الفتاوىعقد الزواجفتاوى الأسرة

ما حكم الزواج الإلكتروني؟

السؤال: ما حكم الزواج الإلكتروني؟

الجواب : لقد تجددت في هذا الزمان بعض العقود التي لم تقع في سالف الأزمان ولم يذكرها الفقهاء في كتبهم ومؤلفاتهم، وهي مما أفرزتها الطفرة التكنولوجية في مجال التواصل ومواقعه التي جعلت الأرض كقرية واحدة متقاربة الأطراف، فقربت المسافات وأزالت الحواجز والعقبات فصار الناس في هذه المواقع يشاركون تفاصيل حياتهم مع من يريدون ولو كانوا يبعدون عنهم بمئات آلاف الأميال … وظهر في الآونة الأخيرة ما يسمى بالزواج الإلكتروني، وهو عقد يوضع لغرض التواصل “المشروع” بين الطرفين، ويبرر ما يقع بينهما من خلوة وانكشاف وأمور تباح للزوجين … والغاية من هذا الزواج هي إضفاء الشرعية على هذه العلاقة المؤقتة التي تدوم أياما من المتعة الموهومة، ويقع في الغالب الأعم هذا الزواج بين طرفين يتعذر عليهما الاجتماع في مكان واحد أو تحت سقف واحد إما لبعد المكان أو لتعذر الزواج لأسباب مادية أو معنوية، لذلك سمي بالزواج الالكتروني لأنه واقع في هذه المواقع الالكترونية وليس في الواقع، كأن تكون الأخت في المخيم ويكون هو خارجها ويتعذر عليه إخراجها، أو غير ذلك من الصور التي يتعذر فيها الاجتماع، فما حكم هذه العقود وهل يترتب عليها أثارها؟

بداية نقول أنَّ العبرة بالعقود هو المقاصد والحقائق والمعاني وليس الألفاظ والمباني فإنَّ المعتبر في العقود عموما هي المقاصد والحقائق، فالعبرة بما أُضمر لا بما أُظهر كما هو متقرر عند الفقهاء، فقد حرَّم الشرع عقودًا من البيع ظاهرها الصحة وألفاظها سليمة، وذلك لأنَّها قد أخفت في باطنها ما أفسدها وجعلها باطلة، ومن أمثلة ذلك: بيع العينة وهو نوع من الحيل المذمومة التي يتحايل بها المرء على التعامل بالرِّبا الذي حرَّمه الله عزَّ وجل، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» رواه أبو داود في سننه، وقال ابْن عَبَّاسٍ عن العينة: «دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ، وَبَيْنَهُمَا جَرِيرَةٌ» رواه بن أبي شيبة.

والمتقرر عند الفقهاء “عِنْدَ حُصُول العَقْدِ لاَ يُنْظَرُ لِلأْلْفَاظِ التِي يَسْتَعْمِلُهَا العَاقِدَانِ حِينَ العَقْدِ، بَل إِنَّمَا يُنْظَرُ إِلَى مَقَاصِدِهِمُ الحَقِيقِيَّةِ مِنَ الكَلاَمِ الذِي يُلْفَظُ بِهِ حِينَ العَقْدِ، لأنَّ المَقْصُودَ الحَقِيقِيَّ هو المَعْنَى وَلَيْسَ اللفْظُ وَلا الصِّيغَةُ المُسْتَعْمَلَةُ، وَمَا الأْلفَاظُ إِلاَّ قَوَالِبُ لِلمَعَانِي”درر الحكام شرح مجلة الأحكام، وكذلك من يسمي الرشوة بالهدية والخمر بالشراب الروحي لا يغير من حقيقة الرشوة في أنها سحتاً وأن الخمر هي أم الخبائث.

قال ابن القيم: “المَقْصُودُ أَنَّ المُتَعَاقِدَيْنِ وَإِنْ أَظْهَرَا خِلاَفَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فِي البَاطِنِ فَالْعِبْرَةُ لِمَا أَضْمَرَاهُ وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ وَقَصَدَاهُ بِالْعَقْدِ” إعلام الموقعين.
وَيَقُول: “إِنَّ القَصْدَ رُوحُ العَقْدِ وَمُصَحِّحُهُ وَمُبْطِلُهُ، فَاعْتِبَارُ الْمَقْصُودِ فِي العُقُودِ أَوْلَى مِنِ اعْتِبَارِ الأْلْفَاظِ، فَإِنَّ الأْلْفَاظَ مَقْصُودَةٌ لِغَيْرِهَا، وَمَقَاصِدُ العُقُودِ هِيَ التِي تُرَادُ لأِجْلِهَا، فَعُلِمَ أَنَّ الاِعْتِبَارَ فِي العُقُودِ وَالأْفْعَال بِحَقَائِقِهَا وَمَقَاصِدِهَا دُونَ ظَوَاهِرِ أَلْفَاظِهَا وَأَفْعَالِهَا”.

وسبق معنا في هذه السلسلة أنَّ العقود التي تقام على النت إذا استجمعت الشروط والأركان من وجود ولي المرأة أو من ينوب عنه مع شاهدي عدل، وصيغة دالة على العقد وكانت في مجلس واحد فهي صحيحة نافذة ويترتب عليها أحكامها، ولكن قد تكون ثم أمور في باطن العقد تستدعي بطلانه لأن العبرة في العقود هي الحقائق والمعاني كما سبق بيانه، والزواج الالكتروني السابق توصيفه لا يشتمل على مقاصد الزواج من تحصين الفرج وابتغاء الولد والاستمرار والديمومة في هذه العلاقة، وهو زواج مؤقت والتوقيت في هذا العقد مُبطَّن، حيث يبطن الطرفان أو أحدهما أن هذا الارتباط هو لفترة قصيرة يتمتعا فيها بالكلام والنظر ثم يحدث طلاقا، والعقد المؤقت هو في معنى المتعة، والمتعة محرمة بالإجماع، والزواج الصحيح أن يتزوج بنية بقاء الزوجية والاستمرار فيها، فإن نوى المتعة المؤقتة بهذا الزواج الالكتروني كما هو الواقع فنكاحه باطل وعقده فاسد لأن المنوي كالمشروط لقول النبي ﷺ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى»، ولأن المحلل لو تزوج امرأة ــ طلقها زوجها ثلاثا ــ ليحللها لزوجها السابق كان عقده فاسداً، وإن كان ذلك بغير شرط ملفوظ به لأن المنوي كالمشروط، فإن كانت نية التحليل تفسد العقد فكذلك نية المتعة المؤقتة فهي تفسده، فتكون علاقته وكلامه ونظره وأفعاله كلها محرمة.

سراج الطريق

نحن نزاعٌ من القبائل حققوا البراءة من هذه الجاهلية النكراء … نحن الغرباء الذين تقلدوا لواء الإصلاح … بقايا الحنفاء من يُصلحون إذا فسد الناس … نحن القلة المستضعفة … القلة التي تفر بدينها … القلة السالكة المستوحشة … الحاملون لجراح أمتهم … سراج الظلم في تيه الجاهلية … الأمل في عود الضياء … عِصابة المسلمين وعصارة الموحدين في زمن أقفر ما بين لبنتيها من المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى