السلاسل العلميةسلسة الهداية في بيان حد الإسلام وحقيقة الإيمان بين التأصيل والتنزيل

الانقيادُ للهِ بالطّاعةِ: الدّرسُ السّادسُ: الجزءُ الثّاني

الجزءُ الثّاني: حَدّ شِرْكِ الطَّاعَةِ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ..
▪نَذْكُرُ هَا هُنَا النُّصُوصَ الوَارِدَةَ فِي بَيَانِ حَدِّ شِرْكِ الطَّاعَةِ وَنَقُولُ: أَنَّ الِانْقِيَادَ لِلهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالطَّاعَةِ وَالِاتِّبَاعِ يُنَافِيهِ وَيُضَادُّهُ الِانْقِيَادُ لِلطَّوَاغِيتِ المُشَرِّعِينَ فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، وَكَذَلِكَ إِسْقَاطُ الوَاجِبَاتِ مِمَّا هُوَ مِنْ حُكْمِ الشُّرَكَاءِ المُبَدِّلِينَ، فَطَاعَتُهُمْ فِي ذَلِكَ وَالِانْقِيَاد لَهُمْ ومتابعتهم عَلَى ذَلِكَ هوَ الشِّرْك بِاللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الطَّاعَةِ، وَهَذَا تَدُلُّ عَلَيْهِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ وَآثَارٌ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١)} الأَنْعَام، رُوِيَ عَن عبدِ الله بْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} قَالَ: “الفِسْقُ: المَعْصِيَةُ” رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَعَنْهُ: “وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ فِي أَكْلِ مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، إِنَّكُمْ إِذًا لَمُشْرِكُونَ” رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: “إِنَّ المُشْرِكِينَ قَالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ: كَيْفَ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تَتَّبِعونَ مَرضَاةَ اللهِ، وَمَا ذَبَحَ اللهُ فَلَا تَأْكُلُونَهُ، وَمَا ذَبَحتم أَنْتُمْ أَكَلْتُمُوهُ؟ فَقَالَ تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ} فَأَكَلْتُم المَيْتَةَ {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}”، وَهَكَذَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَغَير وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى، فَقَوْلُهُ: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} أَيْ: الشِّرْكُ هُنَا فِي الطَّاعَةِ وَالِامْتِثَالِ وَالمُتَابَعَةِ عَلَى التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، حَيْثُ عَدَلْتُمْ عَنْ أَمْرِ اللهِ تَعَالَى لَكُمْ وَشَرْعِهِ إِلَى قَوْلِ غَيْرِهِ مِنَ الشُّرَكَاءِ وَالمُشَرِّعِينَ فَقَدَّمْتُمْ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، فَهَذَا هُوَ الشِّرْكُ بِاللهِ تَعَالَى فِي الطَّاعَةِ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ فِي هَذِهِ الآيَةِ ظَاهِرٌ أَنَّ طَاعَةَ المُشَرِّعِينَ في أَكْلِ المَيْتَةِ يَصِيرُ بِهِ المُسْلِمُ (وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا ابْتِدَاءً) مُشْرِكًا بِاللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، مُشْرِكًا بِطَاعَتِهِمْ وَمُتَابَعَتِهِم عَلَى هَذَا التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، وَإِنْ كَانَتِ المَيْتَةُ فِي أَصْلِ أَكْلِهَا وَذَاتِهَا مَعْصِيَة وَحَرَاما، وَلَكِن طَاعَة هَؤُلَاءِ الطَّوَاغِيتِ المُشَرِّعِينَ فِي أَكْلِهَا وَامْتِثَالِ أَمْرِهِمْ وَمُتَابَعَتِهِمْ عَلَى تَشْرِيعِهِمْ يَكُونُ بِهِ المُسْلِمُ مُشْرِكًا بِاللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، كذلك مِن الآيَاتِ قوله:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّنْ دُونِ اللهِ وَالمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١)} التَّوْبَة، وقد وَرَدَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ جُمْلَة مِن الآثَارِ، مِنْهَا مَا رُوِيَ عن حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: “لَمْ يَعْبُدُوهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ أَطَاعُوهُمْ فِي المَعَاصِي” رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ، وَرُوِيَ كَذَلِكَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ الله} أَكَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ؟, قَالَ: “لَا، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ, وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ” تَفْسِيرُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَنَقُولُ أَنَّ هَذَا الأَثَرَ ظَاهِرٌ فِي الِاسْتِحْلَالِ العَمَلِيِّ، وَهُوَ المُتَابَعَةُ فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، فَالشُّرَكَاءُ وَالمُشَرِّعُونَ يُحِلُّونَ وَيُحَرِّمُونَ وَيُشَرِّعُونَ، ثُمَّ عَامَّةُ النَّاسِ أَوْ هَؤُلَاءِ الأتباع أو المَحْكُومينَ يُتَابِعُونَهُمْ عَلَى هَذَا التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، إذن فَهُوَ اسْتِحْلَالٌ عَمَلِيٌّ، وحَتَّى وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الِاسْتِحْلَالِ العَقَدِيِّ، فَنَقُولُ مِثْلُ هَذِهِ الْآثَارِ فِي تَفْسِيرِ كَلَامِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، إِنَّمَا هِيَ تَجْرِي عَلَى ذِكْرِ بَعْضِ أَفْرَادِ الشَّيْءِ وَذَلِكَ لِحَاجَةِ السَّامِعِ، فَيَذْكُر بَعْضَ الأَفْرَادِ التِي تَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ اللَّفْظِ، وَلَيْسَ هُوَ تَخْصِيصٌ لَهَا فَلَا يَكُونُ تَخْصِيص وَتَقْيِيدٌ لِلآيَةِ، لِأَنَّهَا وَرَدَتْ آثَارٌ عَلَى مُطْلَقِ المُتَابَعَة، بَلْ وَرَدَت السُّنَّةُ فِي تَحْدِيدِ أَنَّ الِاتِّبَاعَ هُنَا فِي مُطْلَقِ الْمُتَابَعَةِ (أي امْتِثَالُ أَمْرِ هَؤُلَاءِ الشُّرَكَاءِ) فَيَكُونُ مِنْ بَابِ ذِكْرِ بَعْضِ أَفْرَادِ الشَّيْءِ (تَفْسِيرُ اللَّفْظِ الْعَامِّ بِذِكْرِ بَعْضِ أَفْرَادِهِ)، وَلَيْسَ هو حَصْرٌ له فِي الْمُتَابَعَةِ عَلَى الِاعْتِقَادِ كَمَا هُوَ معْتقد الأَشَاعِرَةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، لِذَلِكَ وَرَدَ عَنْ حُذَيْفَةَ إِطْلَاقُ اللَّفْظِ: “لَمْ يَعْبُدُوهُمْ وَلَكِنْ أَطَاعُوهُمْ فِي مَعَاصِي اللهِ”، بَلْ وَرَدَتْ وَاضِحَةً عِنْدَ بَعْضِ السَّلَفِ فِي أَنَّ الْمُتَابَعَةَ هِيَ مُطْلَقُ المُتَابَعَةِ وَلَيْسَت المُتَابَعَة فِي الِاعْتِقَادِ كَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ: “لَمْ يَأْمُرُوهُمْ أَنْ يَسْجُدُوا لَهُمْ، وَلَكِنْ أَمَرُوهُمْ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، فَسَمَّاهُمُ اللهُ بِذَلِكَ أَرْبَابًا” تَفْسِير الطَّبَرِيِّ، كَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي البُخْتُرِيِّ فِي قَوْلِهِ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ} قَالَ: “انْطَلَقُوا إِلَى حَلَالِ اللهِ فَجَعَلُوهُ حَرَامًا، وَانْطَلَقُوا إِلَى حَرَامِ اللهِ فَجَعَلُوهُ حَلَالًا (هَذَا هُوَ فِعْلُ الشُّرَكَاءِ وَالمُبَدِّلِينَ يَعْنِي: الطَّوَاغِيت)، فَأَطَاعُوهُمْ فِي ذَلِكَ، فَجَعَلَ اللهُ طَاعَتَهُمْ عِبَادَتَهُمْ، وَلَوْ قَالُوا لَهُمُ اعْبُدُونَا لَمْ يَفْعَلُوا” تَفْسِير الطَّبَرِيِّ، كَذَلِكَ قَالَ الحَسَنُ فِي قَوْلِهِ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا} قَالَ: “فِي الطَّاعَةِ” رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ، وَكَذَلِكَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي العَالِيَةِ: “كَيْفَ كَانَت الرُّبُوبِيَّةُ التِي كَانَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: “مَا أَمَرُونَا بِهِ ائْتمرْنَا، وَمَا نَهُونَا عَنْهُ انْتَهَيْنَا لِقَوْلِهِمْ، وَهُمْ يَجِدُونَ فِي كِتَابِ اللهِ مَا أمِرُوا بِهِ وَمَانُهُوا عَنْهُ، فَاسْتَنْصَحُوا الرِّجَالَ، وَنَبَذُوا كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ” رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ، فَهَذِهِ جُمْلَةٌ مِن الآثَارِ الوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الآيَةِ، وَمِن الأَدِلَّةِ عَلَى شِرْكِ الطَّاعَةِ كَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ} “قَالَ ابْن جُرَيْجٍ: {وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ} يَقُولُ: لَا يُطِعْ بَعْضُنَا بَعْضًا فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَيُقَالُ: الرُّبُوبِيَّةُ: أَنْ يُطِيعَ النَّاسُ سَادَتَهُم، وَقَادَتَهمْ فِي غَيْر عِبَادَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُصَلُّوا لَهُمْ” تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ، فَلَيْسَ الشِّرْكُ مَحْصُورا بصَرْفِ العِبَادَةِ التِي هِيَ الصَّلَاةُ، بَل قَالَ: أَنْ يُطِيعَ النَّاسُ سَادَتَهُمْ وَقَادَتَهُمْ فِي غَيْرِ عِبَادَةٍ، فَهَذِهِ الطَّاعَةُ وَتِلْكَ العِبَادَةُ، وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: “وَقَوْلهُ: {وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضا أَرْبَابًا} يَقُولُ: وَلَا يَدِينُ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ بِالطَّاعَةِ فِيمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ مَعَاصِي اللهِ، وَيُعَظّمهُ بِالسُّجُودِ لَهُ، كَمَا يَسْجُدُ لِرَبِّهِ” تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ، يَعْنِي: قَدْ يَكُونُ الشِّرْكُ فِي صَرْفِ الطَّاعَةِ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ وَيَكُونُ فِي التَّعْظِيمِ بِالسُّجُودِ كَمَا يَسْجُدُ لِرَبِّهِ، وَمنها كَذَلِكَ قَوْلُه تَعَالَى: {وَمِن النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلهِ} البقرة، قَالَ السُدِّي: “الأَنْدَادُ مِنَ الرِّجَالِ يُطِيعُونَهُم كَمَا يُطِيعُونَ اللهَ إِذَا أَمَروهُمْ أَطَاعُوهُمْ وَعَصَوا اللهَ ” تفسيرُ الطّبريّ، كَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} رُوي عن ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْه وَسَلّمَ: “{فَلَا تَجْعَلُوا لِلهِ أَنْدَادًا} قَالَ: أكفَاءً مِنَ الرِّجَالِ تُطِيعُونَهُمْ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ” تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ، وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: “فَنَهَاهُمْ اللهُ تَعَالَى أَنْ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ يَعْبُدُوا مَعَهُ غَيْرَهُ، أَوْ يَتَّخِذُوا لَهُ نِدًّا وَعدْلًا فِي الطَّاعَةِ، فَقَالَ: كَمَا لَا شَرِيكَ لِي فِي خَلْقِكُمْ وَفِي رِزْقِكُمْ الذِي أَرْزُقُكُمْ وَملكِي إِيَّاكُمْ، وَنِعَمِي التِي أَنْعَمْتُهَا عَلَيْكُمْ، فَكَذَلِكَ فَأَفْرِدُوا لِي الطَّاعَةَ، وَأَخْلِصُوا لِي العِبَادَةَ، وَلَا تَجْعَلُوا لِي شَرِيكًا وَنِدًّا مِنْ خَلْقِي، فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ كُلَّ نِعْمَةٍ عَلَيْكُمْ فَمِنِّي” تفسير الطّبريِّ، وَمِن الأَدِلَّةِ كَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَعَلَ لِلهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِۦ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا } [الزُّمر (٨)]، قَالَ السُّدِّيُّ: “الأَنْدَادُ مِنَ الرِّجَالِ: يُطِيعُونَهُمْ فِي مَعَاصِي اللهِ” تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ، مِنْهَا كَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ البَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: “{اتَّبِعُوا مَاأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} أَيْ: لَا تَتَّخِذُوا غَيْرَهُ أَوْلِيَاءَ تُطِيعُونَهُمْ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ تَعَالَى” معالمُ التّنزيل، هَذِهِ جُمْلَةُ الآيَاتِ الوَارِدَةِ فِي كِتَابِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي حَدِّ شِرْكِ الطَّاعَةِ، وَهِيَ ظَاهِرَةٌ بَيِّنَةٌ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}، وَكَذَلِكَ فِي اتِّخَاذِ الأَرْبَابِ وَفِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَمُتَابَعَتِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، وَمِن السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرهُمْ…حَدِيث عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “فَقَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَة: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ} قَالَ: فَقُلْتُ(أي عَدِيٌّ): إِنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوهُمْ، فَقَالَ: بَلَى، إِنَّهُمْ حَرّمُوا عَلَيْهِمُ الحَلَالَ، وَأَحَلُّوا لَهُمُ الحَرَامَ فَاتَّبَعُوهُمْ، فَذَلِكَ عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهُمْ” سُنَنُ التّرْمِذِيِّ، وَلَفْظُ المُتَابَعَةِ فِي قَوْلِهِ: “فَاتَّبعُوهُمْ” يَرِد عَلَى المُوَافَقَةِ فِي الظَّاهِرِ دُونَ البَاطِنِ، وَلَيْسَ هُوَ المُتَابَعَةُ عَلَى الِاعْتِقَادِ كَمَا يُفَسِّرُه بِهِ الأَشَاعِرَةُ فَهُمْ جَرَوْا عَلَى تَفْسِيرِ الْمُتَابَعَةِ هُنَا عَلَى الِاعْتِقَادِ، كَمَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الأشْعْرِيّ قَالَ: “إِنَّمَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ بِطَاعَةِ الْمُشْرِكِ مُشْرِكًا: إِذَا أَطَاعَهُ فِي الِاعْتِقَادِ فَإِنْ أَطَاعَهُ فِي الْفِعْلِ وَعَقْدُهُ سَلِيمٌ مُسْتَمِرٌّ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالتَّصْدِيقِ فَهُوَ عَاصٍ فَافْهَمُوهُ” الْعُذْرُ بِالْجَهْلِ، فَفَهِمَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَجَرَوْا عَلَى سَنَدِ الْأَشَاعِرَةِ فِي هَذَا الْبَابِ فَعَطّلُوا جُمْلَةً الشِّرْك بِاللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الطَّاعَةِ، وَهذه دُرَّة وَلَفْتَة جَمِيلَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى وَنُكْتَة بَدِيعَة فَافْهَمْهَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُ، نَقُولُ أَنَّ السَّلَفَ فَسَّرُوا أَوْ فَهِمُوا الْمُتَابَعَةَ بِالْمُوَافَقَةِ عَلَى الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ، دَلَّ عَلَى ذَلِكَ كلام قَتَادَةَ رحمهُ اللهُ تعالى، قَالَ قَتَادَةُ: “أَخَذَ بَنُو الْمُغِيرَةِ عَمَّارًا وَغَطَّوْهُ فِي بِئْرِ مَيْمُون، وَقَالُوا لَهُ: اكْفُرْ بِمُحَمَّدٍ، فَتَابَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَقَلْبُهُ كَارِهٌ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ بِأَنَّ عَمَّارًا كَفَرَ فَقَالَ: كَلَّا، إِنَّ عَمَّارًا مُلِىء إِيمَانًا مِنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ .” تَفْسِيرُ الْبَغَوِيّ. الشّاهدُ منه بِأَنَّ عَمَّارَا أُخِذَ وَأُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ بِاللهِ تَعَالَى، قَالَ قَتَادَةُ: “فَتَابَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ” يَعْنِي: الْمُتَابَعَةُ كَانَتْ فِي هَذَا الْأَثَرِ فِي فِعْلِ عَمَّارٍ فِي الظَّاهِرِ، وَالْمُوَافَقَةُ كَانَتْ فِي الظَّاهِرِ فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْمُتَابَعَةِ قَالَ: “وَقَلْبُهُ كَارِهٌ”، فَالْمُتَابَعَةُ تُطْلَقُ عَلَى الْمُوَافَقَةِ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ فَافْهَمْهُ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ .
■نَقِفُ عِنْدَ هَذَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ .

يتبع الجزء الثّالث إن شاء الله …🖋

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى