السلاسل العلميةسلسلة تعلموا الإسلام

شرح حقيقة الإسلام: الدرس الأول

سلسلة تعلَّموا الإسلام | لفضيلة الشيخ محمد بن سعيد الأندلسي - حفظه الله تعالى الدرس الأول _ شرح حقيقة الإسلام

• بسم الله الرحمان الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد:        فهذه سلسلة علمية مبسطة في بيان حقيقة التوحيد وماهية الإسلام وطوق النجاة من هذه الجاهلية النكراء … نعرض فيها المسائل التي لا يسع المكلف جهلَها حتى يحقق القدر الذي به نجاته بين يدي ربه يوم القيامة، وهذا من أهم العلوم التي يحرص المكلف على أن يتعلمها ويتلقاها بأدلتها من الكتاب والسنة حتى يكون على بصيرة من أمره في أهم ما يجب عليه اعتقاده من أصول العقائد وحقائق التوحيد وماهية الإسلام.       بداية نقول: ٲن الله تبارك وتعالى لا يقبل منك إلا الإسلام الذي جاء به موكب النور من الأنبياء والمرسلين من لدن نوح عليه السلام إلى سيدنا محمد ﷺ، وهذا الإسلام هو: الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله … فالإسلام الذي جاء به موكب النور مركَّب من هذه الأركان الثلاثة من لم يأت بها لا يسمى مسلما.فمن لم يأت بهذا الإسلام الصحيح فهو من جملة الخاسرين الهالكين، ولو قال أنا مسلم من المسلمين، ونسب نفسه له … فالله تبارك وتعالى لا يقبل الله من العبد إلا الإسلام الصحيح الذي رضيه لعباده دينا كما قال تعالى: «إِنَّ الدِّينَ ‌عِندَ ‌اللَّهِ ‌الۡإِسۡلَٰمُ» [آل عمران: ١٩]، وَقَالَ: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣] وَقَالَ: «وَوَصَّىٰ ‌بِهَا إِبۡرَٰهِـيمُ بَنِيهِ وَيَعۡقُوبُ يَٰبَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُون» [البقرة: ١٣٢]، وقَالَ: «وَمَن يَبۡتَغِ ‌غَيۡرَ ‌الۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ» [آل عمران: ٨٥].فمن لم يأت بهذا الدين فهو من الخاسرين، ومن لم يعرف الإسلام الصحيح ويعمل به فهو من جملة الهالكين .. لذلك الواجب المتحتم عليك هو ٲن تتعلم الدين الصحيح وخاصةً في هذا الزمان الذي اشتدت فيه الغربة، وانحرفت فيه الخليقة أجمعين إلا من رحم الله تعالى، وتغيرت فيه المفاهيم وانتكست فيه الفطر … وحُرّف الدين الصحيح قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾[محمد : ١٩]، روي عن أَبي العَالِيَةِ أنه كان يقول: “تَعَلَّمُوا الإِسْلَامَ” … لذلك حق على كل مكلف أن يتعلم الإسلام بحده الصحيح … الإسلام الذي أنزِل على  محمد عليه الصلاة والسلام، وكان عليه الرعيل الأول من هذه الأمة، وهو الدين العتيق، والأمر الأول … ويكون ذلك بداية بالتصور الصحيح للواقع والبيئة التي بعث فيه النبي ﷺ وحقيقته، وهذه البيئة هي الجاهلية وأوضاعها كما سماها النبي ﷺ كما ورد في حديث حذيفة “إِنَّا كُنَّا ‌فِي ‌جَاهِلِيَّةٍ ‌وَشَرٍّ”، فلا بد أن تعرف الجاهلية، والمقدار الذي دعا محمد ﷺ إلى تحقيقه في هذه البيئة للدخول في الإسلام …، وما هي الصفة التي أتى بها الصحابة حتى كانوا مسلمين، وكذلك أن تعرف موضع الخصومة، ومحل النزاع بين الرسل وأقوامهم المخالفين لهم في أصل الدعوة التي جاء بها الأنبياء، بعد الإجابة على هذه الأسئلة يكون التصور الصحيح للإسلام الذي جاء به الأنبياء والمرسلين … خلافا لدعاة “الإسلام” اليوم وهم دعاة للإسلام المعتدل الذين رضيه الغرب دينا لهذه الأمة المنتكسة، فدعاة الإسلام اليوم يخيطون دينهم على مقاس أقوامهم، والإسلام عندهم هو ما أتى به هذه الأقوام اليوم، فالأقوام اليوم عندهم مسلمون … فكلما أحدث الأقوام شركا أو كفرا أو بدعة أو انحرافا أحدث لهم هؤلاء الدُعاة مخرجا وعُذرا ومسلكا حتى يصححوا دين هذه الجاهلية، حتى ذهب الدين كله، وانسلخ القوم عن ملة إبراهيم كلها، ونشأت الأجيال على دين غير دين الإسلام وهو دين الديمقراطية … فصار الإسلام في هذه الأقوام عبارة عن النطق بالشهادتين ولا يضر بعد ذلك من ترك أعمال الجوارح كلها أو تلبس بالنواقض كلها وهو الدين الذي أحدثه الجهم بن صفوان قديما، وجدده في هذا العصر أحفاده  كالألباني، والمدخلي، والجامي وغيرهم من علماء السلاطين …         قبل أن نشرع في توصيف حقيقة الإسلام لابد ٲن نعرف حقيقة الجاهلية … وهذه المقدمة ضرورية جدا لتصور حقيقة الإسلام … لأن الجاهلية يقابلها الإسلام … كما أن الشرك يقابل التوحيد، كما أن الكفر يقابل الإيمان، فإذا قام الإسلام في أرضٍ ارتفعت الجاهلية منها، والعكس صحيح، إذا قامت الجاهلية في الأرض بأوضاعها ارتفع الإسلام …

إذا فلا يجتمعان في مكان واحد الإسلام والجاهلية كذلك لا يرتفعان، فالأرض إما أن تكون أرض إسلام وإما أن تكون جاهلية فلا تخلو الأرض من الوصفان، فهما لا يجتمعان في مكان واحد ولا يرتفعان كليهما، فالأرض إما أن نقول: أنها أرض جاهلية أو دار جاهلية أو دار إسلام.       فمن أهم الاشياء التي ينبغي عليك أن تعرفها: حقيقة الجاهلية وأوصافها وأوضاعها،  حتى نعرف الإسلام لٲنهما ضدان، وهذا من تفسير الشيء بضده، إذ لا يتم معرفة حقيقة الشيء إلا بتصور حقيقة ضده، لأن الجاهلية والإسلام ضدان لا يجتمعان ولا يرتفعان، فالأرض إما هي أرض إسلام أو أرض جاهلية،ومثله الشرك والتوحيد فإذا أردت أن تعرف ما هو التوحيد لابد أن تعرف ما هو الشرك، فالشرك والتوحيد لا يجتمعان في ذات واحدة، فالمسلم إذا وحد الله تبارك وتعالى تبرأ من الشرك وترك عبادة غير الله تعالى فارتفع منه الشرك فصار موحدا، وإذا وقع في الشرك ارتفع منه التوحيد ونقض هذا التوحيد، فالتوحيد والشرك لا يجتمعان في ذات واحدة، فإما أن يكون الرجل موحدا لله أو مشركا والعياذ بالله.          والدار كذلك إما أن تكون دار إسلام يعلوها الإسلام أو دار كفر تعلوها أحكام الجاهلية … كما قال الإمام مالك: «كانت مكة دار كفر لأن أحكام الجاهلية ظاهرة يومئذ»، وهذا توصيف دقيق من الإمام مالك رحمه الله، فإذا ظهرت أحكام الجاهلية في الدار كانت الدار دار كفر، كذلك قال حُذَيْفَةُ بْنُ اليَمَانِ: «جَاءَ الإِسْلَامُ حِينَ جاءَ فَجاءَ أَمْرٌ لَيْسَ كَأَمْرِ الجَاهليَّة» ، لذلك النبي ﷺ كان يقول: «أَلَا إِنَّ كُلَّ مَأثَرَةٍ كَانَتْ فِي الجَاهِليَّةِ، فَإِنّهَا ‌تَحتَ ‌قَدَمَيَّ اليَوْمَ»، فهدم ٲوضاع الجاهلية وٲقام الإسلام بٲوضاعه، لذلك ينبغي عليك معرفة الجاهلية لتعرف ماهو الإسلام، وتميز بين الإسلام والجاهلية إذا نظرت في الدار وأهلها هل هم في الإسلام أم في الجاهلية؟ وهذا مهم جدا في التصور، قال أحدهم :”عرفت الشَّرّ لَا للشر ولَكِن لتوقيه ومن     لـم يعرف الشَّرّ من النَّاس يَقع فيه”         وبهذا التصور لحقيقة الشيء وضده تتمايز الأمور وتنكشف عندك حقائق الأشياء، فلولا الظلام ما عُرف النور، ولولا الحركة لم تعرف السكون، ولولا الشرّ ما استبان الخير، وكل ضدٍّ يكشف عن ضده، فلذلك لا بد للمسلم أن يعرف التوحيد وأن يعرف الشرك بأفراده حتى يجتنبه، ويأمن من أن يقع في أفراده أو يتلبس بها ويجتنب الشرك، وقد أخبر النبي ﷺ أن الإسلام يعود غريبا كما بدٲ فالٳسلام في آخر الزمان من قلة وضمور واستخفاءٍ كما بدٲ غريبا في أول أمره، كذلك تعود الأرض إلى الجاهلية كما روي عن عبد الله بن عباس في تأويل قوله تعالى: «ولا تبرجن تبرُّج الجَاهِليَّةِ الأولى»، فالله تبارك وتعالى سماها الأولى، ٳذا تكون هناك جاهلية أخرى وهي الجاهلية التي نعيش فيها اليوم في هذا الزمان والتي ذكرها ابن عباس في تفسيره لهذه الآية، كذلك روي عن أنس: «إِنَّهَا سَتَكُونُ مُلُوكٌ ثُمَّ الْجَبَابِرَةُ ثُمَّ الطَّوَاغِيت»، كذلك روي عن أبي هريرة : أن الناس يخرجون من دين الله أفواجا كما دخلوا فيه ٲفواجا، وأخبر النبي ﷺ كذلك: أن هذه الأمة ستعود إلى عبادة الأوثان -كما سيٲتي معنا إن شاء الله تعالى في جاهلية العبادة-، فكل هذه الآثار والأخبار وما روي فيها من أعلام الساعة وأشراطها ما يتحقق المسلم أن الإسلام يرتفع من الأرض وتعود الجاهلية إليها، وينتكس الناس ويعودون إلى عبادة الأوثان والطواغيت أفواجا كما أخبر النبي ﷺ، وإن كانت الجاهلية الأولى أشرف من جاهلية اليوم، فجاهليةُ أمس اتَّبع فيها العرب الآباء والأجداد كما أخبر الله تبارك وتعالى : «ٳنَّا وجَدنا آباءَنا على ٲمَّةٍ وٳنّا على آثارِهِم مُقتَفون»، أما جاهلية اليوم اتَّبعوا فيها الغرب الكافر، والأعداء والأنداد، وطواغيت الغرب كما هو معروف.     ما هي الجاهلية؟ إنك لو نظرت في كتاب الله تعالى لوجدت أن الجاهلية ذكرت في أربعة مواضع في كتاب الله، وهي عناوين الجاهلية أو أوضاع الجاهلية، فهي تكون في العبادة والشعائر، أو في تقاليد الناس وأعرافهم  وأخلاقهم، وولائهم وبرائهم، وتكون في حكمهم وتحاكمهم وحاكميتهم، فٳذا قامت هذه الأوضاع في الأرض فنقول: أن الناس ليسوا في دين الإسلام بل هم في دين الجاهلية.       لذلك من أبرز معالم الجاهلية: اتخاذ الناس الآلهة من دون الله تعالى كما كان في قريش: في كل قرية صنم يعبد من دون الله وتصرف له أنواع العبادات، كذلك في هذا الزمان فقد اتخذ الناس أنواعا من الآلهة في صورة القباب، والقبور، وصروح الشرك، وهذه الآلهة تصرف لها أنواع العبادات كالدعاء، والاستغاثة، والخوف، والتوكل، والسجود والذبح وغيرها، واعتقاد أنها تنفع وتضر، وتقضي الحوائج، وتكشف الكُرَب، وأن لها الشفاعة والزلفى عند الله تعالى، وهذا أخبر به النبي ﷺ : «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ حَوْلَ ذِي الْخَلَصَةِ” “وَذُو الخَلَصَةِ : طَاغِيَةِ دَوْسٍ

الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا فِي الجَاهِلِيَّةِ”، فالناس يعودون إلى عبادة الأصنام والقبور هي أصنام والتي منها قبور الصالحين التي تبنى فوقهم القباب ويدعون وهذا في معنى اتخاذ الأصنام، وهذا أصل من أصول شرك العالم … اتخاذ القبور والمشاهد والأوثان والمعابد في هذا الزمان في عموم البلدان العربية كالبدوي في مصر، والست زينب في سوريا، والجيلاني في العراق، و عبد الرحمن الثعالبي في الجزائر، والحسينيات في جزيرة العرب وغيرها كثير… ، وهذه كلها معالمٌ بارزة وصروحٌ شاهدة على جاهلية العصر وعلى جاهلية الأرض في هذا الزمان، وحال الناس اليوم كما كان عليه العرب قبل بعثة النبي ﷺ … في كل قريةٍ صنم … ولكل قبيلةٍ إله كما قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى}[النجم ٢٠]، كذلك الآن لكل قوم إله يعبد من دون الله ويتقرب له بٲنواع العبادات، فوثنية قريش قبل بعثة النبي ﷺ هي وثنية اليوم سواء بسواء.

       كذلك من أوضاع الجاهلية في الأرض جاهلية الأرباب والحكام الذين يُشَّرِعون النُظُم والقوانين، ويَسنُّون الشرائع والأوضاع، ويحكمون الناس بغير شرع الله، والأصل في هذا قوله تعالى: {ٲفحكمَ الجاهليّةِ يبغون}، عَن السّديّ قَالَ: «الحكم حكمان: حكم الله وَحكم الْجَاهِلِيَّة» ثمَّ تَلا هَذِه الآيَة.
فإذا كان الناس يتحاكمون إلى غير حكم الله وكتابه فهم يتحاكمون إلى الجاهلية، وسمّها ما شئت … اشتراكية أو علمانية أو ليبرالية أو ديمقراطية فهو حكم الجاهلية … قال الله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة(٥٠)]، وعن أَبي عُبَيْدَةَ النَّاجِيّ قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُولُ: «مَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ حُكْمِ اللَّهِ فَحُكْمُ الْجَاهِلِيَّةِ»، وهذا المعلم ظاهر في الأرض، فلما نقول “أوضاع الجاهلية” أي أن الناس وضعت هذه القباب والصروح وشيدت، ودعت الناس لعبادتها، فيذهبون إليها أفواجا، فالبدوي في مصر يدخل له حوالي ثلاثة ملايين في اليوم بين عابد ومتضرع ونحو ذلك …
كذلك في صروح الحكم : تجد صروحا شامخة وتجد الجامعات التي تُدَرِّس القانون، وتُخرِّج القُضَاة، والمحامين، والسياسيين الوضعيين، وهناك برلمانات مشيدة يجتمع فيها هؤلاء الطواغيت للتشريع، وسَن القوانين والنُّظم، ومحاكم شاهقة وضعت للحكم بين الناس بما شرعه الطواغيت، وهذه كلها معالم شاهدة على جاهلية العصر، وإجراء الانتخابات التي تجرى في جميع الديار والمحافظات لتنصيب الحكام ونواب الشعب والطواغيت المشرعين من دون الله، فجاهلية الحكم في هذا الزمان أكثر بروزا مما كان عليه العرب قديما، فهم إذا كانوا يريدون التحاكم ذهبوا إلى الكهان فتحاكموا إليهم، وإذا أردوا أمرا كسياسة الناس أو سن القوانين فيجتمعون في دار الندوة ويسنون بما يتفقون عليه في تلك الدار وهي بمثابة البرلمان في هذا الزمان، فهذا الزمان أكثر بروزا وشهودا مما كان عليه العرب قديما ويتجلى فيه بوضوح حاكمية البشر للبشر، وعبودية العباد للعبيد، فهذا أصل من أصول شرك العالم وهو شرك في العبادة والطاعة والتحليل والتحريم والاتباع والحكم مما سيأتي معنا.
        ففي هذه الجاهلية المعاصرة نجد إلحادا في الحكم … إلحادا في التشريع، فهم لا يؤمنون أن الله هو الحاكم … بل يقولون: الحكم للشعب – من الشعب وإلى الشعب- … لايؤمنون أن الله المشرع والذي تُتلقى منه الأحكام .. بل ينتخبون على هؤلاء المشرعين ويتلقون منهم الأحكام .. فهو إلحاد في هذا الباب، لذلك يسمون السلطة التشريعية والمشرعين … وهذا موجود في إعلامهم، وقنواتهم، وفي دساتيرهم، حتى في المناهج التي يتلقاها الطلاب في المدارس، فيدرسون التربية المدنية والديانة الديمقراطية والانتخابات وغير ذلك … فيتعلمون هذا الكفر المبين منذ نعومه أظفارهم، حتى إذا كبروا وصاروا في سن الرشد يمارسون هذا الكفر عبر الانتخابات ونحو ذلك … وهذا اغتصاب سافر لسلطان الله عز وجل وإعلان فاضح لربوبية البشر.

        كذلك من مظاهر الجاهلية وأوضاعها الظاهرة في هذا الزمان جاهلية الولاء والبراء، فالناس اليوم عندها أسماء وروابط يُعقَدُ عليها الولاء والبراء، وتثور فيها الحَميِّة، وتَتَداعى إليها النُصرَة، والأصل في ذلك قوله تعالى: {ٳذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية} [الفتح ٢٦]، فحمية الجاهلية موجودة في هذا الزمان، فقد أقام الطواغيت للناس آلهة متعددة وهي آلهة معنوية، منها : الوطنية فٳذا سمعوا نشيد الوطن يحصل لهم شيء في القلوب فيقومون خاشعين، قانتين، وكذلك القومية، والبعثية، والشعوبية، والعشائرية، واللغة والعروبة، وأندية كرة القدم وغيرها … جعلت أوثانا في باب الولاء والبراء، فهي لا تعدو أن تكون أصناما غير مجسدة كهبل واللات والعزى ..

بل تكون في القلوب ويُوالَى فيها، يُقَاتَلُ دونها، ويُعادَى عليها قال تعالى: {ما تعبدون من دونه ٳلا ٲسماءً سمَّيتُموها ٲنتم وآبَاؤُكم}[يوسف ٤٠] فتجد أن الولاء والبراء ليس لله تعالى ولا لدينه بل الولاء والبراء لهذه الشعارات والعلائق ، كقولهم في بعض البلدان: الله الملك الوطن(وهذا شعار كفري فيه التثليث ومما يعقد عليه الولاء على زعمهم) .

     كذلك  من أوضاع الجاهلية في هذا الزمان: جاهلية القيم والأخلاق الواقعة في هذا الزمان، فتجد أن الناس قد نشأوا على أعراف وتقاليد وقيم بُنيت على ميزان اللذة والهوى، فالفضيلة عندهم هي ما وافق اللذة، والرذيلة هي ما خالف اللذة وحالهم كما قال تعالى: {ٲرٲيت من اتخذ ٳلهه هواه ٲفٲنتَ تكونُ عليهِ وكيلا} وهذه الجاهلية وصفها الله بقوله تعالى:{ وقَرنَ في بيوتِكُنّ ولا تبَرَّجنَ تبرّجَ الجاهلية الاولى }[الأحزاب ٣٣]، فذكر الله تعالى التبرج كمثال لهذه الجاهلية باعتباره بريد الزنا وهو فساد الأخلاق في هذه المجتمعات فالأخلاق قد انحلت حتى إنهم قد أذنوا بعمل لوط وصار مرخصا في سياسات هذه الدول … فلهم حقوق وتجمعات ومع الوقت سيكون مرخصا في مثل هذه الديار، ولا شك أن هذا انتكاس للفطرة والله المستعان.

      فهذه هي أصول الجاهلية … وأنت ٳذا نظرت في الجاهلية قديما تصل إلى المجتمع الجاهلي الذي بعث فيه النبي ﷺ وتركيبته وهو: مجتمع يصرف العبادة للأصنام، و الأوثان، ولا نكير، ولا تكفير، فالقباب تعبد وتزار، ولا أحد ينكر هذا الشرك بالله تبارك وتعالى، والحكام تصرف لها العبادات كالتحاكم، والناس تنتخب الطواغيت ليشرعوا لها ويحكموها بغير ما حكم الله تعالى … أخلاق فسدت … فصار السفور والزنا ثقافة في هذه المجتمعات كما كان عليه العهد في الجاهلية فتضع العاهرات في الجاهلية والمسافحات بالزنا الرايات الحمر، كذلك في هذه المجتمعات يوجد دور مرخصة للدعارة عند الطواغيت، فتجد أنك لو نظرت بين واقع الناس قبل بعثة النبي ﷺ وبين واقع الناس في هذا الزمن لا تجد فرقا، بل جاهلية اليوم أشد من جاهلية الأمس، إلا هم لم يكن بينهم كتاب يتلى، أما عندنا اليوم فالكتاب موجود وهذا زيادة في ٳقامة الحجة عليهم، فهم رجعوا إلى الجاهلية مع وجود كتاب الله تبارك وتعالى يُقرأُ بين ظهرانيهم، فمن عرف الجاهلية على ضوء الكتاب والسنة ثم نظر إلى واقع الناس اليوم علم يقينا أن الناس اليوم في جاهلية نكراء، وأن الإسلام قد ارتفع من الأرض، وعلم غلَط من قال: أن الأصل في الناس في هذا الزمان الإسلام !! فنقول له: لا إسلام موجود في مثل هذه الديار حتى تقول أن الاسلام يستصحب في الناس في هذه الديار، والدار دار كفر تعلوها أحكام الجاهلية، ولا نحكم للفرد بالاسلام حتى نتيقن ونعلم براءته من هذه الجاهلية وخروجه منها، وتحققه بالٳسلام الغائب من الأرض اليوم، إذا لا إسلام في الأرض، لأن الإسلام لا يجامع الجاهلية، فٳذا وجدت الجاهلية بأوضاعها ارتفع الإسلام من الأرض.

         هذه مقدمة ضرورية مختصرة في بيان حقيقة الجاهلية والبيئة التي بعث فيها النبي ﷺ وأن الجاهلية الأولى قد رجعت في ثوب آخر وفي صورة أخرى وهي جاهلية ثانية نعيشها في هذا الزمان،  فيجب أن نقول للناس أنتم في جاهلية نكراء، أنتم على غير الإسلام، فالإسلام ليس له وجود في الأرض اليوم … لا بد أن تحققوا الاسلام بالخروج أولا من هذه الجاهلية، والبراءة من شرك العبادة والحكم، وبعقد الولاء والبراء لله وحده دون ما سواه، وكذلك بتلقى القيم والأخلاق من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ لا من المفاهيم وما سنّه الغرب في هذا الباب حتى دمروا أخلاق الناس في هذه المجتمعات.
      هذا مدخل في بيان حكم الإسلام، وسيٲتي معنا إن شاء الله تعالى شرح الإسلام شرحا مبسطا مفصلا حتى يعلم كل إنسان حقيقة الإسلام، فيلتزم بهذا الحد ليكون من عباد الله المسلمين.

       • نقف عند هذا سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

يتبع حقيقة الإسلام | ٢ | …📔

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى