الصوتيات والمواعظ

هل كان الإمام البخاري لفظيا ؟

صوتية بعنوان: هل كان الإمام البخاري لفظيا ؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :

تكلم الإمام أحمد في هذه الأصول عن ثلاث فرق من فرق الجهمية، من قال: أن القرآن مخلوق، وتكلم كذلك عن الواقفة، وعن اللفظية، سبق الحديث عن القائلين أن القرآن مخلوق، أما الواقفة: فهم الذين قالوا في هذه المسألة بالتوقف، وقالوا لانقول مخلوق أو غير مخلوق، وهذا القول إنما هو قول باطل، وقد نص أئمة السنة قديما على أن الواقفة هم شر الطوائف وأضلهم، قال الامام أحمد رحمه الله تعالى: “الواقفة: هم الذين يقولون: القرآن كلام الله ولا يقولون غير مخلوق”، ثم قال:  “وهم من شر الأصناف وأخبثها” ، لماذا عدت الواقفة من أخبث أصناف الجهمية؟ نقول: جوابا على ذلك بأن مذهب الجهمية الباطل فيه صريح، ومعلوم لكثير من الناس بخلاف الواقفة فخطرهم على الناس كبير، لأن الباطل في قولهم ليس ظاهرا، بل فيه تلبيس وتدليس، وقد لبسوا فيه بثوب الورع، لذلك يظن الجهال أن مذهب الواقفة وسط عدل بين قول الجهمية وبين قول أهل السنة والجماعة.

  • أما المقصود باللفظية الذين يقولون ألفاظنا بالقرآن مخلوقة، أو: لفظي بالقرآن مخلوق، وقد كان موقف الإمام احمد رحمه الله وغيره من أئمة السنة … لما ظهر قول اللفظية كان موقفهم واضح صريح حيث أنهم ألحقوهم بالجهمية، وجعلوا الجهمية ثلاث طوائف: الأولى من قالت بأن القرآن مخلوق، واللفظية القائلين لفظي بالقرآن مخلوق، والواقفة الذين لا يقولون مخلوق ولا يقولون غير مخلوق.

فلما انتشر بين أهل السنة مقالة الإمام أحمد في اللفظية، نشأ في مقابل اللفظية طائفة فقالوا: لفظنا بالقرآن غير مخلوق وتلاوتنا له غير مخلوقة فبدعهم الإمام أحمد وأمر بهجرهم، فالمنصوص عن الإمام أحمد أن من قال: إن اللفظ بالقرآن والتلاوة مخلوقة فهو جهمي، ومن قال: أنه غير مخلوق فهو مبتدع كما في مسألة أبي طالب المشهورة، لما أنكر عليه الإمام أحمد إنكارا شديدا، فما هو مناط كفر اللفظية؟ سبق معنا مناط كفر الجهمية ككل في مسألة القرآن وهو أنهم قالوا: بأن القرآن مخلوق، وزعموا بأن القرآن مخلوق، وأن صفات الله تبارك وتعالى مخلوقة، ومناط كفر اللفظية أن اللفظ والتلاوة يراد به الملفوظ المتلو، وذلك هو كلام الله تبارك وتعالى، فمن جعل كلام الله تبارك وتعالى الذي أنزله على نبيه مخلوقا فهو جهمي كافر، انتبه رحمك الله، فمناط كفر اللفظية هو في جعلهم أن اللفظ والتلاوة مخلوق، والملفوظ والمتلو إنما هو كلام الله تبارك وتعالى، فمن جعل كلام الله تبارك وتعالى مخلوقا فهو جهمي كافر، قال عبد الله في السنة: ” سمعت أبي يقول: مَنْ قَالَ شَيْءٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَخْلُوقٌ عِلْمُهُ أَوْ كَلَامُهُ فَهُوَ زِنْدِيقٌ كَافِرٌ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُ وَيُجْعَلُ مَالُهُ كَمَالِ الْمُرْتَدِّ وَيُذْهَبُ فِي مَالِ الْمُرْتَدِّ إِلَى مَذْهِبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ”،  قال: “سألت أبي رحمه الله قلت أن قوما يقولون لفظنا بالقرآن مخلوق فقال: هم جهمية وهم أشر ممن يقف، هذا قول جهم وعظم الأمر عنده في هذا. وقال هذا كلام جهم. وسألته عمن قال لفظي بالقرآن مخلوق فقال: قال الله عز وجل:
{وإن أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ}، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “حتى أبلغ كلام ربي”، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ هذِه الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاس” ، وقال كذلك في السنة : “سمعت أبي رحمه الله يقول: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي”، وقال: “سمعت أبي رحمه الله، وسئل عن: اللفظية فقال: هم جهمية وهو قول جهم، ثم قال: لا تجالسوهم، وقال: سمعت أبي رحمه الله يقول: كل من يقصد إلى القرآن بلفظ أو غير ذلك يريد به: مخلوق. فهو جهمي”، وهذا النص نص عزيز عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى، فهذا النص يفهم به المسلم قول أحمد في اللفظية، ومناط تكفير أحمد للفظية، وعليه تحمل كذلك إطلاقات الإمام أحمد في مسألة اللفظية، وفيه بيان أن اللفظي الجهمي هو: الذي يقصد إلى القرآن أنه مخلوق، فقولهم: لفظي بالقرآن مخلوق، إنما هو حيلة إلى القول بخلق القرآن، أو هو وسيلة إلى القول بخلق القرآن، قال أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ لَهُ: “إِنَّ اللَّفْظِيَّةَ إِنَّمَا يَدُورُونَ عَلَى كَلَامِ جَهْمٍ، يَزْعُمُونَ أَنَّ جِبْرِيلَ إِنَّمَا جَاءَ بِشَيْءٍ مَخْلُوقٍ إِلَى مَخْلُوقٍ”، فمدار قول اللفظية على أن كلام الله تبارك وتعالى مخلوق، فكلامهم مقصده هو أن كلام الله تبارك وتعالى مخلوق، فهو حيلة إلى ذلك كما قال أبو مسعود أحمد بن الفرات: “من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، يريد أن يحتال في القرآن بشيء من الأشياء أو بوجه من الوجوه، مما يدعو ذلك إلى أن يقول القرآن مخلوق، فهو جهمي خبيث”، فمن تحايل إلى القرآن بأي لفظ من الألفاظ يريد أنه مخلوق فهو جهمي كافر، طبعا نحن نعتقد ما قاله الإمام أحمد رحمه الله تعالى، ونقف عن التفصيل بين اللفظ، والملفوظ، والتلاوة، والمتلو كما سبق معنا في مقالة الإمام أحمد أن القرآن كلام الله غير مخلوق، على كل جهة وعلى كل وجه وعلى أي حال، فهذا يغنينا إن شاء الله تعالى عن الخوض في التفصيل بين اللفظ، والملفوظ، والتلاوة، والمتلو ولا نتشعب في ذلك، وكما قال الامام محمد بن يحيى الذهلي: “القُرْآنُ كَلَامُ اللـهِ غَيرُ مَخْلُوقٍ مِنْ جَمِيعِ جهَاتِهِ، وَحَيثُ تُصُرِّفَ، فَمَنْ لزِمَ هَذَا اسْتغنَى عَنِ اللَّفْظِ وَعمَّا سِوَاهُ مِنَ الكَلَامِ فِي القُرْآنِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَقَدْ كَفَرَ”.

  ¤ السؤال هنا هل تحايل الإمام البخاري رحمه الله تعالى على القول بأن القرآن مخلوق؟ هل قال الإمام البخاري أن القرآن مخلوق؟ أو قال لفظي بالقرآن مخلوق؟ هل وقع الإمام رحمه الله تعالى في مناط كفر اللفظية؟ أو لم يقع؟ الجواب نتركه للإمام البخاري يجيب عنه، يقول البخاري في صحيحه “باب قول الله تعالى: {وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [ سبأ :٢٣ ]، ولم يقل {ماذا خلق ربكم}” وهذا من أوجه الاستدلال في الصحيح على أن كلام الله تعالى ليس بمخلوق، قال الفِرَبْرِيُّ سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: “القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَنْ قَالَ مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَافِرٌ”، وجاء في شرح السنة: قال محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري: “نظرت في كلام اليهود والنصارى والمجوس، فما رأيت قوما أضل في كفرهم من الجهمية، وإني لأستجهل من لا يكفرهم إلا من لا يعرف كفرهم”، كذلك روى اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة بسنده لأبي صالح خلف بن محمد بن إسماعيل قال: “سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بْن نَصْرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ النَّيْسَابُورِيَّ الْمَعْرُوف بِالْخَفَّافِ بِبُخَارَى يَقُولُ: كُنَّا يَوْمًا عِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ الْقُرَشِيِّ وَمَعَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ, فَجَرَى ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ, فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ زَعَمَ أَنِّي قُلْتُ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ, فَهُوَ كَذَّابٌ, فَإِنَّى لَمْ أَقُلْهُ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ فَقَدْ خَاضَ النَّاسُ فِي هَذَا وَأَكْثَرُوا فِيهِ. فَقَالَ: لَيْسَ إِلَّا مَا أَقُولُ وَأَحْكِي لَكَ عَنْهُ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْخَفَّافُ: فَأَتَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ فَنَاظَرْتُهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَدِيثِ حَتَّى طَابَتْ نَفْسُهُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ هَاهُنَا رَجُلٌ يَحْكِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ. فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عَمْرٍو احْفَظْ مَا أَقُولُ: مَنْ زَعَمَ مِنْ أَهْلِ نَيْسَابُورَ وَقُومَسَ وَالرَّيِ وَهَمَذَانَ وَحُلْوَانَ وَبَغْدَادَ وَالْكُوفَةِ وَالْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ أَنِّي قُلْتُ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ, فَهُوَ كَذَّابٌ, فَإِنَّى لَمْ أَقُلْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ, إِلَّا أَنِّي قُلْتُ: أَفْعَالُ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ” شرح أصول اعتقاد أهل السنة، انتبه في هذا اللفظ فسوف يتكرر معنا في هذه الآثار.
قال: “فإني لم أقل هذه المقالة إلا أني قلت أفعال العباد مخلوقة”، وسوف يأتي معنا ذكر بعض الآثار في محنته في نيسابور أنه قال: أفعال العباد مخلوقة، كذلك روى اللالكائي بسنده إلى أَبي الْعَبَّاسِ الْفَضْل بْن بَسَّامٍ قَالَ: “سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: أَنَا تَوَلَّيْتُ دَفْنَ مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْبُخَارِيِّ لَمَّا مَاتَ بِخَرْتَنْكَ, فَأَرَدْتُ حَمْلَهُ إِلَى سَمَرْقَنْدَ أَنْ أَدْفِنَهُ بِهَا, فَلَمْ يَتْرُكْنِي صَاحِبٌ لَنَا مِنْ أَهْلِ سَكَجْكَث فَدَفَنَّاهُ بِهَا, فَلَمَّا أَنْ فَرَغْنَا وَرَجَعْتُ إِلَى الْمَنْزِلِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ قَالَ لِي صَاحِبُ الْقَصْرِ: سَأَلْتُهُ أَمْسِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ مَا تَقُولُ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَقُولُ لَيْسَ فِي الْمُصْحَفِ قُرْآنٌ وَلَا فِي صُدُورِ النَّاسِ.

  فَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ أَنْ تَشْهَدَ عَلَيَّ بِمَا لَمْ تَسْمَعْهُ مِنِّي, إِنِّي أَقُولُ كَمَا قَالَ اللهُ: {وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور: ٢]، أَقُولُ: فِي الْمَصَاحِفِ قُرْآنٌ , وَفِي صُدُورِ الرِّجَالِ قُرْآنٌ , فَمَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ هَذَا يُسْتَتَابُ , فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا سَبِيلُهُ سَبِيلُ الْكُفْرِ” شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة

كذلك ما نقله صاحب الطبقات بسنده قال: قال محمد بن إسماعيل البخاري: “قلت: لأبي عبد الله أَحْمَد بن حنبل أنا رجل مبتلى قد ابتليت أن لا أقول لك ولكن أقول فإن أنكرت شيئا فردني عنه، القرآن من أوله إلى آخره كلام الله ليس شيء منه مخلوق ومن قَالَ: إنه مخلوق أو شيء منه مخلوق فهو كافر ومن زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق فهو جهمي كافر قَالَ: نعم” أقره الإمام أحمد على معتقده، هذا الذي سبق معنا من أوضح ما يكون في براءة الإمام البخاري من هذا القول الشنيع، وإن كان قد افترى بعض الناس على الإمام البخاري أنه يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، حتى أوحش مابينه وبين الإمام محمد بن يحيى الذهلي شيخه، وكذلك أبي زرعة وأبي حاتم بسبب ما نقل عنه خلاف ما يعتقده الإمام البخاري رحمه الله تعالى، ومن صحيح الآثار فيما وقع للإمام البخاري في محنته في نيسابور مارواه ابن عساكر في تاريخ دمشق بسنده إلى أبي أحمد بن عدي قال: “ذكر لي جماعة من المشايخ أن محمد بن إسماعيل لما ورد نيسابور اجتمع الناس عليه وعقد له المجلس حسده من كان في ذلك الوقت من مشايخ نيسابور لما رأى إقبال الناس إليه واجتماعهم فقال لأصحاب الحديث: إن محمد بن إسماعيل يقول اللفظ بالقرآن مخلوق فامتحنوه به في المجلس، فلما حضر الناس مجلس البخاري قام إليه رجل فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في اللفظ بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق؟ فأعرض عنه البخاري ولم يجبه، فقال الرجل: يا أبا عبد الله وأعاد عليه القول فأعرض عنه ولم يجبه، ثم قال في الثالثة، فالتفت إليه محمد بن إسماعيل قال القرآن كلام الله غير مخلوق، وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة” تاريخ دمشق لابن عساكر، هذه التي قالها الإمام هنا التي سبقت معنا في أثر اللالكائي الذي سقناه قبل قليل، فهي مقالة الإمام أحمد أن القرآن كلام الله غير مخلوق وأفعال العباد مخلوقة، والامتحان بدعة، سبق معنا أنه رحمه الله ساق الإجماع الذي ذكره القطان في أن أفعال العباد مخلوقة، فقال: “القرآن كلام الله غير مخلوق، وأفعال العباد مخلوقة، والامتحان بدعة، فشغب الرجل وشغب الناس وتفرقوا عنه وقعد البخاري في منزله”، هنا في هذه المقالة قال: “القرآن كلام الله غير مخلوق” فتأمل أنه لم يطلق باللفظ لا نفيا ولا إثباتا، إنما تكلم عن القرآن أنه كلام الله تبارك وتعالى، وتكلم عن أفعال العباد أنها مخلوقة، ولا شك أن هذا حق صريح، ولكن الناس الذين كانوا حوله شغبوا، ونقلوا المقالة إلى محمد بن يحيى الذهلي بأنه يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، وكذلك كتب له من بغداد أنه يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، كذلك روى الخطيب في تاريخه بسنده، عن محمد بن خشنام وسمعته يقول: “سئل محمد بن إسماعيل بنيسابور عن اللفظ فقال: حدثني عبيد الله بن سعيد – يعني أبا قدامة- عن يحيى بن سعيد قال: أعمال العباد كلها مخلوقة فمرقوا عليه قال: فقالوا له بعد ذلك: ترجع عن هذا القول حتى يعودوا إليك؟ قال: لا أفعل إلا أن تجيئوا بحجة فيما تقولون أقوى من حجتي. وأعجبني من محمد بن إسماعيل ثباته”. فمقالة الإمام البخاري هي أن أفعال العباد مخلوقة، أما قوله: “لفظي بالقرآن مخلوق” إنما هذا لا يثبت عنه ولم يقله وسبق معنا الروايات التي تفيد إنكار هذا القول من الإمام نفسه، ففي الأخبار التي سبقناها في محنته في نيسابور الخبر الصريح في أن البخاري لم يقل في نيسابور لفظي بالقرآن مخلوق، بل قال: القرآن كلام الله ليس مخلوق وأفعال العباد مخلوقة.
  أما من يكفر الإمام البخاري رحمه الله تعالى ويكفر كذلك الإمام مسلم بهذه الشبهة، ولم يسبق في تكفيره بإمام من أئمة السنة، حتى أن ابن أبي حاتم الرازي قد ترحم عليه في كتابه، فمن يكفر الإمام البخاري والإمام مسلم ولم يسبق إلى ذلك بإمام فهو متهم على السنة، ولا ينقضي العجب ممن يسمي نفسه بالأثري وهو يطعن في أصح كتابين جمعت فيها الآثار الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا ليس مستمسك بالآثار كما يزعم، بل هذا معول من معاول هدم الآثار، فرخ من أفراح منكري السنة النبوية.

🖋 نقف عند هذا سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى