الصوتيات والمواعظ

فصل النزاع في العقد على المشركة

صوتية بعنوان: فصل النزاع في العقد على المشركة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد . . .
   فهذا تحقيق لمسألة قد وقع فيها نزاع شديد بين المسلمين فأردت أن أفصل فيها النزاع بكتاب الله جلّ وعلا وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل الخلفاء الراشدين والله الهادي إلى سبيل الرشاد …
أقول قد يتلقى المتلقي بعض المسائل بتأصيل ما ويتبناه ويظن أنه الحق  ويناظر عليه وقد يتعصب له، فيصعب بعد ذلك المراجعة فيه لِما يدخل في ذلك من حظوظ النفس والانتصار لها ونحو ذلك … ولا شك أن التجرد إلى الحق  والرجوع إليه عند وضوحه وبيانه إنما هو سمة أهل الحق وهو درب أهل الإيمان … ولا شك أن بعض الجماعات كان عندها خلط كبير جدا في مسائل عدة، فلما تنظر في جملة تأصيلاتهم تجد الجمع بين المختلفات والتفريق بين المتفقات، ومخالفة منهج السلف في مسائل عدَّة، فتقطع أن هذا الذي وضع تلك الخربشة ليس بطالب علم يجري على سنن السلف وأهل العلم حيث لم ينطلق من أسس سليمة للفهم والتلقي فوقع في تناقض عجيب ومفارقات لمنهج السلف الصالح في مسائل عدّة ومنها مسألة العقد على المشركة.
المخالف يستدل بحديث جابر الطويل وفيه: “وَإِنَّمَا أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ” رواه مسلم وغيره، قالوا أن العقد على المشركة هو استحلال عمليّ للفروج على مقتضى هذا الحديث وهو كفر بالله فمن عقد فقد استحل هذا الفرج، وهذا الفهم بهذا التركيب وهذا الوجه للاستدلال من هذا الحديث لم يسبق إليه سابق وليس فيه سلف صالح، فهو فَهم مُحدَث، بل هو مخالف لفهم السلف الصالح وهو فهم غير معتبر ومطرح، وسنبين ذلك بالأدلة الصحيحة الصريحة . .
فقوله صلى الله عليه وسلم:[وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ” فالمعنى الصحيح ل “كلمة الله” أي شَرْعه أو أَمْره أو حُكْمه، وَقِيلَ هي الْإِيجَاب وَالْقَبُول، وهي الْكَلِمَة الَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا أن تستحل بها الفروج، فهذه الأبضاع كانت عليك حراما فصارت بعد العقد حلالا، لأن الأصل في الأبضاع واللحوم هو التحريم حتى يجيء الحل بزواج أو ملك يمين لقوله تعالى: [ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ]فالاستحلال في حديث جابر هو الانتقال من الأصل الذي هو الحرمة إلى الحِلِّ بهذا العقد. إذًا من عقد على من لا تحل له يكون العقد باطلا أو فاسدا ولا يفيد الحل فلا يُنتقل بهذا العقد من الحُرمة إلى الحل بل تبقى المرأة على أصل التحريم، فالعقد الباطل لا يحل حراما، ويكون وطؤه لها زنا أو شبهة زنا، إذًا نقول أن الحديث إنما يفيد الانتقال – وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ – من الأصل إلى الحِلِّ بهذا العقد، فالعقد قد يكون غير صحيح أي لم تكتمل فيه شروطه فيكون عقدا فاسدا باطلا، وقد يكون المحل غير قابل للعقد يعني المرأة غير قابلة للعقد كأن تكون ذات محرم أو تكون أخته من الرضاعة أو تكون مشركة أو وثنية أو مجوسية أو تكون في عدتها أو تكون أخت زوجته ونحو ذلك، فهذا المحل غير قابل للعقد، فالعقد قد يكون فاسدًا باعتبار ذاته وقد يكون فاسدًا باعتبار محله.
ما حكم العقد على المشركة أو العقد على الوثنية ؟
نقول الأصل في ذلك هو التحريم وهو عقد فاسد باطل لأنّ التحريم في هذا الباب يفيد الفساد . .
ما هو الدليل على هذا ؟؟
الدليل واضح وصريح في قوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور ٣] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في المشركة: « مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ»، قوله {وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} يعني حُرِّمَ عليهم نكاح الزانية المستعلنة بالزنا، فسمى الله نكاح المشركة حراما، والنكاح في الآية هو العقد، لأن النِّكَاح فِي اللغة يطلق على العقد ويطلق على الوطء، قَالَ تعالى: “وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حتى يؤمنّ” فذهب بعض العلماء كما روي عن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ عَنِ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْمَجُوسِيَّةَ أَيَطَؤُهَا؟ فَقَالَ: إِذَا شَهِدَتْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَطِئَهَا. فبعض السلف ذهب إلى أنه لا يجوز وطء المشركة بحال، سواء كانت زوجة أو ملك يمين بهذه الآية “وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ” فحمَل النكاح على عمومه أي على الوطء وعلى العقد.
وهذه الآية {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} نقول أن النكاح هنا هو العقد أي “الزاني لا يعقد إلا على زانية أو مشركة” ونحن محل خلافنا في المشركة، فورد في اللفظ القرآني في كلام ربنا تبارك وتعالى التحريم فقال: “وحرم ذلك على المؤمنين” فالمسلم يكفيه هذا اللفظ ولا يتعداه.

بقي أن تسأل وتقول ماهو دليلك على أن النكاح في الآية إنما يراد به العقد ؟
نقول جاء في السنة في حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلًا (يعني في سبب نزول هذه الآية أي آية النور) مِنَ الْمُسْلِمِينَ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ مَهْزُولٍ، وَكَانَتْ تُسَافِحُ، وَتَشْتَرِطُ لَهُ أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَاسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ ذَكَرَ لَهُ أَمْرَهَا؟ قَالَ: فَقَرَأَ عَلَيْهِ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: ٣] ” هذه رواية أحمد، ولفظ النسائي أوضح من هذا فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: ” كَانَتِ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا أُمُّ مَهْزُولٍ، وَكَانَتْ بِجِيَادٍ وَكَانَتْ تُسَافِحُ، فَأَرَادَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٍ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٣]. فكانت هذه المرأة تسافح أي تظهر الزنا فأراد رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها فأنزل الله {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا ….} إذا النكاح هنا المراد به العقد والزواج، ولا شك أن هذا قول فصل في هذه المسألة، وهذا قول جماعة من أهل التفسير والتأويل . . قال البغوي:” فَقَالَ قَوْمٌ: قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ وَفِيهِمْ فُقَرَاءُ لَا مَالَ لَهُمْ وَلَا عَشَائِرَ، وَبِالْمَدِينَةِ نِسَاءٌ بَغَايَا يُكْرِينَ أَنْفُسَهُنَّ وَهُنَّ يَوْمَئِذٍ أَخْصَبُ أهل المدينة فرغب ناس مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي نِكَاحِهِنَّ لِيُنْفِقْنَ عَلَيْهِمْ، فَاسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللهِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ “وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ” أَنْ يَتَزَوَّجُوا تِلْكَ الْبَغَايَا لِأَنَّهُنَّ كُنَّ مُشْرِكَاتٍ، وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَقَتَادَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ، وَرِوَايَةُ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ”.
كذلك ابن أبي زمنين ذهب إلى هذا: “{وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} يُرِيدُ لَا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ زَانِيَةً مَشْهُورَةَ بِالزِّنَا، وَلَا عَبَدَةَ الْأَصْنَامِ، وَلَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنَةٍ أَنْ تَتَزَوَّجَ مُشْرِكًا مِنْ عَبَدَةِ الْأَصْنَام، وَلَا مَشْهُورا بِالزِّنَا”. وهذا فيه آية من كتاب الله جل وعلا وتفسير النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الآية وهو أعلى مراتب التفسير، وفيه كذلك قول جماهير المفسرين كما سبق كالزهري وقتادة والشعبي وغيرهم، وفيه كذلك إجماع حكاه الشافعي، قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: [ وَلِا اخْتِلَافُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَحْرِيمِ الْوَثَنِيَّاتِ عَفَائِفَ كُنَّ أَوْ زَوَانِيَ عَلَى مَنْ آمَنَ زَانِيًا كَانَ أَوْ عَفِيفًا وَلَا فِي أَنَّ الْمُسْلِمَةَ الزَّانِيَةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْمُشْرِكِ بِكُلِّ حَالٍ]، قَالَ أَبُو عُمَرَ كذلك وحكى الإجماع: “قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ نِكَاح مَجُوسِيَّةٍ وَلَا وَثَنِيَّةٍ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ حَرَامًا بِإِجْمَاعٍ نِكَاحُهَا فَكَذَلِكَ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ قِيَاسًا وَنَظَرًا”، لأنهم اتفقوا في الزوجة واختلفوا في ملك اليمين هل يطؤها أو لا يطؤها، فهو الآن يبني المختلف فيه وهو ملك اليمين على المتفق عليه وهذه طريقة من طرائق أهل العلم في التأصيل.
الآن نناقش المخالف فنقول له:
لازم قولك وفهمك على حديث جابر أنَّ كل امرأة أجمع السلف على حرمة نكاحها فمن عقد عليها فقد استحل فرجها استحلالا عمليا وهو كافر على هذا التأصيل، وهذا لا شك فاسد ويدخل فيه من نكح امرأة في عدتها ومن نكح الخامسة ونكاح الأختين وذات المحرم فهذه كلها محرمات بإجماع، فمن عقد على واحدة منهن سواء كانت وثنية أو مجوسية أو كانت خامسة أو في عدتها فإنما قد استحل فرجا حرمه الله فهو استحلال عملي، فهل هذا الفهم صحيح ؟! ليس بصحيح بل خلاف عمل الخلفاء الراشدين كما بوب عبد الرزاق في مصنفه فقال: بَابُ نِكَاحِهَا فِي عِدَّتِهَا وذكر آثارا منها ماذكره عن ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، أَنَّ عَلِي ابن أَبي طَالِبٍ: «أُتي بِامْرَأَةٍ نُكِحَتْ فِي عِدَّتِهَا وَبُنِيَ بِهَا، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِمَا بَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا الْأُولَى، ثُمَّ تَعْتَدَّ مِنْ هَذَا عِدَّةً مُسْتَقْبَلَةً، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَهِيَ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَتْ نَكَحَتْ، وَإِنْ شَاءَتْ فَلَا»، كذلك روى عَنِ الشَّعْبِيِّ مثله قَالَ:

«يَتَزَوَّجُهَا إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا»، وبوب ابن أبي شيبة في المصنف فِي الْمَرْأَةِ تُزَوَّجُ فِي عِدَّتِهَا، أَعْلَيْهَا حَدٌّ؟ روى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: «أَنَّ امْرَأَةً تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا فَضَرَبَهَا عُمَرُ تَعْزِيرًا دُونَ الْحَدِّ» روى عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: إِنْ تَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا عَمْدًا؟، قَالَ: «يُقَامُ عَلَيْهَا الْحَدّ»، كذلك روى عَنِ الزُّهْرِيِّ: ” أَنَّ مَرْوَانَ جَلَدَهُمَا أَرْبَعِينَ أَرْبَعِينَ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ لَهُ قبيصَة بْنُ ذُؤَيْبٍ: «لَوْ خَفَّفْتُ فَجَلَدْتُهُمَا عِشْرِينَ عِشْرِينَ»، روى كذلك عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ، وعَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي امْرَأَةٍ نَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا، قَالَا: «لَيْسَ عَلَيْهَا حَدٌّ».
ترى عمل الخلفاء الراشدين وعمل التابعين لهم بإحسان، فلو كان العقد في العدة ــ وهو محرم باتفاق ــ استحلالا لاستتاب السلف من نكح في العدة، ولكنهم بين معزّرٍ وبين مَن قال يُحَدّ، أي اعتبروا أن العقد فاسد باطل لا يُحل هذا الفرج فمن فعله عامدًا فإنما وطِئ فرجًا لايحل له وهذا الوطء اعتبره جمهورهم أنه في حكم الزنا فلا اعتبار للشبهة في العقد.
نأتي الآن إلى تطبيقات وفهم العلماء في ذلك، الطحاوي في كتابه مختصر اختلاف العلماء ذكر تحت باب فِيمَن تزوج ذَات محرم مِنْهُ ووطئ: قَالَ مَالك يحد وَلَا يلْحق نسب الْوَلَد وَإِن لم تعلم هِيَ ذَلِك، وَإِن كَانَت علمت وَهُوَ لم يعلم ألحقت بِهِ الْوَلَد وأقمت عَلَيْهَا الْحَد.
وَقَالَ ابْن شبْرمَة: من أقرّ أَنه تزوج امْرَأَة فِي عدتهَا وَهُوَ يعلم أَنَّهَا مُحرمَة عَلَيْهِ ضَربته مَا دون الْحَد وَكَذَلِكَ الْمُمْتَنع.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الَّذِي يتَزَوَّج الْمَجُوسِيَّة أَو الْخَامِسَة أَو الْأُخْتَيْنِ: إِن كَانَ جَاهِلا ضرب مائَة وألحق بِهِ الْوَلَد، وَإِن كَانَ مُتَعَمدا رجم وَلَا يلْحق بِهِ الْوَلَد. (ترى هنا أن مسألة نكاح امرأة في عدتها أو نكاح الْمَجُوسِيَّة أو المشركة او الوثنية أو الأختين ونحو ذلك كلها أدرجت في باب واحد فكلها نكاحات متفق على حرمتها وليس هي من باب الكفر عندهم، وإنما هي من جنس الكبائر التي ينظر في ثبوت الحد فيها أو في التعزير).
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ فِيمَن تزوج امْرَأَة فِي الْعدة وَهُوَ يعلم أَنَّهَا لَا تحل لَهُ أَو ذَات محرم مِنْهُ: “أقيم عَلَيْهِ الْحَد إِذا وطئ” وَهُوَ قَول الشَّافِعِي . . وَقَالَ الشَّافِعِي”وَإِن ادّعى الْجَهَالَة بِأَن لَهَا زوجا أَو أَنَّهَا فِي عدَّة حلف ودرئ عَنهُ الْحَد”.
وقال ابن أبي زيد القيرواني: “وقال مالك في متزوج الخامسة أو أخته من الرضاعة والأخت على الأخت ووطئ عالم بالتحريم رجم إن كان محصنا وإن عذر بالجهل لم يحد، وقال ابن شهاب ومالك وكذلك إن وطئ مجوسية عالما بالتحريم حد، وقال ابن القاسم ومن تزوج امرأة على عمتها أو خالتها أو نكاح متعة وهو عالم بالتحريم عوقب ولم يُحدد”، فأدخلوا في هذا الباب حتى نكاح المتعة ونكاح الخامسة وما سبق ذكره من ذات محرم والأختين وغير ذلك، وقال الشافعي في كلام صريح جدا:”وَإِذَا تَزَوَّجَت الْمُسْلِمَةُ ذِمِّيًّا فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَيُؤَدَّبَانِ وَلَا يَبْلُغُ بِهِمَا حَدٌّ وَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَإِذَا تَزَوَّجَ الْمُسْلِمُ كَافِرَةً غَيْرَ كِتَابِيَّةٍ كَانَ النِّكَاحُ مَفْسُوخًا وَيُؤَدَّبُ الْمُسْلِمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُعْذَرُ بِجَهَالَةٍ وَإِنْ نَكَحَ كِتَابِيَّةً مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ” وهو كلام واضح وصريح في أن: “النِّكَاحُ مَفْسُوخًا وَيُؤَدَّبُ الْمُسْلِمُ” أي يعزر، والتعزير يكون على الذنب دون الكفر لأن الكفر مقام آخر وله الاستتابة أو القتل ردة كما ورد في حديث البراء قَالَ: «مَرَّ بِي خَالِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَمَعَهُ لِوَاءٌ، فَقُلْتُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ أَنْ آتِيَهُ بِرَأْسِهِ»، وهذا الأثر ورد بلفظ التزويج وذَكَرَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي “تَارِيخِهِ” مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إِلَى رَجُلٍ أَعْرَسَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَخَمَّسَ مَالَهُ»، قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، فهو جاء بلفظ التزويج كما ترى وبلفظ التعريس يعني ثم عرس وإعلان وإشهار، وأمر النبي ﷺ بقتله كما ذهب جمهور العلماء لاستحلاله نكاح امرأة أبيه واستعلانه بذلك، وكان ذلك مذهب أهل الجاهلية حيث كان الرجل منهم يرى أنه أولى الناس بامرأة أبيه من الأجنبي فيرثها كما يرث ماله، وفاعل هذا في مجتمع

النبي صلى الله عليه وسلم قد استعلن بأمر ثبت أنه من أوضاع الجاهلية ففعله وأعرس ودعا الناس إلى ذلك واستعلن به فأجراه النبي مجرى الاستحلال، وهذا الذي فهمه الإمام أحمد رحمه الله تعالى، كما في مسائل عبد الله قال: “سَأَلت أبي عَن حَدِيث النَّبِي ﷺ أن رجلا تزوج امْرَأَة أبيه فَأمر النَّبِي ﷺ بقتْله وأخذ مَاله قَالَ أبي: «نرى وَالله أعْلَم أن ذَلِك مِنْهُ على الاستحلال فَأمر بقتْله بِمَنْزِلَة وأخذ مَا له، قَالَ: أبي وَكَذَلِكَ الْمُرْتَد لَا يَرِثهُ أَهله لَأن النَّبِي ﷺ قَالَ لَا يَرث الْمُسلم الْكَافِر” فحمله الإمام أحمد وأهل العلم على الاستحلال أي أنه استحل هذا الأمر وذلك لأنه أذاعه وأشاعه مع اشتهار حرمته في المدينة وهذا العمل إنما هو من عمل أهل الجاهلية فدلّت تلك القرائن كلها على أن هذا العمل إنما هو على الاستحلال -وهذا هو الاستحلال العملي- .
طبعا نحن نقول بظاهر هذا الحديث لو أن رجلا أشهر النكاح وأعلنه ودعا الناس إليه وقال هذا زواج شرعي والناس تبارك له هذا الزواج ونحو ذلك، فنجري هذا الأمر على أنه كفر بالله عزوجل وأن هذا العمل لا يعمله إلا كافر بالله عزوجل وأنه استحلال لهذا الحرام، فالاستحلال قدر زائد على التحريم فيؤخذ ذلك من القرائن والعلامات والأمارَات، مثال أن يقول الرجل الذي تزوج مشركة أن هذا الزواج على سنة الله ورسوله أو أن يسميه زواجًا ليستحل به ما حرمه الله عز وجل فهذا إنما يجري على هذا المقام كما ابن حزم في المحلى: “أَمَّا مَنْ سَمَّى كُلَّ عَقْدٍ فَاسِدٍ وَوَطْءٍ فَاسِدٍ – وَهُوَ الزِّنَى الْمَحْضُ – زَوَاجًا، لِيَتَوَصَّلَ بِهِ إلَى إبَاحَةِ مَا حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى، أَوْ إلَى إسْقَاطِ حُدُودِ اللهِ تَعَالَى، إلَّا كَمَنْ سَمَّى الْخِنْزِيرَ: كَبْشًا، لِيَسْتَحِلَّهُ بِذَلِكَ الِاسْمِ، وَكَمَنْ سَمَّى الْخَمْرَ: نَبِيذًا، أَوْ طِلَاءً، لِيَسْتَحِلَّهَا بِذَلِكَ الِاسْمِ، وَكَمَنْ سَمَّى الْبَيْعَةَ وَالْكَنِيسَةَ: مَسْجِدًا، وَكَمَنْ سَمَّى الْيَهُودِيَّةَ: إسْلَامًا – وَهَذَا هُوَ الِانْسِلَاخُ مِنْ الْإِسْلَامِ وَنَقْضُ عَقْدِ الشَّرِيعَةِ”، فهذا لا شك أنه كفر وهو خارج محل النزاع بيننا وبين المخالفين أي من سمى الأمر زواجا شرعيا أو سماه على سنة الله ورسوله أو استعلن به أو دعا الناس له وبورك له في هذا الزواج فهذه كلها علامات وأمارَات وقرائن تفيد الاستحلال وهي خارج مسألة العقد.

ثمة بعض الاعتراضات تذكر في هذا، بعضهم يذكر كلام ابن القيم، حيث قال ابن القيم:” فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ «أَنَّهُ أَرْسَلَ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ إلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَهُ وَيَأْخُذَ مَالَهُ» فَوَاَللهِ مَا رَضِيَ لَهُ بِحَدِّ الزَّانِي حَتَّى حَكَمَ عَلَيْهِ بِضَرْبِ الْعُنُقِ وَأَخْذِ الْمَالِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمَحْضُ؛ فَإِنَّ جَرِيمَتَهُ أَعْظَمُ مِنْ جَرِيمَةِ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةِ أَبِيهِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ، فَإِنَّ هَذَا ارْتَكَبَ مَحْظُورًا وَاحِدًا، وَالْعَاقِدُ عَلَيْهَا ضَمَّ إلَى جَرِيمَةِ الْوَطْءِ جَرِيمَةَ الْعَقْدِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللهُ تعالى، فَانْتَهَكَ حُرْمَةَ شَرْعِهِ بِالْعَقْدِ، وَحُرْمَةَ أُمِّهِ بِالْوَطْءِ” إعلام الموقعين، وهذا ليس فيه أيّ إشارة إلى ما يريدون الإشارة إليه، ومذهب ابن القيم معروف في المسألة، فهو يجري هذا الحديث على أنه قتل تعزيرا، ومسألة القتل تعزيرا عند ابن تيمية وابن القيم قد توسعا فيها وذكروا أحاديث منها هذا الحديث فإنهم يجرونه على أنه قتله النبي صلى الله عليه وسلم تعزيرا أي قتل المصلحة ونحو ذلك، وقتل المصلحة عنده خارج الحدود، وابن القيم حكى الخلاف في زاد المعاد قال: وَقَدْ نَصَّ أحمد فِي رِوَايَةِ إسماعيل بن سعيد، فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ أَوْ بِذَاتِ مَحْرَمٍ، فَقَالَ: يُقْتَلُ، وَيَدْخُلُ مَالُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ مُقْتَضَى حُكْمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ومالك وأبو حنيفة: حَدُّهُ حَدُّ الزَّانِي. ثُمَّ ذكر كلاما وخلافا في هذه المسألة .. فهو يقول بالخلاف في هذه المسألة.
كذلك بعضهم ذكر أثرا عند عبد الله في كتابه السنة يقول في أثر طويل وهو يتكلم عن ما أحدثه المرجئة:
قَالَ: ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَجَلَسْتُ إِلَى نَافِعٍ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، قَالَ: أَسِرٌّ أَمْ عَلَانِيَةٌ؟ فَقُلْتُ: لَا، بَلْ سِرٌّ، قَالَ: رُبَّ سِرٍّ لَا خَيْرَ فِيهِ، فَقُلْتُ لَهُ: لَيْسَ مِنْ ذَاكَ، فَلَمَّا صَلَّيْنَا الْعَصْرَ قَامَ وَأَخَذَ بِيَدِي وَخَرَجَ مِنَ الْخوخَةِ وَلَمْ يَنْتَظِرِ الْقَاصَّ، فَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَخْلِنِي مِنْ هَذَا، قَالَ: تَنَحَّ يَا عَمْرُو، فَذَكَرْتُ لَهُ بُدُوَّ قَوْلِهِمْ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أَضْرِبَهُمُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فَإِذَا قَالُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ» قَالَ: قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: نَحْنُ نُقِرُّ بِأَنَّ الصَّلَاةَ فَرِيضَةٌ وَلَا نُصَلِّي، وَأَنَّ الْخَمْرَ حَرَامٌ وَنَحْنُ نَشْرَبُهَا، وَأَنَّ نِكَاحَ الْأُمَّهَاتِ حَرَامٌ وَنَحْنُ نَفْعَلُ، قَالَ: فَنَتَرَ يَدَهُ مِنْ يَدَيَّ ثُمَّ قَالَ: «مَنْ فَعَلَ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ». هم فهموا من قولهم: “وَأَنَّ نِكَاحَ الْأُمَّهَاتِ حَرَامٌ وَنَحْنُ نَفْعَلُ” يعني فمن فعل ذلك فهو كافر، رغم أن السياق لا يدل على المسألة التي يذكرونها وإنما هذا السياق يذكر في قول أهل الإرجاء: نقر بالصلاة ولا نصلي، وبالزكاة ولا نزكي، بالصيام ولا نصوم والفواحش يقرون بحرمتها ويفعلونها وغير ذلك، وهذا يسمونه تارك عمل الجوارح بالكلية، وحكمه عند السلف أنه كفر، فقد كفرهم نافع والحميدي وابن بطة وغيرهم، حتى الإمام أحمد كفرهم، وهذا الأثر مثل أثر الحُميدي قال رحمه الله: «أُخْبِرْتُ أَنَّ قوماً يقولون: إِنَّ من أقرَّ بالصَّلاة، والزَّكاة، والصَّوم، والحجِّ، ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموتَ أو يصلِّي مسندٌ ظهرَه مستدبر القبلة حتى يموت فهو مؤمنٌ ما لم يكن جاحداً إذا علم أَنَّ تركه ذلك في إيمانه إذا كان يقرُّ الفروض واستقبال القبلة، فقلت: هذا الكفر بالله الصُّراح وخلاف كتاب الله وسنة رسوله ﷺ  وفعل المسلمين، قال حنبل: قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل: من قال هذا فقد كفر بالله، وردَّ على الله أمرَه وعلى الرَّسول ما جاء به»، طبعا هذه السياقات: من أقر بالصلاة ولم يصل … هي سياقات تساق في ضمن سياق مقالة أهل الإرجاء، وكان رد السلف بالكفر وأن هذا كفر، ومن اعتقد هذا فهو كافر وهو مذهب أهل الارجاء في إسلام تارك عمل الجوارح بالكلية، فلا يستقيم لهم الاستدلال بهذا الأثر، ومن فهم منه مافهمه فهذا لا شك أنه لقلة نظره في كتب أهل الحديث وكتب أهل السنة، فلا يفهم سياقات أهل الحديث وتبويباتهم وتخريجاتهم لبعض مسائل أهل البدع.
هذا ماتيسّر ذكره في هذه الصوتية، أسأل الله أن ينفع بها، ونسأل الله لمن يسمع أن يكون وقّافًا للحق مع كتاب الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ويرجع إلى الحق وهذا لاشك أنه عند الله رفعة له ولا يناظر ولايجادل بالباطل ويتخذ المسألة هذه شقاقًا وخلافًا بين أهل الإسلام، فنحن نذكّره بالله ونقول له اتقِ الله عز وجل زيكفيك كتاب الله تعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، أمّا الأفهام التي تفهمها واستنتاجات ومخرجات العقول فاتركها للأثر، فمن ترك فهمه لفهم السلف ومخرجات عقوله لما وقف عليه من كتاب ربه يقينا وسنة النبي صلى الله عليه وسلم فلا شك أنه يسير على خير إن شاء الله، أمّا من تعنّت فهذا لاشك أنه والعياذ بالله سوف يؤدي به ذلك التعنّت للخروج على دائرة أهل السنة والجماعة، نُذكِّر أنفسنا وإخواننا بذلك .
🖋 نقف عند هذا . .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى