الصوتيات والمواعظ

أحوال الدعاة في الفضاء الوهمي

صوتية بعنوان: أحوال الدعاة في الفضاء الوهمي

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد .. فهذه كلمات في الصميم، أتناول فيها أحوال الدعاة مع الحق قبولا وردا، نصرة وخذلانا، بذكر نماذج حية من واقع الساحة الدعوية في هذا الفضاء، ليعلم المسلم الأصناف الموجودة والبضاعة المعروضة في هذه المواقع والمنابر، فلا يغتر المسلم بهؤلاء الأسماء فينجر خلفهم، ويحذرهم على نفسه من يريد السلامة لدينه، فتمعن فيها أخي المسلم فإن وجدت توصيفا بين من ذكرت لك فاعلم أنه من التجار بالدين فإياك وإياهم، نقول إن الانحراف عن الطريق الصحيح له علامات وأمارات يعرفها كل امرئ من حاله، ولا يستطيع أن يكابر نفسه وهي شاهدة عليه بضلاله، كما روي أن حذيفة رضي الله عنه لما حضرته الوفاة دخل عليه أبو مسعود فقال : اعهد إلينا، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثك بأحاديث، قال أوما أتاك الحق اليقين، قال بلى، قال: اعلم أن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكر وأن تنكر ما كنت تعرف وإياك والتلون فإن دين الله تعالى واحد. رواه عبد الرزاق في المصنف. إن الباعث على التلون في الدين هو اتباع الهوى والبحث عن الشهرة والمحافظة على المصلحة والسعي وراء المكانة وموافقة صوت الأتباع والجمهور والمتلون هذا لا يوثق في دينه ولا يكون إماما في العلم ولا متبوعا ولا يؤخذ عنه لفقده الأمانة والتقوى والورع ولا عبرة بفصاحة لسانه وكثرة محفوظه واطلاعه وشهرته وكثرة الأتباع.وَلاَ خَيْرَ فِي وِدّ امْرِئٍ مُتَلَوّنٍ *إِذَا الريحُ مَالَتْ مَالَ حَيْثُ تَمِيلُ. فمنهم من لا يعرف إلا الباطل وقد نشأ عليه أصم آذانه عن سماع الحق وأعرض عن سبيله، حتى صار عبدا لطواغيت الحكم يرصع ملكهم ويثبت عرشهم وينهى عن الخروج عن طاعتهم، وهؤلاء قد مـلَـئوا الدنيا صراخا والمنابر دعاء للدين الذي رضيه عنه مؤسسة راند وغيرها.سَـلـفِــيَّةٌ عِلـميَّةٌ تدعو إلى . . . تَثْبِيِــتِ مُلكِ سُمـو آل سَلمانِ وذُيولُهم في المَغربِ والمَشرِقِ . . . قَد ثَبتُوا عَرش بَني عَلمَانِ للتَّـصــفيَــةْ والتَّربيـةْ والـتَّـوعيَةْ . . . بِـواجِبَــاتِ طَاعَةِ الطُغـيانِ أَوفى الكِلابُ لسَيِّدٍ فِي طَاعَةٍ . . .تُقادُ كالحُمرِ مِن الأُذُنَانِ. ومنهم من اختار طريق الضلالة على علم، بعد أن عرف الحق يقينا وكبر عليه الخضوع له والرجوع إليه، وفي نفسه حرج كبير في بداية مضيه يسير على مضض قد كبل بالدنيا والحرص عليها والخوف على مصالح متوهمة حالت بينه وبين الحق، تمضي عليه الأيام والسنين وكلها تعمل على زيادة الغشاوة وانسداد الرؤية حتى يؤصل للغلط ويبرر للانحراف، ثم يزداد عماية وضلالة حتى يطعن في من يسير على الطريق الصحيح، ويصدق عليه بحق قوله تبارك وتعالى: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون} الأعراف.يقول الترمذي:وقُل للألي حادُوا معاً عن طَريقه …ولم يمكثوا حتى أجابوا وغيَّروا.فلا تأمنوا عُقْبَى الذي قَد أتيتُمُ …فإنَّ الذي جئتُم ضَلالٌ مُزوَّرُ.فيا عُلماءَ السوء أينَ عُقولُكُم …وأينَ الحديثُ المسنَد المتَخيَّرُ.ألا إنني أرجو النجاةَ ببُغضِكم …وكل امرئ يَشْني الضَّلالةَ يُؤجرُ.تأسّى بكم قَومٌ كثير فأصبحوا …لَكُم ولَهم في كُل مِصرٍ مُعيّرُ.ويا تسعةَ كانوا تسعة صالحٍ …نبي الهدى إذْ ناقة اللهِ تُعقر.نَكصتُم على الأعقابِ حينَ امتُحنتُمُ …ولم يَكُ فيكُم من لذلك منكِرُ.كَتبتم بأيديكم حُتوفَ نُفوسكم …فياسَوءَتا مما يَخطُّ المُقدِّرُ.وأشمتم أعداءَ دين محمد …ولم تُضرب الأعناقُ مِنكم وتُنشَرُ. ومنهم من أسكته الشيطان وكبله الهوى، فلا يستطيع أن يقول كلمة حق في موطنها ويجبن عن قولها لمستحقها، فلا يلبث حتى يداس بعدها بالأقدام والنعال لما خذل الحق وأهله في موطن ذب ومقام نصرة، ويبقى ما بقي يتجرع مرارة الخذلان ولو جهر بالحق وصبر على تكاليفه لكان ذلك أهون بكثير من فواتير الخذلان وحياة الفئران. ومنهم من هو جاهل متلبس بلباس العلم والفتوى زورا وبهتانا، يسوق تحته جبنة من العميان قد حسبوه على شيء مما نسب نفسه إليه، فهذا الغر المسكين لما يرى غيره قد قام بما لم يقم به من نصرة الدين والدعوة إلى التوحيد والذب عن الشريعة تتحرك نفسه الخبيثة لتقمص عمل الذباب، فيبحث جاهدا عن مواقع الزلل ومواطن الخلل ليسقط دعوة حق ومنبر صدق تنافسه على الزعامة الموهومة، أو تعري سوءته المكشوفة، فيٲبى الله إلا أن يفضحه في الدنيا ولو بعد حين، ويظهر دسيسته على رؤوس الأشهاد، لذلك تجد هؤلاء الأسماء شركاء متشاكسون قد ينصر بعضهم بعضا في مسألة ما وتقوم حروبهم بعد ذلك في مسائل، وحالهم كما قيل أعماوين يقتتلان وأبكم يصلح بينهما.
ومنهم من يطعن في دعوة أو جماعة ما ويسعى في إسقاطها بكل سبيل، ولو تبحث في دواخله ستجد أن سبب ذلك هو دوافع شخصية وحسابات فردية وأهواء متراكمة هي سبب الشحناء والعداء وليس نصرة الدين، فقريبا سيقع هو في أشنع مما وقعت فيه تلك الجماعة لأن الذي يحركه هو الهوى، والهوى يجر بعضه في دركات الردى لا محالة.

وَمِنَ العَداوَةِ ما يصيبك نَفعُهُ …
وَمِنَ الصَداقَةِ ما يَضُرُّ وَيُؤلِمُ.

ومنهم من هو جاهل مقلد كتب منشورات مسروقة، وصرخ صرخات تحت مياه كدرة، فوجد نفسه بعد فترة يشار إليه ببنان المشيخة فصار يسارع في تثبيت هذه الدعوة، ويطير بكل حرف غريب تفرد به سلف غابر ليلفت أنظار المتابعين حتى يقال أنه واسع النظر، دقيق الملاحظة، حكيم الرؤية، وما هو إلا حاطب ليل أعمى اجتمع فيه الشر كله حتى صار رأسا فيه، والعجب أن المقلدة تصفق وتظن أن هذا من العلم والدين والتقوى.

لا فرقَ بينَ مقلدٍ وبهيمةٍ …
تنقادُ بين جنادل ودعاثرِ.

ومنهم من في كل موسم يكفر رأسا من رؤوس العلم ويناطحه، ويعقد عليه الولاء والبراء، بل ويجعل بوابة الإسلام في تكفيره، ويملأ الدفاتر سوادا، والقناة صراخا ليثبت أن ما يدعيه حق واجب يجب المصير إليه، ويدور مثل الحمار على الرحى ليثبت دعوى باطلة وينسف تراثا أثريا لجبل شامخ، ووالله وتالله أن هؤلاء يريدون العلو لأنفسهم ويتخذون المشاهير سلما لذلك، وإلا فمصلحة هذه الدعوة في طريق وهؤلاء في طريق مخالف تماما، وكما قال الأعشى :

كَناطِحٍ صَخْرَةً يَوْماً ليِوُهِنَها …
فَلَمْ يضرها وأوْهى قَرْنَه الوعِلُ.

ومنهم من كل همه البحث والتنقيب عن أخطاء سلف مضوا، فكل فترة وحين يستخرج من بطون الكتب كلاما لا يفهمه، يطير به فرحا ليسقط علما من أعلام هذه الأمة وهو يعلم أن الإنصاف في واد وهو في وادي الثعابين يقيم، قلوب همها الهدم فقط ولا تعرف للبناء سبيلا.

ومنهم من يحسب نفسه فقط على الحق ولا يرى إماما غير الغراب الذي دله على هذه السبيل، فيهدم الجميع ويسفه السلف الأعلام، وينصب زيدا الغراب إمامه، فما أتعس هذا المبتلى بما هو عليه من الحرمان الشديد والضلال البعيد.

ومن يكن الغراب له دليلاً …
يمر به على جيف الكلاب

ومنهم من يهدم كل جهد للمتأخرين، ويقطع خلف هذه الأمة عن سلفها بدعوى الرجوع إلى علم المتقدمين، وإن كان شعارا صحيحا في ذاته، ولكن دون نسف لكل حق قرره من تأخر تبعا لمن تقدم، ولا تزال في هذه الأمة في كل زمن عصابة موافقة للحق قائمة به، أما هذا الدعي يريد قطع الأوصال وهدم تراث كثير للأمة فيه خير كبير لمن غربله وهذبه واستفاد من خيره واجتنب الغلط فيه.

ومنهم من لا براء له في دينه ولا ولاء ولم ير منه المشركون إلا الابتسامات والأحضان وحسن السلوك والجوار، ولم يسلم المسلمون من سوء خلقه ونقض عهده وكثرة طعنه وتقلبه، فلا تؤمن غوائله على أهل دينه والله المستعان.

ومنهم من يتصدر للدعوة دون فقه في الدعوة ولا زاد لها، فما يفسد فيها أضعاف مما يصلح، فيكون منبرا للسب والشتم منفرا ومعسرا، لا يقيم دليلا ولا يوضح للحيارى سبيلا، فيزيد الطين بلة والفجوة سعة ولو سكت لكان أسلم لدينه.

يا للرجالِ لدَاءٍ لا دواءَ له …
وقائدٍ ذي عمَى يقتادُ عُميانا 

ومنهم من يريدك أن توافقه في كل شيء، يريدك أن تكون نسخة منه، فلو خالفته في فرع من الفروع أو تأصيل لسارع إلى التشنيع والتصنيف، لا يفرق بين أصول المسائل التي لا يسوغ فيها الخلاف وبين فروعها التي مردها إلى التنزيل والاجتهاد، وهذه الفروع التي مردها إلى التنزيل والاجتهاد لا يخوض فيها إلا الفحول من أهل النظر والاجتهاد، وأن حكمه هو في ذلك هو السؤال والتقليد وليس النظر والتصنيف.

ومنهم ومنهم ومنهم، ولو سردنا الأحوال لطال بنا المقام ولكن هذه نظرات عابرات في بضاعة هذا الفضاء، وحتى يكون الكلام دواء مركزا لهذه الأدواء، وحال الناس في فوضى لا سراة لها لا جماعة ولا ٳمام ولا خطام ولا زمام، وحالنا كما قال الحسن: “ذهبت المعارف وبقيت المناكر ومن بقي من المسلمين فهو مغموم”.
ٲسٲل الله تبارك وتعالى أن يهيىء لنا من أمرنا رشدا يعز فيه أهل الطاعة ويذل فيه أهل المعصية ويجنبنا الفتن وأهلها.

🖋️ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى