![](https://seiraj.com/wp-content/uploads/2023/09/kkl52-780x470.jpg)
السؤال: هل تجوز زيارة المشركين ومؤاكلتهم وضيافتهم في مثل هذه المجتمعات ومتى تصل هذه المخالطة إلى الكفر بالله والولاء لغيره؟
الجواب: نقول أن الواجب على المسلم هو دعوة المشركين إلى الإسلام كما ورد في نصوص كثيرة ومنها في قوله تعالى: {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف ١٠٨]، وقوله تعالى:﴿وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [القصص ٨٨] قال البغوي: ﴿ وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ﴾ ، يَعْنِي الْقُرْآنَ، ﴿بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ﴾إِلَى مَعْرِفَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الْخِطَابُ فِي الظَّاهِرِ لِلنَّبِيِّ ﷺ والمراد به أهل دينه لَا تُظَاهِرُوا الْكُفَّارَ وَلَا تُوَافِقُوهُمْ”، وإن كانت الضيافة والزيارة بنية الدعوة فلا بأس بذلك، بل الوسائل لها أحكام المقاصد، والدعوة إلى الإسلام تحدد العلاقة مع المشرك، فإما أن يستجيب فهي الأخوة في الإسلام أو يعاند ويعارض ويصد عن الحق فيجب على المسلم بعد ذلك هجره ومفاصلته في الدين، وهي سنة الأنبياء مع أقوامهم كما قال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا}[مريم ٤٨]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} [هود ١١٣]، وفي الآية دلالة على وجوب هجران أهل المعاصي والكفر، فإن صحبتهم معصية أو كفر.
وأما إن اتخذ المسلم هذا المشرك أنيسا ورفيقا ووليجة، فصاحبه وصادقه فقد اتخذه وليا، لأن المصادقة والمصاحبة لا تكون إلا عن مودة كما قال تعالى:﴿لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة ٢٢]، وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا» [النساء ١١٤]، قال ابن كثير: “يَنْهَى تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ اتِّخَاذِ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، يَعْنِي مُصَاحَبَتَهُمْ وَمُصَادَقَتَهُمْ وَمُنَاصَحَتَهُمْ وَإِسْرَارَ الْمَوَدَّةِ إِلَيْهِمْ، وَإِفْشَاء أَحْوَالِ الْمُؤْمِنِينَ الْبَاطِنَةِ إِلَيْهِمْ”، وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[التوبة ١٦]، قَالَ مُحَمَّد: {وَلِيجَةً} مَأْخُوذَةٌ مِنَ: الْوُلُوجِ؛ وَهُوَ أَنْ يَتَّخِذَ رجلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ دَخِيلا من الْمُشْركين وخليطا”.
وأما إذا كان المسلم مستضعفا لا يستطيع إظهار إسلامه والجهر به والدعوة إليه ويخاف على نفسه منهم فليعاملهم بما يدفع شرهم عنه ولا يسترسل معهم فوق القدر الذي يتحقق به التقية لنفسه، قال تعالى:{وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[آل عمران ٢٨]، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} قَالَ: نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُلاطِفُوا الْكُفَّارَ، وَيَتَّخِذُونَهُمْ وَلِيجَةً مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ إِلا أَنْ يَكُونَ الْكُفَّارُ عَلَيْهِمْ ظَاهِرِينَ، فَيُظْهِرُونَ اللُّطْفَ وَيُخَالِفُونَهُمْ فِي الدِّينِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}، وروي عن ابن عباس والضَّحَّاكِ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وأَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ: {إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}: «التُّقَاةُ بِاللِّسَانِ لَيْسَ بِالْعَمَلِ».
وأما أهل القرابة منهم فلا بأس بصلتهم لما روي في ذلك من الآثار:
عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ الله، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ، قُلْتُ: وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ» .
وعنْ قَتَادَةَ قَالَ: «إِلا أَنْ يَكُونَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةً فَتَصِلهُ لِذَلِكَ» .
وعَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: « إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ» قال: «إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَكَ ذُو قَرَابَةٍ لَيْسَ عَلَى دِينِكَ فَتُوصِي لَهُ بِالشَّيْءِ هُوَ وَلِيُّكَ فِي النَّسَبِ، وَلَيْسَ وَلِيَّكَ فِي الدِّينِ» وَقَالَ الْحَسَنُ مِثْلَ ذَلِكَ» .