إنتهاء عقد الزواجالخلعالفتاوىفتاوى الأسرة

هل لزوجة الأسير أن تخلع زوجها المسلم ثم تتزوج غيره ؟

السؤال: هل لزوجة الأسير أن تخلع زوجها المسلم ثم تتزوج غيره ؟

الجواب: نقول وبالله التوفيق أن الزواج قد سماه الله ميثاقا غليظا كما قال تعالى {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء٢١]، قال قتادة:«والميثاق الغليظ الذي أخذه للنساء على الرجال: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وقد كان في عقد المسلمين عند إنكاحهم: ” الله عليك لتمسكنَّ بمعروف أو لتسرحن بإحسان”، ومعلوم أن العصمة الزوجية هي بيد الزوج وهو من مقتضى القوامة كما في قوله تعالى: {الرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِما أَنفقُوا مِنْ أموالهم فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَات حافظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}[النساء٣٤]، ومن حقوق الزوج الطلاق كما في قوله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا} [الطلاق١]، فالخطاب بالطلاق في القرآن متوجه للزوج دون غيره، فله أن يطلق زوجته بنفسه وله أن يفوضها في تطليق نفسها، وله أن يوكل غيره في التطليق، وكل من التفويض والتوكيل لا يسقط حقه، ولا يمنعه من استعماله متى شاء.
وللمرأة أن تفدي نفسها بالخلع، وهو فراق الزوجة لزوجها بعوض، فيأخذ الزوج ذاك العوض ويُفسخ العقد بينهما على الصحيح، والأصل فيه قول الله تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة ٢٢٩]، ومن السنة ما ورد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّﷺ، فَقَالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلاَ دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الكُفْرَ فِي الإسلام، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِﷺ: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حديقته؟» قَالَت: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقها تَطْلِيقَةً».

ومن شروط الخلع وجود المخالَع: وهو الزّوج، واشترط الفقهاء أن يكون المخالَع ممّن يمتلك التطليق، فقيل: “من جاز طلاقه جاز خلعه”، ومن شروطه العِوض: وهو المال الذي يأخذه الزّوج من الزّوجة مقابل مخالعتها، وضابطه عند الفقهاء أن يكون مهرا، فإنّ ما جاز أن يكون مهرا جاز أن يكون بدلا للخلع.

واختلفوا هل للعوض أن يكون أكثر من المهر أو لا ؟ ومن شروطه الصّيغة: وهي الإيجاب والقبول من كِلا الطّرفيْن، ويجب أن تكون باللفظ، فإن تعذّر اللفظ كانت بالإشارة المُفهمة، وأفضل صورةٍ قالها الفقهاء لصيغة الخلع هي قول الزوج لزوجته: “متى ضمنتِ لي ألف دينارٍ فأنت طالقٌ”، فتقول: “ضمنت لك ألف دينار”، أو أن يقول: “طلّقتكِ بألف دينارٍ”، فتقول: “قبلت”.

فكما ترى أن الخلع هو عبارة عن عقد بين الزوجين فهل يسوغ للمرأة أن تخلع نفسها بنفسها؟! نقول ليس لها ذلك لأن الخلع لا يتم إلا بموافقة الزوجين، فهو عقد بين الطرفين، ومن ذهب من الفقهاء إلى أن للقاضي أن يخلع الزوجة من زوجها في بعض الصور التي يحصل بها الضرر على الزوجة كقطع النفقة أو الوطء وغيرها، فنقول أنَّ هذا إنما يسوغ للقاضي العام الذي له ولاية عامة على الزوجين ويتصور ذلك في دار الإسلام، أي هو لسلطان البلد المسلم الذي يُستعدى إليه في حق كافة الناس، أما القاضي الذي لا ولاية له على الزوج فليس له أن يخلع منه زوجته ويكون حكمه في ذلك باطلا لعدم الولاية عليه، إلا إذا ولاه الزوج فيكون من قبيل التحكيم وهو “عبارة عن تصيير غيره حاكما فيكون الحكم في حق ما بين الخصمين كالقاضي في حق كافة الناس، وفي حق غيرهما بمنزلة الصلح، لأنه إنما صار حَكَمًا بتراضي الخصمين، وتراضيهما عامل في حقهما ولم يعمل في حق غيرهما لأن لهما ولاية على نفسهما لا على غيرهما”، وأما إذا كان الزوج في جماعة لها أمير فله أن ينظر في حال المرأة ويقضي فيها.

لذلك نقول أنَّ من ولت عليها رجلاً ثم قام بخلعها من زوجها المسلم الأسير، فهذا الخلع باطل فاسد لا يقع، لأن هذا الوالي لا ولاية له على الزوج، فلا يصدق عليه أنه خلع ويبقى العقد جاريا مستمرا، ومن فعلت ذلك فخلعها لغو، ومن تزوجت بعد هذا الخلع فزواجها باطل ويجب أن يفرق بينها وبين الرجل الذي عقد عليها لأنها زوجة لذاك الأسير والله المستعان.

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى