السؤال : تأصيلكم فيمن حكم بغير شرع الله في القضية الواحدة أي لرشوة فهو كافر، فما ردكم إذا بمن يستدل بحديث صفوان بن أمية عندما سرق ثوبه عند أحمد والأربعة وقصة أسامة بن زيد ؟
الجواب : نقول أنَّ من حكم بغير شرع الله في صورة التبديل لحكم الله بحكم غيره فهو كافر بالله تعالى كفرا أكبر مخرج من الملة سواء كان لرشوة أو غيرها، وسواء كان في قضية أو قضيتين وهو التبديل الجزئي أو كان في التبديل الكلي كما هو الواقع في هذا الزمان، ويخرج بذلك الجور في الحكم ــ اجتهادا أو جهلا أو تأويلا ــ كما بينا ذلك في مواضع، أما ما ذكره السائل فهو خارج محل النزاع وهو من الشفاعة المنهي عنها في الحدود كما في قصة أسامة بن زيد، ومن باب إسقاط الحق والعفو عن الجاني في قصة صفوان بن أمية وليس من باب الحكم بغير شرع الله أو التبديل لحكم الله.
فلا يقال هذا في حق الصحابة أنهم أرادوا الحكم بغير ما أنزل الله، أو دفعوه أو اعترضوا عليه أو طعنوا فيه وحاشاهم، وهذا تفصيل الكلام في قصة صفوان وأسامة:
ففي قصة صفوان قَالَ: كُنْتُ نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ عَلَى خَمِيصَةٍ لِي، فَسُرِقَتْ فَأَخَذْنَا السَّارِقَ، فَرَفَعْنَاهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفِي خَمِيصَةٍ ثَمَنُ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا أَنَا أَهَبُهَا لَهُ، أَوْ أَبِيعُهَا لَهُ، قَالَ: ” فَهَلَّا كَانَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ»[[1]]وقوله:” فَهَلَّا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ” أَيْ لِمَ لَا بِعْتَهُ قَبْلَ إِتْيَانِكَ بِهِ إِلَيَّ وَأَمَّا الْآنَ فَقَطْعُهُ وَاجِبٌ وَلَا حَقَّ لَكَ فِيهِ بَلْ هُوَ مِنَ الْحُقُوقِ الْخَالِصَةِ لِلشَّرْعِ وَلَا سَبِيلَ فِيهَا إِلَى التَّرْكِ وَفِيهِ أَنَّ الْعَفْوَ جَائِزٌ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ إلى الحاكم”[[2]].
قال البغوي:” وَفِي حَدِيثِ صَفْوَانَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ إِذَا وَهَبَ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ مِنَ السَّارِقِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْقُطُ، وَالأَوَّلُ أَوْلَى، لأَنَّ الاعْتِبَارَ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ بِحَالَةِ مَا يُسْرَقُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فِيهِ شُبْهَةٌ، كَمَا لَوْ زَنَى بِأَمَةٍ ثُمَّ مَلَكَهَا، أَوْ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا، لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ”[[3]].
قال الشوكاني:” وَحَدِيثُ صَفْوَانَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَفْوَ بَعْدَ الرَّفْعِ إلَى الْإِمَامِ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ فِي بَابِ الْحَثِّ عَلَى إقَامَةِ الْحَدِّ إذَا ثَبَتَ وَالنَّهْيِ عَنْ الشَّفَاعَةِ”[[4]].
أما قصة أسامة فقد ورد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ قُرَيْشًا أهَمَّتْهُمُ المَرْأةُ المَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ الله ﷺ ، وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلا أسَامَةُ، حِبُّ رَسُولِ الله ﷺ فَكَلَّمَ رَسُولَ الله ﷺ، فقال: «أتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ، قال:يَا أيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ الله، لَوْ أنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا«[[5]]
وجاء من طريق مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أُمِّهِ عَائِشَةَ بِنْتِ مَسْعُودِ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهَا مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمَّا سَرَقَتِ الْمَرْأَةُ تِلْكَ الْقَطِيفَةَ مِنْ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَعْظَمْنَا ذَلِكَ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَجِئْنَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ نُكَلِّمُهُ وَقُلْنَا: نَحْنُ نَفْدِيهَا بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «تَطَّهَّرُ خَيْرٌ لَهَا» فَلَمَّا سَمِعْنَا لِينَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ أَتَيْنَا أُسَامَةَ فَقُلْنَا: كَلِّمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَلِكَ قَامَ خَطِيبًا، قَالَ: «مَا إِكْثَارُكُمْ عَلَيَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ وَقَعَ عَلَى أَمَةٍ مِنْ إِمَاءِ اللَّهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نَزَلَتْ بِالَّذِي نَزَلَتْ بِهِ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا»[[6]]، فظنوا أن الشفاعة في الحدود كالشفاعة في التعازير فبين النبي ﷺ حكم الشفاعة في الحدود، فعَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِأُسَامَةَ: «يَا أُسَامَةُ، لَا تَشْفَعْ فِي حَدٍّ» وَكَانَ إِذَا شَفَعَ شَفَّعَهُ»[[7]].
وهذا من باب الشفاعة وليس من باب الاعتراض أو الرد أو الطعن وذكره البخاري تحت باب كَرَاهِيَةِ الشَّفَاعَةِ فِي الحَدِّ إِذَا رُفِعَ إِلَى السُّلْطَانِ، وقال ابن المنذر: “واحتج من رأى الشفاعة مباحة قبل الوصول إلى الإمام بحديث المخزومية؛ لأنه ﷺ إنما أنكر شفاعة أسامة في حد قد وصل إليه وعلمه.”[[8]]، وكان الصحابة يشفعون ما لم يصل إلى الإمام فعَنْ أَبِي حَازِمٍ: أَنَّ عَلِيًّا شَفَعَ لِسَارِقٍ فَقِيلَ لَهُ: تَشْفَعُ لِسَارِقٍ؟، قَالَ: «نَعَمْ، إِنَّ ذَلِكَ يُفْعَلُ مَا لَمْ يَبْلُغِ الْإِمَامَ، فَإِذَا بَلَغَ الْإِمَامَ، فَلَا أَعْفَاهُ اللَّهُ إِذَا عَفَاهُ»[[9]] وروي عن الزبير مثله وكذا عن سعيد بن جبير وعطاء.