتلهم وكف عنهم”، ((فإن تابوا من الشرك))، فالتوبة هي من الشرك، وروي كذلك عن الضحاك: “فإن تابوا من الشرك” تفسير ابن أبي حاتم، والتوبة من الشرك تكون بالبراءة من الشرك وكذلك بالبراءة من أهل الشرك، كما سبق معنا في سلسلة الهداية في ذكر التلازم بين البراءتين، البراءة من الشرك والبراءة من المشركين، وكذلك يدل على ما ذكرنا قوله تبارك وتعالى: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا}، روي عن بعض السلف في قوله:

{وإني لغفار لمن تاب}، قال: ” لمن تاب من الشرك وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وأدى الفرائض ثم اهتدى للسنة” رواه اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد، وكذلك يدل عليه قوله تبارك وتعالى: {فإن حآجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل
للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد} [آل عمران ٢٠]، يقول البغوي في قوله تعالى: {فإن حاجوك}، ” أي خاصموك يا محمد في الدين، قال وذلك أن اليهود والنصارى قالوا ألسنا على ما سميتنا به يا محمد؟؟، وإنما اليهودية والنصرانية نسب، والدين هو الإسلام ونحن عليه، فقال الله تعالى: {فقل أسلمت وجهي لله}، أي انقدت لله وحده بقلبي ولساني وجميع جوارحي، وإنما خص الوجه لأنه أكرم الجوارح للإنسان وفيه بهاؤه، فإذا خضع الوجه للشيء فقد خضع له جميع جوارحه”، قال الفراء: “معناه أخلصت عملي لله، {ومن اتبعن}، أي ومن اتبعني فأسلم كما أسلمت.. “، وقوله: {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين} أي العرب {أأسلمتم}لفظة استفهام ومعناه أمر، أي أسلموا، كما قال تعالى: {فهل أنتم منتهون}، أي انتهوا، {فإن أسلموا فقد اهتدوا}، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية فقال أهل الكتاب: أسلمنا، فقال لليهود أتشهدون أن عزيرا عبده ورسوله؟؟، فقالوا: معاذ الله أن يكون عزير عليه السلام عبدا، وقال للنصارى أتشهدون أن عيسى كلمة الله وعبده ورسوله؟؟ قالوا: معاذ الله أن يكون عيسى عبدا، فقال الله عز وجل: {وإن تولوا فإنما عليك البلاغ}، أي تبليغ الرسالة وليس عليك الهداية {والله بصير بالعباد} عالم بمن يؤمن وبمن لا يؤمن” تفسير البغوي.
كذلك ورد في السنة من حديث بهز، قال: أخبرني أبي عن جدي قال: “أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله والله ما أتيتك حتى حلفت أكثر من عدد أولاء، وضرب إحدى يديه على الأخرى ألا آتيك ولا آتي دينك، وإني قد جئت أمرا لا أعقل شيئا إلا ما علمني الله ورسوله، وإني أسألك بوجه الله بما بعثك ربنا إلينا؟؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام، قال: قلت يا رسول الله وما آية الإسلام؟ (يعني ما علامة الإسلام)، قال أن تقول أسلمت وجهي لله وتخليت، (ففيه التخلي وهو البراءة)، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وكل مسلم على مسلم حرام، أخوان نصيران لا يقبل الله من مشرك يشرك بعد ما أسلم عملا أو يفارق المشركين إلى المسلمين”رواه أحمد، هذا الحديث فيه: آية الإسلام أو علامة الإسلام وهي قول النبي صلى الله عليه وسلم: “أن تقول اسلمت وجهي لله وتخليت” فلا بد من التخلي كما قال الطحاوي، قال: “وكان التخلي هو ترك كل الأديان إلى الله تعالى، ثبت بذلك أن كل من لم يتخلى مما سوى الإسلام لم يعلم بذلك دخوله في الإسلام” شرح معاني الآثار، فلابد من البراءة من الشرك، ولابد من التخلي، ولابد من إفراد الله تبارك وتعالى بالعبادة، والحكم، والطاعة، لكي يكون المرء مسلما على الحقيقة، أما أن ينتسب للإسلام انتسابا مجردا، ثم هو قائم ليله ونهاره على الشرك بالله تبارك وتعالى بأنواعه في الطاعة والحكم، فلا شك أن هذه الدعوى لا تصحح له إسلاما ولا تعصم له دما.

🖋 نقف عند هذا .. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

🖋 انتهى الدرس الثالث بفضل الله.

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى