شبهات وردود

بعض الزنادقة يقول أنَّ القاضي الذي يحكم بالقوانين الوضعية في هذه المحاكم هو منفذ حكم وليس بطاغوت !! فكيف الرد على هذا الكلام أحسن الله إليكم ؟

    السؤال : بعض الزنادقة يقول أنَّ القاضي الذي يحكم بالقوانين الوضعية في هذه المحاكم هو منفذ حكم وليس بطاغوت !! فكيف الرد على هذا الكلام أحسن الله إليكم ؟

الجواب : لم يذكر أحد من السلف أن القاضي الذي يحكم بين الناس هو منفذ للحكم فهذا الاصطلاح محدث والغاية منه إخراج هذا الصنف من مسمى الطاغوت ومن ثم تجويز التحاكم إليه والكفر بالله تعالى، وتنفيذ الحكم غير إنشاء الحكم وثبوت الحكم كما قال ابن فرحون:” فَصْلٌ فِي مَعْنَى تَنْفِيذِ الْحُكْمِ وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ:
    تَنْفِيذُ حُكْمِ نَفْسِهِ، وَتَنْفِيذُ حُكْمِ غَيْرِهِ.

    فَالْأَوَّلُ مَعْنَاهُ الْإِلْزَامُ بِالْحَبْسِ وَأَخْذُ الْمَالِ بِيَدِ الْقُوَّةِ وَدَفْعُهُ لِمُسْتَحِقِّهِ، وَتَخْلِيصُ سَائِرِ الْحُقُوقِ، وَإِيقَاعُ الطَّلَاقِ عَلَى مَنْ يَجُوزُ لَهُ إيقَاعُهُ عَلَيْهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَالتَّنْفِيذُ غَيْرُ الثُّبُوتِ وَالْحُكْمِ، فَالثُّبُوتُ هُوَ الرُّتْبَةُ الْأُولَى، وَالْحُكْمُ هُوَ الرُّتْبَةُ الْوُسْطَى، وَالتَّنْفِيذُ هُوَ الرُّتْبَةُ الثَّالِثَةُ. وَلَيْسَ كُلُّ الْحُكَّامِ لَهُمْ قُوَّةُ التَّنْفِيذِ لَا سِيَّمَا الْحَاكِمُ الضَّعِيفُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْجَبَابِرَةِ فَهُوَ يُنْشِئُ الْإِلْزَامَ، وَلَا يَخْطِرُ لَهُ تَنْفِيذُهُ؛ لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَالْحَاكِمُ مِنْ حَيْثُ هُوَ حَاكِمٌ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْإِنْشَاءُ، وَأَمَّا قُوَّةُ التَّنْفِيذِ فَأَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى كَوْنِهِ حَاكِمًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحَكَّمَ لَيْسَ لَهُ قُوَّةُ التَّنْفِيذِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي الرُّتْبَةِ السَّادِسَةِ مِنْ رُتَبِ الْوِلَايَةِ.

    الْقِسْمُ الثَّانِي: تَنْفِيذُ حُكْمِ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ فِيمَا تَقَدَّمَ الْحُكْمُ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَ فُلَانٍ مِنْ الْحُكَّامِ كَذَا، فَهَذَا لَيْسَ بِحُكْمٍ مِنْ الْمُنَفِّذِ أَلْبَتَّةَ، وَكَذَا إذَا قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ فُلَانًا حَكَمَ بِكَذَا، وَكَذَا فَلَيْسَ حُكْمًا مِنْ هَذَا الْمُثْبِتِ، بَلْ لَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ صَحَّ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَ فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ الْفَاسِدَ وَالْحَرَامَ قَدْ يَثْبُتُ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ مُوجِبَ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا”.
   ونقول أنه قد ورد التنصيص في كتاب الله على طاغوت الحكم وأنه فرد من أفراد الطواغيت التي لا يصح الإسلام إلا بالكفر بها واجتنابها وترك التحاكم لها، وهو منطوق قوله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوٓاْ أَن يَكۡفُرُواْ بِهِۦۖ﴾[النساء ٦٠]، عن عامر في هذه الآية: {أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ} يعني المنافقين، {وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ}يعني اليهود:{يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّغُوتِ}يقول: إلى الكاهن {وَقَدۡ أُمِرُوٓاْ أَن يَكۡفُرُواْ بِهِۦۖ}، أمر هذا في كتابه، وأمر هذا في كتابه، أن يكفر بالكاهن”، والآية نص قاطعٌ  وحجة بيِّنة في أنَّ من تحوكم إليه بغير شرع الله يُسمى طاغوتاً.
 
    قَالَ جَابِرٌ: «كَانَتِ الطَّوَاغِيتُ الَّتِي يَتَحَاكَمُونَ إِلَيْهَا، فِي جُهَيْنَةَ وَاحِدٌ، وَفِي أَسْلَمَ وَاحِدٌ، وَفِي كُلِّ حَيٍّ وَاحِدٌ، كُهَّانٌ يَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ»، وعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: تَنَازَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُوَدِ فَقَالَ الْيَهُوَدِيُّ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى مُحَمَّدٍ، وَقَالَ الْمُنَافِقُ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّغُوتِ}[النساء ٦٠]، وَهُوَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ.
  وعَنْ مجاهد: «الطاغوت: الشيطان فِي صورة إنسان، يتحاكمون إِلَيْهِ، وَهُوَ صاحب أمرهم».
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: «كَانَ أَبُو بَرْزَة الْأَسْلَمِيُّ كَاهِنًا يَقْضِي بَيْنَ الْيَهُودِ فِيمَا يَتَنَافَرُونَ فِيهِ فَتَنَافَرَ إِلَيْهِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّغُوتِ} إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِلَّآ إِحۡسَٰنٗا وَتَوۡفِيقًا﴾.

وعَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق، قَالَ: “كَانَ ممن سمي لنا من المنافقين معتب، ورافع بْن زيد بْن بشر، وكانوا يدعون بالإسلام، فدعاهم رجال من قومهم من الْمُسْلِمِينَ فِي خصومة كانت بينهم إِلَى رَسُول اللهِ ﷺ فدعوهم إِلَى الكهان، حكام الجاهلية، فأنزل الله جَلَّ وَعَزَّ فيهم: {أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ}إِلَى آخر القصة “.

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى