السلاسل العلميةسلسلة أشراط الساعة

الأشراط الصغرى (٢): الدرس الثالث

الدرس الثالث: الأشراط الصغرى (٢)- الأشراط التي ظهرت ولا تزال تظهر| للشيخ محمد بن سعيد الأندلسي -حفظه الله تعالى-.

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد:

فلا يزال الحديث على الأشراط الصغرى من أشراط الساعة، وقد تكلمنا قبل على الأشراط التي ظهرت وانقضت. وسنذكر هنا بحول الله وقوته العلامات التي ظهرت ولا تزال مستمرة، وقد يتكرر وقوعها، بل قد يكثر وقعها … وقد يقع منه في المستقبل أكثر مما وقع منها في الماضي أو في الحاضر.
ومن أعظم هذه الأشراط على الإطلاق هي الفتن، حيث أن الكثير من الأشراط والعلامات محصلتها وقوع الفتن، ومن أعظم أسباب الفتن هي اتباع سنن أهل الكتاب كما روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “لَا ‌تَقُومُ ‌السَّاعَةُ حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِي مَآخِذَ الْأُمَمَ وَالْقُرُونَ قَبْلَهَا، شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ” قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَمَا فَعَلَتْ فَارِسُ وَالرُّومُ؟ قَالَ: ” وَهَلِ النَّاسُ إِلَّا أُولَئِكَ؟” رواه أحمد بإسناد صحيح.
وقد أطلع الله رسوله عليه الصلاة السلام على كثير من البلايا والفتن التي ستبتلى بها هذه الأمة في قادم الزمان، وأطال النبي ﷺ تحديث الصحابة عن تلك الفتن، وبيان المخرج منها، وبيان سبل الوقاية منها، كما روى مسلم عن عَمْرَو بْنَ أَخْطَبَ، قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ، ‌وَصَعِدَ ‌الْمِنْبَرَ ‌فَخَطَبَنَا ‌حَتَّى ‌حَضَرَتِ ‌الظُّهْرُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ المِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ» فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا”

بعض هذه الفتن فتن صغار، وبعضها فتن شديدة كبار مظلمة، كما روى مسلم عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ أَبا إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيَّ، كَانَ يَقُولُ: قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ: وَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِكُلِّ فِتْنَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ، فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ السَّاعَةِ، وَمَا بِي إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَسَرَّ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، لَمْ يُحَدِّثْهُ غَيْرِي، وَلَكِنْ رَسُولُ اللهِ ﷺ، قَالَ: وَهُوَ يُحَدِّثُ مَجْلِسًا أَنَا فِيهِ عَنِ الْفِتَنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَهُوَ يَعُدُّ الْفِتَنَ: «مِنْهُنَّ ‌ثَلَاثٌ ‌لَا ‌يَكَدْنَ ‌يَذَرْنَ ‌شَيْئًا، وَمِنْهُنَّ فِتَنٌ كَرِيَاحِ الصَّيْفِ مِنْهَا صِغَارٌ وَمِنْهَا كِبَارٌ».
وقد يبلغ ثقل هذه الفتن وشدتها على المسلم أن يتمنى الموت ويرجوه حتى يتخلص من البلاء والفتنة التي هو فيها، روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: «يا ليتني كنت مكانه».
روى الداني في كتابه (السنن الواردة في الفتن): عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عبد الله ابْنَ مَسْعُودٍ، يَقُولُ: إِنَّهُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ لَوْ وَجَدَ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ يُبَاعُ لَاشْتَرَاه.
كذلك روى عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَقَالَ: «إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَمُوتَ فَمُتْ فَوَاللَّهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَكُونُ الْمَوْتُ أَحَبَّ إِلَى أَحَدِهِمْ مِنَ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ».
وروى كذلك عَنْ أَبِي الْجَلْدِ، قَالَ: «يَلِجُ الْبَلَاءُ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ خُصُوصِيَّةً دُونَ النَّاسِ وَأَهْلُ الْأَدْيَانِ حَوْلَهُمْ آمِنُونَ يَرْتَعُونَ, حَتَّى يَتَهَوَّدَ قَوْمٌ وَيَتَنَصَّرَ آخَرُونَ».
وروى الداني: عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا تَقَرُّ فِيهِ عَيْنُ حَكِيمٍ».
«قَالَ حُذَيْفَةُ: “كَيْفَ بِكُمْ إِذَا انْفَرَجْتُمْ عَنْ دِينِكُمْ كَانْفِرَاجِ الْمَرْأَةِ عَنْ قُبُلِهَا، لَا تَمْنَعُ مِنْهُ مَنْ أَتَاهَا؟ قَالَ الْقَوْمُ: مَا نَدْرِي, قَالَ: لَكِنِّي أَدْرِي, أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ بَيْنَ عَاجِزٍ وَفَاجِرٍ, فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: قُبِّحَ الْعَاجِزُ يَوْمَئِذٍ، فَضَرَبَ حُذَيْفَةُ مَنْكِبَهُ وَقَالَ: قُبِّحْتَ أَنْتَ, قُبِّحْتَ أَنْتَ» يعني العاجز أفضل من الفاجر.

وروى الداني في السنن الواردة في الفتن «مُحَمَّدَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارَ، يَذْكُرُ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ بَكَّارٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، يَقُولُ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تَكُونُ الدُّنْيَا أَضْيَقَ عَلَى الْمُؤْمِنِ مِنَ الْخُصِّ النَّصِّ”قَالَ عَلِيُّ بْنُ بَكَّارٍ: تَدْرُونَ أَيُّ شَيْءٍ هَذَا؟ هُوَ الْبَيْتُ الْمُظْلِمُ, يَضِيقُ عَلَى الرَّجُلِ فَيَطْلُبُ لَهُ بَابًا فَلَا يَجِدُ”.

ويبلغ من شدة هذه الفتن أن تُخرج المسلمَ عن دينه، كما في حديث أبي هريرة مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، (لذلك من المنجيات في زمن الفتن هو المبادرة بالأعمال الصالحات والاشتغال عن الفتنة بالعمل الصالح) يصبح المرء مؤمنا، ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع أحدكم دينه بعرض من الدنيا قليل” رواه مسلم.

كذلك من أعظم الأسباب التي توقع في الفتن في آخر الزمان هي قبض العلم وظهور الجهل أو قلة العلم وظهور الجهل، فقبض العلم لا يقابله إِلَّا الجهل الصّرف، وقلة العلم وكثرة الجهل يقابلها غربة الحق بين عموم الجاهليين … ولا يمنع ذلك من وجود طائفةٌ من أهل الحق والعلم؛ على أنّهم يكونوا حينئذ مغمورين بين أهل الجهل.
روي عن أبي موسى وعبد الله بن مسعود – رضي الله عنهما – قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن بين يدي الساعة لأياما ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج، والهرج: القتل». رواه البخاري
روى كذلك ابن أبي شيبة عن الشعبي: أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى يصير العلم جهلا والجهل علمًا»، وهذا الأثر له حكم الرفع ؛ لأنه إخبار عن أمر غيبي، ومثله لا يقال من جهة الرأي، وإنما يقال عن توقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الذي ذكره الشعبي وذكر في حديث عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري ظهر مصداقة في زماننا حيث أن الكثير زهد في علوم الشرع، وأعرضوا عنها، وأقبلوا على مدارس الطواغيت وجامعاتها، فمن أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل.
من الأحاديث التي عليها مدار هذه الأشراط التي وقعت وتزيد هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ ‌وَيَنْقُصُ ‌الْعَمَلُ، ‌وَيُلْقَى ‌الشُّحُّ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ، قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: الْقَتْلُ الْقَتْلُ.» متفق عليه.

كذلك من الأحاديث التي عليها مدار الأشراط هو حديث أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ ‌السَّاعَةِ ‌أَنْ ‌يُرْفَعَ ‌الْعِلْمُ، ‌وَيَثْبُتَ ‌الْجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا». متفق عليه

أما ذهاب العلم، هذا كان من الذين قبلنا ذهاب العلم فيهم بمحوه من القلوب، فالله تعالى إذا أراد أن يذهب العلم في قوم يمحوه من قلوب الناس فيصبح الناس قلوبهم خالية من العلم ثم عصمت هذه الأمة، فذهاب العلم فيها هو بموت علماءها، كما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا».

وقد ذكر جماعة أن ذهاب العلم قد يكون بذهاب العمل به، فيحفظون القرآن ولا ينتفعون به ولايعملون به فيذهب العلم . . . كذلك قد يذنب الرجل ذنبا أو ذنوبا فيذهب بها علمه فيقبض العلم منه فلا ينتفع به أحد أو يمنع من بثه فيذهب لوقته (فزكاة العلم هي بثه ونشره إذا منع من بثه ذهب العلم عنه).

كذلك روي عن أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويكثر الجهل، ويكثر الزنا، ويكثر شرب الخمر، ويقل الرجال، ويكثر النساء، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد” وفي رواية: “يقل العلم، ويظهر الجهل” متفق عليه. والأحاديث الصحيحة في أعلى درجات الصحة هي التي ينبغي أن يبنى عليها هذا البحث وهذا الباب، ثم تكون ما رويت في المعاجم والمصنفات إنما شواهد لهذه الأحاديث، هذا الحديث ذكر فيه زيادة وهي قلة الرجال وكثرة النساء (حتى يكون للخمسين امرأة القيم الواحد) وسبب ذلك جاء مبينا في بعض الأحاديث, وهو بسبب الحروب والملاحم التي تقع في ذلك الزمان، وقد صرنا نلاحظ هذا في هذا الزمان حيث كثرت النساء وقلت الرجال، ولكنها لم تصل إلى ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون لخمسين امرأة القيم الواحد، وإن كان قال بعضهم: “قد كان مثل هذا الذي رواه النبي صلى الله عليه وسلم: «حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد» كان قريبا منه بالأندلس قديما حين ذهبت الأندلس.

كذلك روى الرواية الثانية من عند مسلم من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ويرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يلذن به من قلة الرجال وكثرة النساء».
فيقبلن على الرجل الواحد في قضاء حوائجهن ومصالح أمورهن، كما قال في الحديث الآخر قبله: حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد الذي يسوسهن ويقوم عليهن من بيع وشراء وأخذ وعطاء، وقيل: إن لقلة الرجال وغلبة الشبق على النساء يتبع الرجل الواحد أربعون امرأة كل واحدة تقول أنكحني أنكحني، وإن كام الأول أشبه، ويكون قوله: (يلذن) بمعنى: يستترن ويتحرزن من الملاذ الذي هو السترة لا من اللذة والشهوة.

ومن نتائج هذه الفتن التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم كثرة القتل والهرج: وقد ورد هذا مبينا في الكثير من أحاديث الأشراط كما روي من حديث أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: “يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْهَرْجُ” قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: “الْقَتْلُ” قَالُوا: أَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ؟ قَالَ: “إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَتْلِكُمُ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا” قَالَ: وَمَعَنَا عُقُولُنَا؟ قَالَ: “إنه لتنزع عقول أهل ذلك الزمان” رواه أحمد وابن حبان وإسناده صحيح.كذلك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ ‌لَا ‌يَدْرِي ‌الْقَاتِلُ ‌فِي ‌أَيِّ ‌شَيْءٍ ‌قَتَلَ، وَلَا يَدْرِي الْمَقْتُولُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ» رواه مسلمفكثرة القتل إنما هي جراء الفتن والملاحم التي تقع في ذلك الزمان وهي من علامات وأشراط الساعة التي وقعت ولا تزال تقع وسوف تزيد بقادم الزمان. كذلك من أسباب الفتن الكذب على النبي – صلى الله عليه وسلم –كما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: «يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم؛ فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنوكم» رواه مسلم في مقدمة صحيحه. وكذلك رَوى عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إنَّ في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنا” رواه مسلم في مقدمة صحيحه. شياطين أوثقها سليمان تخرج فتلبس العمائم وتقرأ للناس قرآن لا شك أن في هذا الزمان من شياطين العلم ودعاة الضلالة وعلماء السلاطين الشيء الكثير وهؤلاء هم من أعظم أسباب الفتن في هذا الزمان، حيث أنه قد وسد الأمر إلى غير أهله فجيء بهؤلاء الطواغيت (طواغيت العلم) فجُعلوا دعاة بين الناس يعلمونهم أمر دينهم ويعبدونهم للطواغيت. فهذا الشيء ظهر في هذا الزمان وشاع وصار رؤوس الناس أسافلهم وجهالهم أمراءهم. فملكوا البلاد والحكم في العباد فضلوا وأضلوا. وعبدوا الناس لشياطين الإنس والجن.

ماهو المخرج من هذه الفتن؟ :

النبي ﷺ ذكر الفتن وعلاماتها وحذر منها، وذكر النبي ﷺ المخرج من هذه الفتن كما روي في حديث حذيفة وهو أكثر الصحابة الذين تكلموا في الفتن قَالَ: «تَعَلَّمَ أَصْحَابِي الْخَيْرَ وَتَعَلَّمْتُ الشَّرَّ».عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه …….ومن لم يعرف الخير من الشر يقع فيه.

وفي صحيح البخاري بسنده عن ‌أَبي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ ‌حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ «كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ ‌فَجَاءَنَا ‌اللهُ ‌بِهَذَا ‌الْخَيْرِ ‌فَهَلْ ‌بَعْدَ ‌هَذَا ‌الْخَيْرِ ‌مِنْ ‌شَرٍّ قَالَ: نَعَمْ, قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ: نَعَمْ, وَفِيهِ دَخَنٌ, قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ قَالَ قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ, قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ: نَعَمْ, دُعَاةٌ على أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا, قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ صِفْهُمْ لَنَا فَقَالَ: هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا, قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ, قَالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُم, قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ (هذا فرض صحيح أقره النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الواجب على المسلم في ذلك الزمان) قَالَ: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا (فرق الجاهلية والفرق الكافرة وفرق أهل الضلالة) وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذلك” هذا حديث عظيم جدا حقيقة ينبغي الوقوف عليه, ولعل الله تبارك وتعالى أن ييسر الوقوف عليه في بعض الصوتيات.
وكذلك من المخارج في الفتن ما روي عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن” رواه البخاري.
وفي حديث أبي هريرة عند الحاكم وصححه الذهبي عَنْ نَافِعِ بْنِ سَرْجِسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «‌أَظَلَّتْكُمْ ‌فِتَنٌ، ‌كَقِطَعِ ‌اللَّيْلِ ‌الْمُظْلِمِ، أَنْجَى النَّاسِ مِنْهَا صَاحِبُ شَاهِقَةٍ يَأْكُلُ مِنْ رسل غَنَمِهِ، أَوْ رَجُلٌ مِنْ وَرَاءِ الدُّرُوبِ آخِذٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ يَأْكُلُ مِنْ فَيْءِ سَيْفِهِ».
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر كيف يتصرف في الفتنة قَالَ: “يَا أَبَا ذَرٍّ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضا، يَعْنِي حَتَّى تَغْرَقَ حِجَارَةُ الزَّيْتِ مِنَ الدِّمَاءِ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟” قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: “‌اقْعُدْ ‌فِي ‌بَيْتِكَ، ‌وَأَغْلِقْ ‌عَلَيْكَ ‌بَابَكَ”. (وهذا هو التوجيه) قَالَ: ‌فَإِنْ ‌لَمْ ‌أُتْرَكْ؟ قَالَ: “فَأْتِ مَنْ أَنْتَ مِنْهُمْ، فَكُنْ فِيهِمْ” قَالَ: فَآخُذُ سِلَاحِي؟ قَالَ: “إِذَنْ تُشَارِكَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ، وَلَكِنْ إِنْ خَشِيتَ أَنْ يرُوعَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ، فَأَلْقِ طَرَفَ رِدَائِكَ عَلَى وَجْهِكَ حَتَّى يَبُوءَ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ” طبعا هذا توجيهة هو في قتل المسلمين بعضهم بعضا، فترك القتال حين اقتتال المسلمين هو السنة. أما قتال المسلمين للكفار فهو الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، والجهاد ليس بفتنة بل هو سادس أركان الإسلام. لذلك بعض الناس لا يفرق بين جهاد الكفار والمنافقين وبين القتال الذي هو فتنة (الذي هو قتال بين المسلمين أوبين المشركين بعضهم من بعض) فهذا ليس للمسلم فيه ناقة ولا جمل. والأصل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اقعد في بيتك وأغلق عليك بابك).
كذلك من الأشراط في هذا المقام. الأشراط التي وقعت وتزيد هي الفساد في الأرض. وقطع الأرحام وسوء الجوار. وظهور الفحش والتفحش، كما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ قال: «لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفاحش وقطيعة الرحم وسوء المجاورة». الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده والحاكم وإسناده صحيح. فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بظهور الفساد والفحش والتفاحش. فظهر الفساد في البر والبحر. وترى الفساد في الأرض. كذلك ترى التقاطع وسوء الجوار والتباغض والتنافر، وتغير القلوب فتحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚفهذا لاشك أنه موجود ويزداد ويكثر في قابل الأزمان.

كذلك مما ورد في حديث أبي هريرة: كثرة الزلازل والرجف: كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ: “لا تقوم الساعة حتى يُقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج؛ وهو القتل” رواه البخاري، وابن ماجه. هذا جمع أكثر الأشراط كما سبق معنا: قبض العلم، وكثرة الزلازل، وتقارب الزمان، وظهور الفتن، وكثرة الهرج؛ هنا تكلم عن الزلازل وقد روي في كتب التاريخ زلازل كثيرة جدا منها: ما وقع في أول خلافة المتوكل سنة اثنتين وثلاثين ومئتين وقع زلزلة مَهُولةٌ بدمشق، سقطت منها دور، وهلك تحتها خلق، وامتدت إلى أنطاكية فهدمتها، وإلى الجزيرة فأحرقتها، وإلى الموصل كذلك، فيقال: هلك من أهلها خمسون ألفًا. كذلك في هذا الزمان زلزلة أنطاكية هلك فيه خمسون ألفا أو يزيد وامتد إلى أمصار كثيرة، فالزالزل التي تقع هي من علامات الساعة. كذلك من هذه الأشراط الخسف والقذف، وَالمسخ الذي يقع في آخر الزمان فيعذب اللَّه به أقواما من هَذه الأمّة كما روي عَنْ صُحَارٍ الْعَبْدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُخْسَفَ بِقَبَائِلَ، فَيُقَالُ: “مَنْ بَقِيَ مِنْ بَنِي فُلَانٍ؟”. قَالَ: فَعَرَفْتُ حِينَ قَالَ: “قبَائِلَ” أَنَّهَا الْعَرَبُ، لِأَنَّ العَجَمَ تُنْسَبُ إِلَى قُرَاهَا». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَالبَزَّارُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.كذلك حديث أُمِّ سَلَمَةَ وأصله في الصحيح قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سَيَكُونُ بَعْدِي خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ”. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُخْسَفُ بِالْأَرْضِ وَفِيهَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِذَا أَكْثَرَ أَهْلُهَا الْخَبَثَ». لذلك عند الطبراني في المعجم الكبير بإسناد لا بأس به عن سهل بن سعد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ، إذا ظهرت المعازف والقينات، واستحلت الخمر”. رواه الترمذي عن عمران بن حصين. الخسف يقع ويتكرر ومن الخسوف الكبيرة التي تكون قرب قيام الساعة، الخسف الذي يكون بجيش كامل في بيداء نجد، كما روي في الحديث الذي يرويه أحمد والحميدي عن بقيرة امرأة القعقاع حدرد الأسلمي، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول: “يا هؤلاء، إذا سمعتم بجيش قد خسف به قريباً، فقد أظلت الساعة”.وهذا الجيش الذي يخسف وردت فيه روايات كثيرة جدا، وقد روي عند حُمَيْدُ بْنُ حماد أَنه جيش السفياني أو ما اصطلح عليه بهذا الاسم وسأتي معنا إن شاء الله تعالى. ذكر في حديث أبي هريرة تقارب الزمان وتقارب الزمان روي كذلك عن حُمَيْد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عن حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «‌يَتَقَارَبُ ‌الزَّمَانُ، وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ». وروي في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: «‌لَا ‌تَقُومُ ‌السَّاعَةُ حَتَّى تَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ» (وهذا تفسير لتقارب الزمان الذي روي في الصحيح) رواه أحمد إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين، وقال الهيثمى: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح: «لَا ‌تَقُومُ ‌السَّاعَةُ حَتَّى تَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَالْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَالْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَالسَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ».روى الطحاوي بسنده في مشكل الآثار عن حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سِنَانٍ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَا تَقومُ السَّاعَةُ”, ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ, فقال: هَذَا عَلى التَّشاغل بِاللَّذَّاتِ وَهَذَا تَأْوِيل حسن.. ومعناه أن التشاغل باللذات يخيل إليهم أنها نقصت الساعات والشهور والأيام على ما كانت عليه قبل (كانت فيها بركة ثم نقصت).. وبالخصوص في هذا الزمان الذي غلبت عليه اللذات ويسرت فيه سبلها كما ظهرت الأنترنت.. والجوالات فلا شك أن الناس فيما عاشته قديما وحديثا ترى التغير في الزمان، فالواحد منهم من الممكن أن يجلس الساعات الطوال في لعبة محرمة كالبوبجي أو يجلس أمام مواقع تافهة خليعة كالتيك توك ولا يشعر أبدا بمرور الوقت، فأيامه تمضي لابركة فيها ولا زكاة.

قال بعض المعاصرين ممن تكلم في هذا البحث: الحديث ينطبق على سير المراكب الأرضية في هذه الزمان؛ فإنها تقطع مسافة السنة في شهر فأقل، ومسافة الشهر في جمعة فأقل، ومسافة الجمعة في يوم فأقل، ومسافة اليوم في ساعة فأقل، ومسافة الساعة في مثل احتراق السعفة، وبعضها أسرع من ذلك بكثير، وأعظم من ذلك المراكب الجوية؛ فإنها هي التي قربت البعيد غاية التقريب؛ بحيث صارت مسافة السنة تقطع في يوم وليلة أو أقل من ذلك، وأعظم من ذلك الآلات الكهربائية التي تنقل الأصوات؛ كالإذاعات، والتلفونات الهوائية؛ فإنها قد بهرت العقول في تقريب الأبعاد؛ بحيث كان الذي في أقصى المشرق يخاطب من في أقصى المغرب كما يخاطب الرجل جليسه، وبحيث كان الجالس عند الراديو يسمع كلام من في أقصى المشرق ومن في أقصى المغرب ومن في أقصى الجنوب وهكذا، هذه إن شاء الله تعالى جملة من الأشراط حتى لا نطيل. ولا تزال معنا إن شاء الله تعالى في هذا الباب جملة أخرى نذكرها بإذن الله تبارك وتعالى في مجلس آخر.

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب اليك.

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى