الفتاوىعقد الزواجفتاوى الأسرة

ما حكم جماع الزوجة من الدبر؟

السؤال: ما حكم جماع الزوجة من الدبر؟

الجواب: نقول وبالله التوفيق أنه يحرم وطء المرأة في دبرها وهو قول أكثر السلف، قال ابن قدامة: “وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ الزَّوْجَةِ فِي الدُّبُرِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ عَلِيٌّ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي، وَابْنُ الْمُنْذِرِ”.

والأصل في ذلك قوله تعالى{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٢٢٣)} البقرة، ووَجهُ الدَّلالةِ أن الحرث هو موضعُ الولدِ، فإنَّ الحَرثَ محَلُّ الغَرسِ والزَّرعِ، وجاء في تفسير الآية أن ذلك في صمام واحد وهو موطن الحرث سواء كان من جهة القبل أو من جهة الدبر، كما ورد عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما: «أنَّ يهودَ كانت تقولُ: إذا أُتِيَت المرأةُ مِن دُبُرِها في قُبُلِها، ثمَّ حَمَلت، كان ولَدُها أحوَلَ. قال: فأُنزِلَت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ}، وفي روايةٍ: إن شاء مُجَبِّيةً، وإن شاء غيرَ مُجَبِّيةٍ، غيرَ أنَّ ذلك في صِمامٍ واحِدٍ»، فقَولُه: «غيرَ أنَّ ذلك في صِمامٍ واحِدٍ، أي: ثُقبٍ واحدٍ، والمرادُ به القُبُلُ، وفي توقيفِ النبيِّ ﷺ إيَّاهم في وَطءِ امرأتِه في القبل إعلامٌ منه أنَّ الدُّبُرَ بخِلافِ ذلك؛ لأنَّ تنصيصَه على القبل يُنافي دُخولَ الدُّبُرِ فيه.

ويدل على الحرمة قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (٢٢٢)} البقرة، ووجه الدلالة أنه إذا كان اللهُ تبارك وتعالى قد حرَّمَ الوَطءَ في الفَرجِ عند المحيضِ لأجلِ الأذى، فالدبُرُ أَولى بالتَّحريمِ لأنَّه أعظَمُ أذًى، فحرَّم الله تعالى الفرج حال الحيض لأجل النجاسة العارضة، فأولى أن يُحرِّم الدبر لأجل النجاسة اللازمة.

وقوله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (٢٢٢)} البقرة، يدل أيضا على تحريم إتيان دبر الزوجة، إذ لو كان مباحا لكان للزوج أن ينكح زوجته في دبرها حال حيضها، ولكن الله منع الزوج أن يقرب زوجته بالنكاح حتى تطهر من الحيض وتغتسل، كما دل عليه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ» رواه مسلم .
وقوله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} أي: من القبل لا من الدبر، كما ورد في تفسير السلف عن مجاهد قال، قال ابن عباس في قوله:« فأتوهن من حيث أمركم الله”، قال: من حيث أمركم أن تعتزلوهُنَّ» رواه الطبري.
عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع وإبراهيم النخعي قالوا: في الفرج، لا تعدوه إلى غيره، فمن فعل شيئًا من ذلك فقد اعتدَى» رواه الطبري.
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ} قال ابن كثير :”إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ أَيْ مِنَ الذَّنْبِ وَإِنَّ تَكَرَّرَ غِشْيَانُهُ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ أَيِ المُتَنَزِّهِينَ عَنِ الأَقْذَارِ وَالأَذَى، وَهُوَ مَا نُهُوا عَنْهُ مِن إِتْيَانِ الحَائِضِ أَوْ فِي غَيْرِ المَأْتَى” تفسير ابن كثير
وجاءت أحاديث كثيرة في السنة في تحريم إتيان المرأة في الدبر فيها الحسن وما يُعتضد به رواها عن رسول الله ﷺ اثنا عشر صحابيا بمتون مختلفة، كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الأدبار، ذكرها أحمد بن حنبل في مسنده، وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة وغيرهم، وقال الطحاوي: “جاءت الآثار متواترة بذلك” (شرح معاني الآثار)، وقد جمعها أبو الفرج بن الجوزي بطرقها في جزء سماه “تحريم المحل المكروه”، وهذه الأحاديث تصح بمجموع طرقها وتدل بكثرتها على أن متن التحريم له أصلٌ في السنة وهو الحق المتبع والصحيح في المسألة بإذن الله، ولا ينبغي لمسلم أن يُعرِّج في هذه المسألة على زلة عالم أو كلام مجمل للسلف الذي يُقصد به أن يكون الدبر طريقا للوطء من القبل فيطأ من الدبر لا في الدبر.

ونقول أنَّه لا بأس بالتلذذ بين الأليتين من غير إيلاج، قال ابن قدامة: “وَلَا بَأْسَ بِالتَّلَذُّذِ بِهَا بَيْنَ الْأَلْيَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ إيلَاجٍ، لِأَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا وَرَدَتْ بِتَحْرِيمِ الدُّبُرِ، فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ حُرِّمَ لِأَجَلِ الأَذَى، وَذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالدُّبُرِ، فَاخْتَصَّ التَّحْرِيمُ بِهِ” المغني.

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى