الصوتيات والمواعظ

كيف نحقق الإسلام في هذا الزمان؟

صوتية بعنوان: كيف نحقق الإسلام في هذا الزمان؟

الحمد لله الذي اجتبى من صفوة عباده عصابة الحق وأهل السنة، وخصهم من بين سائر الفرق بمزايا اللطف والمنة، وأفاض عليهم من نور هدايته ما كشف به عن حقائق الدين والغمة، وأنطق ألسنتهم بحجته التي قمع الله بها ضلال الملحدين، وصفى سرائرهم من وساوس علماء السلاطين، وعمَّر أفئدتهم بأنوار الحق واليقين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ﷺ وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدينأما بعد: فإن السؤال الذي أرَّق السالكين إلى الله في هذا الزمان، هو حقيقة الإسلام وماهية الإيمان … فقد أصبح حد الإسلام بين الأنام إشكالا مطروحا، والعلم به بينهم مقصوصا مبتورا والعمل به في هذا الزمان مهجورا، فقل في الديار محققوه، وعزَّ في أهل الزمان سالكوه إلا نزرا قليلا يسيرا … وإن ما تَنازعه الناس في هذا الزمان قد أدركه خُصُّومُ الرِسَالةِ المحمدية والملة الحنيفية من أهل كتاب معاندين وجاهليين وثنيين، علموا أن محمداً ﷺ قد بُعث بالأمر بعبادة الله وحده لا شريك له والنهي عن عبادة ما سواه، وإفراد الله بالطاعة والحكم والتلقي عن الله الواحد القهار، والبراءة من سائر الأديان والأقوام، وتكفير من لم يأت بهذا الأصل العظيم … وغاب عن الفئام العظام في هذا الزمان هذه الحقائق الجسام، فغدا علماؤهم إلى القص والبتر والترقيع، حتى ساد دين هزيل الطاعة والحكم فيه للطواغيت بين القطيع … فدعاة “الإسلام” اليوم يخيطون دينهم على مقاس أقوامهم، فكلما أحدث الأقوام شركاً أو كفراً أو بدعة أحدث لهم الدُعاة مخرجاً  ومسلكاً وعُذرا … حتى صار الحقُ في سائر الديار غريبا، وسالكه بين الغثاء مهجورا طريدا … والناس في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، قد اشتدت غربة الإسلام فيما بينهم واستحكمت، وعمت الشرور وطمت وانتشرت، وفشا الشرك وشاع الكفر، وذاع في القرى والأمصار والبادية والحضار. وصارت عبادة الطواغيت طاعة، وانقيادا، وتحاكما دينا يدان به، هرم على ذلك الكبير وشاب عليه الصغير في مدارس الطواغيت، في دور مسالخ الفطرة وقلاع تربية أجيال الكفرة، فصار المسلم مستخفيا بينهم غريبا، كما روي جابر بن عبد الله عن النبي ﷺ قال: [يأتي زمان على الناس يستخفي المؤمن فيهم كما يستخفي المنافق فيكم اليوم]، قَالَ فُضَيْلٌ: «فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَمْشِي الْمُؤْمِنُ بِالتَّقِيَّةِ , وَبِئْسَ الْقَوْمُ قَوْمٌ يُمْشَى فِيهِمْ بِالتَّقِيَّةِ».  فصار همُّ الصفوة الاخيار، هو تحقيق الإسلام الذي جاء به المصطفى المختار، والثبات عليه بين هؤلاء الأشرار، وسؤالهم الذي يسألون: كيف نحقق الإسلام في هذه الديار؟، وهذا ما سنبينه بحول الله وقوته في هذه الصوتية بإذن الله الواحد القهار:أقول لابد أن نفهم حقيقة الإسلام فهما متكاملا صحيحا، حتى نستطيع أن نميز بينه وبين هذه الأوضاع الجاهلية المحدثة، فنجتنبَ منها ما صادم حقيقته، ونعتزل ما ينقض أصله … واعلم أن الإسلامَ يقومُ على قاعدة الاستسلام لله بالعبودية والطاعة وقال تعالى: ﴿وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾[النمل 31]، قال ابن زيد: «وأقبلوا إليّ مذعنين لله بالوحدانية والطاعة». وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾[البقرة208]، قال ابْنِ عباس:« السِّلْمُ: الطَّاعَةُ»، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، نَحْوُ ذَلِكَوقال تعالى: ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران 85]، قال الطبري:” ويعني بقوله: ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ ونحن له منقادون بالطاعة، متذللون بالعبودة، مقرّون لهُ بالألوهة والربوبية، وأنه لا إله غيره”. وقال تعالى: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} [هود14]، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ:« الاسْتِجَابَةُ الطَّاعَةُ»، وقال الطبري:”﴿ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾، يقول: فهل أنتم مذعنون لله بالطاعة، ومخلصون له العبادة، بعد ثبوت الحجة عليكم؟”. فالإسلام هو: الاستسلام لله بالعبادة والطاعة على حد سواء، خلافا لما جرى عليه المداخلة من نزع الطاعة والحكم من حد الإسلام، وجعله مجرد إفراد الله بالعبادة التي هي الشعائر والمناسك، فالإسلام عندهم هو إفراد الله في النسك فقط، وهذا الذي نخالفهم فيه جملة وتفصيلا، فقد قصروا الشرك على عبادة القبور والأوثان وجعلوا الطاعة والحكم من جملة المعاصي التي تجامع حد الإسلام.ولا شك ولا ريب أن الطواغيت في هذا الزمان قد جعلوا أنفسهم أربابا من دون الله يسنون الشرائع والقوانين والأحكام، والشعوب تنقاد وتمتثل وتسمع وتطيع … فالأمر والنهي لهم من دون الله والسمع والطاعة والتحاكم لدينهم من دون الله …

أليس هذا شركا في الطاعة والحكم! أليس هذا ناقضا للإسلام مصادما لحقيقته وجوهره وأصله، قال الطبري:” وأصل “الإسلام”: الاستسلام، لأنه “من استسلمت لأمره”، وهو الخضوع لأمره، وإنما سُمي “المسلم” مسلماً بخضوع جوارحه لطاعة ربه” أليست هذه الشعوب استسلمت لأمر الطواغيت وخضعت لشرائعها وأحكامها فهي منقادة لدينها!
وقال البغوي:” وَالْإِسْلَامُ: هُوَ الدُّخُولُ فِي السِّلْمِ، وَهُوَ الِانْقِيَادُ وَالطَّاعَةُ، يُقَالُ: أَسْلَمَ، أَيْ: دَخَلَ فِي السِّلْمِ، وَاسْتَسْلَمَ”، أليس هذا النظام الحديث الخبيث من جنس ما كان يفعله النصارى مع الأحبار والرهبان من الطاعة والانقياد كما في قَوْلِهِ تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} ، قال  أَبِو الْبُخْتُرِيِّ: «أَطَاعُوهُمْ فِيمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ مِنْ حَرَامِ اللَّهِ وَحَلَالِهِ فَجَعَلَ اللَّهُ طَاعَتَهُمْ لَهُمْ عِبَادَةً»، وَهَكَذَا قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ ]، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ]، وَغَيْرُهُمَا فِي تَفْسِيرِ الآية: “إِنَّهُمُ اتَّبَعُوهُمْ فِيمَا حَلَّلُوا وَحَرَّمُوا»”.
وقد صحح النبيّ ﷺ لعدي بن حاتم مفهوم “اتخاذ الأرباب” في أنه ليس محصورا بالسجود والركوع لهم أو دعائهم من دون الله، وبيَّن له أن معنى العبودية لغير الله أعم من ذلك، وهي طاعتهم في التحليل، والتحريم، والتشريع، وكان هذا من شرك أهل الكتاب باتخاذهم الأرباب في التشريع والحاكمية والاتباع، وهو شرك الوثنيين كذلك قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا لايَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)} [البقرة 170]، قال البغوي: أَيْ:” لَا تَتَّخِذُوا غَيْرَهُ أَوْلِيَاءَ تُطِيعُونَهُمْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وقال تعالى:{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} إنهم الأولياء الذين تُصرف لهم الطاعة من دون الله وهناك أولياء وغيرهم الأولياء الذين تصرف لهم العبادة من دون الله كما في قوله تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ} [الزمر3]، فهناك في الطاعة والاتباع أي في قوله {وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} وهنا في صرف العبادة والدعاء، والأولياء هم الأولياء، فلا فرق بين شرك العبادة وشرك الاتباع، ولا فرق بين شرك الطاعة وشرك الدعاء.
      وهذا يدل على أن شرك العالم يقوم على أصلين: 1ـ الشرك في العبادة 2ـ والشرك في الحكم والتشريع والطاعة ويدل عليه قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35)} [ النحل 35] فمقالة الذين أشركوا في الاحتجاج بالقدر على أمرين:
 الأول : {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ} وهي عبادة غير الله.
 والثاني: ﴿وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ﴾ ، وهي التشريع من دون الله.
 وهما أصلا شرك العالم، ثم أخبر الله تعالى في نفس السياق أنه أقام الحجة على الخلق في الأصلين، وأرسل في كل أمة رسولا ينهى عن هذا الشرك في العبادة والتشريع: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}، أليس هذا النظام الحديث الخبيث هو تعبيد الناس للطواغيت وتغير الدين الحنيف:﴿وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا لَعَنَهُ اللَّهُ ۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا 118 وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾[النساء119]  قال ابْن عَبَّاس: «خَلْقَ اللَّهِ: دِينَ اللَّهِ. ،وقال أبو جعفر:” يقول: ولآمرن النصيبَ المفروض لي من عبادك، بعبادة غيرك من الأوثان والأنداد حتى يَنْسُكوا له، ويحرِّموا ويحللوا له، ويشرعوا غيرَ الذي شرعته لهم، فيتبعوني ويخالفونك”.
 
   واعلم رحمك الله أن المسلم هو الذي أسلم وجهه لله، وهو الذي يتلقى عن ربه في الأصول الأربعة:
في العقائد والأخبار، والمناسك والشعائر، والشرائع و الأحكام، ونظام الملك ومنهج الحياة، فالخالق لهذا الكون المتصرف فيه المدبر لأمره المالك له هو الذي له الخلق والأمر، وهو الذي يُقرر الاعتقاد والتصور للقلب، والعبادة والشعائر للجوارح، والنظام والمنهج للحياة، والمسلم هو الذي يتلقى عن ربه في الأصول الأربعة سواءً بسواء، فمن أشرك في العقائد كالجهمية والأشعرية فهو مُشرك، ومن أشرك في الشعائر كالصوفية والقبورية فهو مُشرك، ومن أشرك في النظام، ومنهج الحياة كالديمقراطية … والاشتراكية، فهو مُشرك سواءً بسواء…ومن عذر هؤلاء ما عرف الإسلام وهو مثلهم في الكفر سواء.
واعلم يا رعاك الله أن الخروج من هذه الجاهلية النكراء هو باعتقاد بطلان أوضاعها، والبراءة من أهلها وترك الانقياد والخضوع لنظامها وأوضاعها …، وهو صحيح الإسلام الذي ينجوا به المرء من ظلمات الجاهلية، وحمأة الكفر والشرك.

  • فالإسلام يتحقق بتوحيد الألوهية بإفراد الله تعالى بالعبادة والشعائر، وخلع الأنداد والآلهة الباطلة، والبراءة منها ومن عابديها قال تعالى: { فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ۗ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[التوبة 11]، قال مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ : «فَإِنْ تَابُوا مِنَ الشِّرْكِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَمْ تَقْتُلْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ».
    والإسلام يتحقق بتوحيد الربوبية بإفراد الله بالحكم والطاعة والتشريع، ولا يخرج الجاهلي من الدين الوضعي إلا باعتقاد أن الحكم حقٌ لله وحده دونما سواه، كما أن العبادة هي حقٌ لله وحده دون ماسواه، ويُفرد الله بالتلقي والاتباع في الشرائع والأوضاع، والتحاكم إلى شرعه حال الخصومة والنزاع، ويخلع جميع الطواغيت والآلهة، والأرباب والأنداد، ويتبرأ منها ومن عابديها ك:المنقادين لنظامها الوضعي، والمتحاكمين لشرعها، والخاضعين لسلطانها من دون الله، واعتقاد أنهم على دين باطل.
    والإسلام يتحقق بالولاء لله ولرسوله والمؤمنين والبراءة من المشركين أجمعين قال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ} [الممتحنة 4]،  قال ابن زيد في قول الله عزّ وجلّ: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ }، قال: الأنبياء، وقال الطبري: ” يقول: حين قالوا لقومهم الذين كفروا بالله وعبدوا الطاغوت: أيها القوم إنا بَرآء منكم، ومن الذين تعبدون من دون الله من الآلهة والأنداد”.
    فيتحقق الإسلام بالبراءة من هذه الأقوام، والكفر بهم، وعداوتهم وبغضهم، وخلع الروابط الجاهلية كالوطنية، والقومية والبعثية والعشائرية والكفر بها، وقطع الولاء والمودة لمن حاد الله ورسوله كما قال تعالى: {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)}[الزمر 17].

ويتحقق ركن الانقياد لله بالطاعة والاتباع وترك ركن الانقياد للطواغيت، أو اتباعهم في شرائعهم الجاهلية المناقضة لشريعة الله تعالى، وذلك بالكفر بالجنسية والمواطنة، وهجر مدارسهم ومعاهدهم ترك العمل في مؤسساتهم الطاغوتية واعتزالها، قال تعالى: «وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ».
فتحقيق ملة إبراهيم في هذ الزمان يكون كما أمر الله تعالى في كتابه: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [ الممتحنة 4]، فمن حقق البراءة من قومه ومما يعبدون من دون الله وكفَّرَهم، وعاداهم، وأبغضهم، وآمن بالله واستسلم له بتوحيده في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، ولم يشرك بالله شيئاً في العبادة، والحكم، والطاعة، والمحبة، واجتنب عبادة الطاغوت، واتَّبع ما أنزل الله وكان عبداً لله في التلقي والطاعة والاتباع لا عبداً للطواغيت أو ولياً للكافرين كان حنيفا مسلما … قال تعالى: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 106]، قال تعالى: «فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)» [البقرة]، فمن آتى بذلك فقد حقق ملة إبراهيم واستمسك بالعروة الوثقى، والكلمة الباقية.

نسأل الله أن يقيمنا على الملة الغراء ويثبتنا على المحجة البيضاء حتى نلقاه، اللهم أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين 🖋️.

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى