السلاسل العلميةسلسة الهداية في بيان حد الإسلام وحقيقة الإيمان بين التأصيل والتنزيل

الجَاهِلِيَّة : الدَّرْسُ الثَّانِي : الجزء الأول

الْجُزْءُ الأوّل: تَوْصِيفُ أَوْضَاعِ الجَاهِلِيَّةِ (١) .

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِله رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ أما بعد…
• نَشْرَعُ هَاهُنَا فِي تَوْصِيفِ أَوْضَاعِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَنَقُولُ أَنَّ اسْمَ الْجَاهِلِيَّةِ هُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الدِّينِ، وَمِنَ الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْكُفْرِ، وَالْإِيمَانِ، وَالشِّرْكِ وَالتَّوْحِيدِ ،وَالطَّاعَةِ، وَالْمَعْصِيَةِ، وَنَحْوِهَا .. وَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ إِنَّمَا تَفْسِيرُهَا مَوْقُوفٌ عَلَى كِتَابِ رَبِّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَسُنَّة النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ هُوَ مَوْكُول إِلَى الْآرَائِيِّينَ وَأَهْوَائِهِمْ، وَلَا إِلَى الصُّوفِيَّةِ وَوِجْدَانِهِمْ، وَالجَاهِلِيَّةُ لَيْسَتْ هِيَ فَتْرَةٌ مِنَ الزَّمَانِ تَفُوتُ بِفَوَاتِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَلَكِنَّهَا وَضْعٌ مِنَ الْأَوْضَاعِ مَتَى وُجِدَ هَذَا الْوَضْعُ سُمِّيَ بِالْجَاهِلِيَّةِ، كَالشِّرْكِ إِنَّمَا هُوَ وَصْفٌ، فحَيْثُمَا وُجِدَ هَذَا الْوَصْفُ سُمِّيَ مَنِ اتَّصَفَ بِهِ بِالْمُشْرِكِ، والْجَاهِلِيَّةُ قَدْ تَكُونُ فِي أَوَّلِ الزَّمَانِ وَقَدْ تَكُونُ فِي آخِرِهِ، أَوْ حِينَ الْفَتْرَةِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الرُّسُلِ أَوْ بِتَقَادُمِ الْعَهْدِ بَعْدَ مُضِيِّ الرِّسَالَاتِ، وَنَقُولُ أَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ تَكُونُ فِي آخِرِ هَذَا الزَّمَانِ، قَالَ الْمَوْلَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى (٣٣)} الأحزاب، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْن عَبَّاسٍ: “تَكُونُ جَاهِلِيَّةٌ أُخْرَى” تفسيرُ ابن أبي حاتم، فَهَذِهِ جَاهِلِيَّةٌ أَُولَى تَكُونُ بَعْدَهَا جَاهِلِيَّةٌ ثَانِيَةٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، كَمَا هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَبَّاسٍ، وَكَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي مُقَدِّمَةِ غُرْبَةِ الدِّينِ ذِكْرُ الْآثَار فِي انْدِرَاسِ الْإِسْلَامِ وَعَوْدَة النَّاسِ إلَى الْجَاهِلِيَّةِ وَالْكُفْرِ بِالله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، كَذَلِكَ وَرَدَ مِنْ أَثَرِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ قَالَ: “إِنَّهَا سَتَكُونُ مُلُوكٌ ثُمَّ جَبَابِرَة، ثُمَّ الطَّوَاغِيتُ” مُصَنَّفُ ابْن أَبِي شَيْبَةَ، وَثَمَّةَ تَلَازُمٌ بَيْنَ الطَّوَاغِيتِ وَبَيْنَ الْجَاهِلِيَّةِ، حَيْثُ أَنَّ الطَّوَاغِيتَ هُمُ الَّذِينَ يُقِيمُونَ لِلنَّاسِ أَوْضَاعَ الْجَاهِلِيَّةِ، فَتَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَان طَوَاغِيتٌ وَكَذَلِكَ تَكُونُ جَاهِلِيَّةٌ أُخْرَى، وَلَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ الْأُولَى أَشْرَفُ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ الْعَصْرِيَّةِ، لأنّ الجَاهِلِيَّة الْأُولَى اتَّبَعَ فِيهَا الْعَرَبُ الْآبَاءَ وَالْأَجْدَادَ، وأَمَّا فِي هَذِهِ الْجَاهِلِيَّةِ النَّتِنَةِ اتَّبَعَ فِيهَا هَؤُلَاءِ الْحُثَالَاتُ الْأَعْدَاءَ وَالْأَنْدَادَ مِنْ دُونِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَنحن فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ نُحَدِّدُ الْوَضْعَ الْجَاهِلِيَّ الْوَارِدَ فِي الشَّرْع وَصْفُهُ ثُمَّ نَنْظُرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي وَاقِعِنَا الْمُعَاصِرِ بَيْنَ التَّأْصِيلِ وَالتَّنْزِيلِ فَنُحَقِّقُ الْمَنَاطَ بِحَوْلِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى

وَاسْمُ ولفظُ الْجَاهِلِيَّة جَاءَ فِي كِتَابِ رَبِّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَرْبَعة مَوَاضِعَ، وَهَذِهِ الْمَوَاضِع إِنَّمَا تُحَدِّدُ الْمَعَالِمَ الْكُبْرَى لِكُلِّ جَاهِلِيَّةٍ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَفِي السُّنَّةِ وَرَدَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَمُتَعَدِّدَةٍ وَفُرُوعٍ عَدِيدَةٍ لَا تَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ: جَاهِلِيَّةُ الْعِبَادَةِ وَالشَّعَائِرِ، وَكَذَلِكَ الْحَاكِمِيَّةُ وَالشَّرَائِع، وَكَذَلِكَ الْوَلَاء وَالْبَرَاء، ثُمَّ جَاهِلِيَّةُ الْقِيَمِ وَالأخْلَاقِ، وَنَحْنُ سَنُفَصِّلُ بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الْقَوْلَ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الأصُولِ .

¤الجَاهِلِيَّةُ الأولَى هي: جَاهِلِيَّةُ الْعِبَادَةِ وَالشَّعَائِرِ وَهِيَ جَاهِلِيَّةٌ تُقِيمُ لِلنَّاسِ آلِهَةً تُصْرَفُ لَهَا أَنْوَاعُ الْعِبَادَاتِ، وَكَذَلِكَ الْقُرُبَات وَنَحْوِهَا.. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَارُوِيَ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ قَالَ: “كُنْتُ وَأَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ” رَوَاهُ مُسْلِم، وَعِنْدَ الْبَغَوِيّ لَفْظٌ آخر قَالَ عَمْرو: “إِنِّي كُنْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَرَى النَّاسَ عَلَى ضَلَالَةٍ وَلَا أَرَى الْأَدْيَانَ شَيْئًا” شرح السّنّة، وهَذِهِ الزِّيَادَةُ فيها فائدة وَهِيَ التَّلَازُمُ بَيْنَ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْأَدْيَانِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْ أَهْلِهَا، فَلَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنَ الْأَدْيَانِ إِلَّا بِالْبَرَاءَةِ مِنْ أَهْلِهَا، فَهُمَا مُتَلَازِمَانِ، وَمَنْ حَقَّقَ الْبَرَاءَةَ مِنَ الْأَدْيَانِ وَأَسْلَمَ أَهْلَهَا فَبَرَاءَتُهُ لَغْوٌ، كَذَلِكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعرَى} قال قَتَادَة: “كَانَ نَاسٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَعْبُدُونَ هَذَا النَّجْمَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الشِّعْرَى” تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ، وَكَذَلِكَ مِن الآثَارِ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ [الْفُرْقَانِ: ٤٣] قال: “كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْبُدُونَ الْحَجَرَ، فَإِذَا رَأَوْا حَجَرًا أَحْسَنَ مِنْهُ، أَخَذُوهُ وَتَرَكُوا الْأَوَّلَ” كتابُ حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ، هَذِهِ اللَّفْظَةُ أَي: جَاهِلِيَّةُ الْعِبَادَةِ وَالشَّعَائِرِ جَاءَتْ فِي كِتَابِ رَبِّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي مَوْضِعٍ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُم أَنْفُسُهُم يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [آل عِمْرَان ١٥٤]، عَن قتادة والرَّبِيعِ قَالَ: “ظَنُّ أَهْلِ الشِّرْكِ” تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ.

نَقُولُ: أَنَّ الْمُسِيءَ الظَّنّ بِرَبِّهِ قَدْ ظَنَّ بِهِ خِلَافَ كَمَالِهِ الْمُقَدَّسِ، وَظَنَّ بِهِ مَا يُنَاقِضُ أَسْمَاءَه الْحُسْنَى، وَصِفَاته الْعُلَا، وَهَذَا لَا شَكَّ أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلرَّدَى وَالْخُسْرَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ الْخَاسِرِينَ (٢٣)} فَصِّلَت، وَجْهُ مُنَاسَبَةِ هَذِهِ الآيَةِ لجَاهِلِيَّة العِبَادَةِ وَالشَّعَائِرِ، نَقُولُ: بِأَنَّ إِدْخَالَ الْوَسَائِطِ بَيْنَ اللهِ تَعَالَى وَبَيْنَ خَلْقِهِ إِنَّمَا هُوَ تَنَقُّصٌ بِحَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ، ومُنَازَعَةٌ لِله عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأُلُوهِيَّةِ وَسُوءُ ظَنٍ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، هَذِهِ الْجَاهِلِيَّةُ التِي هِيَ جَاهِلِيَّةُ الْعِبَادَةِ وَالشَّعَائِرِ مِنْ أَبْرَزِ مَعَالِمِهَا هُوَ اتِّخَاذُ النَّاسِ الْآلِهَةَ مِنْ دُونِ الله، تُصْرَفُ لَهَا أَنْوَاعُ الْعِبَادَاتِ كَالدُّعَاءِ، وَالِاسْتِغَاثَةِ، وَالْخَوْفِ، وَالتَّوَكُّلِ، وَالسُّجُودِ، وَالذَّبْحِ، وَغَيْرِهَا.. وَاعْتِقَاد أَنَّهَا تَنْفَعُ وَتَضُرُّ، وَتَقْضِي الْحَوَائِجَ، وَتَكْشِفُ الْكُرَبَ، وَأَنَّ لَهَا الزُّلْفَى، وَكَذَلِكَ لها الشَّفَاعَة ابْتَدَاءً وَنَحْو ذَلِكَ مِمَّا يَعْتَقِدُهُ أَهْل الشِّرْكِ وَالْوَثَنِيَّةِ فِي مَعْبُودَاتِهِمْ، هَذَا أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ شِرْكِ الْعَالَم، يَعْنِي: اتِّخَاذ الْقُبُور، وَالْمَشَاهِد، وَالْأَوْثَان، فِي هَذَا الزَّمَانِ ظَاهِرٌ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ التِي نَعِيشُ فِيهَا، فَفِي عُمُومِ الْبُلْدَانِ الْعَرَبِيَّةِ كالْبَدَوِيِّ مَثَلًا فِي مِصْرَ وَالسِّت زَيْنَب فِي سُورِيَا، وَكَذَلِكَ الْجِيلَانِي فِي الْعِرَاق، وَالْحُسَيْنِيَّاتِ الْمُنْتَشِرَةِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَغَيْرهَا كَثِيرٌ .. مِنَ الْقُبُورِ، وَالْقبَابِ، وَالمَشَاهِدِ، وَالْمَزَارَاتِ، وَالتَّمَاثِيلِ التِي اتَّخَذَهَا النَّاسُ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَقَدْ يكُونُ عددها فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ أَكْثر مِنْ عَدَدِ الْمَسَاجِدِ وَالْمُصَلَّيَاتِ، فحالُ النَّاسِ الْيَوْمَ كَحَالِ الْعَرَبِ فِي الجَاهِلِيَّةِ الأولَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ (٢٠)} النَّجْم، لِكُلِّ قَرْيَةٍ صَنَمٌ وَقَبْرٌ وَوَثَنٌ، وَلِكُلِّ قَبِيلَةٍ إِلَهٌ وَمُسْتَغَاثٌ مِنْ دُونِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ وَثَنِيَّةِ الأَمْسِ ووَثَنِيَّةِ الْيَوْم فَهُمَا سَوَاء بِسَوَاءٍ . ¤الْوَضْعُ الثَّانِي: جَاهِلِيَّةُ الحَاكِمِيَّةِ وَالشَّرَائِعِ وَهِي: جَاهِلِيَّةٌ تُقِيمُ لِلنَّاسِ أَرْبَابًا يشَرِّعُون لَهُمُ النُّظُمَ وَالْقَوَانِين، وَكَذَلِكَ يَسُنُّونَ لَهمُ الشَّرَائِعَ وَالْأَوْضَاعَ، وَيَحْكُمُونَهُم بِهَذِهِ الشّرَائِع وَهَذِهِ الْقَوَانِينِ التِي سَنَّها لَهُم الأَربَابُ، فَيَحْكُمُونَهُمْ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ الله، وَالأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠)} الْمَائِدَة.

وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخ عَن السُّدِّيِّ قَالَ: “الْحُكْمُ حُكْمَانِ: حُكْمُ اللهِ، وَحُكْمُ الْجَاهِلِيَّةِ” الدُّرُّ الْمَنْثُور، الحُكْمُ حُكْمَانِ إما أنْ يَكُونَ حُكْمًا لِله فِي أَرْضِهِ فَإِنْ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ اللهِ دَخَلَ فِي أَحْكَامِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَهْوَاءِ الْمَخْلُوقِينَ، قَالَ الحَسَنُ: “مَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ حُكْمِ الله فَحُكم الجَاهِلِيَّةِ” تَفْسِيرُ ابْن كَثِيرٍ، فَكُلُّ مَنْ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ اللهِ فَقَدْ حَكَمَ بِأَحْكَامِ الْجَاهِلِيَّةِ، يَقُولُ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ لِهَذِهِ الِآيَةِ: “{حُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ} يَعْنِي: أَحْكَامَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ… إلى أن قال: “ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُوَبِّخًا لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَبَوْا قبُولَ حُكْمِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَلَهُمْ مِنَ الْيَهُودِ، وَمُسْتَجْهِلًا فِعْلَهُمْ ذَلِكَ مِنْهُمْ: “وَمَنْ هَذَا الذِي هُوَ أَحْسَنُ حُكْمًا أَيُّهَا الْيَهُودُ مِنَ الله تَعَالَى ذِكرُهُ عِنْدَ مَنْ كَانَ يُوقِنُ بِوَحْدَانِيَّةِ الله، وَيُقِرُّ بِرُبُوبِيَّتِهِ؟ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَيُّ حُكْمٍ أَحْسَنُ مِنْ حُكْمِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ أَنَّ لَكُمْ رِبًّا، وَكُنْتُمْ أَهْلَ تَوْحِيدٍ وَإِقْرَارٍ بِهِ؟”، كَلَامُ الطَّبَرِيِّ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ ثَمَّ تَلَازُمٌ بَيْنَ الْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ الله وَبَيْنَ اعْتِقَادِ رُبُوبِيَّته، فَتَلَقِّي الدِّينِ (الذِي هُوَ نِظَامُ الْحُكْمِ وَشَرِيعَتُهُ كَمَا سيأتي مَعَنَا فِي تَعْرِيفِهِ) عَنِ الطَّوَاغِيتِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا فِي هَذَا الزَّمَانِ لَهُوَ ظَاهِرٌ وَبَارِزٌ، وَكَذَلِكَ اتِّبَاعُ هَؤُلَاءِ الْحُثَالَاتِ وَهَؤُلَاءِ الْقُطعانِ لِهَذِهِ الْأَنْظِمَةِ، وَالْمُوَافَقَة لَهَا فِي الظَّاهِرِ، كذلك مِنْ أَبْرَزِ مَعَالِمِ الْجَاهِلِيَّةِ الْمُعَاصِرَةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، يَقُولُ الْإمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ الله تَعَالَى: “كَانَتْ مَكَّةُ دَارَ كُفْرٍ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْجَاهِلِيَّةِ ظَاهِرَةٌ يَوْمَئِذٍ”، هَذَا الْمَعْلَمُ فِي هَذَا الزَّمَانِ يَتَمَثَّلُ فِي إِنْشَاءِ الْجَامِعَاتِ الَّتِي تُدَرِّسُ هَذِهِ الْقَوَانِينَ، وَتُخَرِّجُ الْقُضَاةَ، وَالْمُحَامِينَ، وَالسِّيَاسِيِّينَ الْوَضْعِيِّينَ، وَكَذَلِكَ تَنْصِيب هَذِهِ الْبَرْلَمَانَاتِ، وَمَجَالِسِ الشَّعْبِ التِي هِيَ نُوَّابُ الشَّعْبِ فِي الحُكْمِ وَالتَّشْرِيع، كَذَلِكَ سَنُّ النُّظُمِ وَالْقَوَانِين، وَإِقَامَةِ الْمَحَاكِمِ التِي تَحْكُمُ بِهَذِهِ الْقَوَانِينِ وَالْمَوَادِّ التِي شَرَعَهَا لَهُم الطَّوَاغِيتُ، و إِجْرَاءُ هَذِهِ الانْتِخَابَاتِ فِي إِخْتِيَارِ وَتَنْصِيبِ الْحُكَّامِ، وَنُوَّاب الشَّعْبِ الْمُشْرِكِ.

وَ هَذِهِ الْمَعَالِمُ طَبْعًا أَكْثَرُ بُرُوزًا وَشُهُودًا مِمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ الْأُولَى، فَالْجَاهِلِيَّةُ الْأُولَى كَانَتْ عِنْدَهُمْ دَارُ النَّدْوَةِ تُعْقَدُ فِيهِا الْأَلْوِيَةُ وَكَذَلِكَ كُلُّ الْعُقُودِ، وَيُتَحَاكَمُ فِيهَا إِلَى الْكُهَّانِ وَنَحْو ذَلِكَ، أَمَّا فِي جَاهِلِيَّةِ الْعَصْرِ فَيَتَجَلَّى بِوُضُوحٍ وَجَلَاءٍ لِكُلِّ نَاظِرٍ عَرَفَ الْإِسْلَامَ وَحَدَّهُ يَرَى حَاكِمِيَّةَ الْبَشَرِ لِلْبَشَرِ، وَعُبُودِيَّةَ الْعِبَادِ لِلْعَبِيدِ، وَهَذَا لَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ شِرْكِ الْعَالَمِ، وَهُوَ الشِّرْكُ فِي الطَّاعَةِ وَالْحُكْم كَمَا سَيَأْتِي مَعَنَا بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ فِي هَذِهِ السِّلْسِلَةِ . • الْجَاهِلِيَّةَ الْأُولَى كَانَتْ تزْعُمُ أنّ مَا تَشْرَعُهُ لَهُ أَصْلٌ فِي دِينِ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَمَا ذَكَرَ الله ذَلِك فِي أَوَاخِرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ عَمَّا كَانَتْ تُزَاوِلُهُ العَرَبُ مِنْ تَقَالِيد، وَشَرَائِعَ فِي شَأْنِ الذَّبَائِحِ وَالنُّذُورِ، وَالأَنْعَامِ، وَالثِّمَارِ وَغَيْرِهَا.. فَكَانَتْ تَنْسِبُ هَذَا الشَّرْعَ لِله تَبَارَكَ وَتَعَالَى افْتِرَاءً عليه كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ الله بِهَٰذَا ۚ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى الله كَذِبًا ليُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٤٤)} الأَنْعَام، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: “إِذَا سَرَّكَ أَنْ تَعْلَمَ جَهْلَ الْعَرَبِ فَاقْرَأْ مَا فَوْقَ الثَّلَاثِينَ وَمِائَة مِنْ سُورَة الْأَنْعَام: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ الله افْتِرَاءً عَلَى الله قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ(١٤٠)}” الْأَنْعَامُ، رواه البخاريّ، يَقُولُ ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْلِهِ: {قُلْ لَا أَجِدُفِيمَا أُوحِي إِلَيَّ مُحَرَّمًا} قَالَ: “كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُونَ أَشْيَاءَ وَيُحِلِّونَ أَشْيَاءَ, فَقَالَ: قُلْ لَا أَجِدُ مِمَّا كُنْتُمْ تُحَرِمُونَ وَتَسْتَحِلُّونَ إِلَّا هَذَا: {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْس أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ(١٤٥)}الْأَنْعَامُ”، تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا أَنْزَلَ الله لَكُمْ مِّنْ رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آلله أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ (٥٩)} يُونُس، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ : “نَزَلَتْ إِنْكَارًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِيمَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ وَيُحِلُّونَ مِن الْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ وَالْوَصَائِلِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا لِله مِمَّا ذَرَأَ مِن الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا (١٣٦)} الْأَنْعَام، تَفْسِيرُ ابْن كَثِيرٍ .• مُشْرِكوا قُرَيْشٍ مَا كَانُوا يَجْرؤُونَ عَلَى التَّصْرِيحِ بأَنَّ هَذِهِ الشَّرَائِعَ وَالْأَحْكَام، إِنَّمَا هِيَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ بَلْ كَانُوا يَفْتَرُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ وَينسبونها إِلَى شَرْعِ الله، وَيَقُولُونَ بِأَنَّهَا مِنْ شَرِيعَةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ، كَذَلِكَ الْأَحْبَارُ وَالرُّهْبَانُ كَانُوا يَفْعَلُونَ كَمَا قَالَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِمْ:{فَوَيْلٌ للذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِنْدِ الله لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسبونَ (٧٩)} البقرة.

أَمَّا فِي هَذِهِ الْجَاهِلِيَّة الْمُعَاصِرَةِ فَهُوَ الْإِلْحَادُ فِي الْحَاكِمِيَّةِ وَالتَّشْرِيعِ، فقَوْمُنَا أَلْحَدُوا فِي الْحَاكِمِيَّةِ وَالتَّشْرِيعِ، لِأَنّهُمْ يُسَمّونَ أَنْظِمَتَهُمْ هَذِهِ بِالنّظَامِ الدّيمُقْرَاطِيّ، أَو النّظَام الْجُمْهُورِيّ، وَهَذَا الشِّعَارُ هُو شعَارُهم فِي جَمِيعِ الْمَرَاسِيمِ وَالْوَثَائِقِ وَالدَّوَاوِينِ وَنَحْوِهَا، وَ يُسَمُّونَ مَنْ يُزَاوِلُ التَّشْرِيعَ فِي السُّلْطَةِ التَّشْرِيعِيَّةِ أَنَّهُ الْمُشَرِّعُ، “شَرَّعَ الْمُشَرِّعُ وَنَحْو ذَلِكَ..”, مِمَّا يَتَبَجَّحُونَ بِهِ، وكُلُّ ذَلِكَ جَهَارًا نَهَارًا كَمَا هُوَ فِي إِعْلَامِهِمْ، وَكَذَلِكَ في قَنَوَاتهم الَّتِي تَنْشُرُ الْكُفْرَ بِالله، وَتُعَظِّمُ هَذِهِ الطَّوَاغِيتَ وَتُرسِّخُ دِينَهُمْ فِي تِلْكَ الْعُقُولِ، وَكَذَلِكَ فِي الْمَنَاهِجِ التَّعْلِيمِيَّةِ، وَكَذَلِكَ ما هُوَ مَوْجُودٌ فِي دَسَاتِيرِ هَذِهِ الْبُلْدَانِ، هَذَا لَا شَكَّ أَنَّهُ اغْتِصَابٌ سَافِرٌ لِسُلْطَانِ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، بَلْ هُوَ إِعْلَانٌ فَاضِحٌ لِرُبُوبِيَّةِ هَؤلاء الْبَشَرِ يَقُولُ رَبُّنَا: {أَفَحُكْمُ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ}[الْمَائِدَة ٥٠]، نَقُولُ: نَعَمْ إنَّهُمْ يُرِيدُونَ، لِأَنَّهُمْ يَنْتَخِبُونَ، فَيُنَّصِبُونَ طَاغُوتًا يَحْكُمُ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ الله، ثُمَّ إِذَا لَمْ يُعْجِبْهُمْ هَذَا الطَّاغُوت ثَارُوا فَغَيَّرُوا طَاغُوتًا مَكَان آخَرَ، إِنَّهُمْ غَيْر دِينِ الله يَبْغُونَ، لِأَنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ أَنَّ مَنْ حَكَمَ بِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ إِنَّمَا قَدْ خَرَجَ مِنْ دِينِ الله، قال تعالى: {أَفَحُكْم الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [المائدة ٥٠]، وَقَوْلُهُ: {أَفَغَيْرَ دِينِ الله يبغون} [آل عمران ٨٣]، أَيْ: مَن ابْتَغَى حُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ فِي غَيْرِ دِينِ اللهِ، إِنَّمَا هُوَ فِي دِينِ مَنْ يَحْكُمُ بِشَرِيعَتِهِ وَيَخْضَعُ لسُلْطَانِهِ, أَيْ: فِي دِينِ مُلُوكِ الْأَرْضِ، إِمَّا دِينُ الله وَحُكْمُهُ وَشَرِيعَتُه، أَوْ دِين مُلُوكِ الْأَرْضِ وَأَحْكَامهم وَشَرَائعهم، وَكَذَلِكَ وَرَدَ فِي كِتَابِ رَبِّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَكْثَرِ مُنَاسَبَاتِ التَّشْرِيعِ حِينَمَا يَذْكُرُ الْمَوْلَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَشْرِيعًا، فَيُشِيرُ إِلَى الْمَصْدَرِ الَّذِي يَجْعَلُ لِهَذَا التَّشْرِيعِ سُلْطَانَهُ فِي الْأَرْضِ، أَمَّا حِينَ يَذْكُرُ الْمَوْلَى تَبَارَكَ وَ تَعَالَى الْجَاهِلِيَّةَ وَعُرْفَهَا، وَتَصَوُّرَاتها، وَتَحْلِيلها، وَتَحْريمهَا فَهُوَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ {مَا نَزَّلَ الله بِهَا من سُلْطَانٌ} لِتَجْرِيدِهَا مِن السُّلْطَانِ، وَبَيَانِ عِلَّةِ بُطْلَانِهَا فِي كَوْنِهَا تَصْدُرُ مِنْ ذَلِكَ الْمَصْدَرِ الَّذِي لَا يَمْلِكُ جِهَةَ إِصْدَارِ الشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ .

▪نَقِفُ عِنْدَ هَذَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ .
▪▪يتبع الجزء الثّاني إن شاء الله…..▪▪

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى