السلاسل العلميةسلسلة تعلموا الإسلام

الاستسلام لله بالتوحيد ٢( أنواع التوحيد): الدرس الثالث

سلسلة تعلَّموا الإسلام | لفضيلة الشيخ محمد بن سعيد الأندلسي - حفظه الله تعالى الدرس الثالث: الاستسلام لله بالتوحيد ٢ _ أنواع التوحيد

   بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد :

      فلا يزال الحديث حول شرح حقيقة الإسلام، ولازلنا نشرح الركن الأول من أركان الإسلام وهو الاستسلام لله بالتوحيد، ولا يتم للمكلف تحقيق هذا الركن إلا بمعرفة أنواع التوحيد والبراءة من ضدها وهو الشرك والتنديد.

     قبل ذلك لابد أن يعرف المكلف أهمية التوحيد وخطورة الشرك بالله تعالى، وأن الله لا يقبل من المشرك صرفا ولا عدلا ولا عملا إلا بالتوحيد، قال تعالى: «وَقَدِمۡنَآ ‌إِلَىٰ ‌مَا ‌عَمِلُواْ مِنۡ عَمَلٖ فَجَعَلۡنَٰهُ هَبَآءٗ مَّنثُورًا» [الفرقان ٢٣]، قال يحيى بن سلّام يعني: “المشركين”. 
  يقول الخليل -عليه السلام: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ}، وإبراهيم هو إمام الحنفاء ويقول فيه المولى تعالى: “إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ”.
  قال إبراهيم التميمي: “فمن يأمن البلاء بعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام”، لذلك ينبغي على كل مكلف أن يتعلم التوحيد وضده وأنواعه، ويعرف حقائقه وضده، لأنه إذا مات وهو يشرك بالله شيئا دخل النار، كما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار” رواه البخاري .

      الاستسلام لله بالتوحيد هو استسلام لله بأنواع التوحيد وهي: توحيد الألوهية، توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الاتباع … وسيأتي ذكرها تفصيلا إن شاء الله تعالى في هذا البيان.

    توحيد الألوهية هو: بإفراد الله بأفعالك أنت أيها المكلف، وهو توحيد العبادة كما يسميه بعض المتأخرين .. أو توحيد الإرادة والقصد وكلها بمعنى واحد.
هو: إفراد الله بجميع الأقوال والأعمال التي تصدر عن الخلق على جهة القربة والطاعة، ومعنى هذا: (أن أفعالك أنت أيها المكلف، دعاؤك وخوفك ورجاءك وتوكلك ورغبتك ورهبتك  وسجودك وصيامك وحجك، وكل ما يصدر منك على جهة القربة لله تعالى فيجب عليك أن تفرد الله به وحده دون ما سواه، فكل ما تفعله من عكوف وذبح وتحاكم ونذر واستغاثة واستعانة وغيرها من الأعمال، سواء كانت أعمال القلوب أو أعمال الجوارح، أو أعمال اللسان وأقواله ونحو ذلك، فإذا صرفت بعضها لغير الله كنت مشركا بالله تعالى وهذا مصداقا لقوله: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (١٨)﴾ [ الجن ]، وقال تعالى:﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٢)قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٢) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣)﴾ [الأنعام ].
وهذا هو الإسلام، وهو إفراد الله بالصلاة وبالنسك والحياة والموت كلها لله رب العالمين، والأدلة في كتاب الله متكاثرة على أن من صرف شيئا من العبادة لغير الله كان مشركا بالله تعالى، يقول الله تعالى:
﴿ وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ” … ثم قال في آخر الآية: “إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ فكفر الله تعالى من صرف العبادة لغيره ومن دعا إلها غير الله تبارك وتعالى، وهذا من جهة الإثبات …
ونحن لما نشرح أنواع التوحيد نشرح من جهة الإثبات … ماذا عليك أيها المكلف من جهة الإثبات؟ وقد سبق معنا أن التوحيد يقوم على ركنين: الإثبات والنفي.
والإثبات هو: الإفراد، والنفي هو: البراءة .
فتحقق الألوهية بالإثبات وهو الإفراد … وتحققه بالنفي.
ماهو النفي في توحيد الألوهية؟

  • الاستسلام لله بتوحيد الألوهية يقتضي منك يا عبد الله: البراءة من جميع الآلهة الباطلة، والبراءة ومن عابديها، وتكفيرهم وبغضهم وعداوتهم، قال تعالى : ﴿قُلۡ يَٰأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ (١)} وهذا أمر من الله بتكفير الكفار.
    {لَآ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ (٢) وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ (٣)} … والله يقول: {قد كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا} فتوحيد الألوهية هو براءة من الأقوام: {إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ}، فإذا كان القوم على الكفر والشرك، فالتوحيد هو البراءة من القوم كما سيأتي معنا.

{إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} فلا بد من البراءة من الآلهة الباطلة، والبراءة من العابدين لها، والبراءة مما يصرف لها من عبادات، وهو الشرك بالله تعالى، فالتوحيد يقوم على هذه الثلاث في جهة البراءة:

براءة من الآلهة الباطلة وهي:  الطواغيت والأرباب وكل معبود من دون الله.
والبراءة من عابديها ممن يصرفون لها العبادة .
والبراءة مما صرف لها …
فتعتقد أن هذا باطل وأنها لا تصلح للعبادة، وأن عابديها كفار مشركين بالله تعالى لأنهم صرفوا العبادة لغير الله سبحانه وتعالى.
التوحيد سهل، فلا بد أن تحقق الإثبات كما ذكرت لك، وتحقق كذلك النفي باعتبار أن تتبرأ من الآلهة الباطلة وعابديها وما يصرف لها.
فإذا علمت هذه الأصول وسرت بها في كل معبود من دون الله وعابديه وما يصرف له من العبادات على اختلاف أنواعها عرفت التوحيد وحققته بإذن الله -تبارك وتعالى-.

لذلك كل موحد يعرف التوحيد ويعرف الشرك بالله -تبارك وتعالى-، ما يحتاج إلى شرح كثير، ما يحتاج إلى كتب كثيرة يقرؤها في التوحيد، بل كتاب الله -تبارك وتعالى- فيه الحجة البينة.

هذا باعتبار الفرد، يعني أنا الآن فرد في قومي، كيف أحقق توحيد الألوهية ؟ يكون كما ذكرت لك.
باعتبار القوم :
الآن نأتي إلى القوم، كيف نعلم بأن هؤلاء القوم قد حققوا توحيد الألوهية ؟ لأن النظر في القوم مهم جدا، وسيأتي معنا.
وإلا أنت الآن ما تستطيع أنت أن تعرف الناس فردا فردا هل هم مسلمون أم كفار، بل تنظر في القوم فتعرف حكمهم، وحد القوم في كتاب الله واضح جلي ظاهر، ثم العين تتبع القوم، هذا هو دين الله -تبارك وتعالى-، ما أُمرنا أن ننظر في الناس فردا فردا، فالقرية فيها مئة ألف، والمدينة فيها عشرون مليونا مثلا، فالقاهرة فيها عشرة ملايين أو خمسة عشر مليون، وقل في ذلك في جميع العواصم الكبرى، كيف تتبع الناس فردا فردا !! هذا من تكليف ما لا يطاق.
لذلك ينبغي أن تنظر في القوم، هل حققوا التوحيد ؟ هل حققوا الإسلام ؟ من هم القوم المسلمون، من هم القوم الكفار، ثم العين كلها تتبع هذا، من أين هذا ؟ هذا من هذا القوم أو هذه العشيرة فهو منها. هذا هو حكم الله جل وعلا سهل ميسر، ولكن الجهلة يعقدون هذه الأحكام ويجعلونها صعبة سبحان الله العظيم.
كذلك الأشاعرة لو تنظر في كلامهم في الأسماء والصفات فيقولون هذا علم الخاصة، فالعامة ما يفهمون هذا العلم، وهذا الذي يزعمون أنه علم وهو خرابيط.
التوحيد سهل وهو نظر في الأقوام ثم إلحاق العين بتلك الأقوام، باعتبار الأقوام والديار نقول إن استسلامهم لله -عز وجل- بتوحيد الألوهية يقتضي منهم هدم القباب والقبور والمشاهد والمعابد، والبرلمانات والمحاكم، وكل ماتخذه الناس آلهة ظاهرة، وكل ما اتخذه الناس صروحا للشرك والكفر بالله -تبارك وتعالى- ، لا بد أن تهدم كما ورد في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لما دخل مكة وحولها ثلاثمئة وستون صنما جعل يطعنها برمح في يده ويقول:{وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} ويقول :{وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وما يعيد}، فلا بد من هدم صروح الكفر، لا بد للقوم يهدموا صروح الكفار، ولا بد أن تظهر فيهم دعوة التوحيد ظاهرة مستعلنة بالنهي عن الشرك بالله -تبارك وتعالى-، وتكفير المشركين والأمر بعبادة الله وحده دون ما سواه، لأن القوم المسلمين لا يقرون مشركا على شركه، ولا يقرون صرحا من صروح الكفر قائما بينهم، فإذا وجدت ذلك فاعلم أن القوم مستسلمون لله بتوحيد الألوهية، وإن رأيت في القوم صروحا للكفر وقبابا وقبورا تعبد، فهؤلاء لم يحققوا الاستسلام لله -تبارك وتعالى- في توحيد الألوهية، المسألة في غاية الظهور والبيان، هذا النوع الأول.

النوع الثاني وهو الاستسلام لله بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات، فالربوبية والأسماء والصفات هي من التوحيد العلمي الخبري، يعني أن تعلم، ويثبت بالخبر، فأسماء الله وصفاته أكثرها يثبت بالخبر عن الله -تبارك وتعالى-.

هذا الاستسلام لله بالتوحيد في ربوبيته، وفي أسمائه وصفاته يتحقق بإفرادك يا عبد الله بأفعال الله جل وعلا .
قلنا توحيد الألوهية يتحقق بإفرادك أنت في أفعالك أنت، وأفعالك أنت كالصلاة والصيام والركوع والسجود والاستغاثة كلها تفردها لله -تبارك وتعالى-.
توحيد الربوبية إنما يتحقق بإفراد الله -تبارك وتعالى- بأفعاله جل وعلا هو، كالخلق والملك والرزق والتدبير والإحياء والإماتة والنفع والضر والحكم والتشريع، كل أفعال الله -تبارك وتعالى-. قال تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٣١)} يونس ، فمشركي قريش الذين بعث فيهم النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يؤمنون ببعض أفراد توحيد الربوبية، لذلك الله وتعالى يقول :{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ (١٠٦)} يوسف، قال ابن عباس : تسألهم: مَن خلقهم؟ ومن خلق السماوات والأرض، فيقولون: الله . فذلك إيمانهم بالله، وهم يعبدون غيره.
لذلك الخصومة التي كانت بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين مشركي قريش كانت في توحيد الألوهية، فكانوا يقرون وكانوا يؤمنون بأن الله هو الخالق المالك الرازق المدبر، ولكنهم يشركون معه غيره، لذلك المولى -تبارك وتعالى- في مقامات كثيرة كان يلزمهم بما أقروا به على ما جحدوه، {فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون}البقرة، تعلمون أنه هو الخالق الرازق المالك ونحو ذلك، فكيف تقولون أن الله جل وعلا هو الرب وهو الخالق ثم تشركون معه في في الألوهية.
وكذلك كانوا يلحدون في صفات الله -تبارك وتعالى-، فينحتون من أسماء الله تعالى أسماء لمعبوداتهم، فاللات منحوتة من الله، والعزى منحوتة من العزيز، هذا كذلك من الشرك في الأسماء والصفات، فتوحيد الله جل وعلا بالأسماء والصفات يقتضي منك يا عبد الله إفراد الله بما اختص به من الأسماء الحسنى والصفات العلى من غير تحريف ولا تعطيل ولا إلحاد ولا تمثيل له جل وعلا بخلقه، قال تعالى :{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٨٠)} الأعراف، قال ابن عباس: “ومن أسمائه: ” العزيز والجبار، وكل أسمائه حسن”.
لذلك ينبغي عليك أن تعتقد أن أسماء الله -تبارك وتعالى- وصفاته هي بالغة في الحسن كماله من جميع الوجوه، قال تعالى : {ليس كمثله شيء} فنفى المثيل والند، والشبيه له جل وعلا.
ثم أثبت الصفات، فالنفي والإثبات كذلك هو في توحيد الأسماء والصفات، نفي الند والمثيل “ليس كمثله شيء”، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤) } هذا على جهة النفي، وتثبت له الأسماء التي أثبتها الله جل وعلا “وهو السميع البصير”. فإثبات ما أثبت الله لنفسه وما أثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم- من جهة النفي، كيف يتحقق الاستسلام لله تبارك وتعالى في الأسماء والصفات؟ والاستسلام لله – تبارك وتعالى- في توحيد الربوبية ؟
يتحقق بالبراءة من الملحدين في الربوبية، وكذلك الفلاسفة والملاحدة في هذا الزمان، والبراءة من المعطلة في الأسماء والصفات كالجهمية والمعتزلة والأشاعرة والمشبهة مثل الكرامية والمقاتلية وغيرهم، قال عبد الله بن الإمام أحمد- رحمه الله- تعالى سمعت أبي- رحمه الله- يقول: “لا يصلى خلف القدرية والمعتزلة والجهمية”، هذا من البراءة، فمن البراءة عدم الصلاة وراء هؤلاء الجهمية والمعتزلة وكذلك القدرية.
قال نعيم بن حماد شيخ البخاري- رحمه الله- تعالى : “من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر”، مثل الذين يقولون يد الله كيدي وهكذا، أو من أنكر ما وصف به نفسه فقد كفر، من أنكر صفة من صفات الله – تبارك وتعالى-، فمن أنكر الصفات الذاتية الخبرية كالوجه والعينين وغيرها من التي وردت في الكتاب والسنة، واليدين ونحوها، أو أنكر الصفات الفعلية الاختيارية كالرضا والغضب ونحو ذلك، فهذا قد كفر.
وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، وروى الامام عبد الله في السنة قال:”سمعت أبا معمر الهذلي يقول: من زعم أن الله لا يتكلم ولا يسمع ولا يبصر ولا يغضب ولا يرضى وذكر أشياء من هذه الصفاتفهو كافر بالله عز وجل، إن رأيتموه على بئر واقفا فألقوه فيها، بهذا أدين الله- عز وجل- لأنهم كفار بالله تعالى” ونحن بهذا ندين الله- عز وجل- ونعتقد أن من ينكر صفات الله- تبارك وتعالى- في هذا الزمان أنهم كفار بالله جل وعلا كالأشاعرة الجهمية في هذا الزمن.
توحيد الله- تبارك وتعالى- في الربوبية، وكذلك في الأسماء والصفات يقتضي إفراده جل وعلا بخصائصه، ومن أجل خصائصه هو الحكم والتشريع، الحكم لأن في هذا الزمان فيه إلحاد في الحكم والتشريع، فلا بد للمسلم أن يعتقد أن الحكم لله وحده دون ما سواه، وأن الله- عز وجل- هو المشرع وأنه أحكم الحاكمين، قال تعالى : {فالحكم لله العلي الكبير}، وقال تعالى : {إن الحكم إلا لله}، ففيه حصر وقصر لأن السياق فيه “إلا” مسبوقة بنفي {إن الحكم إلا لله}، هذا السياق يقتضي الحصر والقصر، بمعنى لا حكم إلا لله، وقال تعالى : {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠)} المائدة، وقال : {وهو خير الحاكمين}، فلا بد من اعتقاد أن الله جل وعلا هو المشرع وحده دون ما سواه، {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله }، {ولكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا}، {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك}، كلها آيات واضحة في الدلالة على أن الله- عز وجل- هو الحكم والمشرع، واضح أن هذا من أفعال الله جل وعلا، “شرع لكم” من أفعاله جل وعلا، “إن الحكم إلا لله”، فالحكم هو من أفعاله جل وعلا، فلا يكون المرء مسلما حتى يتلقى الدين كله من الله جل وعلا … عقيدة وشرعا وحكما ومنهاجا، كله من الله وحده دون من سواه، قال تعالى : {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء}، وقال تعالى : {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (١٠٦) } الأنعام.
فقضية الاتباع قضية مهمة جدا في دين الله- تبارك وتعالى-، انظر هذه الفائدة وهذه النكتة التي سأسوقها لك هنا.
الله- تبارك وتعالى- يقول: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} الأنعام، وقال تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الأنعام، وقال تعالى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا } الأنعام، الربوبية والحكم والولاية كلها لله وحده دون ما سواه، وردت في نفس السياقات “أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا” “أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا” “أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا” ففي مجموع هذه الآيات دلالة على أن الرب هو الحاكم وهو الولي، فمن اتخذ حكاما كمن اتخذ أربابا من دون الله جل وعلا، من اتخذ أولياء كمن اتخذ أربابا من دون الله جل وعلا سواء بسواء.
وهذا يظهر جليا فيما قصه الله- تبارك وتعالى- في قصة فرعون، قال: {أنا ربكم الأعلى}، فادعى الربوبية، وذكر الله- عز وجل- قصة تعبيد قومه له، كيف عبدهم بالطاعة والاتباع، قال: {فاستخف قومه فأطاعوه}، لذلك كانت له الطاعة عليهم، لذلك هو يقول كما في سياق قصة موسى- عليه السلام- : {قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم}، يرى نفسه له الحق عليهم في الطاعة والاستئذان في هذا الأمر العظيم، ما هي ربوبية فرعون على قومه ؟ ربوبيته على قومه أن يكون حاكما عليهم مطاعا فيهم، هذه الربوبية، فقضية إفراد الله عزوجل بالحاكمية والاتباع هي قضية عظيمة، وهذه القضية إنما قد خاطب الله- عز وجل- بها الناس كافة ، والخطاب هنا هو للمسلمين، لأن المسلمين هم الذين يقومون بهذا الأمر، فيولون من يحكمهم بكتاب الله- عز وجل- وسنة النبي ﷺ، الإسلام يقوم بماذا ؟ بحاكمية الكتاب، فهو خطاب للأقوام لا إلى خصوص الأفراد، خطاب للأفراد باعتبار الاعتقاد، أي أن يعتقد أن الحاكم هو الله- تبارك وتعالى- وأنه المشرع، أما إقامة الأمر وإقامة الدين فهو خطاب لعموم الأقوام، لذلك الله- تبارك وتعالى- خاطب المسلمين جميعا: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض} النور، هو استخلاف لهم، كذلك أثر عمر قال : “لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بسمع وطاعة”، فالسمع والطاعة والاتباع والحكم ونحو ذلك إنما يتعلق بأهل الإسلام، فالمسلمون إذا اجتمعوا في أرض ما حتما سيحكمون بما أنزل الله، ويتبعون ما شرع الله، وينقادون لحكم الله، فهؤلاء هم الذين يتوجه إليهم الخطاب القرآني: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض} النور ، {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}النساء ، وقوله: {وأن احكم بينهم بما أنـزل الله ولا تتبع أهواءهم}، الخطاب هنا إنما هو خطاب للحكام لأن الله- تبارك وتعالى- خاطب الحكام : {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم}، فالخطاب هو للحكام، وكان النبي ﷺ هو الحاكم في المسلمين، فهو كان الخليفة وكان الحاكم، ثم لما مات عليه أفضل الصلاة والسلام تولى على أمر المسلمين أبي بكر ثم عمر وهكذا.

فأقول أنه لا يتصور شرعا أن قوما يجتمعون في أرض ما ثم ينصبون أربابا تحكمهم بغير ما أنزل الله، وتسوسهم بغير شريعة الله ثم يرفعون المعالم، معالم الكفر والشرك من القباب والقبور والمحاكم، والبرلمانات والمدارس، والجامعات التي هي صروح شرك في الدار ثم يتسمون بالمسلمين، أو يأتي من يسمي هؤلاء بالمسلمين، لا شك أن من يقول هذا عنده خلل في العقل، لأن الله يقول : {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (٨٠)} آل عمران، الله جل وعلا لا يأمر بالكفر، ولا يرضى لعباده الكفر، والمسلمون لا يتخذون الأرباب ولو كانوا الملائكة والنبيين، فضلا عن غيرهم من الأحبار والرهبان، فضلا عن غيرهم من البرلمانيين والبرلمانيات التافهين والتافهات، والساقطين والساقطات، الذين اتخذهم الناس في هذا الزمان أربابا يشرعون لهم الأمر والنهي.

من اعتقد أن هؤلاء مسلمون هذا ما عرف الإسلام، ولا تحقق به ولا خالط بشاشة قلبه، لذلك الله -تبارك وتعالى- في سورة يوسف يقول :{مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٤٠)} يوسف، هذا هو الدين القيم، أن يكون الحكم لله، والعبادة لله وحده دون من سواه، {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٤٠)} أكثر الناس لا يعلمون هذا، أكثر الناس لا يعلمون اختصاص الله -تبارك وتعالى- بالحكم واختصاصه بالعبادة، لذلك الناس الآن تسمع في الإعلام وتقرأ في المناهج بأن هؤلاء مشرعين، يسمونه المشرع البرلماني، والسلطة التشريعية، وهو يشرع وهذه من خصائص الله -تبارك وتعالى-، هذا اغتصاب لحق وخصيصة من خصائص الله جل وعلا، وليس ثم منكر وليس ثم نكير، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

هذا يجرنا إلى مسألة عظيمة، وقسم عظيم من أقسام التوحيد وأنواعه وهو توحيد الاتباع.
توحيد الاتباع أنك تتلقى من الله -عز وجل- الأمر كله، تتلقى منه العقائد والأخبار، تتلقى منه المناسك والشعائر، كيف تصلي، وكيف تصوم ماذا تعتقد، تلقى منه الشرائع والأحكام، بماذا تحكم، ما هي شرائع الدين، تتلقى منه نظام الملك، ومنهج الحياة ثم سياسة شرعية ساس بها النبي ﷺ قومه، فكل شيء إنما هو يتلقى من الله جل وعلا {اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ}، الله تبارك وتعالى يقول في كتابه كذلك : ﴿ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم﴾ [ الأعراف ١٥٧] هذه وظيفة الأنبياء فيما يبلغون عن الرب جل وعلا، فالذي يحلل ويحرم ويشرع ويأمر وينهى هو الله تبارك وتعالى، ونحن عبيد لله تبارك وتعالى، والله عز وجل قد جعل الحكم في حكام يحكمون بما أنزل جل وعلا هذا هو الدين، الموجود الآن في الأرض إنما هو اغتصاب للحكم، واغتصاب للتشريع، وتعبيد للطواغيت والأرباب، فنقول أن من اتبع منهجا وشرعة غير ما شرعه الله لعباده فقد اتخذ الذي تلقى منه الشرعة والمنهج ربا من دون الله جل وعلا، واتبع أهواء الطواغيت وآراء الذين لا يعلمون، قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (١٨)} الجاثية، إما أن تتبع شريعة الله تبارك وتعالى أو تتبع شرائع وأهواء الذين لا يعلمون، “ثم جعلناك” يا محمد “على شريعة” سنة وطريقة “من الأمر” من الدين “فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون” أي مراد الكافرين، فالذين خرجوا من عبودية الله تبارك وتعالى في الحكم والطاعة والاتباع هؤلاء قد صاروا عبيدا للبشر، تحكمهم أهواء البشر، تسوسهم أوضاع البشر، فهم بهذا الاتباع مشركون: “وإن أطعتموهم إنكم لمشركون” فلا فرق بين من يسجد ويتضرع بالدعاء للقبر وبين من يتبع نظاما وضعيا في النهي والأمر، قال الله تبارك وتعالى: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (١٠٦) } الأنعام، ففيه أمر بالاتباع، ثم ذكر الله تبارك وتعالى بعده كلمة التوحيد لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين.

بعد هذا التأصيل في البيان يتقرر بفضل الواحد الديان حقيقة الإسلام، وحقيقة الاستسلام لله في توحيد الألوهية، أو حقيقة الركن الأول من الإسلام وحقيقة الاستسلام لله تبارك وتعالى في توحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات والاتباع على ما ذكرنا.

فمن حقق ذلك وحقق البراءة من الآلهة والأرباب، وحقق البراءة من عبادهم وكفر بهم وأبغضهم وعاداهم، فقد حقق هذا الركن العظيم الذي لا يقوم عماد الإسلام في الفرد إلا بهذا، وكذلك لا يقوم في الأرض إلا بما سبق ذكره، فهذا هو إن شاء الله تعالى الشرح المختصر للركن الأول من أركان الإسلام، وهو الاستسلام لله بالتوحيد.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يقيمنا على الملة الغراء، وعلى الحنيفية السمحاء وأن يجعلنا ممن حقق التوحيد بأقسامه، وكذلك بأفراده.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى