السلاسل العلميةسلسلة ماذا بعد الإسلام ؟

ماذا بعد الإسلام ١ ؟

ماذا بعد الإسلام ١ ؟

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:

فإن الإسلام ليست كلمة تقال باللسان وعقد بالجنان فحسب، إنما هو حقيقة ذات تكاليف، وأمانة ذات أعباء، وجهاد متواصل يحتاج إلى صبر متلازم وجلاد، فلا يُترك المرء ودعواه حتى يتعرض للفتنة لا محالة، فيثبت الصادق على الدين الحق ويخرج منها صافية خالصة نفسه، كما تَفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين المكون الرخيص العالق به، وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب المؤمنة الصادقة … فتزيدها قوة وثباتا ويقينا، وهذه الفتنة على الإيمان أصل ثابت وسنة جارية في سنن لله الكونية والشرعية لا يتخلف عنها متخلف قال تعالى: {الم ۝ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ۝ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ۝ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ [سورة العنكبوت: ١-٤]، ومن الناس من لا يثبت على دعواه، فيُفتتن وينتكس ويرتد ويظهر بذلك زيف معدنه وحقيقة أصله ومثواه، فيعود إلى الجاهلية إذا أوذي في الله فيجعل عذاب الخلق في الدنيا كعذاب الله في الآخرة قال الله تبارك وتعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (١٠)}، قال ابْنِ عَبَّاسٍ: “يَرْتَدُّ، عَنْ دِينِ اللهِ إِذَا أُوذِيَ فِي اللهُ”، وقال مُجَاهِدٍ:” أُنَاسٌ يُؤْمِنُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ فَإِذَا أَصَابَهُمْ بَلاءٌ مِنَ النَّاسِ أَوْ مُصِيبَةٌ فِي أَنْفُسِهِمْ أَوْ أَمْوَالِهِمُ افْتُتِنُوا، فَجَعَلُوا ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا كَعَذَابِ اللَّهِ فِي الآخِرَةِ”.
وقال تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)}، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ ناس مِنَ الأعراب يَأْتُونَ النَّبِيَّ [فَيُسْلِمُونَ، فإذا رجعوا إِلَى بلادهم فإن وجدوا عَامَ غَيْثٍ وَعَامَ خِصْبٍ وَعَامَ وِلادٍ حَسَنٍ، قالوا: إِنَّ ديننا هَذَا صالح فتمسكوا به، وإن وجدوا عام جدب وعام ولاد سوء وعام قحط، قالوا: مَا في ديننا هَذَا خير. فأنزل الله وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ”.

وفي هذا الزمان الذي اشتدت فيه غربة الإسلام واندرست فيه معالمه بين الأنام، فلا يثبت على تبعات هذا الأمر العظيم إلا من ثبته الله تعالى، واستعان على ذلك بالعمل الصالح، والرفقة المؤمنة، والجماعة المسلمة، والدعاء كدعاء الغريق … فالفتن التي يتعرض لها المسلم في سيره إلى الله تعالى كثيرة عديدة في هذا الزمان، فقد تكون فتنٌ في المال أو في الأهل أو في النفس، قال تعالى: {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (١٢٠)}، فقد يُبتلى المرء بترك عمله لما فيه من نصرة للطواغيت، أو خضوع وانقياد لقوانينهم ولوائحهم المصادمة لدين الله تعالى، فيبتلى بقلة ذات اليد وضيق العيش والله المستعان … فينبغي له أن يذكر ما كان عليه النبي وأصحابه كما روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ذَاتَ يَوْمٍ – أَوْ لَيْلَةٍ – فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: «مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟»، قَالَا: الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «وَأَنَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، قُومُوا، فَقَامُوا مَعَهُ” الحديث … ولا شك ولا ريب أن المسلم إذا اتقى ربه بترك العمل الذي لا يرضاه له المولى جل جلاله جعل الله له بتقواه الفرج القريب، وأبدله بأحسن مما ترك ومن حيث لا يدري ولا يحتسب قال تعالى: {‌‏وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا‏} ‏[‏الطلاق‏:‏ ٢-٣]‏، روى الطبري في سبب نزولها عن سالم بن أَبي الجعد قال: نزلت في رجل من أشجع أصابه الجهد، فأتى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال له: “اتَّقِ اللهَ وَاصْبِرْ”، فرجع فوجد ابنًا له كان أسيرًا، قد فكه الله من أيديهم، وأصاب أعنزا، فجاء، فذكر ذلك لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال: هل تطيبُ لي يا رسول الله؟ قال: “نَعَم”. وقد يبتلى المسلم بصدود زوجه عن الإسلام وإعراضها عن الإيمان فيشق عليه فراقها ولا تهون عليه عشرتها، ويزيد الأمر فتنة كثرة الأولاد وعدم القدرة بعدها على الزواج فيذكر قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ إنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

قال الضحاك في سبب نزول الآية: هذا في أناس من قبائل العرب كان يسلم الرجل أو النفر من الحيّ، فيخرجون من عشائرهم ويدعون أزواجهم وأولادهم وآباءهم عامدين إلى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فتقوم عشائرهم وأزواجهم وأولادهم وآباؤهم، فيناشدونهم الله أن لا يفارقوهم، ولا يؤثروا عليهم غيرهم، فمنهم من يَرقّ ويرجع إليهم، ومنهم من يمضي حتى يلحق بنبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
قال قتادة: «يَنْهَوْنَ عَنِ الْإِسْلَامِ وَيُبْطِئُونَ عَنْهُ, وَهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ فَاحْذَرُوهُمْ»، وعن إسماعيل بن أبي خالد: قال: كان الرجل يسلم، فيلومه أهله وبنوه، فنزلت: (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ)، كما قال ربنا تبارك وتعالى في ختام الآية: (وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) يقول الطبري: والله عنده ثواب لكم عظيم، إذا أنتم خالفتم أولادكم وأزواجكم في طاعة الله ربكم، وأطعتم الله عزّ وجلّ، وأدّيتم حقّ الله في أموالكم، والأجر العظيم الذي عند الله الجنة.


فإذا ابتلي المرء بصدود زوجه فليحرص على دعوتها غاية الحرص ويبذل في ذلك الجهد الكبير بالترغيب والترهيب، والغالب أن المرأة تتبع دين زوجها فإن رأى منها إعراضا وأيس من ذلك فليفارقها طاعة لله تعالى قال تعالى: { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ }، روي عن مجاهد: (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) قال: أصحاب محمد أُمروا بطلاق نسائهم كوافر بمكة، قعدن مع الكفار … وروي أن عمر طلق يومئذ امرأتين كانتا له بالشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية، وقد يبتلى المرء بصدود الأب و والقراب والقرية وأذيته بالقول والفعل فيشق عليه ذلك وتضيق عليه الدنيا ويغتم له القلب ويحزن، فليصبر وليحتسب وليمشي فيهم بسيرة الإسلام وأخلاق أهله عسى الله أن يهديهم بالقدوة الحسنة قال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}، وإن كان في أهله وقرابته ذا رأي فله الأسوة الحسنة في إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي، كما روى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: كَانَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ يُحَدِّثُ أَنَّهُ قَدِمَ مَكَّةَ وَرَسُولُ اللهِ بِهَا فَمَشَى إِلَيْهِ رِجَالُ قُرَيْشٍ، وَكَانَ الطُّفَيْلُ رَجُلًا شَرِيفًا شَاعِرًا لَبِيبًا، فَقَالُوا لَهُ إِنَّكَ قَدِمْتَ بِلَادَنَا وَهَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَرَّقَ جَمَاعَتَنَا، وَشَتَّتَ أَمْرَنَا، وَإِنَّمَا قَوْلُهُ كَالسِّحْرِ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ أَبِيهِ، وَبَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ أَخِيهِ وَبَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ، وَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْكَ وَعَلَى قَوْمِكَ مَا قَدْ دَخَلَ عَلَيْنَا فَلَا تَكْلِمَنَّهُ وَلَا تَسْمَعَنَّ منه، قال: فو الله مَا زَالُوا بِي حَتَّى أَجْمَعْتُ أَنْ لَا أَسْمَعَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا أُكَلِّمَهُ حَتَّى حَشَوْتُ فِي أُذُنَيَّ حِينَ غَدَوْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ كُرْسُفًا فَرَقًا مِنْ أَنْ يَبْلُغَنِي شَيْءٌ مِنْ قَوْلِهِ.
قَالَ: فَغَدَوْتُ إِلَى الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَقُمْتُ قَرِيبًا مِنْهُ فَأَبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُسْمِعَنِي بَعْضَ قَوْلِهِ، فَسَمِعْتُ كَلَامًا حَسَنًا فقلت في نفسي: وثكل أُمَّاهُ، وَاللهِ إِنِّي لِرَجُلٌ لَبِيبٌ شَاعِرٌ مَا يَخْفَى عَلَيَّ الْحَسَنُ مِنَ الْقَبِيحِ فَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ أَنْ أَسْمَعَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ مَا يَقُولُ فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَأْتِي بِهِ حَسَنًا قَبِلْتُ وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا تَرَكْتُ، قَالَ: فَمَكَثْتُ حَتَّى انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِهِ، فَتَبِعْتُهُ حَتَّى إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ قَالُوا لِي كذا وكذا، فو الله ما برحوا يخوّفوني أَمْرَكَ حَتَّى سَدَدْتُ أُذُنَيَّ بِكُرْسُفٍ لِئَلَّا أَسْمَعَ قَوْلَكَ، ثُمَّ أَبَى الله عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَنْ يُسْمِعَنِيهِ، فَسَمِعْتُ قَوْلًا حَسَنًا فَاعْرِضْ عَلَيَّ أَمَرَكَ.

قَالَ: فَعَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَتَلَا عَلَيَّ الْقُرْآنَ، فَلَا وَاللهِ مَا سَمِعْتُ قَوْلًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَلَا أَمْرًا أَعْدَلَ مِنْهُ، فَأَسْلَمْتُ وَشَهِدْتُ شَهَادَةَ الْحَقِّ، وَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ إِنِّي امْرُؤٌ مُطَاعٌ فِي قَوْمِي وَإِنِّي رَاجِعٌ إِلَيْهِمْ فَدَاعِيهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَ لِي آيَةً تَكُونُ لِي عَوْنًا عَلَيْهِمْ فِيمَا أَدْعُوَهُمْ إِلَيْهِ، فَقَالَ: اللهُمَّ اجْعَلْ لَهُ آيَةً.
قَالَ: فَخَرَجْتُ إِلَى قَوْمِي حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِثَنِيَّةٍ يُقَالُ لَهَا كَذَا وَكَذَا تُطْلِعَنِي عَلَى الْحَاضِرِ، وَقَعَ نُورٌ بَيْنَ عَيْنَيَّ مِثْلُ الْمِصْبَاحِ! قَالَ: قُلْتُ: اللهُمَّ فِي غَيْرِ وَجْهِي إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَظُنُّوا أَنَّهَا مُثْلَةٌ وَقَعَتْ فِي وَجْهِي لِفِرَاقِ دِينِهِمْ، قَالَ: فَتَحَوَّلَ فَوَقَعَ فِي رَأْسِ سَوْطِي كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلَّقِ وَأَنَا أَهْبِطُ إِلَيْهِمْ مِنَ الثَّنِيَّةِ حَتَّى جِئْتُهُمْ فَأَصْبَحَتُ فِيهِمْ.
فَلَمَّا نَزَلَتُ أَتَانِي أَبِي وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، فَقُلْتُ: إِلَيْكَ عَنِّي يَا أَبَتِ، فَلَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي، قَالَ: لَمَ يَا بُنَيَّ؟ قُلْتُ أَسْلَمْتُ وَتَابَعْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ، قَالَ: يَا بُنَيَّ فَدِينِي دِينُكَ، قَالَ: قُلْتُ: فَاذْهَبْ يَا أَبَتِ فَاغْتَسِلْ وَطَهِّرْ ثيابك، ثم تعال حَتَّى أُعَلِّمَكَ مَا عُلِّمْتُ، قَالَ: فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ وَطَهَّرَ ثِيَابَهُ ثُمَّ جَاءَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ.
ثُمَّ أَتَتْنِي صَاحِبَتِي فَقُلْتُ لَهَا: إِلَيْكِ عَنِّي فَلَسْتُ مِنْكِ وَلَسْتِ مِنِّي، قَالَتْ: لَمَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قُلْتُ: فَرَّقَ الْإِسْلَامُ بَيْنِي وَبَيْنَكِ: أَسْلَمْتُ وَتَابَعْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: فَدِينِي دِينُكَ. قَالَ: قُلْتُ فَاذْهَبِي إِلَى حَنَى ذِي الشَّرَى فَتَطَهَّرِي مِنْهُ وَكَانَ ذُو الشَّرَى صَنَمًا لدوس وكان الحنى حِمًى حَوْلَهُ وَبِهِ وَشْلٌ مِنْ مَاءٍ يَهْبِطُ مِنْ جَبَلٍ إِلَيْهِ، قَالَتْ: بِأَبِي وَأُمِّي أَتَخْشَى عَلَيَّ الصِّبْيَةَ مِنْ ذِي الشَّرَى شَيْئًا؟ قَالَ: قُلْتُ لَا أَنَا ضَامِنٌ لَكِ، قَالَ: فَذَهَبَتْ وَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ جَاءَتْ فَعَرَضْتُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَتْ.
ثُمَّ دَعَوْتُ دَوْسًا إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَبْطَئُوا عَلَيَّ فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: “يَا نَبِيَّ اللهِ! إِنَّهُ قَدْ غَلَبَنِي عَلَى دَوْسٍ الزِّنَا، فَادْعُ اللهَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: «اللهُمَّ اهْدِ دَوْسًا»، ثُمَّ قَالَ: «ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَادْعُهُمْ إِلَى اللهِ وَارْفُقْ بِهِمْ»، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمْ فَلَمْ أَزَلْ بِأَرْضِ دَوْسٍ أَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ، ثُمَّ قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ الله [ بِمَنْ أَسْلَمَ مَعِي مِنْ قَوْمِي، وَرَسُولُ اللهِ [ بِخَيْبَرَ، فَنَزَلْتُ الْمَدِينَةَ بِسَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ بَيْتًا مِنْ دَوْسٍ، ثُمَّ لَحِقْنَا بِرَسُولِ اللهِ [ بِخَيْبَرَ فَأَسْهَمَ لَنَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ” انتهى.
فكما ترى يا عبد الله فقد مكث الطفيل يدعو قومه لسنوات وسنوات، واستعان على ذلك بالصبر والدعاء حتى امتن الله عليه بإجابة سبعين أو ثمانين بيتا … وهكذا الصادقون الصابرون الثابتون على دين الله، ينفع الله بهم من حولهم ولو طال الزمان، وما ضرهم ألا يستجيب لهم أحد … فيأتي النبي وليس معه أحد، ويأتي النبي ومعه الرجل والرجلان … هذا وللحديث بقية.

🖊 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى