الفتاوىالمرأةفتاوى الأسرة

ما حكم ستر الوجه والكفين للمرأة وهل يسوغ للمرأة أن تنزعه لدواع أمنية؟

السؤال: ما حكم ستر الوجه والكفين للمرأة وهل يسوغ للمرأة أن تنزعه لدواع أمنية؟

الجواب: نقول وبالله التوفيق أنَّه قد وردت أدلة كثيرة على حرمة كشف وجه المرأة وهي متناثرة في الكتاب والسنة مما يحصل به القطع على وجوب تغطية وجه المرأة، ومن هذه الأدلة ما يلي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾[ الأحزاب: ٥٩]،”والجلباب هُوَ الرِّدَاء فَوق الْخمار، قَالَه ابْن مَسْعُود، وَعبيدَة السَّلمَانِي، وَقَتَادَة، وَالْحسن الْبَصْرِيّ، وَسَعِيد بن جُبَير، وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وَعَطَاء الْخُرَاسَانِي، وَغير وَاحِد وَهُوَ بِمَنْزِلَة الْإِزَار الْيَوْم”، أي: بمنزلة الستار اليوم، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: «أَمَرَ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا خَرَجْنَ مِنْ بُيُوتِهِنَّ فِي حَاجَةٍ أَنْ يُغَطِّينَ وجوههن من فوق رؤوسهن بِالْجَلابِيبِ، يُبْدِينَ عَيْنًا وَاحِدَةً، وعن ابن سيرين قال: سألت عبيدة عن قوله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾، قال: «فقال بثوبه، فغطى رأسه ووجهه، وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه»، وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآية يدنين عليهن من جلابيبهن خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من أكسية سُودٍ يَلْبَسْنَهَا»، وقال الله تعالى: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[ سورة النور: ٣١] قَالَ: الرِّدَاءِ»، وفي رواية قَالَ: الثِّيَاب وهو مروي عن الحسن، وابن سيرين وغيرهم، فقوله تعالى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ} المراد به الرداء والثياب، فنهى عن إبداء الزينة مطلقا إلا ما ظهر منها وهي التي لابد أن تظهر كظاهر الثياب ولذلك قال: {إلا ماظهر منها} ولم يقل إلا ما أظهرن منها، ثم في نفس السياق نهى مرة أُخرى عن إبداء الزينة إلا لمن استثناهم {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ فدل هذا على أنَّ الزينة الثانية غير الزينة الأُولى، فالزينة الأُولى هي الزينة الظاهرة التي تظهر لكل أحد ولا يُمكن إخفاؤها والزينة الثانية هي الزينة الباطنة ـــ  ومنها الوجه ــ ولو كانت هذه الزينة جائزة لكل أحد لم يكن للتعميم في الأُولى والاستثناء في الثانية فائدة معلومة .

   وفي قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ}، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «فَلَمَّا نَزَلَتْ انقلب رِجَالٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلى نِسَائِهِمْ يِتْلُونَهَا عليهن، فقامت كل امرأة مِنْهُنَّ إِلَى مِرْطِهَا فَصَدَعَتْ مِنْهُ صِدْعَةً فَاخْتَمَرْتُ بها فأصبحن من الصبح وكأن على رؤوسهن الْغِرْبَانَ».
والجيب هو فتحة الرأس والخمار ما تخمر به المرأة رأسها وتغطيه به، فعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ} يَعْنِى: النَّحْرَ وَالصَّدْرَ وَلا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ، وَرُوِيَ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ أَنَّهُ قَالَ: «عَلَى صُدُورِهِنَّ»،

فإذا كانت مأمورة بأن تضرب بالخمار على جيبها كانت مأمورة بستر وجهها لأنه من لازم ذلك فهو موضع الجمال والفتنة .
وفي قوله تعالى: {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور ٣١] والترخيص لهؤلاء يدل على أن إبداء الزينة الباطنة لا يحل لأحد من الأجانب إلا لهذين الصنفين، والاستثناء معيار العموم. وفي قوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنّ} فنقول: إذا كانت المرأة منهية عن الضرب بالأرجل خوفا من افتتان الرجل بما يسمع من صوت خلخالها فكيف بكشف وجهها! وهذا من القياس الجلي.
وقوله تعالى: {وَالْقَوَاعدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [سورة النور  ٦٠]، عَنِ الضَّحَّاكِ قَوْلُهُ {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} هَذَا للكبيرة التِي قَعَدَتْ عَنِ الوَلَدِ فَلا يَضُرُّهَا أَنْ لا تجلب فَوْقَ الْخِمَارِ.»، وتخصيص الحكم بهؤلاء العجائز دليل على أن اللاتي يرجون النكاح يخالفنهن في الحكم، ولو كان الحكم شاملا للجميع في جواز وضع الثياب ولبس درع ونحوه لم يكن لتخصيص القواعد فائدة.
وفي قوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} دليل آخر على وجوب الحجاب على الشابة التي ترجو النكاح، لأن الغالب عليها إذا كشفت وجهها أنها تريد التبرج بالزينة وإظهار جمالها وتطلع الرجال لها، وما سوى هذه فنادر، والنادر لا حكم له .

الأدلة من السنة على وجوب تغطية الوجه:

   نقول: أن ستر الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ لَهُ أصل فِي السنة النَّبَوِيَّة وَقد كَانَ ذَلِك معهودا فِي زَمَنه كَمَا يُشِير إِلَيْهِ قَوْله: «وَلاَ تَنْتَقِبِ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ، وَلاَ تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ »، وما ورد في النصوص الكثيرة سواء بالتصريح أو بمفهوم المخالفة وغيرها من الدلالات والتي منها:

عن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فِي حَدِيث الْإِفْك قَالَت: «وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ قَدْ عَرَّسَ وَرَاءَ  الْجَيْشِ، فَأَدْلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَقَدْ كَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيَّ الْحِجَابُ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي …»، وفِي هَذَا الحَدِيث شَاهد قوي، وَدَلِيل وَاضح على أَن الْوَجْه عَورَة وَلذَا خمرت وَجههَا الصديقة بنت الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

وعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا، فَلْيَفْعَلْ” قَالَ: “فَخَطَبْتُ جَارِيَةً مِنْ بَنِي سَلمَةَ، فَكُنْتُ أَخْتَبِئ  لَهَا تَحْتَ الْكَرَبِ حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا بَعْضَ مَا دَعَانِي إِلَى نِكَاحِهَا، فَتَزَوَّجْتُهَا»، ووجه الدلالة أن النبي ﷺ نفى الجناح وهو الإثم عن الخاطب بشرط أن يكون نظره بقصد الخِطبة، فدل هذا على أن غير الخاطب آثم بالنظر إلى الأجنبية بكل حال، ومعلوم أن مقصود الخاطب إنما النظر إلى الوجه ابتداءً وما سواه تبع له.

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «خَرَجَتْ سَوْدَةُ بَعْدَمَا ضُرِبَ الحِجَابُ لِحَاجَتِهَا، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَسِيمَةً لاَ تَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا، فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فَقَالَ: يَا سَوْدَةُ، أَمَا وَاللَّهِ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا، فَانْظُرِي كَيْفَ تَخْرُجِينَ، قَالَتْ: فَانْكَفَأَتْ رَاجِعَةً، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي بَيْتِي، وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى وَفِي يَدِهِ عَرْقٌ، فَدَخَلَتْ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي، فَقَالَ لِي عُمَرُ كَذَا وَكَذَا، قَالَتْ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ، وَإِنَّ العَرْقَ فِي يَدِهِ مَا وضعه، فَقَالَ: «إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ»،  ووجه الدلالة أَن عمر رضي الله عنه لم يعرف سَوْدَة من وَجههَا وكفيها، وَإِنَّمَا عرفهَا من جسامة جسمها، فَدلَّ على أَنَّهَا كَانَت مستورة الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ وَهَذَا هُوَ معنى الْحجاب أَعنِي تَغْطِيَة الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ وَسَائِر الْجِسْم، وَإِذا لم يكن هَذَا الْمَعْنى مرَادا فَمَاذَا كَانُوا يغطون قبل نزُول الْحجاب، وَهَذَا أَمر فِي غَايَة الوضوح وَالْبَيَان، إِذا لم تكن سَوْدَة بنت زمعَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا مستورة الْوَجْه عِنْد خُرُوجهَا من بَيت النَّبِي ﷺ فَكيف يُقَال فِي حَقّهَا وَحقّ غَيرهَا من أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُن أَنَّهُنَّ امتثلن الْأَمر الإلهي بالحجاب.

وبعد سرد هذه الأدلة نقول أنَّه لا يجوز للمرأة أن تكشف على وجهها، وبالخصوص في مثل هذه المجتمعات الجاهلية بين هؤلاء الفساق الكفرة، وأن حجابها وسترها وعفتها هي رأس مالها لا تتنازل عليها بحال من الأحوال، والله خير حافظا وهو يتولى أمرها قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (٢)}الطلاق.

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى