الفتاوىالولاء والبراءفتاوى العقيدة

ما حكم القيام للراية الوطنية ــ العلم ـ كما يفعله الطلبة في المدارس والجنود في الثكنات وغيرهم؟ …

السؤال: ما حكم القيام للراية الوطنية ــ العلم ـ كما يفعله الطلبة في المدارس والجنود في الثكنات وغيرهم؟ …

الجواب: قبل الشروع في الجواب على السؤال لابد أن يعرف المسلم حقيقة هذه الرايات الوطنية أو الأعلام الوثنية، والتي تعدُّ رمزا للسيادة القومية وشعارا للديانة الوطنية، فالعلم هو رمز الوطن وهو الراية والشعار اللذان يُعبّران عن الوطنية والانتماء، لذلك هو بمنزلة الصليب الذي هو شعار الديانة النصرانية، فكما أن النصارى يعظمون صلبانهم ويقنتون لها ويقاتلون دونها، فكذلك قومنا يعظمون راياتهم ويقنتون لها ويقاتلون دونها.

والأمر الآخر الذي يجب تفصيله في هذا المقام، هو أن القيام له أنواعٌ يختلف حكمُه فيها باختلاف المعنى الذي يصاحبه:
فالقيام الذي يصحبه سكون وخشوع وخضوع هو قيام عبادة، قال تعالى:﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾[البقرة ٢٣٨]، وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: «كُنَّا نَتَكَلَّمُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الصَّلَاةِ يُكَلِّمُ الرَّجُلُ مِنَّا صَاحِبَهُ إِلَى جَنْبِهِ، حَتَّى نَزَلَتْ ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ»، “قَالَ مُحَمَّد: معنى ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ هُنَا: أَي: ممسكين عَنِ الكَلَام، وأصل القتوت: الطَّاعَة”، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «خَاشِعِينَ»، وقال ابن فارس في المقاييس:” وسمي السكوت في الصلاة والإقبال عليها قنوتا”، فهذا القيام هو أحد أركان الصلاة كالركوع والسجود، قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ}الزمر، وفُسر القنوت بالقيام، فإذا توجه المرء بهذا القيام إلى غير الله تعالى يكون قد صرف العبادة لغير الله تعالى، وعليه فالقيام للرايات الوطنية والأعلام الوثنية ــ سواء كان القيام مصحوبًا بالتّحيّة والإنشاد أو الْتزم الواقفون الصّمتَ لدقيقةٍ أو دقائقَ ـــ يُعَدُّ مظهرًا وثنيًّا مناقضاً للتّوحيد، وهو صرف لعبادة القيام لهذه الأوثان كصرف الدّعاء والرّكوع والسّجود لها على وجه الخضوع والذّلّ والتّعظيم والخشوع، وهو من أعمال العبادة ممّا ينبغي أن تكونَ خالصةً لله تعالى، فمن فعله من مسلم فقد هدم تّوحيده وأفسده لأنّه صرفَ العبادة التي هي من خصائص الله تعالى إلى غيره سبحانه.

ومن صور القيام كذلك: القيام إلى القادم من السّفر ليعانِقَه فرحًا بقدومه، أو التّوجّهِ إلى الضّيف بالقيام إليه لينزلَه من مركبه أو ليُعينَه على الجلوس أو يحملَ عنه ما يُثْقِلُهُ ونحو ذلك من آداب التعامل وأنواع الإكرام، وهو من القيام المباح ويدلّ عليه حديثُ عائشةَ رضي الله عنها في قصّة نزول قُرَيْظَةَ على حكم سعدِ بْنِ معاذٍ رضي الله عنه وفيه: «بَعَثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَأُتِيَ بِهِ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ إِكَافٌ مِنْ لِيفٍ، قَدْ حُمِلَ عَلَيْهِ وَحَفَّ بِهِ قَوْمُهُ .. فَلَمَّا طَلَعَ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ فَأَنْزِلُوهُ»، فَقَالَ عُمَرُ: «سَيِّدُنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ»، قَالَ: «أَنْزِلُوهُ»، فَأَنْزَلُوهُ» ويدلّ عليه أيضًا ما كان من قيامِه ﷺ إلى ابنته فاطمةَ رضي الله عنها إذا دخلت عليه، وقيامِها رضي الله عنها إلى أبيها ﷺ إذا دخل عليها، فعن عائشةَ رضي الله عنها أنّ فَاطِمَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا:كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ «قَامَ إِلَيْهَا فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا في مَجْلِسِهِ، وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ إِلَيْهِ فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ في مَجْلِسِهَا.

ومن أنواع القيام كذلك: القيام الذي يصاحبه التّرحيب والتبجيل عنايةً بشأن من قام له واهتمامًا بأمره، كالقيام للدّاخل تبجيلاً لمن خُلُقُه التّواضعُ ولا يحبّ أن يُقَامَ له، وهذا النّوع يُكْرَهُ للمَقُومِ له والقائم، وهو قيام منهي عنه، ويدلّ على النهي حديثُ أنسِ بْنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: «مَا كَانَ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ رُؤْيَةً مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ وعلّةُ الكراهة تكمن في خشية الفتنة بتغيير نفس المَقُومِ له، وإن كان النّبيَّ ﷺ -ونفسُه معصومةٌ من نَزَغَاتِ الشّيطان- كان يَكره القيامَ لنفسه، فمن بابٍ أولى أن يَكرهه غيرُ المعصوم لإمكان تعرُّضِ نفسِه للفتنة، ويدل على النهي كذلك حديثُ أبي مِجْلَزٍ قال: «دَخَلَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بَيْتًا فِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرٍ، فَقَامَ ابْنُ عَامِرٍ وَثَبَتَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَكَانَ أَرْزَنَهُمَا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: «اجْلِسْ يَا ابْنَ عَامِرٍ! فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ النَاسُ قِيَامًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار»، وأنكر هذا القيامَ مالكٌ –رحمه الله- وطائفةٌ من أهل العلم”.

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى