السلاسل العلميةسلسلة أشراط الساعة

أشراط الساعة الصغرى (٣): الدرس الرابع

الدرس الرابع: أشراط الساعة الصغرى (٣) | للشيخ محمد بن سعيد الأندلسي -حفظه الله تعالى-.

بسم الله الرحمان الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد: فلا يزال الحديث على أشراط الساعة الصغرى. الأشراط التي وقعت وتزداد أو التي ظهرت ولا تزال مستمرة، يتكرر وقوعها، وقد يقع منها في المستقبل أكثر مما وقع منها في الماضي. وسبق معنا أن من أعظم هذه الأشراط على الإطلاق هي الفتن، حيث أن الكثير من الأشراط محصلتها وقوع الفتن أو هي ثمرة لوقوع الفتن كما روي عَنْ أَبِي الْجَلْدِ قَالَ: تَكُونُ فِتْنَةٌ بَعْدَهَا فِتْنَةٌ , الْأُولَى فِي الْآخِرَةِ كَثَمَرَةِ السَّوْطِ يَتْبَعُهَا ذُبَابُ السَّيْفِ, ثُمَّ تَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ فِتْنَةٌ تُسْتَحَلُّ فِيهَا الْمَحَارِمُ كُلُّهَا , ثُمَّ تَأْتِي الْخِلَافَةُ خَيْرَ أَهْلِ الْأَرْضِ وَهُوَ قَاعِدٌ فِي بَيْتِهِ هَنِيًّا» «مصنف ابن أبي شيبة».من أعظم هذه الأشراط الصغرى التي وقعت ثم يكثر وقعها هو رجوع عموم الناس عن الدين القيم والكفر العام في الديار, والأصل في ذلك ما رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «‌بَدَأَ ‌الْإِسْلَامُ ‌غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ»، فأخبر النبي ﷺ أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود في آخر الزمان كما بدأ في أول الإسلام يعود في قلة كما بدأ في قلة بدأ في جاهلية نكراء وأهل الإسلام والسنة في قلة كذلك يعود كما بدأ وهذا ظاهر في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بعودة الناس إلى الجاهلية وهي الجاهلية الثانية التي أخبر عنها عبد الله بن عباس في قوله تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ}قال: ستكون جاهلية ثانية ،كذلك يدل على ما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس قد دخلوا في دين الله أفواجًا، وسيخرجون منه أفواجًا»، رواه الإمام أحمد وقال الهيثمي فيه جَارُ جَابِرٍ لَمْ أَعْرِفْهُ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ. وهذا الأثر يشهد له ما رواه الحاكم عن  أبي هريرة  رضي الله عنه؛ وأحمد كذلك قال أبو هريرة: «تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليخرجن منه أفواجًا كما دخلوا فيه أفواجًا». رواه الحاكم في “مستدركه”، وقال: “صحيح الإسناد ولم يخرجاه”، ووافقه الذهبي في “تلخيصه”وهذا الحديث يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.كذلك يدل على هذا الأصل في رجوع الناس عن الإسلام إلى الكفر العام في آخر الزمان قبل عود الخلافة هو حديث ثوبان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها … (الحديث)، وفيه: ‌«وَلَا ‌تَقُومُ ‌السَّاعَةُ ‌حَتَّى ‌تَلْحَقَ ‌قَبَائِلُ ‌مِنْ ‌أُمَّتِي ‌بِالْمُشْرِكِينَ، وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي الْأَوْثَانَ» رواه أحمد وأبو داود وإسناده على شرط مسلم كذلك رواه الترمذي وصححه وأصله في الصحيح كما سيأتي معنا، كذلك رواه الطيالسي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يرجع ناس من أمتي إلى أوثان يعبدونها من دون الله» هذا أعم. كذلك من رواية أبي هريرة رضي الله عنه عند الشيخان البخاري ومسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تضطرب آليات نساء دوس حول ذي الخلصة» وكانت صنمًا تعبدها دوس في الجاهلية بتبالة” رواه: الإمام أحمد، والشيخان، كذلك عنه رضي الله عنه: أنه قال: “لا تقوم الساعة حتى تضطرب آليات نساء حول الأصنام” رواه ابن أبي شيبة،وهذا الخبر مشهور كثيرا عند السلف كما رواه ابن أبي شيبة عَنْ مُحَمَّدٍ بن سيرين قَالَ: ” ‌كُنَّا ‌نَتَحَدَّثُ ‌أَنَّهُ ‌تَكُونُ ‌رِدَّةٌ ‌شَدِيدَةٌ حَتَّى يَرْجِعَ نَاسٌ مِنَ العَرَبِ يَعْبُدُونَ الأَصْنَامَ بِذِي الْخَلَصَةِ”. هذه الآثار وقع مصداقها أو وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث قبل هذا الزمان | فوقع أن قبيلة دوس وما حولها من العرب افتتنوا بذي الخلصة في زمان محمد بن عبد الوهاب فعبدوها من دون الله تبارك وتعالى| كذلك في هذا الزمان فاضطربت آليات النساء وتزاحمت مع الرجال عند القبور المعظمة عند المشركين الجهال في هذا الزمان، وما أكثرها في هذه الزمان كالبدوي في مصر والجيلاني بالعراق والست زينب بسوريا والحسينيات والقباب والقبور والمشاهد والمزارات في كل قرية في هذه الديار قبر يعبد ومشهد يزار كما قال الله تبارك وتعالى في الجاهلية الأولى:{أَفَرَءَيۡتُمُ ٱللَّٰتَ وَٱلۡعُزَّىٰ (١٩) ‌وَمَنَوٰةَ ‌ٱلثَّالِثَةَ ٱلۡأُخۡرَىٰٓ}.

كذلك الحسينيات في جزيرة العرب وما فيها من الشرك الصراح والاستغاثة بالعباس والحسين وعلي فهي مرخصة في تلك الديار فتعبد فيها الروافض والمشركين الأوثان والأصنام وتعبد فيها الطواغيت من دون الله تعالى. كذلك يدل عليه ما روي عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تنصب الأوثان، وأول من ينصبها أهل حضر من تهامة». رواه: نعيم بن حماد في “الفتن”، وابن وضاح في البدع من طريقه. وروى عَنْ حُذَيْفَةُ قال: «‌لَا ‌تَقُومُ ‌السَّاعَةُ ‌حَتَّى ‌تُنْصَبَ ‌فِيهَا ‌الْأَوْثَانُ ‌وَتُعْبَدَ. يَعْنِي فِي الْمَحَارِيبِ»، كذلك قال حُذَيْفَةَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَوِ اعْتَرَضَتْهُمْ فِي الْجُمُعَةِ نُبَيْلٌ (تصغير لكلمة نبل) ‌مَا ‌أَصَابَتْ ‌إِلَّا ‌كَافِرًا» مصنف ابن أبي شيبة. كذلك قال حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «‌كَيْفَ ‌أَنْتُمْ ‌إِذَا ‌انْفَرَجْتُمْ ‌عَنْ ‌دِينِكُمُ ‌انْفِرَاجَ ‌الْمَرْأَةِ عَنْ قُبُلِهَا» رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين للحاكم» ووافقه الذهبي في “تلخيصه”.
ورواه ابن أبي شيبة، ولفظه: “كيف أنتم إذا انفرجتم عن دينكم كما تنفرج المرأة عن قبلها لا تمنع من يأتيها(هذا اللفظ ظاهر في مفارقة الدين). قالوا: لا ندري، قال: لكني والله أدري، أنتم يومئذ بين عاجز وفاجر (وكذلك المسلمون في هذا الزمان بين عاجز وفاجر) فقال رجل من القوم: قبح العاجز (عن ذاك) قال: يضرب ظهره حذيفة مرارًا، ثم قال: قبحت أنت، قبحت أنت”. حذيفة رضي الله عنه ضرب ذاك الذي قال قبح العاجز؛ لأن العجز هو المطلوب في ذلك الزمان أما الفجور فلا شك أنه مذموم ؛ كما روي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يأتي على الناس زمان، يخير فيه الرجل بين العجز والفجور، فمن أدرك ذلك الزمان؛ فليختر العجز على الفجور» .رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى، والحاكم. كذلك روي عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: “أَنَّهُ أَخَذَ حَصَاةً بَيْضَاءَ فَوَضَعَهَا فِي كَفِّهِ ثُمَّ قَالَ: ‌إِنَّ ‌هَذَا ‌الدِّينَ ‌قَدِ ‌اسْتَضَاءَ إِضَاءَةَ هَذِهِ الحصاة, ثُمَّ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فَجَعَلَ يَذَرُهُ عَلَى الْحَصَاةِ حَتَّى وَارَاهَا, ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَجِيئَنَّ أَقْوَامٌ يَدْفِنُونَ الدِّينَ كَمَا دُفِنَتْ هَذِهِ الْحَصَاةُ, وَلَيَسْلُكُنَّ طَرِيقَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ , وَحَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ» البدع لابن وضاح. فيأتي قوم يوارون أو يدفنون الدين كما هو موجود في هذا الزمان. فأماتوا الدين كما أماته بنو إسرائيل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما أقام فيهم حد الرجم قال: “اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه”. فعدم الحكم بالشريعة هو إماتة للدين.
كذلك روي عن عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ تُعْرِفُوا بِهِ، وَاعْمَلُوا بِهِ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِهِ، فَإِنَّهُ سَيَأْتِي مِنْ بَعْدِكُمْ زَمَانٌ ‌ينْكرُ ‌الْحَقَّ ‌فِيهِ ‌تِسْعَةُ ‌أَعْشَارِهِمْ لَا يَنْجُو مِنْهُ إِلَّا كُلُّ نُوَّمَةٍ، أُولَئِكَ أَئِمَّةُ الْهُدَى وَمَصَابِيحُ الْعِلْمِ، لَيْسُوا بِالْعُجْلِ الْمَذَايِيعِ بُذْرًا» … «فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل» رواه: الإمام أحمد في “الزهد”، وابن وضاح، وزاد: “قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما النومة؟ قال: الرجل يسكت في الفتنة فلا يبدو منه شيء”.
وكذلك روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ قال: «يأتي على الناس زمان يحجون ويصلون ويصومون وما فيهم مؤمن» . يعني يأتون بالشعائر وليس فيهم مؤمن وكذلك قومنا إلا من رحم الله تعالى ، رواه أبو شعيب الحراني في “فوائده”، وإسناده لا بأس به. وقد رواه ابن أبي شيبة، ولفظه: قال: «يأتي على الناس زمان يجتمعون ويصلون في المساجد وليس فيهم مؤمن». ورواه الحاكم في “مستدركه” بنحوه، وقال: “صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه “، ووافقه الذهبي في “تلخيصه”. وهذا له حكم الرفع، لأن مثله لا يقال من قبيل الرأي وإنما يقال من قبيل التوقيف. وورد في كتب السنة ورواه كذلك الفريابي في صفة النفاق وذم المنافقين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَجْتَمِعُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ‌وَمَا ‌فِيهِمْ ‌مُؤْمِنٌ.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيأتي على الناس زمان، يصلي في المسجد منهم ألف رجل أو زيادة، لا يكون فيهم مؤمن». رواه الديلمي وإليه وحده عزاه المتقي الهندي في “كنز العمال. وهذا الإسناد فيه راويان لم أقف على ترجمتهما وفيه علي بن أحمد بن صالح القزويني لم يذكر في ترجمته جرح ولا تعديل واللَّه أعلم.

وعنه رضي الله عنه: أن رسول الله قال: «يؤذن المؤذن ويقيم الصلاة قوم وما هم بمؤمنين». رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، قال الهيثمى: وَفِيهِ رَجُلٌ لَمْ يُسَمَّى.
وكذلك من الأصول الدالة على هذا الذي ذكرناه هو عودة الناس إلى الجاهلية أو رجوع عموم الناس عن الدين القيم. الحديث الذي رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «‌مَنَعَتِ ‌الْعِرَاقُ ‌دِرْهَمَهَا ‌وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّامُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ» قال: شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ. طبعا ذكر في هذا الحديث القفيز والمد والإردب وهي كلها مكاييل كانت لأهل ذلك الزمان في تلك البلاد، وبعضها لا يزال معروفا إلى أيامنا هذه، كذلك الدرهم والدينار كانت عملات معروفة في ذلك الزمان، منعت العراق ومنعت الشام ومنعت مصر فالمنع من تلك البلدان لحقوق الله تبارك وتعالى من الخراج والجزية والزكاة. فالمنع هو بسبب جريان الكفر على تلك الديار فتجري عليها الكفر فتمنع حقوق الله جل وعلا، قال بعض شراح الحديث: “الأشهر في معناه: أن العجم والروم يستولون على البلاد في آخر الزمان، فيمنعون حصول ذلك للمسلمين، وقد روى مسلم هذا بعد ذاك بورقات عن جابر قال: “يوشك أن لا يجيء إليهم قفيز ولا درهم، قلنا: من أين ذلك؟ قال: من قبل العجم.. يمنعون ذلك، وذكر في منع الروم ذلك بالشام مثله، وهذا قد وجد في زماننا في العراق، وهو الآن موجود، وهذا كان من قديم منعت وقيل: لأنهم يرتدون آخر الزمان، فيمنعون ما لديهم من الزكاة وغيرها،وهذا المعنى ظاهر، وقيل: معناه أن الكفار الذين عليهم الجزية تقوى شوكتهم في آخر الزمان، فيمتنعون مما كانوا يؤدونه من الجزية والخراج، وغير ذلك”، وقيل: معناه أنهم يرجعون عن الطاعة، ولا يؤدون الخراج المضروب عليهم، لهذا قال: وعدتم من حيث بدأتم؛ أي رجعتم إلى ما كنتم عليه قبل ذلك. وهذا القول رجحه ابن كثير، ولم يحك الخطابي في “معالم السنن” سواه. واستشهد له ابن كثير بما رواه الإمام أحمد ومسلم من حديث أبي نضرة؛ قال: كنا عند جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، فقال: يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم. قيل: من أين ذلك؟ قال: من قبل العجم؛ يمنعون ذلك. ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مدي. قلنا: من أين ذلك؟ قال: من قبل الروم. هذا الحديث فيه المنع والامتناع من أداء حقوق الله تبارك وتعالى، وفيه المنع من جريان أحكام الشريعة وفيه التبديل وفيه قوله: «وعدتم من حيث بدأتم»: إشارة إلى استحكام غربة الإسلام ورجوعه إلى مقره الأول؛ كما في الحديث الصحيح الذي صدرنا فيه الباب: «إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ.
كذلك من الأصول الدالة على عودة الجاهلية هي تشريع الأحكام الوضعية أو المثناة التي كانت في بني إسرائيل سوف تكون في هؤلاء القوم كما روي عن عَمرو بن قيس الكِنْدي، قال: كنتُ مع أبي بـ «حُوَّارَ ِيْنَ» وأنا غلامٌ حَدَثٌ شابٌّ، فرأيتُ الناسَ مجتمعينَ على رجل، فقلتُ: من هذا؟ قالوا: عبد الله بن عَمرٍ، فسمعتُه يحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مِنِ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ: أَنْ يُرْفَعَ الأَشْرَارُ، ويُوضَعَ الأَخْيَارُ، ويُفْتَحَ القَوْلُ، ويُحْبَسَ العَمَلُ، ويُقْرَأَ ‌في ‌القَوْمِ ‌المَثْنَاةُ» ، قيل: وما المثناة؟ قال: «مَا كُتِبَ سِوَى كِتَابِ اللهِ تبارك وتعالى» قال الحاكم: “صحيح الإسناد ولم يخرجاه”، ووافقه الذهبي في “تلخيصه”. وقد رواه الطبراني بنحوه. وقال الهيثمي: “رجاله رجال الصحيح”. كذاك مثله عَنْ عُلَيْمٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عَلَى سَطْحٍ مَعَنَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ يَزِيدُ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَبْسًا الْغِفَارِيَّ، وَالنَّاسُ يَخْرُجُونَ فِي الطَّاعُونِ، فَقَالَ عَبَسٌ: يَا طَاعُونُ خُذْنِي، ثَلَاثًا يَقُولُهَا، فَقَالَ لَهُ اعُلَيْمٌ: لِمَ تَقُولُ هَذَا؟ أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ فَإِنَّهُ عِنْدَ انْقِطَاعِ عَمَلِهِ، وَلَا يُرَدُّ فَيُسْتَعْتَبَ” فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” بَادِرُوا ‌بِالْمَوْتِ ‌سِتًّا: ‌إِمْرَةَ ‌السُّفَهَاءِ، ‌وَكَثْرَةَ ‌الشُّرَطِ، وَبَيْعَ الْحُكْمِ (كناية الرشوة التي تبدل بها الأحكام)، وَاسْتِخْفَافًا  بِالدَّمِ، وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ، وَنَشْوًا يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ يُقَدِّمُونَهُ يُغَنِّيهِمْ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُمْ فِقْهًا”.

قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه “غريب الحديث”: “سألت رجلا من أهل العلم بالكتب الأولى، قد عرفها وقرأها عن المثناة؟ فقال: إن الأحبار والرهبان من بني إسرائيل بعد موسى وضعوا كتابا فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله تبارك وتعالى، فسموه المثناة، كأنه يعني أنهم أحلوا فيه ما شاؤوا، وحرموا ما شاؤوا، على خلاف كتاب الله تبارك وتعالى”. وهذا واضح في هذا الزمان في وضع الدساتير والقوانين والتشريعات والكتب التي جعلوها بدلا لكتاب الله تعالى. واقصوا الشريعة من الحكم والأمر. ولا شك أنه إذا عبدت الأوثان والقبور وغيرت الأحكام والشرائع فقد حلت الجاهلية التي تقوم على عبادة غير الله. والحكم بغير شرع الله وهذا هو أصل شرك العالم. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ شِرْكَ الْعَالِمِ يَقُومُ عَلَى أَصْلَيْنِ: الْأَوَّلُ: الشِّرْكُ بالله فِي الْعِبَادَةِ وَالثَّانِي: الشِّرْكُ بالله فِي الْحُكْمِ وَالطَّاعَةِ والتلقي، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ ‌مَا ‌عَبَدۡنَا ‌مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖ نَّحۡنُ وَلَآ ءَابَآؤُنَا وَلَا حَرَّمۡنَا مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ فَهَلۡ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ (٣٥) وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّٰغُوتَۖ}
[النحل: 35-36]. انظر مَقَالَةُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا فِي الِاحْتِجَاجِ بِالْقَدرِ عَلَى أَمْرَيْنِ:
الْأَوَّلُ:{مَا ‌عَبَدۡنَا ‌مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡء} وَهِيَ عِبَادَةُ غَيْر اللَّهِ. وَالثَّانِي: {وَلَا حَرَّمۡنَا مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖۚ} وَهِيَ التَّشْرِيعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْحُكْمُ بِغَيْرِ دِينِ اللَّهِ. كما أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي نَفْسِ السِّيَاقِ أَنَّهُ أَقَامَ الْحُجَّةَ عَلَى الْخَلْقِ فِي الْأَصْلَيْنِ وَأَرْسَلَ فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا يَنْهَى عَن هَذَا الشِّرْكِ فِي الْعِبَادَةِ وَالْحُكْمِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّٰغُوتَ} وعودة الناس عن الدين من أعظم أسبابها هم علماء السلاطين الذين يجادلون عن الطواغيت ويضفون عليهم الشرعية وهذا ورد في الآثار في آخر الزمان كما روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله ﷺ قال: «سيأتي على أمتي زمان تكثر فيه القراء، وتقل الفقهاء، ويقبض العلم، ويكثر الهرج، قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: القتل بينكم، ثم يأتي بعد ذلك زمان يقرأ القرآن رجال لا يجاوز تراقيهم، ثم يأتي من بعد ذلك زمان يجادل المنافقُ الكافرُ المشركُ بالله المؤمنَ بمثل ما يقول» رواه الحاكم. والطبراني في الأوسط ورجاله ثقات سوى دراج وهو حسن الحديث في روايته عن غير أبي الهيثم في هذا الحديث.

كذلك من الآثار أن الشيطان تحدث الناس فيتمثلون في صورة رجال، فيأتون الناس فيحدثونهم بالحديث ،فيقول الرجل منهم: سمعت رجلا أعرف وجهه ولا أدري ما اسمه يحدث” كما روى مُسلم في مقدمة “صحيحه” عن ابن مسعود – رضي الله عنه -. وكذاك روي في الأثر عن عبد الله بن عمر: “أن في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان عليه السلام يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنًا” رواه مسلم. هذه من أشراط الساعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رفعه علي وإن كان الحديث فيه ضعف: إذا كثر خُطباء منابركم، وركن عُلماؤكم إلى وُلاتِكُم، فأحلوا لهم الحرام، وحرّموا عليهم الحلال، فأتوهم بما يشتهون” رواه الديلمي عن عليّ. كذلك العلماء في هذا الزمان يفعلون مع الطواغيت وكذلك في أثر علي: “إذا تَعلَّم عُلماؤكم ليَجلبوا به دنانيركم ودراهمكم، واتخذتم القرآن تجارة” رواه الديلمي عن عليّ رضي الله عنه. ومعناه: يقرؤون القرآن بالأجرة، فإذا كان هذا هو الحال كان شر هذه الأمة علماؤها سيصيب هذه  الأمة بلاءٌ شَديدٌ كما هو في هذا الزمان لا ينجو منه إلَّا من عرف دينه كما رواه أبو نصر السجزي، وأبو نُعيم، عن عمر – رضي الله عنه قال :سيصيب أمتي في آخر الزمان بلاء شديد لا ينجو منه إلا رجل عرف دين الله فجاهد عليه بلسانه وبقلبه فذلك الذي سبقت له السوابق ورجل عرف دين الله فصدق به. كذلك يترك الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فضلاً عن الجهاد في سبيل الله وهذا هو الذي أخبر به النبي كما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا ضنَّ الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله؛ أنزل الله بهم بلاء، فلم يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم». فترك الجهاد وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو ترك للدين. رواه: الإمام أحمد، والبزار، وأبو يعلى، وأبو نعيم في “الحلية”، والبيهقي في “شعب الإيمان”.

هذا إسناد لا يصح، والليث ليس في الحديث بالليث، والكلام فيه طويل الذيل. وأخرج ابن أبي خيثمة من طريق مكحول عن أنس رضي الله عنه: «قيل: يا رسول الله! متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: “إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل، إذا ظهر الإدهان في خياركم، والفحش في شراركم، والملك في صغاركم، والفقه في رذالكم». ورواه أبو نعيم في “الحلية” من طريق مكحول عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: «قيل: يا رسول الله! متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: “إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل قبلكم”. قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: “إذا ظهر الإدهان في خياركم، والفاحشة في شراركم، وتحول الفقه في صغاركم ورذالتكم». وفي رواية: «وتحول الملك في صغاركم، والفقه في أراذلكم». وعن زيد بن وهب؛ قال: سمعت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: «لا يأتي عليكم يوم؛ إلا وهو شر من اليوم الذي كان قبله، حتى تقوم الساعة، لست أعني رخاء من العيش يصيبه، ولا مالا يفيده، ولكن لا يأتي عليكم يوم؛ إلا وهو أقل علمًا من اليوم الذي مضى قبله، فإذا ذهب العلماء؛ استوى الناس؛ فلا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر؛ فعند ذلك «يهلكون» (فالذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر هم العلماء أصالة. فكيف بأمة صار علماؤها يحلون للطواغيت ما يشتهون ويحرمون عليهم ما يشتهون ولا يخرجون عن ٲمرهم في قول أو فعل فكفى بذلك هلاكا. والله المستعان) رواه يعقوب بن شيبة، وله حكم الرفع، وكذلك الحديث الذي قبله.

والوصية النبوية في ذلك عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِهَذِهِ الْآيَةِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] ؟ فَقَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقَالَ: «ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ, وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ , حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا, وَهَوًى مُتَّبَعًا, وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً, وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ , وَرَأَيْتَ أَمْرًا لَا يَدَانِ لَكَ بِهِ», أَوْ قَالَ: «لَا يَدَ لَكَ بِهِ, فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ, وَدَعِ الْعَوَامَّ , فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ, لَلصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ, لِلْعَامِلِ مِنْهُمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ». في هذا الزمان’ “يذهب الصالحون الأول فالأول، وتبقى حُثَالةٌ كحثالة الشعير أو التمر” رواه أحمد، والبخاري، عن مرداس الأسلمي. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَيْفَ ‌بِكَ ‌إِذَا ‌أُبْقِيتَ ‌فِي ‌حُثَالَةٍ ‌مِنَ ‌النَّاسِ مَرَجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ؟ وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا هَكَذَا؟» وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. قَالَ: فَبِمَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: «عَلَيْكَ بِمَا تَعْرِفُ وَدَعْ مَا تُنْكِرُ وَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَإِيَّاكَ وَعَوَامِّهِمْ». وَفِي رِوَايَةٍ: «الْزَمْ بَيْتَكَ وَأَمْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَخُذْ مَا تَعْرِفُ وَدَعْ مَا تُنْكِرُ وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ ودع أَمر الْعَامَّة». رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ. وفي رواية عند الداني في «السنن الواردة في الفتن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَيْفَ بِكُمْ, وَزَمَانٌ يُغَرْبَلُ فِيهِ النَّاسُ غَرْبَلَةً, تَبْقَى حُفَالَةٌ مِنَ النَّاسِ, فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَخُذُوا مَا تَعْرِفُونَ, وَذَرُوا مَا تُنْكِرُونَ, وَأَقْبَلُوا عَلَى خَاصَّتِكُمْ, وَذَرُوا أَمْرَ الْعَوَامِّ». في هذا الزمان لا يكون أسعد الناس بالدنيا إلا لُكع بن لُكع” كما رواه أحمد، والترمذي وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو قال: “لاتقوم الساعة حتى يكون يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع”، اللُّكع: العبد، أو الأحمق، أو اللئيم؛ أي: حتى يكون اللئام أو الحمقاء أو العبيد رؤساء الناس وهم أسعد الناس بهذه الدنيا. كذلك ما رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: “يأتي على الناس زمانٌ الصابر على دينه كالقابض على الجمر”. وفيه كذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة قال: “لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر، فيتمرغ عليه، ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر. وليس به الدِّين؛ إلا ما به إلَّا البلاء”. ومنها كذلك: “يكون في آخر الزمان عُبادٌ جُهال، وقراء فسقةٌ” رواه أبو نُعيم،كذلك ما روي عن أبي هريرة: “لا تقومُ الساعةُ حتى يكونَ ‌الزهدُ ‌روايةً ‌والوَرَعُ ‌تَصَنُّعًا” رواه أبو نعيم في الحلية وفيه ضعف. كذلك من أعلام الساعة التي رويت في حديث عبد الله بن مسعود الطويل وهو ضعيف عدّد أكثر من خمسين شرطا من أشراط الساعة وفيه: “وَإِنَّ مِنْ أَعْلَامِ السَّاعَةِ وَأَشْرَاطِهَا ‌أَنْ ‌يَكُونَ ‌الْوَلَدُ ‌غَيْظًا، وَأَنْ يَكُونَ الْمَطَرُ قَيْظًا، وَأَنْ تَفِيضَ الْأَشْرَارُ فَيْضًا. يَا ابْنَ مَسْعُودٍ، إِنَّ مِنْ أَعْلَامِ السَّاعَةِ وَأَشْرَاطِهَا أَنْ يُؤْتَمَنَ الْخَائِنُ، وَأَنْ يُخَوَّنَ الْأَمِينُ [وَأَنْ يُصَدَّقَ الْكَاذِبُ وَأَنْ يُكَذَّبَ الصَّادِقُ] “. أي: يكون الولد غيظ أبيه وأمه؛ أي: يعمل ما يغيظهما بعقوقه لهما، يعني لا يكون طوعاً لهما، ويكون المطر في الصيف؛ فلا يُنبت شيئًا. و(فيض الأشرار): كثرتهم؛ أي: يكثر الشرار كثرة ويقل الأخيار. عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ، جُلُوسًا، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: قَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ. فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، رَأَيْنَا النَّاسَ رُكُوعًا فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ، فَكَبَّرَ وَرَكَعَ، وَرَكَعْنَا ثُمَّ مَشَيْنَا، وَصَنَعْنَا مِثْلَ الَّذِي صَنَعَ، فَمَرَّ رَجُلٌ يُسْرِعُ، فَقَالَ: عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ”، فَلَمَّا صَلَّيْنَا وَرَجَعْنَا، دَخَلَ إِلَى أَهْلِهِ، جَلَسْنَا، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: أَمَا سَمِعْتُمْ رَدَّهُ عَلَى الرَّجُلِ: صَدَقَ اللهُ، وَبَلَّغَتْ رُسُلُهُ، أَيُّكُمْ يَسْأَلُهُ؟ فَقَالَ طَارِقٌ: أَنَا أَسْأَلُهُ، فَسَأَلَهُ حِينَ خَرَجَ، فَذَكَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ تَسْلِيمُ الْخَاصَّةِ، وَفُشُوَّ التِّجَارَةِ، حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ، وَقَطْعَ الْأَرْحَامِ، وَشَهَادَةَ الزُّورِ، وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الحَقِّ، وَظُهُورَ الْقَلَمِ” رواه أحمد بسند صحيح. هذه كلها ظهرت. ظهور القلم وانتشاره وفشوه في هذا الزمان ومن هذا كثرة الكتابة في المجلات والصحف والكتب. كذلك أن تعين المرأة زوجها على التجارة هذا موجود الآن فأكثر النساء يتاجرن سواء كان في المواقع أو غيرها.. كذلك هذا من أعلام النبوة التي ظهرت وأخبر بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ هذه جملة ما نذكره في أشراط الساعة الصغرى التي وقعت وتفشو وتكثر وذكرنا أصولا في هذا ترجع إليه كثير مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا مما سيذكر في هذا الباب. … سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى