أحكام الأسرىالفتاوىفتاوى الجهاد

هل السجن الطويل والتضييق من الكفار والمشركين داخل الأسر لأجل إسلامك لحد لا يطاق وخوف ورعب دائمين وهذا حال المسلمين حقيقة، يعد من الإكراه الذي يبيح إتيان الكفر للتخلص منه ؟

    السؤال : هل السجن الطويل والتضييق من الكفار والمشركين داخل الأسر لأجل إسلامك لحد لا يطاق وخوف ورعب دائمين وهذا حال المسلمين حقيقة، يعد من الإكراه الذي يبيح إتيان الكفر للتخلص منه ؟

  الجواب : هذا السؤال له شقين :

          الأول : أما فيما يخص مسألة التضييق على المسلم في السجن لأجل إسلامه لحد لا يطاق، فنقول أن للمسلم في مثل هذه الظروف أن يأخذ بالرخصة والتي هي التقية فيعاملهم بما يدفع شرهم، ويداريهم باللِّسان كأن يظهر التلطف ولا يظهر العداوة، والأصل في ذلك قوله تعالى: ﴿لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ [ آل عمران: ٢٨]، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:{لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} قَالَ: “نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُلاطِفُوا الكُفَّارَ، وَيَتَّخِذُونَهُمْ وَلِيجَةً مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ إِلا أَنْ يَكُونَ الكُفَّارُ عَلَيْهِمْ ظَاهِرِينَ، فَيُظْهِرُونَ اللُّطْفَ وَيُخَالِفُونَهُمْ فِي الدِّينِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}»[[1]].
وروي عن ابن عباس والضَّحَّاكِ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وأَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ: {إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}: “التُّقَاةُ بِاللِّسَانِ لَيْسَ بِالْعَمَلِ” [[[2]]].
قوله: {إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} أي: إلا من خاف في بعض البلدان أو الأوقات من شرهم، فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته؛ كما حكاه البخاري عن أبي الدرداء أنه قال: “إنَّا لَنكشرُ فِي وُجُوهِ أقْوَامٍ وَقُلُوبُنَا تَلْعَنُهُمْ” [[[3]]]

      الثاني: أما فيما يخص هل السجن الطويل يعتبر من الإكراه الذي يبيح الكفر؟، فنقول: أنَّ هذه المسألة من المعضلات في هذا الزمان والنوازل التي حيرت العلماء والله المستعان …

      ونقول هنا كقاعدة عامة أن الإكراه أمر نسبي يختلف باختلاف المكره عليه، وآلة الإكراه، وأي شيء يبيحه الإكراه من أقوال وأفعال، فمسائل الإكراه من النوع الذي يداخله فقه الحال، فالقول أن السجن العصري إكراه مطلقا فيه نظر، وإن كان قد ورد على لسان بعض السلف كما روي عن النخعي[[4]] وعَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: «الْقَيْدُ كرْهٌ  وَالوَعِيدُ كرْهٌ وَالسِّجْنُ كرْهٌ وَالضَّرْبُ كرْهٌ»[[5]]، فهذا الإطلاق لا يمكن تنزيله على جميع أفعال وأقوال السجين، ولا على جميع السجون والمعتقلات في هذه الزمان، بل ينظر في الاعتبارات السابقة، فهناك سجون يقطع الناظر في تحقق الإكراه فيها: كفروع نظام الأسد ومن خطى على خطاها كسجون الهيئة وغيرها … وفي المقابل هناك سجون أهون بكثير من تلك، كما هو الحال في بلاد الغرب ومن حذا حذوها، قال ابن عطية: “واختلف العلماء في التقية ممن تكون؟ وبأي شيء تكون؟ وأي شيء تبيح؟ فأما الذي تكون منه التقية فكل قادر غالب مكره يخاف منه، فيدخل في ذلك الكفار إذا غلبوا، وجورة الرؤساء، والسلابة، وأهل الجاه في الحواضر، قال مالك رحمه الله: وزوج المرأة قد يكره، وأما بأي شيء تكون التقية ويترتب حكمها فذلك بخوف القتل، وبالخوف على الجوارح، وبالضرب بالسوط، وبسائر التعذيب، فإذا فعل بالإنسان شيء من هذا أو خافه خوفا متمكنا فهو مكره وله حكم التقية، والسجن إكراه، والتقييد إكراه، والتهديد والوعيد إكراه، وعداوة أهل الجاه الجورة تقية، وهذه كلها بحسب حال المكره وبحسب الشيء الذي يكره عليه، فكم من الناس ليس السجن فيهم بإكراه، وكذلك الرجل العظيم يكره بالسجن والضرب غير المتلف ليكفر فهذا لا تتصور تقيته من جهة عظم الشيء الذي طلب منه، ومسائل الإكراه هي من النوع الذي يدخله فقه الحال”[[6]]     قال القاضي أبو محمد: ويعتبر الإكراه عندي بحسب همة المكره وقدره في الدين، وبحسب قدر الشيء الذي يكره عليه، فقد يكون الضرب إكراها في شيء دون شيء، فلهذه النوازل فقه الحال”[[7]].

       أما باعتبار الحكم على الأسير فيما إذا قامت البينة على تلفظه بكلمة الكفر، أو فعله فقد قال الإمام الشافعي: «وإن قامت بيّنة على رجل أنه تلفّظ بكلمة الكفر وهو محبوس أو مُقيّد، ولم يقل البينة أنه أكره على التلفظ بذلك، لم يُحكم بكُفْره، لأن القيد والحبس إكراه فِي الظاهر»[[8]].
 

سراج الطريق تلجرام

سراج الطريق الأساسية

سراج تفريغات

بوت سراج الطريق

المصدر
[[1]] رواه ابن أبي حاتم برقم 3375[[2]] انظر تفسير ابن أبي حاتم على الآية[[3]] تفسير ابن كثير 2 /30 .[[4]] انظر الجامع لأحكام القرآن (10/ 190).[[5]] رواه عبد الرزاق برقم 18791[[6]] تفسير بن عطية 1/420[[7]] تفسير بن عطية 3/424[[8]] المجموع ج19، ص225 ا.هـ

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى