أحكام الأسرىالفتاوىفتاوى الجهاد

هل يمكن تفصيل مسألة الضرورات للأخوات في المخيم في موضوع الأمنيات، فالبعض منهن تخلع النقاب من أجل غض نظر الأكراد ؟

     السؤال : هل يمكن تفصيل مسألة الضرورات للأخوات في المخيم في موضوع الأمنيات، فالبعض منهن تخلع النقاب من أجل غض نظر الأكراد ؟

الجواب : نقول أنَّ الضرورة في اللغة: هي الحاجة والشدة التي لا مدفع لها، وهي المشقة، وتجمع على ضرورات، ومصدرها اضطرار، والاضطرار هو الاحتياج إلى الشيء، واضطره إليه يعني أحوجه إليه”[[1]].

    وتَرِدُ الضرورة في الشرع بالمعنى العام فيما  لابد منه في قيام مصالح الدين والدنيا والمقصود بذلك الضروريات الخمس ومثاله: الطعام ضرورة لحفظ النفس، والجهاد ضرورة لحفظ الدين ونحو ذلك.
     وتَرد الضرورة بالمعنى الخاص: وهي الحاجة الشديدة الملجئة إلى ارتكاب محظور شرعي، والضرورة بهذا الاعتبار عذر معتبر شرعا وسبب صحيح من أسباب الترخص يقتضي مخالفة الحكم الشرعي الذي هو التحريم، إذ الضرورة تختص بفعل المحظور فقط، قال الجصاص في قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ﴾ [البقرة ١٧٣] فَعَلَّقَ الْإِبَاحَةَ بِوُجُودِ الضَّرُورَةِ، وَالضَّرُورَةُ هِيَ خَوْفُ الضَّرَرِ بِتَرْكِ الْأَكْلِ إمَّا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ فَمَتَى أَكَلَ بِمِقْدَارِ مَا يَزُولُ عَنْهُ الْخَوْفُ مِنْ الضَّرَرِ فِي الْحَالِ فَقَدْ زَالَتْ الضَّرُورَةُ وَلَا اعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ بِسَدِّ الْجَوْعَةِ لِأَنَّ الْجُوعَ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يُبِيحُ أَكْلَ الْمَيْتَةِ إذَا لَمْ يَخَفْ ضررا بتركه”[[2]].
      وقال ابن قدامة:” فَإِنَّ الضَّرُورَةَ الْمُبِيحَةَ، هِيَ الَّتِي يَخَافُ التَّلَفَ بِهَا إنْ تَرَكَ الْأَكْلَ، قَالَ أَحْمَدُ: إذَا كَانَ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جُوعٍ، أَوْ يَخَافُ إنْ تَرَكَ الْأَكْلَ عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ، وَانْقَطَعَ عَن الرُّفْقَةِ فَهَلَكَ، أَوْ يَعْجِزُ عَنْ الرُّكُوبِ فَيَهْلَكُ، وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِزَمَنٍ مَحْصُورٍ”[[3]].
 
       وصورة الضرورة إما أن تقع بجوع في مخمصة، أو إكراه من ظالم على أكل محرم كما ورد في تفسير قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[البقرة ١٧٣]، وهذه الضرورة تبيح المحرمات دون الكفر والشرك بالله تعالى، ففي آية البقرة لم يبين سبب الضرورة، وفي آية المائدة بين أنها المخمصة كما في قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[المائدة ٣]، وعن ابن عباس في قوله: ﴿في مَخْمصة﴾يعني: في مجاعة”[[4]]، وروي مثله عن قتادة والسدي وابن زيد[[[5]]].
    وقال الطبري:” ﴿في مَخْمصة﴾يعني: في مجاعة، وهي “مفعلة”، مثل “المجبنة” و”المبخلة” و “المنجبة”، من “خَمَصِ البطنِ”، وهو اضطماره، وأظنه هو في هذا الموضع معنيٌّ به: اضطماره من الجوع وشدة السَّغَب”[[[6]]]، وقال:” يعني تعالى ذكره بقوله: :﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ فمن حَلَّت به ضَرورة مجاعة إلى ما حرَّمت عليكم من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله -وهو بالصفة التي وصفنا- فلا إثم عليه في أكله إن أكله، وقوله: :﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ “افتعل” من “الضّرورة”، وقد قيل: إن معنى قوله: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾   فمن أكره على أكله فأكله، فلا إثم عليه، عن مجاهد قوله: :﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ ﴾قال: الرجل يأخذُه العدو فيدعونه إلى معصية الله”[[7]].
    قال البغوي: “﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾  فَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى أكل الميتة، أَيْ: أُحْوِجَ وَأُلْجِئَ إِلَيْه”[[8]].

    وقال ابن قدامة:” أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ حَالَ الِاخْتِيَارِ، وَعَلَى إبَاحَةِ الْأَكْلِ مِنْهَا فِي الِاضْطِرَارِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمُحَرَّمَاتِ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[البقرة ١٧٣]، وَيُبَاحُ لَهُ أَكْلُ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ، وَيَأْمَنُ مَعَهُ الْمَوْتَ بِالْإِجْمَاعِ. وَيَحْرُمُ مَا زَادَ عَلَى الشِّبَعِ، بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا”[[9]].
    وقال الشنقيطي:” أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الْمَيْتَةِ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ وَيُمْسِكُ حَبَّاتِهِ، وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا زَادَ عَلَى الشِّبَعِ وَاخْتَلَفُوا فِي نَفْسِ الشِّبَعِ هَلْ لَهُ أَنْ يَشْبَعَ مِنَ الْمَيْتَةِ أَوْ لَيْسَ لَهُ مُجَاوَزَةُ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ، وَيَأْمَنُ مَعَهُ الْمَوْتَ”[[10]].

وخلاصة القول أنَّ الضرورة الوارد الترخيص بها في كتاب الله هي الحاجة الشديدة الملجئة إلى ارتكاب محظور شرعي، وجاءت في كتاب الله في حكم واحد من الأحكام التكليفية الذي هو التحريم، ولا مُكرِه على ارتكاب المحظور في الضرورة إلا وجود المخمصة والحاجة الملِّحة بخلاف الإكراه ففيه المكرِه السلطان ونحوه، فالضرورة الشرعية المعتبرة كالمخمصة تبيح المحظور بقدر ما ترتفع به الضرورة … فإن كانت المسلمة في المخيم تقع بسبب نقابها وستارها إلى الحرج الشديد فيمنع عنها الأكل أو تتعرض إلى الأذى الشديد ــ المتحقق لا المتوهم ــ فلا حرج عليها من نزع نقابها لصرف أذى الكفار عنها وحسبنا الله ونعم الوكيل.

سراج الطريق تلجرام

سراج الطريق الأساسية

سراج تفريغات

بوت سراج الطريق

المصدر
[[[1]]] لسان العرب 4/483، قال ابن فارس:" (ضَرَّ) الضَّادُ وَالرَّاءُ ثَلَاثَةُ أُصُولٍ: الْأَوَّلُ خِلَافَ النَّفْعِ، وَالثَّانِي: اجْتِمَاعُ الشَّيْءِ، وَالثَّالِثُ الْقُوَّةُ. فَالْأَوَّلُ الضَّرُّ: ضِدُ النَّفْعِ. وَيُقَالُ: ضَرَّهُ يَضُرُّهُ ضَرًّا. ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَى هَذَا كُلُّ مَا جَانَسَهُ أَوْ قَارَبَهُ. فَالضُّرُّ: الْهُزَالُ. وَالضِّرُّ: تَزَوُّجُ الْمَرْأَةِ عَلَى ضَرَّةٍ. يُقَالُ: نُكِحَتْ فُلَانَةُ عَلَى ضِرٍّ، أَيْ عَلَى امْرَأَةٍ كَانَتْ قَبْلَهَا. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: تَزَوَّجَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى ضُرٍّ وَضِرٍّ. قَالَ: وَالْإِضْرَارُ مِثْلُهُ، وَهُوَ رَجُلٌ مُضِرٌّ. وَالضَّرَّةُ: اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الضَّرِّ، كَأَنَّهَا تَضُرُّ الْأُخْرَى كَمَا تَضُرُّهَا تِلْكَ. وَاضْطَرَّ فُلَانٌ إِلَى كَذَا، مِنَ الضَّرُورَةِ. وَيَقُولُونَ فِي الشِّعْرِ " الضَّارُورَةُ ".مقايس اللغة 3/360 وَقَالَ اللَّيْث: الضَّرورة: اسْم لمصدر الاضْطرار، تَقول: حَملتنِي الضَّرورة على كَذَا، وَقد اضْطُرَّ فلَان إِلَى كَذَا وَكَذَا، بِنَاؤُه: (افْتُعل) ، فَجعلت التَّاء طاء؛ لِأَن التَّاء لم يَحْسُن لَفظهَا مَعَ الضَّاد." تهذيب اللغة 11/315.[[[2]]] أحكام القران 1/160[[[3]]] المغني 9/415[[[4]]] رواه الطبري برقم 11114[[[5]]] رواه الطبري برقم 11115 و 11116 و 11117[[[6]]] تفسير الطبري 9/532[[[7]]] تفسير الطبري 3/322[[[8]]] تفسير البغوي 1/201[[[9]]] المغني 9/415[[[10]]] أضواء البيان 1/62

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى