السلاسل العلميةسلسلة تعلموا الإسلام

البراءة من الشرك وأهله ٣: الدرس التاسع

سلسلة تعلَّموا الإسلام | لفضيلة الشيخ محمد بن سعيد الأندلسي - حفظه الله تعالى الدرس التاسع _ البراءة من الشرك وأهله ٣

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد:

      فلا يزال حديثنا في شرح حقيقة الإسلام، وقفنا في الركن الثالث من أركان الإسلام وهو -البراءة من الشرك وأهله- تكلمنا في المجلس السابق على أن الفرد يلحق بالأعم الأكثر وقررنا أن الأكثر والأعم في هذه الديار هو على الشرك والكفر بالله تبارك وتعالى ولا ينكر ذلك إلا جاحد أو مكابر أو جهمي، وتكلمنا على أحوال القليل والنادر في هذه الديار وحكم المستخفي بدينه في هذه الديار وأنه تجري عليه أحكام العموم في هذه الديار … ونتكلم هنا على الظاهر أو حقيقة الظاهر المعتبر الذي إذا أتى به الفرد يحكم له بالإسلام في مثل هذه الديار.

      بداية لا بد أن نعلم أن الله جل وعلا قد تعبدنا بالحكم في هذه الدنيا بما ظهر لنا من القوم، والدار، والمجموع، والعموم ابتداء ثم الفرد والعين يلحق بالقوم، فالقضية تبنى في النظر من الأعلى إلى الأسفل، فتنظر بداية في القوم وفي المجموع ما حكمهم، هل هم مسلمون أم كفار؟ ثم الأعيان والأفراد يلحقون بهذا الحكم.

  • فالقوم إما أن يكونوا قوما مسلمين والدار هي دار إسلام فالفرد بينهم تبع لهم في الإسلام.
    -أو القوم يكونوا قوما كافرين والدار دار كفر، فالفرد بينهم يلحق بهم وهو تبع لهم في الحكم العام وهو الكفر.
    يستثنى من ذلك من أظهر المخالفة لقومه في الدين فيخصص من هذا العموم، فمن أظهر الكفر في دار الإسلام فيحكم له بالكفر، ومن أظهر الإسلام في دار الإسلام -الظاهر المعتبر- فيحكم له بالإسلام، وهذه هي طريقة القرآن في النظر في هذا الباب والسنة كذلك في نسبة العين إلى القوم وبناء الأحكام على ذلك، لأن النظر في الأفراد فردا فردا من تكليف ما لا يطاق، وهذا لا تأتي به الشريعة، لذلك لو نزلت في مدينة فيها ملايين الأشخاص فيستحيل أن تنظر في الأشخاص فردا فردا فردا حتى تستطيع أن تحكم على أعيان تلك الأشخاص وهذا من تكليف ما لا يطاق، ومثل هذا يعني الاستقراء التام ونحو ذلك لا تأتي به الشريعة، بل تنظر في العموم بداية إذا نزلت في مدينة كبرى مثلا فتنظر في عموم الناس والظاهر من هذا العموم، ماذا يظهر لك من هذا العموم، وماذا  يظهر لك من هذه الديار؟
    فإذا كان الظاهر منهم الإسلام فهم مسلمون، وإن كان الظاهر منهم الشرك والكفر والوثنية وعبادة القبور والأوثان دون نكير أو تكفير بينهم، والتحاكم إلى الطواغيت والمحاكم الوضعية، واتباع الشرائع الجاهلية الوضعية التي سنها الأرباب الأرضية … فإذا وجدت الأمر على ما ذكرت لك فاعلم أن القوم قوم كفار، وإذا وجدت في المقابل أنهم يؤذنون ويصلون وكذا فنقول أن هذه الشعيرة إذا وجدت من العموم، ووجد كذلك من العموم الكفر والشرك الذي ذكرته لك، فالشعيرة غير معتبرة لأن الشعيرة لا تصحح إسلام من وقع في الكفر المبين (هذا إذا وقع الكفر فالقوم كفار وشعيرة الصلاة لا تصحح إسلامهم)، لذلك الفرع لا يصحح الأصل والشعائر إنما هي من الفروع وفي هذا المقام دلالتها غير معتبرة لأنها معارضة بالكفر والشرك، فإذا وجدت شخص من الأشخاص يصلي ويسب الله عز وجل تقول هذا كافر ولو صلى.
    كذلك القوم إذا وجدتهم يتحاكمون للطاغوت، ويتبعون الشرائع الوضعية وينتخبون …. ثم يقيمون الآذان … والمساجد … والصلاة … فتقول أن الصلاة هذه غير معتبرة في القوم … إذا القوم هم كفار، والفرد يلحق بهؤلاء القوم، هذا هو النظر الصحيح الذي دل عليه الكتاب والسنة، ويدل على أن العين تتبع القوم أدلة كثيرة منها قوله جل وعلا: «إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ» نسبها إلى قومها، كذلك قوله جل وعلا: «وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ» فقوله: «وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم» فنسب الفرد إلى القوم وأعطاهم حكم القوم، إذا كان من قتل شخصا من قوم بيننا وبينهم ميثاق فحكمه الدية وكذلك الكفارة، كذلك قوله: «وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ» فنسب الفرد إلى قومه المشركين، كذلك حديث الصعب بن جثامة لما سأل النبي ﷺ عن الدار يُبَيَّتون من المشركين ، فيُصاب من نسائهم وذراريهم، قال: “هم منهم” فألحق النساء والذراري بالقوم.
    كذلك الحديث عن سمرة بن جندب أن رسول الله ﷺ قال: “من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله” وهذا من أصرح الأحاديث على أن من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله في أحكام الدنيا.

كذلك حديث علي أن النبي ﷺ قال: “المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم” فجعل أدنى المؤمنين منهم.
كذلك حديث أبي سعيد الخدري قال: “نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ فحكم عليهم سعد بن معاذ فقال: “تقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم” فهنا وجه الدلالة من هذا الأثر وهذا حكم معاذ هذا يقول له النبي ﷺ فيه : “قضيت بحكم الله”، فالحكم يشمل النساء والذراري ولم يكن لهم يد

  • أي: النساء والذراري- في نقض هذه المعاهدة، ولكن حكمهم حكم القوم، فهم تبع للسادة في القبيلة، والدار، والقوم … فالفرد يتبع القوم.
    كذلك حديث عمران بن حصين قال: “كَانَتْ ثَقِيفُ حُلَفَاءَ لِبَنِى عُقَيْلٍ، فَأَسَرَتْ ثَقِيفُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النبي ﷺ، وَأَسَرَ أَصْحَابُ النبي ﷺ، رَجُلًا مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ، وَأَصَابُوا مَعَهُ الْعَضْبَاءَ، فَأَتَى عَلَيْهِ النبي ﷺ وَهُوَ فِي الْوَثَاقِ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: «مَا شَأْنُكَ؟» فَقَالَ: بِمَ أَخَذْتَنِي، وَبِمَ أَخَذْتَ سَابِقَةَ الْحَاجِّ؟ فَقَالَ: «إِعْظَامًا لِذَلِكَ ‌أَخَذْتُكَ ‌بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفَ» فيه أن الفرد من القبائل في ذلك الزمان -قبائل كافرة- وحلفاؤها كذلك يعاملون بما جنته القبيلة إذا تحالفت مع قبيلة أخرى، فيؤخذ الفرد بجريرة قومه وإن لم يكن هو قد شارك في الغدر أو في نقض العهد أو نحو ذلك …، فيؤخذ الفرد بجريرة قومه ويجري عليهم أو عليه حكمهم لما وقع في  الأسر.
    كذلك حديث عن ابن عباس قال: “كان النبي ﷺ بالرَّوْحاء، فلقى ركْباً فسلم عليهم، فقال: “من القوم؟” ‌قالوا: ‌المسلمون”، فقالوا: من أنت قال: رسول الله….” فلما انتسبوا إلى المسلمين وإلى الإسلام عرفهم النبي ﷺ وتبين أمرهم وذلك لما كانت الناس تحج مسلمهم وكافرهم.
    كذلك حديث عبد الله بن مسعود قال: “من كثر سواد قوم فهو منهم”.
    كذلك أثر الأحنف بن قيس: “إنما كان السبي والغنيمة على الكفار الذين دارهم دار كفر والكفر لهم جامع ولذراريهم”، في دار الكفر فإن الكفر يجمع المكلفين وكذلك يجمع الذراري والنساء ونحو ذلك …

       إذا فينسب من كان بين قوم كفار إلى قومه ظاهرا، ولو كان مستخف بالإيمان إلا من أظهر المخالفة بينهم، وفي المقابل كذلك ينسب من كان بين قوم مسلمين في دار إسلام إليهم ظاهرا، ولو كان من المنافقين المستخفين بالكفر المظهرين للإيمان.
      ففي دار الكفر كما سبق معنا يوجد قلة مسلمة مستخفية بالإسلام، وفي دار الإسلام توجد قلة منافقة مستخفية بالكفر، ففي دار الكفر نحكم على هذه القلة -إذا لم تظهر المخالفة- بحكم العموم، وفي دار الإسلام نحكم على المنافقين  بحكم العموم، لذلك فيما روى محمد بن إسحاق: «ارْتَدَّ أَهْلُ الْيَمَامَةِ عَنِ الإِسْلامِ غَيْرَ ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ، وَمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ، فَكَانَ مُقِيمًا بِالْيَمَامَةِ يَنْهَاهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ مُسَيْلِمَةَ وَتَصْدِيقِهِ» فثُمَامَة بْن أُثَال أظهر المخالفة في القوم فحكم له بالإسلام.
     مجاعة بن مرارة لما  أسره خالد قال: “فقد تكلم ثمامة وتكلم اليشكري وأنت أنت في أهل اليمامة (لأنه -مجاعة- كان سيدا في أهل اليمامة)” فأنكر عليه خالد سكوته لأنه لم يظهر الظاهر المعتبر واعتبر سكوته إقرارا لمسيلمة.
      هذه المعاني كذلك ذكرها الفقهاء في كتبهم كما قال ابن قدامة: «لأنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي دَارٍ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا، يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُهُمْ مَا لَمْ يَقُمْ عَلَى خِلَافِهِ دَلِيلٌ»
  كذلك قال ابن قدامة: ” فَأَمَّا دَارُ الْحَرْبِ، فَلَا نَحْكُمُ بِإِسْلَامِ وَلَدِ الْكَافِريْنِ فِيهَا بِمَوْتِهِمَا، وَلَا مَوْتِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الدَّارَ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ أَهْلِهَا، وَكَذَلِكَ لَمْ نَحْكُمْ بِإِسْلَامِ لَقِيطِهَا”.

    فإذا كانت الدار دار كفر وأهلها كفار فلا يحكم للفرد منهم بالإسلام، بل هو تبع للدار، ويعطى حكم القوم، وهذا ليس حكم التبعية مثل مثلما يظن البعض والذي يتكلم عليه أهل الأصول باعتبار دلالات الحكم المنطوق، وكذلك الدلالة ثم التبعية ليس كذلك، النبي ﷺ قال: “هم منهم” وهذه الدلالة دلالة قطعية وليست دلالة ظنية كما يظن البعض، “فهم منهم” … فنقطع أن هذا الفرد من هذا القوم فهو منهم في الحكم الظاهر أما البواطن فليست لنا وهي لله تبارك وتعالى، ولم نكلف بالحكم على باطن الناس.

      إذا قلنا عموم الديار -الأكثر والأعم- على الكفر، والقلة هذه تلحق بالأكثر، فلها حكم الأكثر.
لكن كيف نعرف المسلم في هذه الديار؟ نقول: لا شك ولا ريب أن هناك مسلمين يسكنون في هذه الديار، وما هو الظاهر المعتبر إذا أظهره الفرد حكمنا له بالإسلام ؟ بعضهم يقول: هو الشعائر، قلنا: الشعائر غير معتبرة لأنها معارضة بالكفر والشرك فتلغى، ثم الشعائر إنما إذا اشتركت  ألغيت، لأن الفقهاء قاطبة حكموا للشعيرة بالاختصاص، إذا اختص قوم بشعيرة يحكم لهم بتلك الشعيرة، أما إذا اشتركت بينهم وبين غيرهم سقطت دلالتها وفرغت عن الدلالة فلا يعتبر الحكم بها قائما.
   ما هو الظاهر المعتبر؟ نقول: الظاهر المعتبر هو: إظهار مخالفة ما عليه القوم من كفر وشرك (يعني: إظهار المفارقة في الدين، فاشتهر الكفر والشرك في قوم ما، فالظاهر من الفرد هو إظهار المخالفة لما انتشر واشتهر واستفاض من قومه) هذا هو الظاهر المعتبر، فالقاعدة العامة هنا أن دلالة الإسلام بين عموم الكفار هي دلالة المخالفة للقوم، لأن في الحديث : “من تشبه بقوم فهو منهم” ووجه الدلالة: أن المخالف لهم ليس منهم، والموافق لهم منهم “من تشبه بقوم فهو منهم”، إذا كيف نعرف أنه ليس من القوم ؟ إذا أظهر المخالفة لهم في باب الاعتقاد، لذلك الشعائر كانت ليست معتبرة لأنها في حكم الموافقة … لأن الكفار يصلون ويقومون بهذه الشعائر .. البعض منهم وليس الكل، فالشعائر في حكم الموافقة … حيث أن القوم يأتون بالشعائر وقد فارقوا الدين من أبواب أخرى.

     إذا فالمعتبر في الظاهر المعتبر للحكم بالإسلام هو إظهار مخالفة ما عليه القوم من كفر وشرك، والدليل القطعي من كتاب الله عز وجل على أن الظاهر المعتبر في دور  الكفر أو بين عموم قوم مشركين هو إظهار مخالفة ما عليه القوم من كفر وشرك أن القلة المؤمنة من الرسل وأتباعهم بين أقوامهم المخالفين لهم في أصل هذه الدعوة أتوا بهذا الظاهر المعتبر وهو إظهار مخالفة ما عليه القوم.
روي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله: «فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُل» نوح وهود وإبراهيم أمر رسول الله ﷺ أن يصبر كما صبر هؤلاء فكانوا ثلاثة، ورسول الله ﷺ رابعهم، قال نوح: {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ}، قال فأظهر لهم المفارقة، وقال هود حين قالوا: {إِن نَّقُولُ إِلَّا ٱعْتَرَىٰكَ بَعْضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوٓءٍۢ قَالَ إِنِّىٓ أُشْهِدُ ٱللَّهَ وَٱشْهَدُوٓاْ أَنِّى بَرِىٓءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} قال فأظهر لهم المفارقة يعني البراءة من الشرك، وقالَ إِبْرَاهِيمُ: {قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ ‌أُسۡوَةٌ ‌حَسَنَةٞ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَأَظْهَرَ لَهُمُ الْمُفَارَقَةَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌﷺ: {قُلۡ إِنِّي ‌نُهِيتُ ‌أَنۡ ‌أَعۡبُدَ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّه}، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عِنْدَ الْكَعْبَةِ يَقْرَؤُهَا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَأَظْهَرَ لَهُمُ الْمُفَارَقَةَ”.
فالشاهد من هذا الأثر أن من أظهر المخالفة والمفارقة لدين قومه في مثل هذه الديار وبين هؤلاء الأقوام يحكم له بالإسلام، أما من كان مستخفيا بدينه فيجري عليه ما يجري على الكثرة الكافرة لعدم إظهاره الظاهر الذي يتعلق به الحكم في هذه الديار، وهذا الدليل القطعي من كتاب الله عز وجل على أن القلة المسلمة بين الكثرة الكافرة من الرسل وأتباعهم أظهروا مخالفة ما عليه القوم من شرك وكفر ودعوهم إلى التوحيد وإلى إفراد الله عز وجل بالعبودية.

      كذلك الإجماع: يدل على ذلك إجماع الصحابة بعد وفاة النبي ﷺ حين ارتدت العرب وارتدت وكفرت الأرض كما قال أبو بكر، فالصحابة لم يعتبروا الشهادة  “شهادة أن لا إله إلا الله” في مانعي الزكاة، وكذلك في قوم مسيلمة ومن ارتد من العرب، ولم يعتبروا الصلاة والصيام والأذان وغيرها من الشعائر في هذه الدور، ونفس الدليل الذي يستدل به الشعائري الذي يحكم بالشعائر … استدل به أبو بكر على عدم اعتبار الشعائر ” فهو نفس الدليل الذي احتج به: «من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا» استدل به أبو بكر على عدم اعتبار هذه الشعائر في مثل هذه الديار، كما روي عن أنس بن مالك قال: قَال رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَإِذَا شَهِدُوا وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَأَكَلُوا ذَبِيحَتَنَا، وَصَلَّوْا صَلَاتَنَا، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِم»،

أبو بكر استدل إلا بحقها لما احتج عليه عمر بهذا الحديث، “قال والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى النبي ﷺ لقاتلتهم على منعه فقال عمر بن الخطاب: فو الله ماهو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق”، إذا هذا الدليل استدل به أبو بكر على أن الشهادة وكذلك استقبال القبلة وأكل الذبيحة والصلاة غير معتبرة إذا امتنع القوم من حق من حقوق الله تبارك وتعالى لذلك دار الممتنعين ودار المانعين من شعيرة من الشعائر هي دار كفر بإجماع الصحابة، بل دار حرب وهذه الدار لا يحكم لأهلها بالإسلام إلا من خالف ما عليه القوم وأدى حقوق الله تبارك وتعالى، وإن كان أهل الزكاة قد منعوا شعيرة واحدة وهي الزكاة، أما قومنا فقد امتنعوا من الدين كله، وجعلوا القرآن وراءهم ظهريا، وحكموا بأحكام الفلاسفة والزنادقة وأحكام الفرنسيين في دماء الناس وأموالهم وأعراضهم .
    إذا ف”إلا بحقها” فالشعيرة معتبرة بحقها، الآن تقول أنت تحكم بالشعيرة على الاقوام، أين حق الشهادة ؟! مانعي الزكاة امتنعوا من أداء الزكاة وكانوا على التوحيد يعني ما نقضوا التوحيد أما قومنا فقد نقضوا التوحيد وأتوا بما هو أعظم بكثير من منع الزكاة … قومنا حكموا الطواغيت والأرباب والأنداد  وجعلوهم شركاء لله عز وجل في التشريع وأعطوهم حق التشريع وانتخبوا عليهم وجعلوا الشعب يحكم من دون الله تبارك وتعالى، فالأمر في غاية الوضوح وفي غاية البيان لمن شرح الله تبارك وتعالى صدره لهذا الباب.
    بعضهم يقول قومنا أهل قبلة ولا يصح تكفيرهم !! فنقول أهل القبلة الذين تكلم عليهم السلف ليس فيهم طواغيت وأهل القبلة ليس فيهم مشركين، روي عن  وهب بن منبه قال : “سألته -جابرا- هل في المصلين من طواغيت؟ قال: لا، وسألته: هل فيهم من مشرك؟ قال: لا” لأنه إذا ظهر الشرك ارتفعت ارتفع حكم الإسلام، فلا يسمون أهل قبلة ولو صلوا، لذلك الصحابة كفروا مانعي الزكاة، وكان أبو بكر قال حتى تشهدوا لقتلاكم بالنار، لم يقبل منهم إلا السلم المخزي -أن يشهدوا لقتلاهم بالنار- وهؤلاء قد منعوا الزكاة فقط، فكيف بمن منع التحاكم إلى شرع الله تبارك وتعالى؟! كيف لمن أعطى حق الحكم وحق التشريع  للطواغيت، وحارب أهل التوحيد بالسجن والفتنة  والابتلاء، كيف لمن منع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحكم في رقاب الناس أحكام الطواغيت، كيف يقال أن هؤلاء أهل قبلة، أو هؤلاء يصلون ؟! قال سألت جابر “هل في المصلين من طواغت قال لا, وسألته هل فيهم مشرك ؟ قال لا”، فأهل القبلة هم قوم لم يظهر فيهم الكفر، لذلك دار الإسلام لا تقر مرتد على ردته، ودار الإسلام ليس فيها كفر وشرك ظاهر، يستحيل أن يجتمع قوم ثم يدعون قبابا يصرف لها الدعاء والذبح والنذر والطواف ونحوه، أو يجتمع قوم مسلمون في مكان من الأمكنة في الأرض ثم يحكمون طاغوتا يحكم بينهم بشريعة اليهود والنصارى، بشريعة زبالات أفهام هؤلاء !! هؤلاء لا يسمون مسلمين قولاً واحداً، وكيف يجادل عاقل في هؤلاء يسميهم مسلمين ؟! يقول الفرد ينسب إليهم وهؤلاء يصلون !! مانعي الزكاة قالوا نصوم ونصلي ولكن لا نزكي فلم يقبل منهم الصحابة،

واجتمع الصحابة على تكفيرهم وقتالهم وحكى الإجماع غير واحد، حكاه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه الإيمان، فالإسلام إنما عزيز والإسلام إذا علا يعلو بحقه، فيقام الإسلام ولا تجد الكفر والشرك وأوضاع الجاهلية في تلك الديار، الديار في هذا الزمان ليس فيها إسلام، بل فيها حكم الطواغيت، والديار اليوم إنما هي ديار الجاهلية الصرف، وحتى في دور الغرب توجد الشعائر وتسمع الأذان والناس تصلي في المساجد، ما هو الفرق بين باريس وبين مراكش مثلاً أو سوسة …. ليس هناك فرق أبدا إلا في اللهجة فقط، فهذه دار كفر وهذه دار كفر، هذه فيها منتسبين وهذه كذلك فيها منتسبين، هذه فيها المساجد والأخرى فيها مساجد، هذه تحكم بالديمقراطية، وهذه تحكم كذلك بالديمقراطية، بل قد تجد في بعض المناطق من تلك البلدان من الكفر والعهر والفجور والمفاسد أعظم ما تجده في دار الغرب في هذا الزمان وإلى الله المشتكى.
يقول حمد بن عتيق: “وليس المراد بإظهار الدين أن يُترَك الإنسان يصلي ولا يقال له اعبد الأوثان! فإن اليهود والنصارى لا ينهون من صلى في بلدانهم ولا يكرهون الناس على أن يعبدون الأوثان؟! بل المقصود أن إظهار الدين هو: التصريح للكفار بالعداوة كما احتج خالد بن الوليد على مجاعة بأنه سكت ولم يظهر البراءة كما أظهرها ثمامة واليشكري، والقصة معروفة في السير، فما لم يحصل التصريح للمشركين بالبراءة منهم ومن دينهم لم يكن إظهار الدين حاصلاً”، هذا هو إظهار الدين -إظهار البراءة من المشركين، واظهار البراءة من دين المشركين- الآن إنما الظاهر المعتبر هو إظهار البراءة من عموم الناس، وإظهار البراءة من الشرك الذي وقعوا فيه في الحكم والطاعة والاتباع والعبادة، هذا هو الظاهر المعتبر الذي يقبل به إسلام الفرد في مثل هذه الديار.

      والمسألة في غاية الوضوح والبيان ممن شرح الله صدره للإسلام، بهذا يتبين الرد على الشبهة أن الشهادة أو الشعيرة كافية على الحكم بالإسلام، فالظاهر المعتبر في مثل هذه الديار هو إظهار البراءة من أهل الشرك لذلك كانت البراءة من الشرك وأهله من حقيقة الإسلام ، فلا يكون الرجل مسلما حتى يحقق البراءة من الشرك وأهله.
نقف هنا سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى